إلغاء حفل "مشروع ليلى" في لبنان منعاً لإراقة الدماء

مشروع ليلى

إلغاء حفل "مشروع ليلى" في لبنان منعاً لإراقة الدماء


31/07/2019

"منعاً لإراقة الدماء، وحفاظاً على الأمن والاستقرار"، جرى إلغاء حفلة لـ "مشروع ليلى". بعد أن انقسم اللبنانيون حولها وبلغ التهديد والتحريض أوجهما. وقالت لجنة مهرجانات بيبلوس في لبنان، أمس الثلاثاء، إنّها أجبرت على وقف الحفلة بعد الجدل الذي أثارته مشاركة الفرقة بالمهرجان بسبب اعتراضات للكنيسة المارونية.
وأوضحت اللجنة في بيان: "في خطوة غير مسبوقة، ونتيجة التطورات المتتالية، أجبرت اللجنة على إيقاف حفلة مشروع ليلى مساء الجمعة 9 أغسطس 2019، منعاً لإراقة الدماء وحفاظاً على الأمن والاستقرار، خلافاً لممارسات البعض. نأسف لما حصل، ونعتذر من الجمهور".

اقرأ أيضاً: هذا ما تفعله الموسيقى الحزينة بمرضى الاكتئاب
وكان رواد على مواقع التواصل الاجتماعي هددوا باستخدام العنف لمنع مشاركة الفرقة في الحفل، الأمر الذي استدعى ردوداً غاضبة من قبل نشطاء مدافعين عن حرية الرأي.

 رواد على مواقع التواصل الاجتماعي هددوا باستخدام العنف لمنع مشاركة الفرقة في الحفل
وشهد الثاني والعشرون من الشهر الجاري؛ بياناً صادراً عن المكتب الإعلامي لمطرانية جبيل المارونية في لبنان، بخصوص الحفل الذي كان مقرراً إقامته ضمن مهرجانات بيبلوس الدولية، في التاسع من آب (أغسطس) المقبل، وجاء فيه: "بعد الاطلاع على أهداف فرقة "مشروع ليلى"، ومضمون الأغاني التي تؤديها، والتي تمسّ بغالبيتها القِيَم الدينيّة والإنسانيّة، وتتعرّض للمقدّسات المسيحيّة، تشجب مطرانيّة جبيل المارونيّة، شجباً قاطعاً، إقامة الحفل المقرّر في 9 آب (أغسطس) 2019، في مهرجانات بيبلوس الدوليّة؛ فجبيل مدينة التعايش والثقافة لا يليق بها استقبال حفلات مماثلة على أرضها، خصوصاً أنّها تتعارض بشكل مباشر مع الإيمان المسيحي، والخلقيّات الدينية والإنسانيّة.

منظمة العفو الدولية دعت إلى مساءلة الذين يتبين أنهم يقومون بالتحريض على الكراهية والعنف ضدّ مشروع فرقة ليلى

وأضاف البيان: "وتطالب باسمها، وباسم كلّ من راجعها من الجبيليين، وغيرهم بكافة مشاربهم، المرجعيّات المختصّة، وكلّ الفعاليّات الجبيليّة، وتحديداً لجنة مهرجانات بيبلوس-جبيل السياحيّة، إيقاف عرض "مشروع ليلى" على أرض القداسة والحضارة والتاريخ، وتترك للمركز الكاثوليكي للإعلام القيام بالمقتضى".
ولم يتأخر المركز الكاثوليكي للإعلام، بالتعبير عن موقفه اتجاه فرقة "مشروع ليلى"؛ إذ صرّح رئيسه، عبدو أبو كسم، عبر إذاعة "صوت لبنان" بأنّ "المركز، ومنذ حوالي عشرة أيام، كان منكباً على دراسة ملف فرقة "مشروع ليلى" الذي يهين المقدسات في بعض أغانيه ويشكّل إساءة وخطراً على المجتمع"، وأضاف أنّه "سيكون لنا موقف حازم، ككنيسة، وإذا لزم الأمر سنلجأ إلى القانون، فلا يجوز تحت ستار الحريات أن نهين الديانات".
أثار البيان أعلاه، موجة انتقاد واسعة في لبنان وخارجه؛ إذ كتب الكاتب والروائي اللبناني، إلياس خوري، على حسابه الخاص على الفيسبوك، منشوراً بعنوان "مشروع ليلى ومحاكم التفتيش"، قال فيه: إنّ "الحملة التحريضية التي تتعرض لها حفلة مشروع ليلى المقررة في جبيل، تذكرنا بمحاكم التفتيش، المركز الكاثوليكي للإعلام، الذي تحوّل إلى جهاز للرقابة على الثقافة، يقود حملة إعادة الثقافة اللبنانية إلى القرون الوسطى، ورأى أنّ هذه الحملة بمثابة "اعتداء سافر على حرية التعبير، وإذكاء للمناخ الطائفي الذي يلتهم كلّ شيء في لبنان".

اقرأ أيضاً: فنان بريطاني يحارب التغير المناخي بالموسيقى
وأضاف خوري: "هل تعتقدون أنّ تزامن الحملة العنصرية ضدّ اللاجئين السوريين والفلسطينيين، مع هذه الحملة على الفنّ، هو مجرد مصادفة؟ العنصرية شكل من أشكال الطائفية، والعنصريون يكرهون حرية التعبير بمقدار كراهيتهم للفقراء".
ورغم أنّ حملة منع حفلة مشروع ليلى، مرتبطة ببعض الأغاني، التي رآها البعض مسيئة للديانة المسيحية، مثل أغاني: "باسم الأب والابن"، و"أصنام"، و"الجنّ"، إلا أنّ الحملة ركّزت هجومها على حامد سنو، أبرز عضو في الفرقة؛ إذ إنّ الأخير كان قد نشر، منذ أسبوع تقريباً، على حسابه الخاص في الفيسبوك، مقالاً مرفقاً بصورة للسيدة مريم العذراء، لكن تمّ استبدال وجه السيدة مريم، بوجه المغنية الشهيرة مادونا، هذا عدا الهجوم الشرس على شخصه؛ لأنّه "مثليّ الجنس".

 حامد سنو مغني الفرقة
وتستضيف مهرجانات بيبلوس الدولية، هذا العام فرقة (Queen Symphonic) الشهيرة، تكريماً للفرقة، وللعضو الأبرز فريدي ميركري (1946- 1991)، والذي كان قد أعلن بشكل صريح "مثليّته" فيما سبق.
الحملة ضدّ الفرقة، لم تتوقف عند هذا الحدّ، فقد تم رفع دعوى قضائية ضدّ الفرقة، من قبل شخص يدعى فيليب سيف، للنيابة العامة، تتهم أعضاءها بـ "ازدراء الأديان"، إلا أنّه بعد التحقيق، تم إخلاء سبيل أعضاء الفرقة.
وكانت فرقة "مشروع ليلى" قد نشرت بياناً على صفحتها الرسمية في الفيسبوك، قالت فيه: "بمناسبة مرور عشرة أعوام على انطلاق مشروع ليلى دعت مهرجانات بيبلوس الدولية الفرقة إلى تقديم حفلة ليلة ٩ آب، وسرعان ما فوجئنا بحملة مفبركة، أقلّ ما يقال عنها إنّها "تضرب حرية التعبير وتلامس محظور التكفير، دون أن تمتّ إلى الحقيقة بصِلة".

إلياس خوري: الحملة ضد الفرقة اعتداء سافر على حرية التعبير وإذكاء للمناخ الطائفي الذي يلتهم كلّ شيء في لبنان

وقامت فرقة مشروع ليلى مؤخراً بجولة عالمية تخللها إلقاء محاضرات في أبرز جامعات العالم، "وكم أسعدها أن تُدعى إلى الغناء في وطنها الأم لتستذكر مع جمهورها أغنيات أحبها منذ أعوام؛ لذا من المستغرب أن تثار موجة من الاعتراضات على أغنية من هذه الأغنيات الآن، مع العلم أنّها لا تسيء إلى أحد بشيء، ولا تنتقص أيّاً من القيم والأديان التي يُؤْمِن بها كلّ إنسان قويم، وسبق أن أدّتها الفرقة في مهرجانات سابقة عالمية وفي لبنان، مثل: بعلبك، وبيبلوس، وعمشيت، وإهدن، وغيرها".

وأعربت الفرقة عن أسفها "أن يصار إلى تحريف كلام بعض أغنياتنا، وفهمه بطريقة خاطئة بعيدة عن مضمونه، الذي إذا لم نأخذه كمضمون كلّي؛ بمعنى أنّ النظر إلى جملة من هنا، وكلمة من هناك، في شكل مجتزأ يؤدي إلى تشويه المضمون الحقيقي، وهذا ما حصل".

اقرأ أيضاً: مهرجان مكناس لآلة القانون يعيد للموسيقى مجدها العريق
وقالت الفرقة: "نحن أربعة شبان لبنانيين من أديان مختلفة، جمعنا حبنا للموسيقى، ودراسة الهندسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، هدفنا الارتقاء بالفنّ وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية، ورفع اسم لبنان في العالم، لا أكثر ولا أقل، دون الدخول في مهاترات ومزايدات، بعيدة كلّ البعد عن رسالتنا الأساسية، مع التأكيد على احترامنا للأديان ورموزها كافة".
بعض رجال الدين المسيحيين، كان لديهم موقف مغاير اتجاه فرقة "مشروع ليلى"، ورفضوا فكرة منع الحفل، ومن هؤلاء؛ الخوري اللبناني نسيم قسطون، الذي كتب على صفحته الرسمية في الفيسبوك: " كتار بيعرفو هالفرقة وبيعرفو عن أفكارها.. وبيعرفو إنها بتنادي بإشيا بتتناقض مع الفكر الديني... بس كتار عم يطالبو بتوقيف العرض لهالأسباب. بغض النظر عن أفكارهم بهالفرقة لازم نسأل حالنا سؤال: هل يا ترى بعدنا مقتنعين انو توقيف العروض بيحلّ المشكلة؟ ليش بيوتنا وعيوننا مش مشرّعة على أكتر من خلال التلفزيون وخصوصي من خلال الانترنت وأكيد وسايل التواصل؟ فينا نمنع شب أو صبية يحضرو حفلة بالمباشر بس قادرين نلحق كل شب وصبية على الخليوي أو الكومبيوتر؟ وإذا خايفين من أفكارهم... يا ترى عم نحكي نحنا ونتناقش بهالأفكار مع ولادنا وعيلنا حتى هني لوحدهم يكونوا قناعات؟".

اقرأ أيضاً: مشايخ في سماء الطرب والموسيقى
وأضاف: "ببلد نص شبابو مهاجر... فيك تمنعو هون يحضر شي بس قادر بكرا بس يسافر تمنعو أو تلحقو عالدعسة؟ ولا مرّة كان الحلّ بالقمع... الحلّ الحقيقي بيبلّش وقتا بيكون النا جلادي نتناقش ونبحث بأفكار ولادنا لنوصل لقناعة بالقلب ومش بس بالشكل وبالظاهر، ايمتا بدنا نبطّل نخاف نفكّر ونحاور... أو ما عنا يا ترى وقت؟!".
وبتاريخ 24 تموز (يوليو)؛ أعلن منظمو مهرجانات بيبلوس الدولية التوصل إلى تسوية مع الكنيسة المارونية، تقضي بإقامة حفلة فرقة "مشروع ليلى" في موعدها، في 9 آب (أغسطس)، على أن تعتذر الفرقة ممن تكون قد "أساءت إلى مشاعرهم الدينية".
ونشر موقع "فرانس 24" تصريحاً للمدير الفني للمهرجان، ناجي باز، عقب اجتماع بين اللجنة المنظمة للمهرجانات والمطران ميشال عون، راعي أبرشية جبيل المارونية، أوضح من خلاله أنه قد توصل في الاجتماع إلى تسوية "تقضي بأن تقام الحفلة في موعدها، على أن تعقد الفرقة خلال الأيام المقبلة مؤتمراً صحفياً توضيحياً، تعتذر فيه من كلّ الذين قد تكون أساءت إلى مشاعرهم الدينية"، عبر أغنيتيها: "أصنام" و"الجن"، اللتين اعتبرتا "مسيئتين للمقدسات المسيحية".
وبيّن أنّ "برنامج الحفلة يشمل حوالي 25 أغنية للفرقة، لن تكون الأغنيتان اللتان أثارتا الجدل ضمنها".

اقرأ أيضاً: هل كان زرياب المبدع الأول لموسيقى الروك آند رول؟
إلا أنّ هناك صفحة على الفيسبوك، ذات توجه ديني مسيحي، تدعى "جنود الربّ"، شنت هجوماً يعدّ الأعنف ضدّ فرقة "مشروع ليلى"، بهدف التصعيد لإيقاف الحفلة، وقد وضعت الصورة الشخصية الخاصة للصفحة، صورة غلاف الألبوم الأخير للفرقة، وقد وضع فوق الصورة إشارة (X)، وهاشتاغ "أوقفوا مشروع ليلى"، كما أنّ موقع "VDL news" نشر تقريراً قال فيه إنّه علم من خلال مصادر مطلعة "أنّ الأجواء متشنجة في جبيل، وهناك تحركات عدة ستحصل قبل الحفل، وأنّ الاحتجاجات تعدّت الرفض للحفل على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ إنّ هناك تصعيداً وتهديدات بمنع الحفل، حتى لو تطلّب الأمر استعمال القوة".


هذه الحملات "التحريضية"، بحسب تعبير الروائي إلياس خوري، قابلتها حملات تضامن واسعة مع فرقة "مشروع ليلى"؛ إذ إنّ منظمة العفو الدولية (amnesty)، أصدرت بياناً تحت عنوان "لبنان: يجب على السلطات حماية حفل فرقة "مشروع ليلى" من حملة الكراهية"، جاء فيه: "تدعو منظمة العفو الدولية السلطات، ولا سيما وزارة الداخلية، إلى حماية فرقة "مشروع ليلى" وجمهورها، من عمليات الترهيب والمضايقة والتهديدات، وإلى إجراء تحقيق وافٍ وفعّال في الأنباء المتعلقة بوقوع هجمات ضدّهم، ومساءلة الذين يتبين أنهم يقومون بالتحريض على الكراهية والعنف ضدّ الفرقة".
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية: "يقع على عاتق السلطات، وبشكل رئيسٍ وزارة الداخلية، مسؤولية اتخاذ التدابير الضرورية لضمان حماية الفرقة من الحملة العدائية، وضمان عدم إلغاء الحفل لاعتبارات أمنية..."، وختمت المنظمة بيانها بقولها: "رغم أنّ لبنان من الدول الموقّعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإنّه لا يفي حالياً بالتزاماته بموجب العهد الدولي فيما يتعلق باحترام الحقّ في حرية التعبير في لبنان وحمايته وتعزيزه والإيفاء به، فعلى سبيل المثال؛ أدّت الثغرات التشريعية، من قبيل المادة 13 من الدستور اللبناني، التي تكفل الحق في حرية التعبير ضمن "الحدود التي ينص عليها القانون"، أو المادتين 317 و475 من قانون العقوبات اللتين تجرِّمان الإساءة للدين وإثارة النعرات الطائفية، إلى تسهيل انتهاك حقّ الأفراد في ممارسة حرية التعبير".

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية