الإخوان.. من عفو السادات إلى الهرولة لتسييس الحج

الإخوان.. من عفو السادات إلى الهرولة لتسييس الحج


31/07/2019

الحبيب الأسود

بعد وفاة الزعيم المصري جمال عبدالناصر في سبتمبر 1970 قاد الرئيس أنور السادات انقلابا ناعما على إرث سلفه مستهدفا ما سمي بمراكز النفوذ المتمثلة في الناصريين واليساريين. ومن بين مؤشرات ذلك الانقلاب الإفراج عن عناصر الإخوان من السجون، والذي جاء بعد لقاء في استراحة الرئاسة بالإسكندرية في صيف 1971.

تم اللقاء بترتيب مع العاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز، وجمع بين السادات وعدد من قادة الجماعة في الخارج من بينهم سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا ورئيس المنظمة الإسلامية في جنيف التي كانت ترعاها السعودية.

وقد تحدث المؤرخ الدكتور عبدالعظيم رمضان عن هذا اللقاء مشيرا إلى أن السادات “قال لهم إنه يواجه نفس المشاكل التي قاسوا منها، ويشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد والشيوعية، وعرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلني في مصر” وبالفعل قام السادات بالإفراج عن المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين.

أدوار السادات
تحدث الكاتب المصري اللواء حمدي البطران عن تلك الفترة بالقول إنه “في أول نوفمبر 1970 زار القاهرة كمال أدهم -المسؤول عن المخابرات السعودية ومستشار العاهل السعودي الملك فيصل آنذاك- وكانت له صلات وثيقة بالمخابرات المركزية الأميركية، وتحدث مع الرئيس السادات عن الوجود السوفييتي في المنطقة العربية، وصارحه بضرورة إحياء النزعة الإسلامية، ليقوم الرئيس السادات إثر ذلك بتكليف الإخواني الدكتور محمود جامع بالسفر إلى الخارج ومقابلة قيادات الإخوان المسلمين الهاربين ومنهم يوسف القرضاوي والدكتورأحمد العسال والمهندس عبدالرؤوف مشهور، وعبدالمنعم مشهور والدكتور سالم نجم والتحدث معهم، واستطلاع نواياهم وطمأنتهم تمهيدا لعودتهم.

ويقول جامع في كتابه “عرفت السادات”، إنه نجح في التقريب بين السادات وبين جماعة الإخوان وكان له دور كبير في الإفراج عن القيادات الإخوانية التي وضعها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في السجون مثل صالح أبورقيق وعبدالقادر حلمي، وأنه استطاع أن يلتقي في مكّة المكرّمة بالتنسيق مع القيادة السعودية بقيادات إخوانية مثل يوسف القرضاوي وأحمد العسال وسالم نجم واتفق معهم على العودة إلى مصر وإعادة الجنسية المصرية إليهم وردّ اعتبارهم وبالفعل عادوا وأحيوا التنظيم في مصر.

وقد بادر السادات بالإفراج عن قيادات الإخوان المعتقلين في السجون، وأعطى التعليمات بإعادة الجنسية المصرية لمن سحبت منهم في عهد عبدالناصر ومنهم الدكتور سالم نجم الذي حصل على الجنسية العراق والذي أعيد إلى عمله كأستاذ في كلية طب الأزهر، وفي هذا السياق، قال المرشد العام الرابع للجماعة محمد حامد أبوالنصر “في عام 1970 أمر السادات بالإفراج عنا حيث تم ترحيلنا على دفعات إلى سجن مزرعة طرة، توطئة للإفراج عنا، وهذا السجن، كانت حجراته واسعة، تسع أكثر من عشرين سجيناً، وكانت المعاملة لا بأس بها وفي هذا السجن تم لقاء بين مجموعة من ضباط المخابرات وبين جميع الإخوان المسلمين المسجونين في هذا السجن، وكان لقاءً أشبه بالحوار المفتوح بين الإخوان، وضباط المباحث، فقد عرض الإخوان أفكارهم ودافعوا عن دعوتهم وجماعتهم بصراحة ووضوح، ولم يجعلوا من أسوار السجن حائلاً دون توضيح موقفهم، وشرح رسالتهم من يوم أن أسست جماعتهم، وأنهم سيظلون حاملين راية الإسلام، ويدافعون عنها، ويحمونها بأكرم ما يملكون من أعز المهج والأرواح، وكان هذا الوضوح والبيان دون لف أو دوران محل إعجاب واستغراب ضباط المباحث وغرابتهم وانتهى اللقاء، وبدأ الإفراج عنا على دفعات بأوامر من السادات الذي كان مقتنعا بقضيتنا ونبل غايتنا”.

وفي 15 أكتوبر 1971 أمر السادات بالإفراج عن المرشد الثاني للإخوان حسن الهضيبي الذي كان قد اختير لهذا المنصب في 17 أكتوبر 1951، وقد أعتقل لأول مرة في 13 يناير 1953، وتم إطلاق سراحه بعد ذلك بشهرين، ثم أعيد إلى السجن عام 1954 بعد تورط الجماعة في محاولة الانقلاب على نظام الحكم بعد حادثة المنشية التي أطلق فيها الرصاص على عبدالناصر في محاولة لاغتياله من قبل التنظيم السري حيث حوكم، وصدر عليه الحكم بالإعدام، ثم خفف إلى المؤبد، وقد نقل بعد عام من السجن إلى الإقامة الجبرية، لإصابته بالذبحة ولكبر سنه. ثم رفعت عنه الإقامة الجبرية عام 1961، وفي 23 أغسطس 1965 أعيد اعتقاله في الإسكندرية، وحوكم بتهمة إحياء التنظيم، وصدر عليه الحكم بالسجن ثلاث سنوات، وتم تمديد مدة السجن بعد انتهائها بسبب ما يمثله من خطر على السلم الأهلي، قبل أن يفرج عنه في 15 أكتوبر 1971.عندما غادر الهضيبي السجن، كانت هناك أشياء تتغير في مصر والمنطقة، فالسادات يحاول الاستعانة بالإخوان لضرب مراكز النفوذ، والغرب يسعى إلى نشر صحوة دينية ببلاد المسلمين في مواجهة المد الشيوعي.

الحج لترويج فكر الجماعة
للقضاء على التيارات القومية التي كانت لا تزال تعرف اتساعا في عواصم عربية عدة رغم وفاة عبدالناصر، كما كانت دول الخليج الناشئة بعد رفع الوصاية البريطانية في عام 1971 مفتوحة لعناصر الإخوان، ولم يجد الإخوان أفضل من الحج لترويج فكر الجماعة.

ويقول الإخواني الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي في كتابه “الفكر الحركي للتيارات الإسلامية” إن المرشد الثالث لجماعة الإخوان حسن الهضيبي “انتهز فرصة الحج عام 1973 فعقد أول اجتماع موسع لـلإخوان في مكة المكرمة وكان هذا الاجتماع هو الأول من نوعه منذ محنة 1954، ونظرا لأن معظم الإخوان في الخارج قد هاجروا إلى منطقة الخليج والجزيرة العربية أو البلاد الأوروبية والأميركية فقد تركز عمل لجنة العضوية في تلك المناطق؛ فتشكلت لجنة الكويت، ولجنة قطر، ولجنة الإمارات، وثلاث لجان للسعودية في الرياض، وفي الدمام، وفي جدة.

وكان من نتيجة تلك الاجتماعات استيعاب المملكة للمزيد من الإخوان المسلمين. وشهدت السعودية في منتصف السبعينات حركة نهضة واسعة بقيادة الملك فيصل كان من نتائجها انفتاح المملكة واستيعابها لمئات الآلاف من الكوادر المؤهلة والمتخصصة في كل المجالات العلمية والصحية والهندسية والإعلامية”، وهو ما تنبّه له الإخوان جيدًا

فعمدوا إلى إرسال أعداد كبيرة من كوادرهم المؤهلة في تلك المجالات، وعلى رأسها التربوية والتعليمية، وبدأ الإخوان بتشكيل خلاياهم الحركية والتنظيمية في كل مكان وجدوا أنفسهم فيه.

ولعل أبرز المجالات التي تم اقتحامها المحاضن التربوية من مدارس ومعاهد وجامعات، مستغلين غض طرف السلطات عنهم، وحال قبول المجتمع المتدين بطبيعته لمضامين خطابهم الوعظي الإرشادي، فكان للكثير من قادتهم دور كبير في تأليف المناهج الدراسية وبرز في هذا المجال مناع القطان ومحمد قطب وغيرهما.

وكان من أهداف مؤتمر الإخوان في حج 1973 إعادة تشكيل مجلس شورى الجماعة وتكوين لجنة لإعادة بناء هيكل الجماعة، ويتحدث أبوالعلا ماضي القيادي السابق في جماعة الإخوان، عن تلك المرحلة بالقول “حاول الإخوان إعادة تنظيم أنفسهم، وبالطبع كان الوضع في الداخل (داخل مصر) مهلهلًا وضعيفًا للضربات العنيفة التي وُجِّهت للجماعة، ولكن كانت هناك تجمُّعات إخوانية بالخارج نجحت في الهرب خارج مصر، خاصة في دول الخليج، حيث تشكَّلت لجان لإعادة إحياء الجماعة في هذه الدول، ومنها ثلاث لجان في السعودية، في الرياض والدمّام وجدّه، ولجان بالكويت والإمارات وقطر، وسافر المرشد المستشار حسن الهضيبي لموسم الحج عام 1973، والتقى هناك بعدد كبير من الإخوان من دول عدَّة واتفقوا على إعادة تنظيم الجماعة، لكن القدر لم يُمهل المستشار حسن الهضيبي فتُوفي في 11 أغسطس 1973”.

ويضيف “هنا اتضح أنَّ رموز النظام الخاص كانوا جاهزين للسيطرة على الجماعة”، واتَّضح بعد ذلك من المعلومات أنهم بدؤوا في تنظيم أنفسهم داخل السجن في نهاية عهد عبدالناصر بالتعاون والتنسيق بينهم وبين رموز ‘تنظيم عام 1965’، وبدؤوا العمل في تنظيم الجماعة وضم العناصر الجديدة واختاروا مرشدًا سريًّا من رجال النظام الخاص (بين روايتين واحدة تقول إنه المهندس حلمي عبدالمجيد نائب عثمان أحمد عثمان في شركة ‘المقاولون العرب’، وثانية تقول إنه الشيخ زكي من حلوان)، وطلبوا من الإخوان البيعة للمرشد السرِّي، فرفض كثيرٌ من الإخوان بالداخل وبالطبع منهم فريد عبدالخالق والشيخ صالح أبورقيق وعدد كبير من أعضاء “مكتب الإرشاد” الأخير قبل الصدام عام 1954، كما رفض الإخوان المصريون بالخليج وأصدروا بيانًا بعنوان (المرشد السري المجهول يقود الجماعة إلى المجهول).

كان مؤتمر الإخوان في البقاع المقدسة في موسم الحج للعام 1973 قد شهد مواكب لتقبل البيعة من خلال استقطاب عناصر جديدة من دول بدأت خلايا الجماعة تتشكل فيها، ومنها تونس، حيث يذكر عبدالله عمامي في كتابه “تنظيمات الإرهاب في العالم الإسلامي، أنموذج النهضة” أن المؤتمر الأول للجماعة الإسلامية التي اتخذت لنفسها لاحقا تسمية الاتجاه الإسلامي قبل أن تتبنى الحركة تسمية «النهضة» بعد 7 نوفمبر1987 حسم أمره بأن قرر أن الحركة الإسلامية بتونس هي تعبير محلي عن التيار العالمي للإخوان المسلمين وكلف المكتب التنفيذي الذي سيتمخّض عن المؤتمر بإتمام تراتيب البيعة للمرشد العام للإخوان المسلمين.

فرصة للانتشار
تنفيذا لهذه التوصية تشكّل وفد برئاسة أحميدة النيفر وسافر إلى مكة حيث انعقد المؤتمر العالمي للإخوان المسلمين بمناسبة موسم الحج لسنة 1973 وهناك تقدم أعضاء الوفد بين يدي حسن الهضيبي، المرشد العام للإخوان، وأعطوه البيعة في نصها التقليدي المتعارف عليه في النظام الأساسي للإخوان بعد وضع اليد على المصحف الشريف «أعاهد الله العظيم على القيام بشروط عضوية الإخوان المسلمين وواجباتها والسمع والطاعة لقيادتها في المنشط والمكره في غير معصية ما استطعت إلى ذلك سبيلا وأبايع على ذلك والله على ما أقول وكيل».

ومع تأسيس التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين رسمياً سنة 1982 على يد المرشد الخامس للجماعة مصطفى مشهور، انخرطت حركة الاتجاه الإسلامي عضواً ناشطاً في التنظيم يمثلها أميرها الشيخ راشد الغنوشي.

واضطلع الغنوشي بدور محوري في أوروبا والمغرب العربي لصالح التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي بدا بشكل مبكر منذ بدايات نشأة الحركة الإسلامية في تونس، حتى أن الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي، مؤسس الحركة الإسلامية بالمغرب الأقصى اتهم الغنوشي “بالعمل على اختراق الحركة الإسلامية في المغرب بتكليف من جماعة الإخوان المسلمين نهاية السبعينات، من القرن الماضي والتجسس لفائدة التنظيم العالمي للجماعة”، على حد قوله.

لقد تحوّل موسم الحج إلى مناسبة لعقد اجتماعات الإخوان، حتى أن القيادي المنشق عن الجماعة ثروت الخرباوي يقول إنه «جرى تنصيب عمر التلمساني ليكون المرشد العام في موسم الحج للعام 1976 وأن إخوان التنظيم الدولي أبدوا الموافقة عليه في موسم الحج » مشيرا إلى أنه أصبح من منافع الحج عند الإخوان تنصيب المرشد.

وكان التلمساني قد كشف في كتابه «ذكريات لا مذكرات» عن جوانب خفية من علاقاته بالمملكة العربية السعودية، ومن ذلك قوله “ومرة كنت أؤدي فريضة الحج وفي جدة قابلني الأخ (م.ص) وما يزال حيا أطال الله في حياته وقال: إن كبيرا يريد مقابلتي ليس من الأسرة السعودية وإن كان له بها صلة، فرحبت مؤملا في خير للدعوة، وتحدد الميعاد وذهبت قبل الميعاد بخمس دقائق، وهي عادتي في كل مواعيدي”.

ويضيف “حل الميعاد واستدعى الكبير سكرتيره ودعاني للدخول فوجدت أحد أبناء المرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود موجودا معه… وجلس الكبير يتحدث عن الدعوة الإسلامية ثم عرج على (مجلة الدعوة) وكانت لم تصدر بعد، وقال إنه يريد تدعيمها، فأدركت هدفه وقلت له مقاطعا: سيادتكم طلبتم مقابلتي كداعية لا كجاب، ولو كنت أعلم أنك ستتحدث معي في مسألة نقود كنت أعتذر عن المقابلة، ولذلك أرجو أن تسمح لي بالانصراف، فتلقى الرجل هذه الغضبة في هدوء وقال: لم أقصد ما ذهبت إليه ولكني كمسلم أردت تدعيم عمل إسلامي”، وقال في حوار مطول مع مجلة «المصور» المصرية في العام 1982 “استدعاني كمال أدهم شقيق زوجة الملك فيصل لمقابلته عندما كنت أؤدي فريضة الحج عام 1975 وعرض علي دعما ماليا وقلت له: أسف.. لقد ظننت أنك دعوتني كداعية إسلامي.. السلام عليكم وتركته.. فخرج ورائي حتى المصعد”.

ونقل عنه مؤرخ الإخوان محمد عبدالحليم حامد في كتابه “مواقف من حياة المرشدين”، قوله “طلبت المملكة العربية السعودية مني عن طريق المرحوم عمر نصيف أن أعمل قاضيا بنجد لما تعرفه عن جدي رحمه الله وصلته بالمذهب الوهابي، فاعتذرت لأني لا أفضل على مصر مكانا أقيم فيه، أو أعمل به مهما لاقيت فيها من عنت”.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية