بوكو حرام: قصة كابوس نيجيري عمره 10 أعوام

بوكو حرام: قصة كابوس نيجيري عمره 10 أعوام


07/08/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


"هذه رسالة إلى الرّئيس غودلاك جوناثان وكافّة ممثّلي المسيحيّين. إنّنا نُعلِن حرباً مقدّسة! سنقاتل المسيحيّين؛ لأنّ الكلّ يَعلم ما فعله هؤلاء بالمسلمين"! كانت هذه هي الرّسالة الّتي بثّها زعيم جماعة بوكو حرام، أبو بكر شكوي، عبر الإنترنت في تمّوز (يوليو) 2010. وحينها بدأت المنظّمة في التّغيّر.

أصول بوكو حرام

استهلّت جماعة بوكو حرام عملها قبل 11 عاماً، في مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو. وبُعيد عودة نيجيريا إلى الحكم الديمقراطيّ في عام 1999، كان السّكان يأملون في توزيعٍ أكثر عدلاً للثّروة ووضع حدّ للفساد المتفشّي. وفي هذه المرحلة، ظهر واعظٌ شابّ يُدعى محمّد يوسف. ودعا النّاس إلى تطبيق الشّريعة الإسلاميّة والتّخلّي عن العيش على الطّريقة الغربيّة. وأعلن أنّ "التّعليم الغربيّ خطيئة" - أو، كما يُعبَّر عن الأمر في لغة الهوسا، "بوكو حرام". وكان استياء النّاس من أوضاع البلاد بمثابة تربة خصبة لهذا الواعظ ومطالبه الرّاديكاليّة، بالرّغم من أنّه قال في البداية إنّه يُعارض استخدام العنف.

هجمات بوكو حرام الوحشيّة بشكل متزايد تَنشُر الإرهاب بالمنطقة وقتلت على مدى 10 أعوام حوالي 32 ألف شخص

يَعِظ يوسف قائلاً: "نريد نشر الإسلام. فلكلّ شخص الحقّ في سماع رسالة الإسلام". ومع ذلك، أصبحت هجماته على غير المسلمين بكلّ أشكالهم واضحة بشكل متزايد: "أقول لكم: الكافرون هم الكاذبون. فهم يفعلون أيّ شيء للوصول إلى السّلطة. إنّهم يَعدون بالكثير ويتحدّثون عن السّلام، لكنّهم في الحقيقة يفتقرون إلى الرّحمة".
أصبحت حركة يوسف تحظى بشعبيّة كبيرة، لا سيما في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي الشّماليّة الشّرقيّة. وفي أوائل عام 2009، كانت المواجهات مع الأجهزة الأمنيّة، خلال مظاهرات كانت تقوم بها الحركة في كافّة المدن الرّئيسة، حدثاً يوميّاً. وهكذا، أصبح يوسف يمثّل تهديداً متزايداً للدّولة النّيجيريّة.

 مؤسس الجماعة محمّد يوسف

موت المؤسّس

عندما حُظِرت مظاهرة لبوكو حرام بنهاية شهر تمّوز (يوليو) 2009، اندلعت أعمال شغب في مدينة بوتشي، وانتشرت بعد ذلك في يوبي وبورنو ومناطق أخرى. واستمرّت الاشتباكات عدّة أيّام، وتوفّي 300 شخص على الأقلّ في مايدوغوري وحدها.
ردّت الحكومة النّيجيريّة بعمليّة شُرَطيّة واسعة النّطاق. فقُبِض على عدد كبير من الأشخاص، بمن فيهم زعيم الجماعة، محمّد يوسف. ووفقاً لمتحدّث باسم الشّرطة، فقد قُتِل يوسف بالرّصاص في 30 تمّوز (يوليو) 2009 أثناء محاولته الهرب. كذلك، وردت تقارير تُفيد بأنّ أعضاء الجماعة قد أُعدِموا بصورٍ غير قانونيّة على أيدي الشّرطة.

اقرأ أيضاً: عمليات انتحارية لـ "بوكو حرام" في نيجيريا.. تفاصيل
بحلول هذا الوقت، كان يوسف قد عَيّن بالفعل خليفةً له: أبو بكر شكوي. وفي ظلّ زعامة شكوي، شنّت بوكو حرام "حرباً مقدّسة" بلا رحمة على الدّولة النّيجيريّة. وهنا، تحرّكت أنشطة الجماعة تحت الأرض، ودخل إرهابها بُعداً جديداً. فنفّذت العديد من الهجمات الانتحاريّة، بما في ذلك واحدة طالت مقرّ الشّرطة في العاصمة أبوجا.
إنّ هجمات بوكو حرام الوحشيّة بشكل متزايد، والّتي غالباً ما تستهدف المدنيّين الآن، تَنشُر الخوف والإرهاب في المنطقة. وعلى مدى عشرة أعوام، قُتِل حوالي 32,000 شخص وتشرّد الملايين من ديارهم.

أبو بكر شيكاو

عدالة غير قانونيّة
اتَّهم العديد من السّكان المدنيّين كلّاً من الحكومة والجيش بالعجز عن ضمان أمن الشّعب. وفي عام 2013، قرّرت مجموعة من شباب مايدوغوري أن يقوموا بالأمر بأنفسهم وعلى طريقتهم ويشرعوا في حماية السّكان. وهكذا، أسّسوا مجموعة تتغيّا العدالة خارج إطار القانون، تُدعى "فرقة العمل المدنيّة المشتركة"، بهدف طرد المقاتلين الإسلامويّين من بلداتهم ومدنهم. وهؤلاء الشّباب لم يجهّزوا أنفسهم بالسّلاح فحسب، وإنّما بالخناجر والسّواطير والعصي والقضبان الحديديّة أيضاً.

اقرأ أيضاً: الحركات السلفية في نيجيريا.. هل تختلف عن بوكو حرام؟
كذلك، رُحِّب بالإناث ضمن هذه المجموعة. "قرّرتُ الانضمام إلى المجموعة لأنّ زوجي، وهو ضابط شرطة، قُتِل بوحشيّة، وتركني مع خمسة أطفال"، قالت ألتين عبد الله، وهي مقاتلة وعضوة مؤسّسة في "فرقة العمل المدنيّة المشتركة" في مايدوغوري.
يقدّر الآن أنّ المجموعة تضمّ أكثر من 26,000 عضو، منهم 1,800 يحصلون على راتب شهريّ قدره حوالي 50 دولاراً. وقد قُتِل حوالي 600 عضو من المجموعة. ومع ذلك، فقد نجحت إلى حدّ كبير في طرد بوكو حرام من مايدوغوري وغيرها من المدن الكبرى. غير أنّ "فرقة العمل المدنيّة المشتركة" اتُّهمت أيضاً بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإيذاء البدنيّ وإطلاق النّار الاعتباطيّ على مقاتلين مزعومين تابعين لبوكو حرام.

اقرأ أيضاً: بوكو حرام: هل يبرر فساد الدولة النيجيرية كل هذا التوحش؟
بالرّغم من الانتقادات، يؤكّد السّكان المحلّيّون وخبراء الأمن أنّ المجموعة قد حقّقت بعض النّتائج. ففي تصريح لـ"دويتشه فيله"، تقول إليزابيث آمي، وهي من سكّان ميدوغوري: "إنّ جهودهم تحقّق نجاحاً هائلاً في قتال بوكو حرام. فقبل ظهورهم، بالكاد كنّا ننتقل من مكان لآخر. لكن الآن، يمكن للنّاس التّحرّك من منطقة إلى أخرى لأنّهم يشعرون بالأمان. هؤلاء الشّباب يعرفون طريقهم على نحو أفضل من جنود الجيش النّيجيريّ، الّذين يُرسَل معظمهم من ولايات أخرى".

انتصار الرئيس بخاري على بوكو حرام لم يدم طويلا

الهجوم العسكريّ لمحمّدو بخاري

كانت الحكومة تستعدّ بشكل متزايد لمواجهةٍ مع بوكو حرام. وفي عام 2015، فاز محمّدو بخاري - وهو جنرال سابق في الجيش النّيجيريّ - على غودلاك جوناثان في الانتخابات الرّئاسيّة. ووعد بهزيمة المنظّمة الإرهابيّة في غضون عامين.

قام مقاتلو بوكو حرام بتخزين ترساناتهم ويقول مراقبون إنّ أسلحتهم تأتي أساساً من ليبيا ومن معاقل داعش السّابقة

وبمساعدة قوّات دوليّة من بلدان مجاورة مثل؛ تشاد والنّيجر والكاميرون، نجح الجيش النّيجيريّ في الواقع في صدّ بوكو حرام ووضع حدّ لها. كما تمكّن الجيش من تحرير مساحات شاسعة من ولاية بورنو الّتي كانت ما تزال تحت سيطرة الجهاديّين في أوائل عام 2015.
الآن، بالرّغم من ذلك، يشكّكُ خبراء الأمن أكثر من أيّ وقت سابق في إعلان بخاري المتعلّق بدحر الجماعة. يقول يومي دير، وهو ضابط سابق في الجيش النّيجيري: "من السّهل الإعلان عن نهاية بوكو حرام. لكن من الصّعب للغاية الحصول على نتائج ملموسة. إنّها لَحرب بشعة للغاية تلك الّتي نتعاطى معها هنا؛ فلا ينبغي للنّاس أن يستغلّوها في ألعابهم [السّياسيّة]".

اقرأ أيضاً: في الغارديان: ما الذي يجعل امرأة تعود إلى بوكو حرام؟
في الأشهر الأخيرة، يبدو أنّ بوكو حرام قد بدأت تستعيد قوّتها وأرضها. فقد قام مقاتلو الجماعة بتخزين ترساناتهم. ويقول مراقبون إنّ أسلحتهم تأتي أساساً من ليبيا، وربّما أيضاً من معاقل الدّولة الإسلاميّة (داعش) السّابقة. وفي نهاية عام 2018، وبالتّحديد في 27 كانون الأوّل (ديسمبر)، قدّمت المنظّمة دليلاً على قوّتها العسكريّة عندما طردت 500 جندي من التّحالف الإقليميّ لمكافحة الإرهاب من مقرّهم في باغا. واستطاعت خلال فترة وجيزة تأكيد سيطرتها على المدينة.

جيشٌ مُحبط
يؤكّد يومي دير لـ "دويتشه فيله" أنّ الوضع الأمنيّ في نيجيريا قد تدهور بسرعة في الأشهر القليلة الماضية. يقول: "الرّوح المعنويّة للقوّات منخفضة. وقد بلغ الجنود أقصى حدودهم". ويشير الخبير الأمنيّ إلى أنّ الجنود قد تعبوا ولم يعد لديهم أيّ دافع وغير مجهّزين بشكل جيّد. ويضيف: "أعتقد أنّ الوقت قد حان لأن تتأكّد الحكومة والقيادة العسكريّة من أنّ المعدّات المخصّصة تصل فعلاً إلى الجنود الّذين في الجبهة".
وفي العام الماضي، كانت هناك تقارير في وسائل الإعلام النّيجيريّة حول العديد من مظاهرات جنود الجيش النّيجيريّ المحبطين. وفي آب (أغسطس) 2018، قيل إنّ مئات الجنود أطلقوا النّار في الهواء عند مدرج مطار مايدوغوري، مُعرِبين عن استنزافهم بعد أن خدموا أربعة أعوام في الجبهة. كانت رسالتهم: "لقد تمركزنا بعيداً عن عائلاتنا لأعوام حتّى الآن، وما زلنا لا نُحرِز أيّ تقدّم تقريباً في المعركة ضدّ الجهاديّين".


المصدر: أنطونيو كاسكايس، دويتشه فيله



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية