تحريض ضد متطوعات بلجيكيات في المغرب.. ما علاقة برلماني إسلامي بالقضية؟

المغرب

تحريض ضد متطوعات بلجيكيات في المغرب.. ما علاقة برلماني إسلامي بالقضية؟


18/08/2019

"وجب قطع رؤوسهن ليُصبحن عبرة لكل من سوّلت له نفسه التطاول على مبادئ ديننا الحنيف"، بهذه العبارات حرّض أستاذ مغربي في تدوينة بمواقع التواصل الاجتماعي على قتل متطوعات بلجيكيات، قمن بمبادرات خيرية لتعبيد طريق نائية بمدينة تارودانت جنوب المغرب، بسبب ارتدائهن لسراويل قصيرة، ولكن الأمر لم يقف عند هذه التدوينة، التي أوقفت السلطات المغربية صاحبها مباشرة بعد نشرها؛ إذ ما لبث برلماني إسلامي أن دخل إلى المشهد بتصريح لا يقل إثارة للجدل.
متطوعات من بلجيكا يشاركن في تعبيد طريق بمنطقة نائية بالمغرب

"التغريب والتعري"
هاجم علي العسري، مستشار برلماني عن حزب العدالة والتنمية المتطوعات البلجيكيات، وتساءل في تدوينة مثيرة للجدل: "متى كان الأوروبيون يُنجزون الأوراش بلباس السباحة؟"، على حد وصفه.

حرض أستاذ مغربي في تدوينة على قتل متطوعات بلجيكيات بسبب لباسهن

وأضاف المستشار البرلماني عن إقليم تاونات: "يعرف الكل مدى تشدد الأوروبيين في ضمان شروط السلامة عند كل أوراش البناء والتصنيع، للحد الذي لا يسمح فيه للزائر بولوج أي مصنع أو ورش، صغير أو كبير، دون لبس وزرة سميكة، تُغطي كل الجسد، مع خوذة للرأس ومصبعيات اليد، ولا يتساهلون في ذلك تحت أي ظرف من الظروف".
وأعرب العسري عن استغرابه قائلاً :"شابات بلجيكيات بورش لتبليط مقطع صغير في مسلك بدوار بإقليم تارودانت، وهن بشكل جماعي، كأنه متفق عليه، بلباس يشبه لباس البحر، علماً أنّ مادة الإسمنت معروفة بتأثيرها الكبير على الجلد، تسبب له حساسية وحروقاً إذا لامسته".

اقرأ أيضاً: المغرب: هل ينجح السلفيون التائبون في مواجهة التطرف؟
وتابع متسائلاً: "فهل والحال كذلك تكون رسالتهن من ورش، محمودة ظاهرياً، هدفها إنساني، أم شيئاً آخر، في منطقة ما زالت معروفة بمحافظتها واستعصائها على موجات التغريب والتعري؟".
اتهامات بالتحريض
وانتقد عدد من المتابعين تدوينة المستشار البرلماني، معتبرين أنّه يُحرض ضد المتطوعات اللواتي يقمن بعمل إنساني.
في هذا السياق، اعتبر هاشمي كبدة، رئيس جمعية مغربية لحقوق الإنسان في إنزكان أيت ملول الواقعة جنوب المغرب، أنّ هذه الحملة ضد لباس المتطوعات البلجيكيات "جزء من حملات تخوضها الحركات المتشددة بالمغرب ضد قيم الحرية بالمملكة".

انتقد متابعون تدوينة مستشار برلماني إسلامي اعتبروها تحريضاً ضد المتطوعات اللواتي يقمن بعمل إنساني

وأضاف كبدة في حديثه لـ "حفريات": "هناك فرق كبير بين الإسلام المغربي الاجتماعي الذي جسّده سكان مدينة تارودانت في طريقة تعاملهم مع السائحات وتسامحهم واستضافتهم لهن، والإسلام السياسي الذي يستغل الدين للركوب على الأحداث وانتشار الأمية لتعبئة الشباب بفكر ظلامي".
وأوضح الناشط الحقوقي "هناك فراغ سياسي وفشل في المنظومة التعليمية بالمغرب، وهذا ما ساهم في تنامي الفكر المتشدد وسيطرته على العقول".
ترحيب لأهالي المنطقة بالمتطوعات في الوقت الذي هاجمهن برلماني في حزب العدالة والتنمية

الجمعية البلجيكية توقف إرسال المتطوعين
وكانت جمعية بلجيكية كشفت أنّ 3 متطوعات من أصل 37 متطوعاً في المغرب يرغبن بالعودة إلى أوطانهن بعد تهديدات أستاذ مغربي بقطع رؤوسهن ومهاجمة برلماني عن حزب العدالة والتنمية لعملهن في تارودانت.
وأشارت جمعية "بورود"، التي ترسل متطوعين إلى المغرب، إلى أنّها اتصلت بالسفارة البلجيكية في الرباط، واطمأنت على سلامة الوفد البلجيكي المتواجد في مناطق نائية بضواحي إقليم تارودانت المغربي في إطار مشروع للتبادل الثقافي.

شددت الجمعية البلجيكية أنّها لن تسمح لمتطوعات جديدات بالتوجه إلى المغرب في ظل الظروف الحالية

ونشرت الجمعية بياناً على موقعها الإلكتروني، تؤكد  لأهالي السائحات الأجنبيات أنّ بناتهن بخير، وشددت على أنّها لن تسمح لمجموعة جديدة من المتطوعات بالتوجه إلى المغرب في ظل الظروف الحالية.
وأضافت أنّها ستلغي جميع البرامج التي كانت مبرمجة سابقاً، وذلك بعد تشاورها مع وزارة الشؤون الخارجية البلجيكية عقب الضجة الواسعة التي خلفتها قضية السائحات الأجنبيات اللواتي تطوعن لتعبيد طريق نائية في ضواحي إقليم تارودانت.
تدوينة البرلماني في حزب العدالة والتنمية

نداء ضد "دعاة الكراهية"
وأطلق نشطاء وإعلاميون وفنانون مغاربة نداء ضد "دعاة الكراهية" في المغرب، وجاء ذلك على خلفية التهديد بالقتل والتحريض على الكراهية الذي تعرضت له شابات أجنبيات قمن بمبادرات خيرية في مناطق نائية بالمغرب.
ووقعت حوالي 50 شخصية على البيان، مشيرين إلى أنّ الشابات كنّ يرتدين لباساً "أقل ما يمكن أن يقال عنه أنّه عادي ومألوف".

اقرأ أيضاً: المغرب: التصوف في مواجهة التطرف.. لمن الغلبة؟
وفي ذات السياق، اعتبرت الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب في المغرب أنّ تدوينة البرلماني علي العسري هي "تحريض على كراهية الأجانب".
مطالبات بالمحاسبة
وأرسل لحبيب حاجي، المحامي بهيئة تطوان، رسالة إلى كل من قاضي التحقيق المختص بالإرهاب ورئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك بالرباط، حول ملف البرلماني في حزب العدالة والتنمية الذي اتهمه بـ "التحريض على الإرهاب".

ناشط حقوقي: الحملة ضد لباس المتطوعات البلجيكيات جزء من حملات الحركات المتشددة بالمغرب ضد قيم الحرية

واعتبر حاجي، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في مراسلته، أنّ عبارة أوردها البرلماني الاسلامي، جاء فيها "متى كان الأوروبيون ينجزون الأوراش بلباس السباحة؟ معلقاً على ظهور الأوروبيات المتطوعات في إحدى الأوراش بإقليم تارودانت.. تحريض من طرف البرلماني لتعبئة المتطرفين للاعتداء عليهن.
واصفاً ذلك  بـ "المصيبة أن يعلن برلماني يؤمن بالمؤسسات والقانون، عن حقده وكراهيته وعنفه علناً على الفيسبوك، الذي بات الوسيلة الإعلامية العابرة، ليس فقط للقارات والدول عبر العالم، ولكن لكل الأفراد واحداً واحداً، في السهول والجبال وفي المدينة والبادية، وبين الأمي والمثقف والصغير والكبير، الرجل والمرأة".
تعليق الأستاذ المحرض على قطع رؤوس المتطوعات

البرلماني الإسلامي يعتذر ولكن..
وأعرب رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان عن استيائه من موقف البرلماني، العضو في مؤسسة تمثل الأمة المغربية، ووصفه بأنّه "هو الغريب عن المجتمع وهو المريض داخلياً بمرض الحقد والكراهية والتمييز الديني والحضاري، لكونه لم يرَ في المتطوعات الجانب الإنساني والحقوقي في العمل الذي يقمن به، بل رأى فيهن وفي لباسهن مادة نشطت خلايا الإرهاب المعششة في دماغه".

اقرأ أيضاً: هل يُنتج التعليم الديني في المغرب فرداً "تائهاً"؟
وأصدر البرلماني في حزب العدالة والتنمية علي العسري بياناً، كتبه باللغة الفرنسية، ووقّعه بصفته مستشاراً برلمانياً في مجلس المستشارين وعضو لجنة الصداقة المغربية البلجيكية، اعتذر فيه عما قال إنه "ضرر أو إزعاج تسببت فيه تفسيرات معينة لتدوينته، رافضاً كل تلميح للتحريض على العنف أو الكراهية معتبراً أنّهما بعيدين عن قناعته".

هاشمي كبدة: الإسلام السياسي يستغل الدين للركوب على الأحداث وانتشار الأمية لتعبئة الشباب بفكر ظلامي

وعبر العسري عن تحيّته وتقديره لكل المبادرات الإنسانية والتضامنية التي تقوم الشابات البلجيكيات، معتبراً أنّ هذه المبادرات تعزز معرفة أفضل للتعاون المتبادل، داعياً لتشجيعها وتوفير ظروف النجاح لها.
ووجه العسري رسالة اعتذار خاصة للمتطوعات البلجيكيات، لا سيما بعدما تسبب لهم في متاعب شخصية؛ حيث طالب عدد من عائلات المتطوعات بعودة بناتهم خوفاً من أي اعتداء عليهنّ في المغرب، وقال إنّه يعتذر لكل من شعر بالضرر من تدوينته، وخصوصاً "ضيوفنا الشابات البلجيكيات والمؤسسة التي ينتمين إليها".
اعتذار البرلماني عن حزب العدالة والتنمية اعتبره بعض النشطاء الحقوقيين بالمغرب، غير مقبول لما أثاره من رعب لدى عائلات الشابات المتطوعات.
وفي تعليقه على اعتذار البرلماني في حزب العدالة والتنمية، يقول الناشط والباحث في علم الاجتماع حسن كوجوط: "إنّ هذا الاعتذار غير مقبول، فمباشرة بعد نشره تدوينته المحرضة ضد المتطوعات ظهر عدد كبير من المؤيدين لخطاب البرلماني والمدافعين عنه".

اقرأ أيضاً: هل تنجح المقاربة الأمنية المغربية في إدماج العائدين من داعش؟
وأضاف كوجوط في حديثه لـ "حفريات" أنّ هذه الجماعات المتشددة تستغل الدين لتحريض ضد فتيات جئن بهدف نبيل، مضيفاً أنّ "الغريب في الأمر هي الجيوش المؤيدة لخطاب البرلماني والمدافعة عنه بالرغم من أنّه مخطئ وهذا ما يفسر طبيعة الجماعات المتشددة التي تخلق جماهير تابعة لها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية