أي مستقبل للإخوان في المشهد السوداني القادم؟

السودان

أي مستقبل للإخوان في المشهد السوداني القادم؟


19/08/2019

ظلّ "الإخوان المسلمون" في نسختهم السودانية الأخيرة "حزب المؤتمر الوطني"، الذي أطاحت به ثورة شعبية عارمة، في 11 نيسان (أبريل) من العام الجاري، يعملون بلا هوادة، للحيلولة دون توقيع اتفاق ينقل السودان إلى نظام حكم مدني ديمقراطي، بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى إعلان الحريّة والتغيير، الممثِّل السياسي للثوار، وبينما هم كذلك، جاء توقيع الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، وأُعلن عبدالله حمدوك رئيساً للوزارة الانتقالية، فهل وصل العمل السياسي للجماعة في السودان محطته الأخيرة بعد أن اختُبرت في الحكم لثلاثين عاماً؟ 
لا يوجد مستقبل سياسي للإخوان
في هذا السياق، يقول الناشط السياسي المُقرّب من دوائر الإسلاميين، أبو عبيدة محمد الأمين، "في الواقع، لم يكن هنالك حزب أو تنظيم  إسلامي حاكم بالمعنى المستقر في أذهان الناس، خاصة في الأعوام الأخيرة لحكم البشير، إنما مجموعة من المنتفعين اختطفوا الحزب عبر الذراع الأمنية"؛ مضيفاً في حديثه لـ "حفريات": "لذلك مثّل سقوط النظام هزّة وهزيمة نفسية كبيرة جداً على مستوى أفراد هذه المنظومة، ولن يزول أثرها قريباً، خاصة عقب القرار الأمريكي بشأن ظهيرهم الفريق صلاح قوش، مدير جهاز الأمن السابق، بإدراجه ضمن قائمة الممنوعين من دخول أراضيها، بسبب ضلوعه في انتهاكات لحقوق الإنسان".

الفريق صلاح قوش مدير جهاز الأمن السابق

اقرأ أيضاً: التنظيم الدولي للإخوان يتوق إلى تونس بعد خسارة السودان
ويواصل الأمين حديثه: "بالنسبة إليّ، فإنّه لا يوجد مستقبل سياسي لحركة إسلامية انقلبت على عرابها (الترابي) قرباناً للبشير، وقبلت أن تتحول إلى أداة له، يطوعها بحسب الطلب والظروف، فجنت حصاد أعوام طويلة من العمل السياسي الدؤوب، هشيماً وصفراً كبيراً". 
الطريق إلى السلطة
يُعدُّ الفرع السوداني لجماعة الإخوان المسلمين، الذي أُعلن عنه في نيسان (أبريل) 1949، الأكثر فعالية ونجاعة في النشاط السياسي بين نظرائه في الدول العربية الأخرى، خاصة بعد تولّي حسن الترابي قيادته (1969)؛ حيثُ تميّز بالبراغماتية والتكيف، بحسب الهامش السياسي المُتاح، فلم يكن يتوانى عن تغيير اسم الجماعة متى ما اقتضت الظروف السياسية ذلك، فكان أن أعلن ميلاد جبهة الميثاق (1968)، من أجل الانتخابات التي لم يكن مُتاحاً لجماعة دينية واجتماعية أن تخوضها، وضمّت الجبهة حينها الإخوان المسلمين وبعض السلفيين والطريقة التيجانية الصوفية، ولكن لم تستمر جبهة الميثاق وقتاً طويلاً حتى تَبلوَر كيان سياسي قوي؛ فقد انقلب جعفر النميري على الحكم في 25 أيار (مايو) 1969، واعتُقل حسن الترابي لسبعة أعوام متواصلة، ولم يُفرج عنه إلّا بعد اتفاقية صلح أبرمتها حكومة النميري مع جماعة الإخوان المسلمين (1977)، عقب محاولة انقلابية فاشلة (1976)، بقيادة العميد محمد نور سعد؛ شارك فيها الإخوان مع أحزاب سياسية أخرى، بدعم من معمر القذافي.

الأمين: مثّل سقوط النظام هزّة وهزيمة نفسية على مستوى أفراد المنظومة

عقب المصالحة؛ وإطلاق السلطات سراح الترابي أصدر النميري قراراً بتعيينه نائباً عاماً ووزيراً للعدل، وبموجب هذه الصفقة تمّ حلّ الجماعة وانخرط أعضاؤها ضمن الحزب الحاكم آنذاك (الاتحاد الاشتراكي)، وظلّ الترابي في منصبه الجديد بين عامَي 1979 و1982؛ حيث أوعز للنميري بتطبيق ما سمّي "قوانين الشريعة الإسلامية"، في أيلول (سبتمبر) 1983، الأمر الذي عجّل في الإطاحة بنظام النميري، عبر انتفاضة شعبية، في نيسان (أبريل) 1985، فكان أن تملّص الترابي من علاقته بنظام النميري، وأسس الجبهة الإسلامية القومية، التي انقلبت، العام 1989، على النظام الديمقراطي المنتخب عبر ذراعها العسكرية بقيادة  العميد آنذاك عمر حسن البشير، وظلّت في الحكم لثلاثين عاماً، إلى أن أطاحت بها الثورة الشعبية، في نيسان (أبريل) الماضي.
حسن الترابي

مواقف متخبطة
"دولة الإسلاميين انتهت بسقوط البشير بعد أن أضاعوا فرصاً عديدة للإصلاح"، هكذا وصفت المحللة السياسية والصحفية، شمائل النور، وضع الجماعة بعد توقيع الاتفاق الأخير في السودان، مضيفة في حديثها لـ"حفريات": "على أقل تقدير، يمكن القول إنّ دور الإسلاميين السياسي انتهى، الآن وفي المستقبل القريب تماماً، أما في المستقبل البعيد فيمكن أن يكون لهم دور، لكن لا بُدّ أن يكون بفكر مختلف تماماً عمّا هو عليه الآن، بالتأكيد سيكونون موجودين كتيار اجتماعي فقط، لكن ينتظرهم جهد كبير إذا أرادوا تقديم أنفسهم كتيار سياسي إلى الشارع، الذي لفظ الإسلام السياسي لفظاً ظاهراً"، على حدّ تعبيرها.

اقرأ أيضاً: هل أطاح توقيع الوثيقة الدستورية في السودان بالدولة الإخوانية؟
واستطردت النور: "بعد سقوط البشير، انجرف التيار الإسلامي في ثورة مضادة وسرعان ما كشف عن حقيقة موقفه، الذي يؤيد سقوط البشير فقط، مع بقاء الإسلاميين في الحكم، هذا التيار كانت أمامه فرصة للانحياز إلى الشارع بشكل كامل، والمشاركة بفاعلية في الفترة الانتقالية لضمان وجود الإسلاميين مستقبلاً، لكنه لم يفعل لذلك، ويبدو أنّ سقوط البشير أربك حسابات الإسلاميين، وظهر ذلك جليًّا في تخبّط مواقفهم السياسية".
استنزاف الشعارات
من جهته، قال المحامي والمحلل السياسي حاتم إلياس: إنّ "ثلاثين عاماً  من حكم الإسلاميين استنزفت واستنفدت، بشكل كامل، كلّ شعاراتهم التي كانت تعِد السودانيين بالكثير من الآمال"، مضيفاً في حديثه لـ"حفريات": "لقد فجروا الحروب في أنحاء البلاد، ورغم أنّهم ألبسوا حرب الجنوب ثوباً دينياً جهادياً، لكنّ نتيجتها النهائية كانت الانفصال".

شمائل النور: دولة الإسلاميين انتهت بسقوط البشير بعد أن أضاعوا فرصاً عديدة للإصلاح

ويتابع: هذا علاوة على الأسئلة الكبرى والجذرية المطروحة بخصوص مشروع الإسلام السياسي نفسه، في العالم العربي والإسلامي، ومحاولة بعض التيارات الإسلامية، كما في تونس، استبدال طروحاتها الأصلية بمنطلقات ليبرالية؛ حتى تجد موطئ قدم في الخريطة السياسية لبلدانها، أو بتحويل الإسلام وتوظيفه كرمزية ثقافية هوياتية، كما يحدث في تركيا.
"كلّ ذلك يجعل المراقب لحقيقة وكُنه حركات الإسلام السياسي في السودان، ممثلة في الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني (الإخوان المسلمون)، أن يؤكد أنّ النهاية التاريخية والموضوعية للمشروع الإسلامي في السودان قد أزفت الآن"، وفق إلياس.

النهاية التاريخية والموضوعية للمشروع الإسلامي في السودان قد أزفت الآن
ويشير إلياس إلى أنّه "من الخطأ الظنّ بأنّ الثورة الشعبية في السودان كانت ضدّ البشير وحده، بسبب الفساد والفقر والتدهور الاقتصادي، وحالة العزلة الدولية التي شهدتها البلاد على مدى حكم الإسلاميين؛ بل كانت الثورة ضدّ الإسلاميين أنفسهم، وبالتالي فإنّ احتمال عودتهم مرة أخرى أمر غير ممكن، حتى بالنسبة إلى حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه حسن الترابي، مقابل حزب البشير (المؤتمر الوطني)؛ فهو أيضاً سيعاني ثقل هذا الإرث ما يعيق تمدّده جماهيرياً وشعبياً".
لكن، يستدرك إلياس أنّ الإمكانية الوحيدة لعودة الإسلاميين إلى الساحة السياسية مرةً أخرى هي بإنشاء حزب جديد ومختلف تماماً "لأنّ إعادة إنتاج النسخة ذاتها التي أطيح بها، لن تحظى بقبول سياسي أو اجتماعي، وربما احتاج الأمر لعشرات الأعوام، لكن في الوقت الراهن، وحتى على المدى البعيد؛ فإنّ المناخ السياسي والنفسي في السودان غير مستعد لقبول الإسلاميين كفاعلين في المشهد السياسي". 

حاتم إلياس: المناخ السياسي والنفسي في السودان غير مستعد لقبول الإسلاميين كفاعلين في المشهد

وكانت الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية بالسودان استبعدت مؤخراً حزب المؤتمر الوطني (ذراع الإخوان بالبلاد)، من المشاركة بالمجلس التشريعي.
كما استبعدت الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019، استبعدت القوى السياسية التي شاركت في النظام السابق حتى سقوطه من المشاركة في تكوين المجلس التشريعي، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السودانية.
وأشارت الوكالة السودانية إلى أنّ "الفصل السابع من الوثيقة الدستورية حدد تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي؛ حيث نصت المادة (23) على أنّ المجلس التشريعي الانتقالي سلطة تشريعية مستقلة لا يجوز حلها ولا تتجاوز عضويته الـ300 عضو، على أن يراعي تمثيل كل القوي المشاركة في التغيير، عدا المؤتمر الوطني والقوى السياسية التي شاركت في النظام السابق حتى سقوطه.

ونصت الوثيقة على "ألا تقل نسبة مشاركة النساء عن 40% من عضوية المجلس التشريعي الانتقالي، على أن يشكل المجلس التشريعي ويباشر مهامه في فترة لا تتجاوز تسعين يوماً من تاريخ التوقيع على الوثيقة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية