زياد خدّاش: فرح حياتي مرتبط بشباب نصّي

زياد خدّاش: فرح حياتي مرتبط بشباب نصّي

زياد خدّاش: فرح حياتي مرتبط بشباب نصّي


27/08/2019

أجرت الحوار: رشا سلامة


لا يمكن بحال، التعاطي مع زياد خدّاش كما لو كان مثقفاً عابراً في المجتمع الفلسطيني؛ إذ يملك القاصّ والمعلّم، ابن مخيم الجلزون بالتنشئة، وابن قرية بيت نبالا، المُهجّر أهلها منذ عام 1948، بالفطرة، إحداث حالة من الجلبة بمجرد حضوره في مكان ما، بشكل شخصي أو على مستوى النصوص التي يقدّمها.

النصوص مثلنا تماماً تكره وتبول وتأكل وتسافر لكنّها تفعل ذلك بطريقة غير مباشرة وغامضة وهذا سرّ سحرها

يفلح خدّاش في شدّ انتباه المتلقي حتى اللحظة الأخيرة، من خلال حكايات لا تتبع نسقاً أدبياً محدداً؛ بل روحاً عابثة حرّة لا تأبه بالأُطر الاجتماعية، ولا حتى ما يحاول النقّاد إرساءَه من قواعد، وهو الأمر ذاته الذي يفعله خدّاش مع طلبته، الذين يُطلِق لهم العنان؛ لتكريس الخيال والجنون والنزعة الإبداعية.
كان لـ "حفريات" هذا الحوار مع خدّاش، الأديب الخمسيني الذي حاز على جائزة فلسطين للآداب، عام 2015، والذي قدّم مجموعات أدبية عدّة نالت اهتماماً لافتاً، منها: "نوماً هادئاً يا رام الله"، و"خذيني آلة موتي"، و"شتاء ثقيل وامرأة خفيفة"، و"أسباب رائعة للبكاء".
هنا تفاصيل الحوار الذي يؤكد فيه زياد خدّاش أنّ فرح حياته مرتبط بشباب نصّه:
- يبرع زياد خداش في أمور عدة، على رأسها؛ التعليم، وتكريس التذوّق والإبداع لدى اليافعين، إضافة إلى المهارة الأدبية اللافتة، وتحديداً في القصة القصيرة؛ أيّ من هذه الهوايات أقرب لوجدان زياد؟ وكيف تعاطى المجتمع الفلسطيني مع حالة زياد خداش إن جاز التعبير؟

الأقرب إلى قلبي الكتابة الأدبية؛ إذ هي أنا، بكامل حطامي وتأملاتي وانطباعاتي الحرّة، ولم يكن التعليم يوماً ما حلماً لي، لم يكن أبداً خياراً، كان حكاية اضطرار مريرة؛ إذ إنّ تخصصي الجامعي في اللغة العربية لم يتح لي خيارات أخرى.

اقرأ أيضاً: أحمد جميل عزم: نتغنى بالأيديولوجيا والهوية على حساب النظرية والعلم
ذهبت إلى التعليم مشياً، متردداً على قدمَيّ المجبرتَين، وكنت أخبّئ في قلبي حلم الكتابة، وهكذا مضت حياتي طيلة خمسة وعشرين عاماً؛ معلماً معتقلاً في مهنة متجمدة، لا تغادر غرفتها أبداً، وبين اللحظة والأخرى أخرج حلمي الساخن من قلبي لأتدفأ عليه.
أما عن تعاطي المجتمع الفلسطيني مع حالتي، فقد كان متفاوتاً؛ كثيرون سخروا من أسلوبي في الكتابة، ومن تجاربي التعليمية، وكثيرون أيضاً أحبّوا كتابتي وأعجبوا بتجاربي في المدارس.

أثر الاحتلال

من أعمال زياد خداش
- أثّر الاحتلال أيّما تأثير في البنية الاجتماعية والنفسية لدى الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة وخارجها؛ إن أردنا الحديث عن أثر الاحتلال من هذا الجانب، في فلسطينيي الداخل، وأثر هذا بالتالي في النصوص الأدبية، فكيف يمكن لك تشخيصه؟

للاحتلال أثر كبير جداً في بنيتنا الاجتماعية والنفسية؛ فقد أرهق حياتنا وأقلق كرامتنا، لكنّه في المقابل شحذ هممنا ووحّد بيننا، وكان له الفضل الكبير في بحثنا عن سبل وطرق جديدة في المقاومة، وفي استنفار إرثنا النضالي، والبحث عن الأسس الأصيلة لهويتنا.

- تقتات على حكايات العائلة والمخيم وطرائف الطلبة وإبداعاتهم وتتلصّص على نساء رام الله في مرات وعلى جاراتك وعلى العشاق في المقهى، زياد شغوف بالتفاصيل؛ منذ متى نمت هذه النزعة لديك؟ ومتى يشعر أنّ ثمة مشهداً ما يريد أن يخلّده في نصّ؟

لا أستطيع أن أكتب دون تفاصيل؛ التفاصيل الدقيقة هي البطلة الدائمة لقصصي، لا أستطيع أن أكتب المشهد القصصي دون أن أحفر أسفله، ودون أن أراقب تردّداته وأقيس صداه، ودون أن أطير فوقه لأراه من فوق، بحثاً عن آهات أو أنّات فاتتني.
إرث العائلة

لا أستطيع أن أكتب دون تفاصيل فالتفاصيل الدقيقة هي البطلة الدائمة لقصصي

- عادةً يتنصّل المثقف العربي من إرث العائلة والمجتمع والقرية حين يهمّ بدخول عالم الثقافة والكتابة، لكنّ زياد لا يفعل هذا، على العكس؛ هو دائم الوفاء لهذه البيئة، بل يغرف نصوصه منها، حدّثني عن هذا.

علاقتي بالعائلة والمجتمع علاقة مزدوجة؛ ففي الوقت الذي أرفض قيم العائلة المتخلفة، فإني أصوّر، محتفياً، مساحات الحنين والألفة والحميمية داخل العائلة، وأرفض قوانين العائلة، ولا أشارك في أعيادها، لكنّني لا أستطيع مقاومة الكتابة عن الأصالة؛ فهي حاضرة في كتاباتي دوماً.
أبحث عن الأصالة في كلّ المواقف؛ الأصالة طبعاً بالمعنى الإنساني المرن المتأثر بأحداث العالم والمحترِم لخصوصيتي.
- لا يتمترس زياد خدّاش وراء الشعارات، سواء كان ذلك في نصوصه الأدبية أو في التقاطاته عن الحريّات ووضع المرأة في فلسطين، أو حتى حين يعلّق على الوضع السياسي؛ كيف تصف علاقتك بالشعارات وأنت من جيل دَرَجَ على الشعارات الكبرى؟

لا أستطيع أن أكتب الشعارات، ولا أستطيع أن أعيشها أيضاً؛ أنا من جيل تمرّد على الشعارات، وركل الكلاشيهات بقدمه، وذهب عنيداً إلى التقاطات فنية إبداعية صادقة وصادمة، لا تهادن ولا تسقط في العاطفة المفرطة.

أكره السياسة والأحزاب

 لو شاخ نصّي سأموت فوراً
- يشعر المتلقي بأنّ خداش يفرّ من جدليات السياسة كثيراً، سواء كان هذا تجنباً للتضييق أو مهادنة أو عن اقتناع بالوضع القائم، يفرّ من خلال النصوص المفرطة في أدبيتها أو فكاهتها أو غرائبيتها، لكنّه يتحاشى السياسة بشكل لافت؛ هل تتفق مع هذا؟ وبماذا تفسره؟

أنا أكره السياسة؛ لم أنتمِ يوماً إلى حزب، ولم أفكّر يوماً في الاقتراب من تنظيم سياسي، لي صداقات عديدة في كلّ التنظيمات وأحترمهم جميعاً، لكنّني أرفض دعواتهم للانتماء الحزبي، وهكذا هي نصوصي أيضاً؛ لا تنتمي إلى تنظيم، ولا تتعاطف مع حزب؛ هي حرّة مثلي مجنونة غريبة لا تقبل التصنيف وتتحاشى التحديدات السياسية، ورغم ذلك لي موقفي السياسي الذي هو من حقّي، ومن واجبي.

- هل يحبّ زياد قصص زياد؟
أحياناً نعم، وأحياناً لا؛ كتبت كثيراً من الهراءات لاستمالة امرأة، أو لتأكيد موهبتي، أو لمجرد الخوف من الانقطاع عن الكتابة، أحب زياد وهو يكتب حياته وأخاف منه وهو يتفنّن في ابتكار مجاز غريب.

- ممّن يخاف نصّ زياد؟
من الشيخوخة؛ لو شاخ نصّي سأموت فوراً، فرح حياتي مرتبط بشباب نصّي؛ النصّ الشاب كما أفهمه هو أن يظلّ نصّي على قيد المفاجأة والانبهار بالأشياء والميل للخرق والمغامرة، والرغبة الدائمة في اكتشاف مناطق جديدة، وقول الأشياء بطريقة حرة والمشي مع العفوية.

- هل تشعر النصوص بكراهية بعض الأشياء والأحداث، كما نشعر نحن البشر؟

طبعاً، النصوص مثلنا تماماً؛ تكره وتبول وتأكل وتسافر، مثلنا تماماً، لكنّ الفرق بيننا وبينها هو أنّها تفعل ذلك بطريقة غير مباشرة وغامضة، وهذا سرّ سحرها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية