كيف أصبح ملف الأساتذة المتعاقدين محرجاً لحكومة الإسلاميين بالمغرب؟

المغرب

كيف أصبح ملف الأساتذة المتعاقدين محرجاً لحكومة الإسلاميين بالمغرب؟


27/08/2019

هي قرارات سياسية جريئة، لم يُشر إليها في البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، تحاشى سياسيون قبلهم الحديث عنها؛ خوفاً من ردّ فعل الشارع المغربي، لكنّ حكومة الإسلاميين بررتها، ودافعت عنها، رغم تداعياتها على المواطن، لتُسجّل بذلك نقطة سوداء في تاريخها السياسي.

اقرأ أيضاً: تحريض ضد متطوعات بلجيكيات في المغرب.. ما علاقة برلماني إسلامي بالقضية؟

"لم يعد الأستاذ يحظى بقيمة في المجتمع المغربي، فنحن مجرد متعاقدين يتحكّم فينا مدير المؤسسة، لا نشعر بالاستقرار المهني" يقول قشمار عبد الله، عضو التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد.
"سنواصل احتجاجاتنا"
ويعدّ ملف الأساتذة المتعاقدين، بحسب مراقبين، من الملفات المحرجة لحكومة الإسلاميين بالمغرب، بعد أن تحوّل خيار التعاقد في الوظيفة العمومية (الأساتذة المتعاقدين) إلى أزمة حقيقية، يُحاول حزب العدالة والتنمية الخروج منها.

محتجون: حكومة عبد الإله بن كيران تتحمّل كامل المسؤولية في خلق هذا المشكل الذي ينذر بأزمات متكررة ستصيب قطاع التعليم

وكانت حكومة العدالة والتنمية قد أشادت بالمشروع منذ بداياته، في تجربتها الحكومية الأولى، بقيادة عبد الإله بن كيران، معتبرةً أنّه خيار إستراتيجي، وحلّ لكافة مشاكل الإدارة العمومية بالمغرب.
ويخوض الأساتذة المتعاقدون، منذ فترة، احتجاجات تتخذ أشكالاً مختلفة، تشمل المسيرات والاعتصامات والإضرابات، "من أجل إدماجهم بشكل مباشر في أسلاك الوظيفة العمومية".
وتُشدّد أحزاب الأغلبية في الحكومة المغربية على أنّه "لا تراجع عن قضية الخيارات التي اتخذتها الحكومة إزاء قضية الأساتذة المتعاقدين".
يُضيف قشمار، عضو التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، في تصريح لـ "حفريات": "الحكومة لم تستجب لمطلبنا بالإدماج في الوظيفة العمومية، وسنُواصل احتجاجاتنا حتى يتحقق ذلك".
ملف الأساتذة المتعاقدين من الملفات المحرجة لحزب الإسلاميين بالمغرب

"أشعر بأنّني لا أساوي شيئاً"
ويُشير المتحدث ذاته إلى أنّ الأستاذ المتعاقد يعيش ظروفاً اجتماعية صعبة؛ بسبب تأخر الراتب، ونظرة المجتمع له؛ كونه ليس بالموظف الرسمي، وأنّه مجرد أستاذ متعاقد ستنتهي فترة عمله بعد مدة محددة.
ويرى عبد الغني، أستاذ متعاقد، أنّه ضحية القوانين التي فرضها حزب العدالة والتنمية للقضاء على التعليم العمومي.
الأستاذ المتعاقد أبلغ "حفريات": "أنا أعيش في خوف مستمرٍّ من الطرد، أشعر بأنّني لا أساوي شيئاً، رغم أنّني أستاذ".

اقرأ أيضاً: المغرب: هل ينجح السلفيون التائبون في مواجهة التطرف؟
وكان رئيس الحكومة والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران،  هاجم الأساتذة المتعاقدين، قائلاً: إنّ "كثيراً من الناس لا يؤدون واجبهم على السبيل الصحيح ويطالبون بالحقوق"، مضيفاً: "هذا النهج غير سليم ويضرّ بالبلاد، ولا يمكن لمن يغشّ في عمله أن يفلح في الحياة والآخرة"، وجاء تصريح بن كيران في لقاء له مع أعضاء حزبه في مدينة تارودانت، جنوب المغرب.
وفي السياق ذاته، تابع بن كيران: "الأساتذة سيُسألون عن أيّ تقصير منهم كما يُسألون عن الصلاة والصيام".
"إذا طالبنا بحقوقنا سيطردوننا"
وتزامن هجوم بن كيران على الأساتذة المتعاقدين مع المسيرة والاعتصام الوطني الذي نفذه الأساتذة بشارع محمد الخامس، أمام مبنى البرلمان بالرباط، واستعملت السلطات خراطيم المياه لفضّ الاعتصام، ما خلَّف إصابات في صفوف الأساتذة المتعاقدين.

اقرأ أيضاً: هل تلاحق الفضائح الأخلاقية أعضاء في الجماعات الإسلامية بالمغرب؟
ويرفض الأستاذ عبد الغني (ليس اسمه الحقيقي)، كشف هويته، خوفاً من طرده: "إذا طالبنا بحقوقنا سيطردوننا، إنّه وضع مؤلم، هم يدركون أنّ وظيفة التعليم هي الفرصة الوحيدة لخريجي الجامعات للاندماج في سوق الشغل، ليست لدينا فرص أخرى، لا شيء سوى البطالة".
عانى عبد الغني من البطالة بعد تخرجه من الجامعة: "ستة أعوام وأنا أعيش عالة على عائلتي، وبعد كل هذا أنا اليوم مقيَّد بعقد، ومجبر على القبول بشروطه وعدم الاعتراض على أي بند فيه، ومهدَّد في كلّ لحظة بالعودة إلى البطالة".
لم تنجح الحكومة أيضاً في حل مشكلة الطلبة الأطباء

لماذا تتحمل حكومة بن كيران كامل المسؤولية؟
وقال مصدر آخر في تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد: إنّ "حكومة عبد الإله بن كيران تتحمل كامل المسؤولية عن خلق هذا المشكل الذي يُنذر بأزمات متكررة، ستصيب قطاع التعليم".
وأضاف المصدر ذاته، لـ "حفريات": "صحيح أنّ ملف التوظيف بالعقد مُهِّد له منذ الميثاق الوطني للتكوين، بيد أنه لم تجرؤ أيّة حكومة على تمرير هذا الملف الخطير إلا حين ترأّس حزب العدالة والتنمية الحكومة، وما يبرز مكر ورغبة هذه الحكومة في تمرير هذا الملف".
أزمة الطلبة الأطباء
ولم تنجح الحكومة أيضاً في احتواء أزمة الطلبة الأطباء، رغم تكوينها لجنة تتبّع وزارية، حيث قرر الطلبة مقاطعة الامتحانات الاستدراكية والتصعيد.

معلم متعاقد: أعيش في خوف مستمرّ من الطرد وأشعر أنّني لا أساوي شيئاً رغم أنّني أستاذ

وبحسب التنسيقية الوطنية لطلبة الطبّ؛ نجحت مقاطعة الامتحانات بنسبة 100%، بينما صرّح وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، بأنّ "نسبة حضور الطلبة لاجتياز هذه الامتحانات تراوحت على الصعيد الوطني بين 17 و33%، وشملت هذه النسبة الطلبة الأجانب والأطباء العسكريين".
وقاطع طلبة الطبّ الدروس النظرية والتطبيقية زهاء ثلاثة أشهر، خرجوا خلالها للشارع مراراً، بمسيرات ووقفات احتجاجية، وشارك فيها الآلاف من الطلبة من مختلف المدن.
هل الهجرة هي الحلّ الوحيد؟
ودان الطلبة المحتجون ما وصفوه "سوء جودة التدريب"، متمثلاً في الاكتظاظ وعدم استيعاب مراكز التدريب لأعداد الطلبة، ونقص أعداد الأساتذة الجامعيين الذين التحقوا بالتدريس في كليات الطبّ الخاصة، ورفع الطلبة شعارات تطالب بـ "تحصين الجامعة العمومية".

اقرأ أيضاً: لماذا أخفق اليسار في المغرب رغم فشل الإسلاميين؟
الوضعية التي يعيشها طلبة الطبّ بالمغرب، دفعت إيمان غ، طالبة في كلية الطلبّ، إلى التفكير بالهجرة خارج المغرب، ومواصلة تعليمها في ألمانيا.
تقول إيمان في تصريحها لـ "حفريات": "نُعاني من غياب إمكانيات التدريب، لا يوجد أيّ أمل في المواصلة بالمغرب، الهجرة هي الحلّ الوحيد والبحث عن بلد يحترم الكفاءات".
مكفوفون يهددون بالانتحار

مكفوفون يهدّدون بالانتحار
فئة أخرى صعّدت في وجه الحكومة، وهي تنسيقية "المكفوفين حاملي الشهادات"، فبعد الرسالة التي وجّهوها للقصر الملكي لإنصافهم، حاول أزيد من عشرين مكفوفاً ومكفوفة من التنسيقية الوطنية للمكفوفين المعطلين حاملي الشهادات بالمغرب، العبور إلى سبتة، لكنّ محاولاتهم باءت بالفشل.

اقرأ أيضاً: نسويات مغربيات في مرمى تكفير المتشددين والتحريض على قتلهن
وراسل المكفوفون هيئة الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان؛ بسبب ما وصفوها بـ "الأوضاع المخزية والذلّ والإقصاء الذي نعيشه بالمملكة المغربية؛ بحثاً عن الكرامة والإنسانية".
وهدّد المكفوفون بانتحار جماعي، بسبب عدم وفاء بسيمة الحقاوي، القيادية في حزب العدالة والتنمية، ووزيرة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية والمساواة، بوعودها.
حكومة العدالة تستهدف أضعف الفئات
ومن بين القرارات الجريئة التي قرّر الإسلاميون تنفيذها بالمغرب؛ فرض وزارة المالية إجراءات ضريبية متشددة، تتعلق بنظام الفوترة الإلكترونية، واشتراط التعريف الضريبي الموحّد للمقاولة في المعاملات التجارية، والإجراءات الجمركية المرتبطة بالمراقبة ومساطر الحجز.

اقرأ أيضاً: المغرب: التصوف في مواجهة التطرف.. لمن الغلبة؟
وبررت الحكومة هذا الإجراء؛ بأنّه جاء ضمن حزمة الإصلاحات الرامية إلى محاربة التهرب الضريبي، وفرض مزيد من الضبط على قطاع الأعمال.
لكنّ التجار والمهنيين رأوا أنّه استهداف لأضعف الفئات الاجتماعية؛ ممن هم بلا ضمانات أو حماية اجتماعية.
وفي سابقة أولى من نوعها تاريخياً؛ خاض التجار وأرباب المحلات وأصحاب المقاهي إضراباً عاماً، ما شلّ الحركة بكبرى المدن الاقتصادية للمغرب، كأكادير والدار البيضاء والرباط.

الصفحة الرئيسية