السخرية.. سلاح الألمان لمكافحة التطرف

السخرية.. سلاح الألمان لمكافحة التطرف


28/08/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


أطلقت ولاية شمال الرّاين-وستفاليا الألمانيّة قناة ساخرة على أمل منع الشّباب من التّحوّل إلى الرّاديكاليّة، وذلك عبر منصّة مشاركة مقاطع الفيديو، يوتيوب.
ويتكوّن المشروع، الّذي أطلقه مكتب حماية الدّستور في الولاية، من جزأين: قناة ساخرة على موقع يوتيوب، وقناة واقعيّة مُصاحِبة.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة الجديدة تواجه ألمانيا التطرف...
قناة "جهادي فوول [:أحمق]" الكوميديّة، الّتي أُطلِقت يوم الخميس (22 آب/أغسطس الجاري) في معرض "غيمزكوم" لألعاب الكمبيوتر في كولونيا، تقوم على الاسكتشات الكوميديّة الّتي، وفقاً لكلمات وزارة الدّاخليّة، "تتناول بشكل ساخر عبثيّة الرّاديكاليّة والإرهاب والإسلامويّة"، بينما تشير القناة التّعليميّة، الّتي سوف تنطلق يوم الثّلاثاء، إلى مقاطع الفيديو السّاخرة وتفكّك الدّعاية السّلفيّة مستخدمةً الحقائق.
والاسم فيه إحالة إلى تعبير "جهاد كوول [:ظريف]"، الّذي يستخدمه المتطرّفون من أجل التّرويج للجهاديّة باعتبارها نمط حياة عصريّاً.

أطلقت ولاية شمال الرّاين-وستفاليا الألمانيّة قناة ساخرة على أمل منع الشّباب من التّحوّل إلى الرّاديكاليّة

وعلى مدار عام، سيتمّ إصدار 32 مقطع فيديو ساخراً و16 مقطع فيديو واقعيّاً من خلال المشروع الّذي تبلغ كلفته 500,000 يورو (557,000 دولار).
ويُظهِر مقطع ساخر أحد الشّعوبيّين اليمينيّين وإلى جانبه متطرّف إسلامويّ؛ حيث يربط التّحيز ضدّ المرأة.. أثناء محاولتهما تغيير معتقدات أحد المارّة؛ ويحتوي مقطع آخر على برنامج تلفزيونيّ خياليّ بعنوان "وداعاً سوريا"؛ حيث يتكيّف متطرّف سابق مع صراعات الحياة المُضجِرة بعد عودته إلى ألمانيا.
هذا، وقد شُوهدت مقاطع الفيديو الخاصّة بالقناة أكثر من 11,000 مرّة في المجموع وحصدت آراء متنوّعة: فقد وجدها بعض المشاهدين مسلّية، في حين انتقد آخرون استخدام أموال دافعي الضّرائب في ذلك. وفور نشرها، تلقّت قناة "جهادي فوول" 424 اشتراكاً.

قناة "جهادي فول" السخرية والفكاهة في مواجهة التطرف

المتطرّفون "لا زالوا نشطين"

من جانبه، صرّح وزير الدّاخلية في ولاية شمال الرّاين-وستفاليا، هربرت ريول، في بيان صحافيّ، أنّ الهزيمة العسكريّة لما يسمّى بخلافة "الدّولة الإسلاميّة" (داعش) لا تعني أنّ الـ 3,100 متطرّف سلفيّ الّذين يعيشون في أكثر الولايات الألمانيّة اكتظاظاً بالسّكان قد "اختفوا في الهواء".
وأضاف ريول: "لا زالوا نشيطين ويستخدمون كافّة القنوات الّتي يمكنهم استغلالها لتجنيد الشّباب".

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. ألمانيا تواصل ترحيل الأجانب
كذلك، سلّط الضّوء على أهميّة استخدام المنصّات الإلكترونيّة نفسها لمحاربة عمليّات سحب الشّباب نحو الرّاديكاليّة، مضيفاً أنّ "الحذاقة والفكاهة والحقائق هي أقوى أسلحة الدّيمقراطيّة".
وتابع ريول: "إنّ وكالةً تابعة لمكتب حماية الدّستور تأخذ مهمّة الوقاية على محمل الجدّ لا يمكنها ببساطة أن تختار عدم المشاركة في مثل هذه المنصّات. فيجب علينا أن نذهب أينما يكون جمهورنا المستهدف".

خبراء: خطوة جيّدة ولكن...
تقول يوانه غوليسورخ، الباحثة في "أُفُق" - وهي منظّمة نَشِطة في مجال مكافحة الرّاديكاليّة الإسلامويّة - إنّ مقاطع الفيديو السّاخرة تُعدّ فكرة رائعة، لكن نجاحها سيعتمد على كيفيّة التّرويج لها.
وتضيف: "نعلم أنّ الخطاب المضادّ، خاصّة إذا روِّج له على أنّه قادم من المؤسّسات الحكوميّة، لا يكون فعّالاً مقارنةً بذلك القادم من أشخاص لهم تأثير على مواقع التّواصل الاجتماعيّ".

أوستولد: من العقبات التي تَحول دون منع الرّاديكالية أنّ الأئمة الّذين يستطيعون التّصدّي للأفكار السّلفيّة لا يتحدّثون الألمانيّة جيّداً

وتتابع غوليسورخ أنّ "أُفُق" قد حقّقت نجاحاً في العمل مع كوميديّين ألمان مشهورين في الماضي، وتشدّد على مبادرات من قبيل "قُل اسمي"، وهو مشروع للوكالة الفيدراليّة للتّربية المدنيّة يهدف إلى منع التّطرّف بين الشّابات الّلائي تتراوح أعمارهنّ بين 14 و25 عاماً، وذلك عبر استخدام مقاطع فيديو لأشخاص لهم تأثير على مواقع التّواصل الاجتماعيّ؛ حيث يناقشون مجموعة من الموضوعات بما في ذلك الهويّة والتّطرّف.
ويقول المؤرّخ والخبير في الإسلامويّة، كريستيان أوستولد، لموقع "دويتشه فيله" إنّه يمكن لمقاطع الفيديو السّاخرة أن تُسهِم في مكافحة التّطرّف، ولكن لكي ينجح هذا، من المهم إشراك هؤلاء الّذين لديهم سلطة داخل المجتمعات الإسلاميّة [في الدّول الأوروبيّة].

اقرأ أيضاً: ألمانيا: انطلاق أكبر مؤتمر للأديان في العالم.. هذه محاوره
والعائق في مواجهة رسائل الإسلامويّين على موقع يوتيوب، كما يقول أوستولد، يكمن في أنّ هذه المنصّة قد استُخدِمت بشكل رئيس من قِبل الدّعاة السّلفيّين الّذين يعرفون جيّداً كيف يتلاعبون بالشّباب المسلم بشكل فعّال.
وكما يضيف، هناك عقبة أخرى تَحول دون منع الرّاديكالية ألا وهي أنّ "الأئمة الّذين يستطيعون التّصدّي للأفكار السّلفيّة في مساجدهم لا يتحدّثون الألمانيّة في كثير من الأحيان بشكل جيّد للغاية، ولهذا السّبب فإنّ ظهورهم عبر وسائل الإعلام يُعدّ أمراً مستحيلاً فعليّاً".

وزير الداخلية في ولاية شمال الراين ويتسفاليا هيربرت رويل

المتطرّفون يغيّرون تكتيكاتهم
تُلاحِظ يوانه غوليسورخ من فريق "أُفُق" أنّ أساليب المتطرّفين قد تغيّرت في الأعوام الأخيرة. فبصرف النّظر عن استخدامهم الآن لمنصّات من قبيل انستغرام لنشر رسالتهم، فإنّهم يركّزون بدرجة أقلّ على الدّين وأكثر على موضوعات عامّة مثل السّياسة والرّأسماليّة والنّسويّة.

باحثة ألمانية: أفضل طريقة لمكافحة الرّاديكاليّة تكمن في توفير مساحة للشّباب بألمانيا ليشعروا بأنّهم ينتمون إلى هذا المجتمع

وتتابع: "على سبيل المثال، لديك حساب على يوتيوب بواسطة "جينيريشن إسلام" ولن تكون قادراً على معرفة أنّ هذا موقع إسلامويّ لأنّه يعالج مواضيع يوميّة مثل العنصريّة".
وتوضح غوليسورخ أنّ هذه القنوات تبثّ المنشور الدّينيّ العرضيّ الّذي لا يحتوي على مضمون إسلامويّ صريح - وعندما يصل إليها المشاهد ويتّصل بالقناة، ربما في رسالة مباشرة، يكون احتمال سحبه نحو الرّاديكاليّة ممكناً.
ويمكن لمالِك الموقع أو غيره الوصول إلى بعض المستخدمين في قسم التّعليقات ومحاولة سحبهم نحو الرّاديكاليّة.
ومع ذلك، وكما تقول غوليسورخ، فإنّ عدد مرّات الإعجاب والمشاهدات الّتي يحصل عليها أيّ فيديو لا تُعدّ مؤشراً على أنّ الأشخاص الّذين يشاهدونه قد أصبحوا متطرّفين.

الهويّة في المقدّمة
تقول غوليسورخ إنّ "أُفُق" توصّلت أيضاً إلى أنّ مشاريع مكافحة الرّاديكاليّة يمكن أن تنجح إذا لم يُركّز المشروع بشكل خاصّ على الرّاديكاليّة الإسلاميّة ولكن أيضاً على مواضيع مثل الدّيمقراطيّة والهجرة.
والهويّة والدّين من بين الموضوعات الّتي تحتاج إلى معاملة حسّاسة.
وتضيف غوليسورخ: "إذا قمت بفتح هذا الموضوع (الدّين)، فأنت بحاجة إلى توخّي الحذر لأنّه يمكنك الدّخول في لعبة أشبه بالبينغ بونغ - فهناك دائماً شخص يعرف الأمر بشكل أفضل أو مختلف".

اقرأ أيضاً: مخاوف في ألمانيا من اختراق اليمين المتشدد لأجهزة الاستخبارات قبيل الانتخابات
وتضيف: "بدلاً من قول (سأريك كيف تعيش)، من الأفضل أن تقوم بذلك وتتمثّله".
وغالباً ما تأتي الرّاديكاليّة من شعور المرء بأنّه ليس جزءاً مهمّاً من المجتمع وافتقاره إلى الانتماء.
يقول كريستيان أوستولد: "إنّ البشر، قبل كلّ شيء، كائنات اجتماعيّة تسعى جاهدةً لاعتراف وتقدير بيئتها".
ويقول إنّه عندما يشعر النّاس بالافتقار إلى الانتماء، فإنّهم يميلون إلى الابتعاد عن المجتمع بدلاً من التّقدّم نحو الآخر. وهذا هو الوقت الّذي يمكن أن يصبحوا فيه "عُرضَة لتأثير الوعّاظ السّلفيّين، الّذين يقولون لهم: المشكلة ليست في كونك مسلماً، وإنّما في هذا المجتمع الّلا-إسلاميّ الكافر".

غوليسورخ: أفضل طريقة لمكافحة الرّاديكاليّة هي توفير مساحة للشّباب ليشعروا بأنّهم ينتمون للمجتمع

سياسات لا تحض على الانتماء

تقول غوليسورخ إنّ أفضل طريقة ممكنة لمكافحة الرّاديكاليّة تكمن في توفير مساحة للشّباب في ألمانيا ليشعروا بأنّهم ينتمون إلى هذا المجتمع.
وتضيف: "بعض الشّباب يرون أنّ آباءهم وأجدادهم قد عاشوا هنا لمدّة 20 عاماً لكنّهم ما زالوا لا يستطيعون التّصويت، على سبيل المثال. ومن ثمّ لا يواجه هؤلاء الإقصاء والعنصريّة في حياتهم اليوميّة فقط".

اقرأ أيضاً: الجيش الألماني في مواجهة التطرف..
وتتابع أنّ هذا مهمّ بشكل خاصّ في ولاية شمال الرّاين-وستفاليا، الّتي بها عدد كبير من العمّال الأجانب والمهاجرين.
ومن جانبه، صرّح فولفغانغ بيز، المتحدّث باسم وزارة الدّاخليّة، لـ "دويتشه فيله" بأنّ الوزارة ستقوم بتقييم كيفيّة تطوّر المشروع ومقدار الحركة على القناة قبل أن تقرّر تمديد المبادرة لمدّة عام آخر.


المصدر: لويزا رايت، دويتشه فيله



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية