في الذكرى السادسة لمجزرة الكيماوي: من يحاسب نظام الأسد؟

سوريا

في الذكرى السادسة لمجزرة الكيماوي: من يحاسب نظام الأسد؟


29/08/2019

عندما يبحث أيّ شخص، اليوم؛ عن مقاطع فيديو عبر موقع "يوتيوب"، توثق مجزرةً، أو حدثاً دامياً، أو مشاهد للتعذيب في السجون، أو أيّ مشهد يحتوي على عنف ما، لا يمكن للمرء أن يتحمله؛ لا يظهر الفيديو المراد مشاهدته على الفور؛ إنما تظهر للمشاهد، شاشة سوداء؛ على يمين الشاشة، دائرة كبيرة، بداخلها إشارة تعجّب، وقد كُتِبَ على الشاشة السوداء العبارة التالية: "أشار منتدى "You Tube" إلى أنّ المحتوى التالي غير ملائم أو مسيء لبعض الجماهير، نوصي بالحذر عند المشاهدة"، وتحت هذه العبارة، مستطيل صغير باللون الرمادي كُتبت عليه، إجابة "مفترضة" من الشخص المشاهِد للفيديو، في حال وافق على متابعة "إجراءات" المشاهدة: "أعي ذلك وأرغب في المتابعة".

من يحاسب نظام الأسد؟

لكنّ شريحة كبيرة من السوريين، اليوم، عندما تمرّ ذكرى قصف الكيماوي على الغوطتين الشرقية والغربية (21 آب /أغسطس 2013)، يدخلون على موقع "يوتيوب"، ويشاهدون مقاطع فيديو لليوم الذي جرى فيه قصف صواريخ محملة برؤوس كيميائية، بداخلها غاز السارين، وعندما يرون تلك الفيديوهات التي تتضمن مشاهد لأطفال قتلوا خنقاً، والزبد يملأ أفواهم المغلقة، بعد أن تنفسوا غاز السارين، لا يكونون أثناء تكرار مشاهدة مقاطع الفيديو التي شاهدوها آلالاف المرات على مدار ستة أعوام، من هذه النوعية من المشاهدين الذين وضع لهم اليوتيوب الإجابة المفترضة: "أعي ذلك وأرغب في المتابعة" فقط، فالأمر لا يمكن اختصاره بـ "الرغبة" في مشاهدة مقاطع فيديو لمجزرةٍ، قد شاهدوا أجزاءً من تداعياتها من خلال العشرات من مقاطع الفيديو، التي حاولت توثيق ما جرى لضحايا المجزرة. بل يكاد الأمر أشبه بعملية تقشير لبقعة دمٍ قد تيبست فوق جرح مفتوح لا يندمل، ولا يتعافى مع مرور الزمن، وبعد عملية التقشير هذه، يلين الجرح، وينبض بـ "الحياة" مجدداً.

تسبَّب الهجوم الكيميائي الذي شنه النظام السوري على غوطتي دمشق الشرقية والغربية في 21 آب 2013 بمقتل 1127 شخصاً

ويشعر المشاهد/ السوري أثناء استعادته للحظات الأولى لمجزرة الكيماوي، عبر مقاطع فيديو، حنّطتها التكنولوجيا عبر موقع يوتيوب، بمشاعر متناقضة، وتتقاطع مع بعضها، وتنهك جسده وروحه؛ إذ إنّ أول فيديو يخطر على بال المشاهد/ السوري مشاهدته، هو مقطع فيديو من دقيقة وعشرين ثانية، والذي صدم جميع من شاهده في ذلك الوقت، لطفلة تبلغ من العمر حوالي عشرة أعوام تقريباً، مستلقية على سرير داخل مستشفى ميداني، في منطقة الغوطة الشرقية، جسدها يختلج، وتعاني من حالة هلع، تصرخ بوجه الطبيب الذي يقف فوق رأسها، بكلام غير مفهوم في البداية، لكن الطبيب يقول لها ليطمئنها: "ايه عمو أنتِ لسا عايشة"، فتسأل الطبيب لتتأكد: "أنا عايشة ... أنا عايشة؟" بعدها نشاهد الطفلة وهي تحاول إمساك وجهها تارة، وإخراج لسانها وتلمّسه في أصابع يدها تارة أخرى، وتتابع الصراخ بعدها.
بعد تأثر المشاهد بحالة "نجاة" طفلة من مجزرة الكيماوي، سيظهر له فيديو آخر، لأب يحتضن جثتَي طفلتَيه، اللتين لم تنجوا من القصف الكيماوي، وفارقتا الحياة مختنقتين بغاز السارين، وستتوالى بعدها مقاطع فيديو لمئات الأطفال والنساء والرجال ممن قتلوا اختناقاً بغاز السارين.

اقرأ أيضاً: بواسطة هذه الشركات تهرب إيران نفطها الى سوريا
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان؛ "تسبَّب الهجوم الكيميائي الذي شنته قوات النظام السوري على غوطتي دمشق الشرقية والغربية، ليلة الأربعاء، 21 آب (أغسطس) 2013، في مقتل 1127 شخصاً، بينهم 107 أطفال، و201 سيدة (أنثى بالغة)، وأصيب قرابة 5935 شخصاً".
قبل المجزرة بأسبوعين؛ كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد نشرت، بتاريخ 5 آب (أغسطس)؛ "تقريراً شاملاً حول استخدام النظام السوري للغازات السامة 28 مرة في 5 محافظات سورية"، وجاء فيه: "يمتلك النظام السوري ما يقدر بـ 800 طن من غاز السارين، هذه الكمية قادرة على تصنيع حوالي 2500 قنبلة مدفعية، و100 رأس حربي كيميائي لصواريخ سكود، وهذه الكمية كافية لإبادة سكان دمشق وحمص وحماه وحلب، ويعمل في برنامج تطوير الأسلحة الكيميائية ما لا يقل عن 300 شخص، أغلبهم من الطائفة العلوية، وهم محاطون بسرية، ومراقبة مستمرة، ولا يعلمهم أحد، ولا حتى قادة الجيش أو الوزراء". 

يمتلك النظام السوري ما يقدر بـ 800 طن من غاز السارين
أما في تقرير الشبكة، الذي جاء بعد وقوع مجزرة الكيماوي، بتاريخ 26 آب (أغسطس) 2013 ، فجاء في مقدمته ما يأتي: "في يوم الأربعاء، بتاريخ 21 آب (أغسطس) 2013، قرابة الساعة 3 صباحاً؛ قصفت قوات النظام السوري منطقة الغوطة الشرقية، ثم في الساعة 5 صباحاً، قصفت منطقة الغوطة الغربية، بحسب فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بما فيه من خبراء منشقين عن النظام السوري، وفي تقديرات أولية؛ فإنّ النظام السوري قد أطلق قرابة الـ 10 صواريخ، وتقدَّر سعة الصاروخ الواحد بـ 20 لتراً، أي إنّ المجموع الكلي 200 لتر، وهذه تعدّ ثاني أكبر هجمة كيميائية في العالم، بعد استخدام نظام صدام حسين الأسلحة الكيميائية في العراق، في 16-17 آذار (مارس) 1988، التي قتلت أيضاً آلاف البشر، وشكّلت وصمة عار في جبين الإنسانية جمعاء، والمأساة تتكرر الآن بحق أبناء الشعب السوري".

اقرأ أيضاً: هل تعيد صورة "فتاة إدلب" أزمة الأطفال في سوريا إلى دائرة الضوء؟
في منتصف شهر آب (أغسطس) 2012؛ حذّر الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية، ونقلاً عن وكالة "رويترز" للأنباء، التي نشرت تقريراً لتصريحات باراك أوباما، قبل عام من مجزرة الكيمياوي في الغوطتين، وذلك بتاريخ 20 آب (أغسطس) 2012 جاء فيه: "حذّر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الرئيس السوري، بشار الأسد، يوم الإثنين، من أنّ استخدام أسلحة كيماوية، أو بيولوجية، في الصراع الدائر في بلاده سيكون "خطاً أحمر"، وألمح إلى أنّ مثل هذه الخطوة ستدفع الولايات المتحدة لدراسة ردّ عسكري".
وقال أوباما: "ستكون هناك "عواقب وخيمة" إذا تقاعس الأسد عن تأمين أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها"، مشيراً إلى أنّه "أحجم في هذه المرحلة عن الأمر بتدخل عسكري أمريكي في سوريا". وتابع أوباما: "كنا واضحين للغاية مع نظام الأسد وأيضاً مع الأطراف الأخرى على الأرض، بأننا إذا رأينا أنّ مجموعة كاملة من الأسلحة الكيماوية تتحرك أو تستخدم، فهذا خطّ أحمر بالنسبة إلينا، هذا سيغيّر أيّة حسابات".

اقرأ أيضاً: كيف ستستجيب برلين لطلب واشنطن إرسال قوات برية لسوريا؟
لكن بعد مجزرة الكيماوي، في 21 آب (أغسطس) 2013، كان الموقف الأمريكي مناقضاً لتصريحات أوباما؛ إذ توقّع كثير من السوريين المعارضين للنظام، والثائرين ضدّه، أنّ وقت محاسبة النظام وتأدبيه، قد جاءت، بعد تجاوزه لـ "الخطّ الأحمر"، وهو استخدام الأسلحة الكيميائية، وحدوث مجزرة مريعة بحق أهالي الغوطتَين.

وصمة عار في جبين الإنسانية جمعاء
لكنّ ما حدث؛ أنّه تمّ استبدال خيار محاسبة النظام السوري على جرائمه بحقّ الشعب السوري، باتفاق روسي أمريكي، يقضي بنزع الأسلحة الكيميائية في سوريا؛ ففي منتصف شهر أيلول (سبتمبر) 2013، عقد مؤتمر صحفي مشترك لوزير خارجية روسيا، سيرغي لارفروف، ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، جون كيري، ونقلاً عن تقرير نشر على موقع "بي بي سي" عربي، بتاريخ 14 أيلول (سبتمبر) 2013: "اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على اتفاق ينصّ على أنّ ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية يجب أن تدمَّر، وأن يتمّ التخلص منها بحلول منتصف 2014".
وحدّد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، خطة عمل من ست نقاط، يجب أن تقوم سوريا فيها بتسليم قائمة تفصيلية كاملة بكلّ مخزوناتها خلال أسبوع، وإذا فشلت سوريا في الوفاء بالتزاماتها؛ فإنّ الاتفاق سيفرض عبر قرار من الأمم المتحدة يتضمن تهديداً بالعقوبات أو استخدام القوة العسكرية".

يشعر المشاهد السوري أثناء استعادته للحظات الأولى لمجزرة الكيماوي عبر مقاطع فيديو حنّطتها التكنولوجيا على موقع يوتيوب بمشاعر متناقضة

وأثمر هذا الاتفاق عن صدور قرار من مجلس الأمن رقم 2118 لعام 2013، ينصّ على تدمير السلاح الكيميائي في سوريا.
سوريون كثر رأوا أنّ هذا القرار بمثابة نجاة للنظام من العقاب والمحاسبة وقتها، وأنّ هذه الصفقة التي جرت بين روسيا وأمريكا، بمثابة إعطاء صلاحية للنظام السوري باستخدام شتى أنواع الأسلحة ضدّ الشعب السوري، طالما أنّه لا يقصفهم بـ "السلاح الكيميائي".
وفي الذكرى السادسة لمجزرة الكيماوي في الغوطتَين؛ نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً، في 21 آب (أغسطس) 2019، تحت عنوان" المحاسبة ما تزال غائبة في الذكرى السنوية السادسة لأكبر هجوم بالأسلحة الكيميائية في العالم، بعد اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية"، أكدت من خلاله استمرار النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية، وبحسب ما جاء في التقرير: "نفَّذ النظام السوري 156 هجوماً كيميائياً منذ هجوم الغوطتين بمحافظة ريف دمشق، 21 آب (أغسطس) 2013، حتى هجوم عقيربات بريف حماه الشرقي، في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2016، و13 هجوماً كيميائياً منذ هجوم عقيربات، حتى هجوم مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب، في 4 نيسان (أبريل) 2017، و14 هجوماً كيميائياً منذ هجوم مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب، في 4 نيسان (أبريل) 2017، حتى هجوم مدينة دوما بمحافظة ريف دمشق، في 7 نيسان (أبريل) 2018، وهجوماً واحداً عقب هجوم دوما، وهو هجوم الكبينة بريف اللاذقية الشرقي، في 19 أيار (مايو) 2019".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية