4 معانٍ ارتبطت بمناسبة رأس السنة الهجريّة.. تعرّف إليها

4 معانٍ ارتبطت بمناسبة رأس السنة الهجريّة.. تعرّف إليها


10/08/2021

تلتبس مناسبة رأس السنة الهجريّة بمناسبة الهجرة النبويّة عند كثيرين، باعتبار الاشتراك اللفظي بين الاسمين، الفارق بينهما نحو سبعين يوماً؛ فالأولى تأتي في غرّة محرَّم، أما وصول النبيّ، عليه السلام، إلى المدينة فتخبرنا الروايات أنّه كان في الثاني عشر من ربيع الأول، مع ذلك؛ فإنّ رأس السنة ليس بعيداً تماماً عن حادثة الهجرة؛ فهو مرتبط بها معنوياً، كما أنّه مرتبط أيضاً بمعانٍ ودلالات أخرى، لنتعرّف إلى بعضها.
الارتباط بالفكرة.. لا بالشخص
ارتبطت الكثير من الأديان بمتعيّنات محدَّدة، كما الأرض في اليهودية، أو شخص المسيح في المسيحية، لكن الإسلام، ممثلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية، حرص على تنبيه المسلمين إلى عدم تقديس النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو الارتباط به كشخص، وإنما استمرّا بالتأكيد على أنّه مجرد إنسان وكائن بشريّ، وإنما امتيازه كان من جهة كونه حاملاً وناقلاً للرسالة الإلهية، فجاءت الآيات والأحاديث مؤكدة على معنى الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ [الكهف: 110].

اختير عام الهجرة للتأريخ به باعتبار أنّه كان لحظة التأسيس والتدشين للمجتمع الإسلامي

وعندما توسّع حكم المسلمين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وبعدت المسافات وطالت مدة وصول المراسلات بين الأمراء في الولايات، احتاج المسلمون إلى تأريخ الكتب بتواريخ تستند إلى عامٍ محدّد، وهنا جمع عمر الصحابة، رضي الله عنهم، وتشاوروا في الأمر، وتناقشوا تحديداً في اختيار لحظة البدء للتقويم الإسلاميّ، الذي هم بصدد ابتكاره.
وهنا جاءت الاقتراحات، ومنها ما ذهب إلى اقتراح التأريخ بالعام الذي شهد ميلاد النبيّ، عليه السلام، أو بعام وفاته، لكنّ عمرَ، رضي الله عنه، هنا كان منتبهاً إلى المعنى الذي تلقوه من النبي، عليه السلام، وترسخّ عندهم؛ وهو أنّ الإسلام ليس ديانة تقديس لبشر، أيّاً كان، وإنما هو فكرة ومبدأ ومشروع، فاختار عام هجرة النبي، عليه السلام، من مكة إلى المدينة، معبّراً عنها ومعللاً سبب اختيارها بقوله: "الهجرة فرّقت بين الحقّ والباطل"، وذلك أنّ الهجرة كانت لحظة التأسيس والتدشين للمجتمع الإسلامي الأوّل في المدينة، حين انتقل المسلمون الأوائل من مرحلة الاضطهاد والاستضعاف إلى مرحلة التمكين، فأقاموا مجتمعاً إسلامياً تسري فيه روح الإسلام وتطبَّق فيه تشريعاته وأحكامه، وهكذا فإنّ التقويم الهجري والعام الهجريّ كانا مرتبطَين بلحظة بداية الإسلام كمجتمع؛ بتاريخ المجتمع والفكرة، لا تاريخ الشخص.

اختار عمر التأريخ بعام هجرة النبي عليه السلام إلى المدينة

هويّة وشخصية مستقلة
عندما احتاج المسلمون إلى تأريخ الكتب بالأيام والأعوام، كان بالإمكان ببساطة اللجوء إلى اعتماد التواريخ المستخدمة آنذاك، من تواريخ الفرس والرومان، وغيرها من التواريخ التي كانت منتشرة وشائعة الاستعمال في المنطقة، ولكنّ المسلمين اختاروا استحداث وابتكار تاريخ وتقويم جديد، يكون خاصاً بهم ومعبراً عنهم، وعن سيرتهم وحكايتهم هم، لا حكاية غيرهم من الدول والممالك والحضارات.

مايزال التقويم الهجريّ يُعرف إلى اليوم بأنّه التاريخ الخاصّ بالحضارة والشعوب العربية الإسلامية

وإذا كان التاريخ البابلي يستند للحظة إخراج الإله مردوخ من العالم السفلي، بحسب الأساطير القديمة، والتاريخ العبري يبدأ بعام بداية الخليقة، كما تحدّده التوراة، والتاريخ الفرعوني يبدأ ببداية تشكل حكم السلالات الأولى، والقبطي بتاريخ سقوط الشهداء على أيدي الرومان؛ فإنّ التاريخ الإسلامي جاء ليعبّر عن التجربة والقصة الخاصة بالمسلمين، وظهور الإسلام، كدين وحضارة، على مسرح التاريخ، فكان لا بدّ من التعبير عن ذلك عبر اتخاذ تاريخ خاصّ ومستقل.
وما يزال التقويم الهجريّ يُعرف إلى اليوم بين التواريخ؛ بأنّه التاريخ الخاصّ بالحضارة والشعوب العربية الإسلامية، كما ترتبط بهذا التقويم جميع المناسبات الدينية الخاصة بالمسلمين؛ فهو أيضاً تاريخ ذو ارتباط ديني، يرتبط مباشرة بممارسة الشعائر والعبادات.

اقرأ أيضاً: 5 أشياء لا تعرفها عن التقويم الهجري

يُعرف التقويم الهجري بين التواريخ بأنّه التاريخ الخاص بالحضارة والشعوب العربية الإسلامية

بداية جديدة.. لعام جديد
بعد الاتفاق على اعتبار عام الهجرة هو لحظة البداية للتاريخ الإسلامي، الذي عُرف بعدها بالهجريّ، انتقل النقاش لتحديد لحظة بدء العام، واختيار اليوم والشهر الأول فيه، وهنا ظهر الاقتراح بأن يكون الثاني عشر من ربيع الأول هو اليوم الأول في العام؛ ذلك باعتباره هو التاريخ الأرجح بين الرواة ليوم وصول النبيّ، عليه السلام، إلى المدينة المنوّرة، ولكنّ عمر، رضي الله عنه، هنا كانت لديه حِكم أخرى أيضاً؛ فأراد ربط بداية العام الإسلاميّ بعبادة وشعيرة دينيّة جليلة، فكان اختيار يوم الأول من محرَّم، باعتباره يتزامن مع موعد عودة الحُجّاج من أداء الشعائر إلى بلادهم وأهلهم، فتكون لحظة عودتهم وفرحة استقبالهم هي البداية للعام، وإذا كان الحُجّاج يعودون، كما جاء على لسان النبيّ الكريم، في خطبة الوداع: "يعودون كيوم ولدتهم أمهاتهم بغير ذنوب ولا معاصٍ"، فإنّ بداية العام تكون مقترنة بمعاني النقاء والطهارة.

اختير الأول من محرَّم رأساً للعام لتكون بداية العام متزامنة مع عودة الحجاج

الفرحة والتبرّك
ارتبطت بعض أنواع الحلوى التقليدية، وأشهرها حلوى "المشبّك"، في الكثير من المدن العربية والإسلامية، بالتعبير عن الفرحة الشعبيّة بحلول المناسبات الدينية، وعلى رأسها مناسبة المولد النبوي، ولا تعدّ مناسبة رأس السّنة استثناءً؛ ففي هذا اليوم تنتشر في شوارع المدن القديمة، بالقدس ودمشق والقاهرة، رائحة حلوى المشبّك، وتظهر على الموائد بالبيوت أقراصه الساخنة؛ تعبيراً عن الفرحة باستقبال العام الهجريّ الجديد.

احتفاءً بالمناسبة تنتشر في شوارع المدن القديمة بالقدس ودمشق والقاهرة رائحة حلوى المشبّك

وفي الجزائر؛ تُصنع لهذه المناسبة أنواع خاصة من الحلويات التقليدية، وأشهرها طبق "الشخشوخة"، كما تنتشر عادة متوارثة لدى العائلات الجزائرية وهي "الدارس"؛ حيث يتم وضع طفل صغير في صحن كبير وغمره من طرف كبير العائلة بمختلف أنواع الحلويات، كفأل خير مع بداية العام الهجريّ الجديد، ليتمّ بعدها توزيع الحلويات على كلّ أفراد العائلة في أجواء مميزة.
أما في تونس؛ فيحرص التوانسة في يوم رأس السنة على إعداد طبق الملوخيّة تحديداً؛ وذلك تبركاً باللون الأخضر، حتى تكون فاتحة خير للعام كلّه. 
وفي الأعوام الأخيرة، ومع انتشار وسائل الاتصال الحديثة، ظهرت عادات مستحدثة للاحتفال بالمناسبة؛ حيث يتم تبادل بطاقات المعايدة والتهنئة والأماني السعيدة بمناسبة رأس السنة الهجرية، عبر هذه الوسائل. وهكذا، تظل هذه المناسبة والاحتفاء بها تعبيراً عن غنى التاريخ والتجربة الإسلاميّة، وعن ثراء الثقافة والتقاليد بين الشعوب العربية والإسلاميّة، على اختلاف الجغرافيا، ومرّ الزمن.

الصفحة الرئيسية