موعد نهاية الرئيس أوردغان

موعد نهاية الرئيس أوردغان


01/09/2019

فارس بن حزام

خاصم الرئيس التركي أكثر مما صاحب، لا في صعوده السياسي، ولا في استحواذه على مؤسسات الدولة، ولا في علاقاته مع الدول الاستراتيجية في المنطقة، وجاء يوم يشهد فيه بدء تفرق الناس من حوله، وتراجع اقتصاد بلاده، ولا يد عربية أو أوروبية ممدودة للمساعدة.

ليس قليلاً بحق الرئيس أردوغان انطلاق اثنين من دائرته الضيقة إلى فضاء جديد ينافسه. وزيرا الخارجية السابقان أحمد داود أوغلو وعلي بابا جان شهدا بداية حكمه، وخبرا نقاط ضعفه، ووثقا أخطاءه، وتخلص منهما، ونجح في تحويلهما إلى خصمين شرسين بدآ مسارين متوازيين، استعداداً لمقارعته عند أول امتحان.

لم يكن داود أغلو أو بابا جان قائدين عابرين في رحلة الرئيس أردوغان إلى الزعامة، للأول مكانة فكرية وسياسية، وللثاني جذور في تأسيس "حزب العدالة والتنمية"، ويخشى الرئيس الأول أكثر، خاصة بعد أن لوح له أخيراً بالملفات السوداء، والتقدير أن داود أغلو لن يكشف أشياء كثيرة سيئة، حتى لا يلاحق قضائياً، ولا يعيق تقدمه السياسي، فهو القادم من قونيا، مهد أبو الإسلاميين في تركيا الرئيس الراحل نجم الدين أربكان، والطامح للمضي على خطاه.

ومن سيرة الراحل أربكان يمكن الخروج بنقاط التقاء وتمايز مع الرئيس أردوغان، وعجز التلميذ عن استيعاب ذكاء الأستاذ، إذ ناور أربكان أمام الضغوط، وعندما حظر سياسياً قدم وجوهاً جديدة، وخبر جيداً أن الصراعات غريزة السياسة، وأن ما أسسه من أحزاب لن تكون خارج الطبيعة. في رحلته الحزبية وسلطته الحكومية أجاد صناعة التحالفات، والانحناء أمام العواصف، وفتح الآفاق أمام ممثلي خمسة أحزاب شكلها في ثلاثة وثلاثين عاماً، وتلك حيوية ورشاقة سياسية لا يجيدها الرئيس الحالي.

وفي عام 2001 صعد التلميذ أردوغان على كتفي الأستاذ أربكان، ومن إرث "حزب الفضيلة" المحظور أسس "حزب العدالة والتنمية"، واستقطب منه المجددين، الحالمين بعودة الخلافة العثمانية، وكانت تسعدهم تسمية "العثمانيين الجدد"، مع تنامي سطوة "المحافظين الجدد" في واشنطن على منطقتنا، بينما لم يكن أستاذ الإسلاميين نجم الدين أربكان بهذه الصراحة والانتشار، طبعاً لعلو كعب الجيش وقتها، ولكن ذلك لم يحده من التمدد في العالم الإسلامي، وتأجيل التغلغل في العالم العربي إلى مرحلة ثانية، إذ مع بدء رئاسته الحكومة عام 1996، سعى لتطويق العالم العربي عبر نسج علاقات وصياغة شبكة من الدول الإسلامية، طامحاً لقيام منظمة إسلامية منفصلة عن منظمة التعاون الإسلامي، ضم إليها من العرب مصر فقط. مشاريع فاشلة انتهت سريعاً. ولا تنسى الدول العربية حينها كيف بدأ عهده في المنطقة عبر أسوأ نظامين؛ إيران وليبيا.

ومن السياسة الخارجية للرئيسين، الأستاذ والتلميذ، كانت إسرائيل وستبقى الورقة الرابحة، إذا ضيق عليهما داخل بلادهما هادناها، وإذا استرخيا حارباها بالشعارات. كان ذلك نهج الرئيس الراحل أربكان، واقتفى الرئيس أردوغان أثره. وذات يوم جرب الأستاذ حظه بمحاربة وزير الخارجية، وحجب الثقة عنه؛ لأنه يقود عملية تحسين العلاقة مع إسرائيل. حالفه الحظ، فاستعجل استعراض عضلاته عام 1980، وتقدم بطلب قطع العلاقات مع تل أبيب، ودعا لتظاهرة كبرى تناصر القضية الفلسطينية، وامتلأت الشوارع، وغضب الجيش، وحلّ الحزب، وتولى رئيس الأركان كنعان إيفرين البلاد. أخاف أربكان خصومه حماة إرث المؤسس أتاتورك، ولم يميز حدود الحركة في الملفات الخارجية إلا لاحقاً، فعزز العلاقة مع إسرائيل، ونسج أردوغان على منواله.

لقد فعل العسكر بأربكان ما يفعله خليفته أردوغان اليوم بالجميع، وبتنا نشهد نهاية سياسية متقاربة في العمر؛ انتهى أربكان بمعارك الجيش وهو في الـ 71 عاماً، واليوم ينعم أرودغان في الـ 66 عاماً، ويشقى بتفسخ حزبه وانشقاقاته، وبداية نهايته.

عن "الحياة" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية