إما تونس أو النهضة

إما تونس أو النهضة


03/09/2019

فاروق يوسف

هما الشيء نفسه بالنسبة لراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية. فهو لا يرى بدا من أن يحكم حزبه قصر قرطاج من أجل أن تصل الأمور إلى خواتمها السعيدة. يومها سيكون عليه أن يعلن عن انتصاره على تونس. تلك الدولة التي أزعجته كثيرا ودفعت به إلى أن يكون لاجئا في بريطانيا.

الغنوشي أشهر عن سياسة ما بعد انتصاره على الخيار المدني التونسي الذي عرف أبناؤه كيف يمزقون وحدته من أجل أن ينتصر الإسلام السياسي بنزعته الدينية المتشددة على المجتمع ويحيله ركاما أسود لكثرة العباءات السوداء التي سيتم استيرادها من الصين.

يريد الغنوشي أن يلحق الدولة كلها به وبحزبه. قد يكون الحديث عن السلطات الثلاث مجرد نكتة بالنسبة له. فهو لا يؤمن إلا بـ"الحكم لله" تأكيدا لإخوانيته وهو لا يثق بأي سلطة مدنية منتخبة. وهو حين يجاري التونسيين في لعبتهم الديمقراطية فإنما يسعى إلى الوصول إلى البر الذي يمكنه من أن يدمج السلطات الثلاث في سلطة واحدة هي سلطة المرشد.

ولأن محمد بديع مرشد جماعة الاخوان لا يزال مغيبا في سجنه المصري فإن راشد الغنوشي سيكون وكيله بتونس.

ليس مستبعدا أن يعلن الغنوشي نفسه وكيلا عن المرشد الغائب إذا ما انتصرت حركة النهضة في الانتخابات. وقد يضع نفسه في موقع أكبر ذلك لأنه يحلم بأن يحتل مكانة شبيهة بمكانة خامنئي في إيران. لذلك فإنه يستعد للولاية على جمهورية تونس الإسلامية. وهو يشعر أن طريقه إلى ذلك الحلم صارت سالكة في ظل استضعاف التيار المدني لنفسه من خلال اختلافاته التافهة التي غطت على خطر حركة النهضة.

التونسيون اليوم في مرحلة ضياع ستكون حركة النهضة هي الجهة الوحيدة المستفيدة منها. فأخشى ما أخشاه أن يستسلم التونسيون للإحباط بسبب تمزق الجبهة الوطنية الذي لا تفسير له سوى هرولة البعض وراء مصالحهم الشخصية الضيقة التي أفسدت المشهد الانتخابي بطريقة هي أشبه بالفضيحة في مواجهة وحدة الصف النهضوي برصيده الشعبي الذي لا يُستهان به من جهة سعته.

ما يُخيف فعلا أن يدفع المشهد الانتخابي الذي يكاد أن يكون هزليا الكثيرين إلى مقاطعة الانتخابات وهو ما سيحطم آمال التونسيين في بناء دولتهم الجديدة وقطف ثمار ثورتهم. فالمقاطعة وهو ما يجب أن يدركه المرشحون المدنيون الذين لا يملكون حظوظا كبيرة في الفوز ستؤدي إلى استيلاء حركة النهضة على تونس كلها وليس على منصب رئاسة الدولة.

يومها سيخرج الشعب التونسي خاسرا وليس المرشحون وحدهم.

فـ"حركة النهضة" التي صار زعيمها يتحدث بصوت عال عن ثقته بالفوز الساحق لن تبقي تفصيلا من تفاصيل الحياة مستقرا في مكانه بل أنها ستسعى إلى التدخل في الحياة الشخصية من أجل إعادة صياغة المجتمع التونسي بما ينسجم مع أفكارها الظلامية.

من هذا المنطلق يمكنني القول أن مَن ينسحب من المرشحين الضعفاء لا يهب أصواته لمَن هو أقوى منه حسب بل يعبر أيضا من خلال انسحابه عن موقف وطني سيكون له أثره في بناء مستقبل تونس. وكما أعتقد فإن الشعب التونسي سينظر بعين التقدير إلى أولئك المنسحبين، كونهم قدموا مصلحة تونس وشعبها على مصالحهم الشخصية الضيقة.

انتصار الإسلام السياسي ممثلا بحركة النهضة في الانتخابات القادمة هو بكل تأكيد الباب التي ستهب من خلاله العواصف التي ستهدم الدولة المدنية التي كدح التونسيون بجهد خلاق ومبدع في بنائها منذ أكثر من ستين سنة. وهي ثمرة كفاحهم من أجل التحرر من الاستعمار.

لذلك فإن التخلي عن تلك الدولة بحجة عدم الاقتناع بهذا المرشح أو ذاك انما هو بمثابة خيانة للتاريخ التونسي الحديث. وهو ما يوجب على التونسيين أن يوحدوا صفوفهم لكي لا تضيع تونس. فحين تستولي النهضة على الحكم لا أمل لتونس في البقاء بلدا حرا وديمقراطيا.

عن "ميدل إيست أونلاين"

الصفحة الرئيسية