هل استقالة غرينبلات دليل على فشل صفقة القرن؟

صفقة القرن

هل استقالة غرينبلات دليل على فشل صفقة القرن؟


08/09/2019

في خطوة مفاجئة وبدون سابق إنذار، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تغريده له على موقع "تويتر" في الخامس من الشهر الجاري، استقالة جايسون غرينبلات المستشار الخاص له، والمكلف بإعداد خطة السلام الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة بـ"صفقة القرن".

اقرأ أيضاً: "صفقة القرن" نتاج مصيدة الاتفاقات مع اسرائيل
ويعد غرينبلات أشهر المناصرين لإسرائيل؛ إذ شارك قبل أشهر قليلة في افتتاح نفق طريق الحجاج أسفل بلدة سلوان بالقدس المحتلة، إلا أنّ محللين يرون أنّ استقالة غرينبلات دليل واضح على فشل تمرير "صفقة القرن" التي ولدت ميتة، بعد فشل تحقيق الجزء الاقتصادي منها الذي تم الإعلان عنه مؤخراً في مؤتمر المنامة.

عبد الستار قاسم: من أبرز العقبات الرئيسية أمام تحقيق السلام وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ضعف الشعب الفلسطيني والسلطة

وقال ترامب: "بعد نحو ثلاثة أعوام في إدارتي، سيغادر جايسون غرينبلات للانضمام إلى القطاع الخاص، كان جايسون شخصاً وفياً وصديقاً كبيراً ومحامياً رائعاً، لن ننسى إخلاصه لإسرائيل وسعيه إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين".

وتولى غرينبلات، وهو محامٍ متخصص في قانون العقارات، منصبه في كانون الثاني (يناير) 2017، ضمن فريق أمريكي شكّله ترامب لصياغة خطة التسوية بالشرق الأوسط.

ونقل عن غرينبلات قوله، في تصريح لراديو الجيش الإسرائيلي، مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إنّ ترامب لا يرى في المستوطنات التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية عائقاً أمام السلام، ولا يدين بناء المستوطنات، مضيفاً أنّ ترامب لن يفرض أي حل على إسرائيل.

غرينبلات هو المكلف بإعداد خطة السلام الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة بـ"صفقة القرن"

ويعتبر غرينبلات قريباً جداً من إسرائيل، وأثار غضب الدبلوماسيين الأوروبيين في الأمم المتحدة، في تموز (يوليو) 2019، حين اعتبر أنّ "السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط لن يصنعه القانون الدولي أو قرارات مكتوبة غير واضحة".

انحياز غرينبلات، ومعه الفريق الأمريكي بقيادة كوشنر والسفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان، للاحتلال في صياغة "صفقة القرن" والتي أعلن عنها ترامب في ورقته الانتخابية في العام 2016، دفع السلطة الفلسطينية إلى مقاطعة جهود السلام الأمريكية منذ أواخر العام 2017، عندما قرر ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس التي أعلنها "عاصمة لإسرائيل"، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، ووقف دعم وكالة الأونروا والأجهزة الأمنية الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: صفقة القرن ووهم الزخم .. وخداع عناوين الصراع

وعلق رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على قرار الاستقالة، قائلاً: "أود أن أشكر جايسون غرينبلات لعمله الدؤوب من أجل الأمن والسلام ولعدم تردده ولو للحظة بقول الحقيقة عن دولة إسرائيل في وجه جميع المسيئين لسمعتها، شكراً لك يا جايسون".

وقالت حنان عشراوي في تصريح "لوكالة فرانس برس" بُعيد إعلان استقالة غرينبلات، "أعتقد أنّه اعتراف نهائي بالفشل"، معتبرة أنّ هذه الخطة "كانت محكومة بالفشل منذ البداية".

وعلقت حركة حماس على استقالة غرينبلات من منصبه على لسان القيادي في الحركة وصفي قبها أنّ ذلك يُعد "دليلاً جديداً على فشل صفقة القرن، ومؤشراً على تخبط الإدارة الأمريكية في خياراتها تجاه القضية الفلسطينية".

حنان عشراوي

فشل تمرير صفقة القرن

وفي تعليقه على استقالة غرينبلات، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، عماد البشتاوي، لـ "حفريات" إنّ "صفقة القرن لن يتم تمريرها بسهولة، وقد تفشل هذه الصفقة في أي لحظة، والدليل على ذلك أنّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يحاول منذ ما يزيد على 3 أعوام عرض صفقة القرن، حتى بدأ المراقبون والمتابعون يرون أنّ هناك عقبات وخللاً واضحاً في عملية الترويج لها، في ظل تحفظ الطرف الفلسطيني عليها، ورفض الجانب الإسرائيلي القبول ببعض بنودها".

اقرأ أيضاً: الرفض الفلسطيني لصفقة القرن هل يدفع واشنطن للبحث عن قيادة بديلة؟

ولفت إلى أنّ "غرينبلات طالما كان يؤدي مهامه بشكل أحادي الجانب، ويظهر عداءه للفلسطينيين، وبقي حريصاً على تنفيذ المصالح الإسرائيلية واستثناء الحقوق الفلسطينية"، مستدركاً أنّ استقالته "لن تغير من الواقع شيئاً في ظل وجود قناعة راسخة لدى طاقم إدارة ترامب في البيت الأبيض منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية في العام 2016، على تبني فكرة واحدة وهي حماية إسرائيل والحفاظ على أمنها، وبالتالي فإنّ من سيأتي خلفاً له سيكون أكثر يمينية وصهيونية وتطرفاً منه، باعتبار أنّ المبعوث الجديد لترامب يعتبر الذراع اليمني لكوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، ويحمل نفس التوجهات التي كانت بجعبة غرينبلات سابقاً".

واشنطن ليست وسيطاً نزيهاً

ترامب، كما يتوقع البشتاوي، لن يطرح "صفقة القرن" بعد الانتخابات الإسرائيلية المقرر انعقادها في 17 الجاري، "ومن المتوقع أن يتم الإعلان عنها بعد تشكيل الحكومة الصهيونية المقبلة، وفي حال فشل تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة سيؤدي ذلك إلى دخول الرئيس الأمريكي ترامب في متاهة كبيرة، وقد يعلن الأخير أنّ الوقت غير كاف لعرض صفقة القرن، لكسب المزيد من الوقت مع قرب انتهاء الولاية الأولى لحكمه، والتي لم يتبق عليها سوى عام واحد للدخول في انتخابات رئاسية أمريكية مقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020".

وبخصوص أية مفاوضات إسرائيلية فلسطينية مستقبلية، يعتقد أستاذ العلوم السياسية أنّ ذلك "بحاجة إلى رعاية إقليمية ودولية؛ فالولايات المتحدة لم تعد وسيطاً نزيهاً لخوض أية عملية تسوية مستقبلية، كما أنّ واشنطن تدرك بشكل واضح عدم مقدرتها على تمرير صفقة القرن. وحتى إن نجحت في تنفيذها عبر قرارات أحادية، فذلك لا يعني أنّ الصفقة ستسير قدماً في تحقيق أهدافها الصهيوأمريكية".

اقرأ أيضاً: غزة.. بيضة قبان "صفقة القرن" وموقف حماس الصعب

وبسؤال البشتاوي عن مدى ارتباط نجاح أو فشل صفقة القرن بالموقف الرسمي الفلسطيني، قال إنّ "موقف القيادة الفلسطينية ليس مؤثراً على الساحة الإقليمية والدولية، وبالتالي فإنّ أي فشل أو نجاح للصفقة مرتبط بالمتغيرات العربية والإقليمية، وحتى اللحظة لم نجد أية دولة عربية تتبنى موقف الولايات المتحدة بتمرير صفقة القرن، إلا أنّ جزءاً من هذه الأنظمة يؤيدون تنفيذ هذه الصفقة وتمريرها سراً، وذلك خوفاً من تراجع ترامب عن طرح هذه الصفقة، وبالتالي الظهور بمظهر سلبي وغير لائق أمام القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، حتى باتت الأنظمة العربية على يقين تام أنّ الرئيس ترامب لا يمكن المراهنة عليه وعلى ثبات مواقفه في المنطقة".

غرينبلات طالما كان يؤدي مهامه بشكل أحادي الجانب ويظهر عداءه للفلسطينيين

عدم مقدرته على المناورة السياسية

وفي السياق ذاته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، عبد الستار قاسم، أنّ "استقالة غرينبلات ليس لها علاقة بتمرير صفقة القرن"، واصفاً "الصفقة" بأنّها "ولدت ميتة ولن تجد طريقها إلى التنفيذ، وما يدلل على ذلك فشل ورشة المنامة في تمرير الجزء الاقتصادي من الصفقة والذي تم الإعلان عنه قبل عدة أشهر، وسيفشل الجزء السياسي في تنفيذه على أرض الواقع أيضاً". وبيّن أنّ السبب الرئيس لاستقالة غرينبلات هو عدم مقدرته على العمل والمناورة السياسية بعد محاصرته بتصريحات ترامب ونتنياهو، والتي لم تمنحه فرصة على الإطلاق للحديث والجلوس مع الجانب الفلسطيني".

اقرأ أيضاً: الانقسام وصفقة القرن ليسا قدراً على الشعب الفلسطيني

ويضيف قاسم في تصريح لـ "حفريات" أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يريد السيطرة وضم الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، ولا يريد الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك الرئيس ترامب الذي يرفض الحديث مع الفلسطينيين، وقد جعلت هذه العوامل مجتمعة وجود المبعوث الأمريكي غرينبلات غير مجدٍ على الإطلاق في هذه المرحلة، بالرغم من تأييده الواسع والمطلق لإسرائيل".

خطة أمريكية فاشلة

ولفت المحلل الفلسطيني إلى أنّ "الولايات المتحدة منذ عام 1948، إلى الآن، تطرح مبادرات ومشاريع وأفكاراً وخططاً فاشلة لا تشتمل على أية عدالة أو مصداقية، وصفقة القرن لن تكون إلا كمثيلاتها من الخطط الأمريكية السابقة، وبالتالي أي خليفة لمبعوث ترامب السابق غرينبلات سيكون أكثر يمينية وتطرفاً وتأييداً للاحتلال الإسرائيلي، ومن المعروف سياسياً على مر العصور أنّ القوي يستقطب التأييد دائماً، وبضعف السلطة الفلسطينية حالياً فهي تخلق أعداءها بنفسها".

اقرأ أيضاً: هل ستكون حماس الطرف الفلسطيني الذي سيمرر "صفقة القرن"؟

وعن تأثير هذا القرار على السلطة الفلسطينية، والتي كان ينتابها الخوف بألا تحمل خطة السلام الأمريكية مبدأ حل الدولتين، يقول قاسم إنّ "السلطة الفلسطينية ليس لها تأثير مباشر وواضح على هذه القضية، وهي لا تمتلك خططاً واستراتيجيات مسبقة للتصدي لصفقة القرن أو إجراء دراسات حول تبعاتها ونتائجها، ومدى مقدرتها على تحمل عواقبها، أو حتى الرد على القرار الأمريكي والتصدي له".

اقرأ أيضاً: إسرائيل تبتلع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.. عن أي صفقة قرن يتحدثون؟

ويرى قاسم أنّ من أبرز العقبات الرئيسية أمام تحقيق السلام وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، "ضعف الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، وبالتالي فلا حلول أمام القيادة الفلسطينية سوى القبول بما يعرضه عليهم الأقوياء، باعتبار أنّ السلطة هي ليست جزءاً من معادلة القوى في المنطقة، وليست رقماً على طاولة المفاوضات، والضعف الفلسطيني هو الذي يضعف الحصول على حقوقنا المشروعة".

اقرأ أيضاً: هل سيقبل القادة العرب "صفقة القرن"؟.. عمرو موسى ودنيس روس يُجيبان

وكان ترامب كشف عن خطة مقترحة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال التجمع السنوي لزعماء العالم في الأمم المتحدة، في أيلول (سبتمبر) 2018، وكشف الجانب الاقتصادي من الخطة عن تخصيص 50 مليار دولار للاستثمارات الدولية في الأراضي الفلسطينية والدول العربية المجاورة على مدى عشرة أعوام.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية