ماذا تريد تركيا من الوطن العربي؟

تركيا والعرب

ماذا تريد تركيا من الوطن العربي؟


03/01/2020

لم تتوجّه أنظار تركيا إلى العالم العربي، قبل إدراكها الفشل ولو مؤقتاً، في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بعد محاولاتٍ بدأتها منذ العام 1987، ومثل حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان منذ العام 2002، التطلعات الجديدة نحو العالم العربي، التي عبرت عنها الأجندة الخارجية للرئيس التركي؛ حيث اعتمدت على تحالفاتٍ مع الإسلام السياسي، وترتيباتٍ مع إيران ودولة قطر وجماعة الإخوان.

الانطلاق من سوريا

رغم حديثه المتكرر من أنّه لا يبحث عن زعاماتٍ للعالم الإسلامي، بقدر ما يبحث عن شراكات، إلا أنّ أردوغان، الذي قاد بلاده للخروج من الأزمة الاقتصادية بعد سنواتٍ على صعود حزبه إلى سدة الحكم، أخذ بالبحث عن دورٍ في الوطن العربي، من خلال بعث مجد الأجداد الغابر، انطلاقاً من سوريا.

وشكلت سوريا منذ وقوعها تحت وطأة "الربيع العربي"، نقطة دخولٍ لتركيا إلى الوطن العربي؛ سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وبحسب تقارير موسعة نشرتها شبكة "ANN"بتاريخ 29 تموز (يوليو) 2012، فإنّ "صفقةً أمريكيةً تركية، منحت تركيا دوراً فعالاً على الأرض، تركها لتتحكم في الحدود مع سوريا، فتفتحها كما تشاء ولمن تشاء، أو لتتحرك عسكرياً وتقيم مناطق عازلة بينها وبين سوريا لاحقاً".

تسيطر تركيا على منابع دجلة والفرات وقامت العام 1998 بحرمان سوريا من 90% من مصادرها المائية

وهو ما يمثله، تحركها في إدلب وحلب سابقاً، كما ضد الأكراد اليوم، في منطقة عفرين السورية، منعاً للأكراد من تشكيل دولة، من خلال حجج أخرى منها تهم الإرهاب الموجهة إلى عفرين التي لا تقع بكل الأحوال داخل الحدود التركية، إلا أن تركيا تحاول إقناع الوطن العربي بعدالة هجومها العسكري على عفرين، من بوابة الإسلام السياسي، مروجةً أنها على خلافٍ مع أمريكا.

ولعلّ ما يعزى من سياساتٍ تركية وتدخلاتٍ في سوريا، تتم قراءتها في السياق الأردوغاني الحالي فقط، مع تناسي أن سياسة أردوغان تجاه سوريا تحديداً، مبنية على نفسٍ استعماري وطامعٍ قديم، بدأ منذ الاستيلاء التركي على لواء الإسكندرون عام 1939، ولم ينته بالخلافات المائية؛ حيث تسيطر أنقرة على منابع دجلة والفرات، وقامت عام 1998 بحرمان سوريا من 90% من مصادرها المائية من النهرين، وهو ما لم يتغير في عهد أردوغان.

شكلت سوريا منذ وقوعها تحت وطأة "الربيع العربي"، نقطة دخولٍ لتركيا إلى الوطن العربي

التوجّه نحو الخليج

بعد الدخول من بوابةِ سوريا إلى العالم العربي، موظفةً الطابع العثماني الغابر، والعاطفة الإسلاموية، وجدت تركيا مبرراً في توسعها من خلال عقد التحالفاتِ مع شريكٍ يتفق معها في طابعها وعاطفتها، ليكون حاضنةً لمشاريعها في العالم العربي، هذا الشريك هو جماعةُ الإخوان المسلمين، الذين ترعاهم دولة قطر أيضاً، وتروج لهم ويروجون لها بقوة، منذ العقد الأخير من القرنِ العشرين.

تركيا، التي وضعت نفسها في قلب الأزمة الخليجية منذ بدئها منتصف 2017، وقفت مباشرةً إلى جانب حليفها الإستراتيجي "قطر"، التي تبلغ حجم الاستثمارات بينهما 35 مليار دولارٍ أمريكي، كما أنهما يشتركان بإيواء ودعم أشخاصٍ ومحطاتٍ إعلامية تعمل على مهاجمةِ الدول العربية من الخارج، خصوصاً ممن ينضوون تحت جناح جماعة الإخوان.

ماير: يعد وجود آلاف الجنود الأتراك في قطر اليوم انحيازاً تاماً من أردوغان لمصلحة الدوحة

ويعد وجود آلاف الجنود الأتراك في قطر اليوم، "انحيازاً تاماً من أردوغان لمصلحة دولة قطر رغم أنّه يدعي لعب دور الوساطة في الأزمة"، بحسب رأي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط ،غونتر ماير الذي يقول، في مقابلة له مع موقع "دويتشه فيله" بتاريخ 20 تموز (يوليو) 2017، إنّ "تركيا تحاول ردع دول التحالف العربي خوفاً على مصالحها الاقتصادية الخاصة، كما أنها وضعت قاعدتها العسكرية كموطئ قدمٍ وحيدٍ في الخليج، وهي تدعم عقيدة وأيديولوجيا الإخوان المسلمين المشتركة بين أردوغان وقطر التي تعتبر أكبر داعم للجماعة".

ويشير ماير إلى "محافظة تركيا على علاقاتها مع إيران"، خصوصاً أن كلاً من تركيا وإيران تتوسعان سياسياً في اتجاهٍ يحاول تقليص (ولو ضمنياً) دور المملكة العربية السعودية كدولةٍ مؤثرة في العالم الإسلامي، كما أن تركيا "تتميز بإبقائها على مصالحها مع أوروبا بطريقةٍ أو بأخرى، مترافقةً مع خطابها الذي يروج أن القضايا العربية هي قضايا داخلية تركية يجب التدخل فيها"، وفق ماير.

وجود آلاف الجنود الأتراك في قطرانحياز تام لمصلحة دولة قطر رغم أنّه ادعاء أردوغان لعب دور الوساطة

عين على العرب وإفريقيا

ماتزال مصر اليوم، رغم التحولات السياسية التي شهدتها، تقف سداً منيعاً في وجه تمدد الإخوان المسلمين المتوافقين مع مشروع تركيا التوسعي في العالم العربي، ولعل هذه النقطة، تعد أبرز الأسباب لاختيار أردوغان السودان ليعلن منها يوم 25 كانون الأول (ديسمبر) 2017، تخصيص جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر شرقي السودان، لأجل تركيا، كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية غير محددة.

وتعليقاً على هذا الحدث، الذي شكل تحركاً تركياً تجاه الدول العربيةِ الإفريقية، قال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي منير أديب لـ "حفريات": "تركيا وقطر، تسعيان لفرض سيطرتهما على المنطقة، فالأولى تحيي حلم الخلافة والهيمنة على البحر الأبيض المتوسط، كما كان حادثاً بين عامي 1536 و 1912 ضمن مشروع الدولة العثمانية، أما الثانية، فتسعى للوقوف أمام المصالح العربية والخليجية عبر اتفاقيات أمنية وتجارية من شأنها الإضرار بمصالح دول الجوار".

تحافظ تركيا على علاقاتها مع إيران في مسعى لتقليص دور السعودية كدولةٍ مؤثرة في العالم الإسلامي

وأكد أديب أنّ "الدور التركي في القارة السمراء لا يمكن عزله عن طبيعة الصراع في هذه المنطقة، وتحديداً في منطقة البحر الأحمر، خاصة بعد تسليم مصر جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية؛ حيث يُرجح أن تركيا تسعى لإقامة قاعدة عسكرية بجزيرة سواكن السودانية، حتى ولو خرجت التصريحات من الجانبين (التركي والسوداني) مناقضة لذلك من أنها تسعى فقط لجعلها مركزاً سياحياً".

وبسؤاله عن التوسع التركي في العالم العربي وشطره في إفريقيا وأساليبه وأهدافه، أوضح أديب أنّ "حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للسلطة بتركيا في العام 2002، وهو يسعى للتقارب العربي والإسلامي، عبر بوابة الجماعات الإسلامية، ومن خلال دولة قطر".

أردوغان في السودان التي تبدي تعاونها مؤخراً مع "السلطان"

أما الهدف الأساسي خلف هذا التوسع الذي يخدم مطامع تركيا بالسيطرة، فرأى الباحث في شؤون الإرهاب الدولي، أنه يتعلق بـ "خلفيات النظام السياسي في الدول الثلاث التي شكلت حلفاً، السودان وقطر وتركيا؛ إذ يتضح أن الهدف هو ممارسة دورٍ ضد المصالح العربية والخليجية".

وتطرق أديب لدور هذه الدول شارحاً: "قطر هي وكيل أمريكا في الشرق الأوسط، وتركيا هي إعادة إنتاج لنظام الإخوان المسلمين في الحكم بعد سقوط نجم الدين أربكان وحزب الرفاه قبل سنوات، أما السودان فهي معبر جماعات العنف الإسلاموي سواء القاعدة أو ما شابهها، فالتقارب الفكري والفقهي والسياسي بين هذا النظام وهذه الجماعات كبير، وعلى أساسه قام بدعمها لفترات طويلة وما يزال".

أديب: تركيا وقطر تسعيان لفرض سيطرتهما على المنطقة عبر بوابة الجماعات الإسلامية

ولعلّ هذا النمط الطامع التوسعي، يقودنا إلى تونس أيضاً، التي زارها أردوغان في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، وترك انطباعاً سلبياً برفعه "شعار رابعة" الإخواني، ورفضه زيارة البرلمان التونسي الذي يمثل الديموقراطية في تونس، في إشارةٍ إلى توجهاته لدعم الفئات السياسية التي تخدم مصالحه فقط، من جماعة الإخوان وممثليها في هذا البلد.

وعلى الصعيدين؛ السياسي والإستراتيجي، تقود هذه الأحداث والآراء، للتساؤل حول ملامح الدور التركي القادم في العالم العربي، الذي يبدو دوراً قطبياً، داعماً لحركة الإخوان المسلمين، وداعماً لكل من يؤويها، محاولاً وضع قواعد اقتصادية وعسكرية، تؤمن له دوراً سلطانياً بائداً، إن صح التعبير، يضرب عرض الحائط بمصالح الدول العربية في الخليج والشرق الأوسط وإفريقيا، في منافسةٍ ربما تكون مع دولٍ أخرى، غير أن تركيا لا يهمها أن يقود العرب مصالحهم في أراضيهم، كما لا تهتم الأجندة الأردوغانية بالتجريف والحروب والفوضى، إن هي حققت مصالحها المبنية على استحضار أحلام السلاطين والنماذج الإسلامية التي تهدف للحكم فقط، من مقبرةِ التاريخ.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية