إحياء عاشوراء في المغرب: تشيّع بلا شيعة

المغرب

إحياء عاشوراء في المغرب: تشيّع بلا شيعة


10/09/2019

"عاشوراء مناسبة نبكي فيها ونرقص ونتبرك بالماء والنار...إنها جزء من عاداتنا وتقاليدنا وسنُحافظ عليها" هكذا تصف حنان العسري، شابة مغربية تعيش في الدار البيضاء، أجواء عاشوراء .
يحتفل المغاربة بعاشوراء بعديد من الطقوس المتناقضة، والغريبة أحياناً، هي عادات ورثوها عن أجدادهم بدون معرفة أصولها أو رمزيتها.
إشعال النيران
تُشير حنان، البالغة من العمر 24 عاماً، في حديثها لـ "حفريات": "هي طقوس رأينا أجدادنا يمارسونها في عاشوراء، لا نعرف ماذا تعني سوى أنّه يجب علينا ممارستها والحفاظ عليها؛ لأنها جزء من ثقافتنا".

الموروث الشفوي بالمغرب حافظ على بعض المظاهر الشيعية على شكل طقوس تظهر في بعض احتفالات مثل عاشوراء

تُنصب "الشعالة" قبيل يوم عاشوراء، وتعني إشعال النيران في أغصان الأشجار أو عجلات السيارات في الأزقة أو في أماكن فارغة، ثم الطواف والدوران حول النار الملتهبة، مع ترديد أهازيج وشعارات احتفالية بالمناسبة.
لا يخلو حي أو زقاق في المدن أو القرى من مظاهر الاحتفال بعاشوراء، وتخرج الفتيات خلال الأيام التي تسبق يوم عاشوراء للاحتفال والرقص في الشارع.
تضيف حنان: "نُردد أهازيج تحتفي بالنساء مثل "بابا عايشور ما علينا الحكام...عيد الميلود كيحكموه الرجال" وتعني أنّهم في مناسبة عاشوراء لا يحكمهم أحد، وأنّ الرجال يحكمون فقط في مناسبة المولد النبوي.
في عاشوراء تخرج النساء المغربيات للشارع للاحتفال والرقص

"التمرد على السلطة الذكورية"
تُعبر هذه الأهازيج التي ترددها النساء عن رغبتهنّ في التمرد على السلطة الذكورية والخروج إلى الفضاء العام، كما تربط النساء بين عيد مولد النبوي وسلطة الرجل.
وعن معنى هذه الأهازيج، تجيب حنان: "كُنت أرددها منذ كنت طفلة، ولا أفهم ماذا تعني، لكننا عندما نرددها في الشارع نشرع بالحماسة، وأحياناً نُوظفها كرد على أحد الرجال الكبار في السن الذي يطلب منا التوقف الرقص والغناء".

اقرأ أيضاً: البحرين تتوعّد المسيئين في عاشوراء
وتُغني النساء أيضاً "عيشوري عيشوري عليك دليت شعري"؛ أي إطلاق النساء لشعورهن في عاشوراء، و"أخرجوا يا الحاجبات هذا عايشور جات (عاد)" ويُقصد بهذه العبارة الدعوة لخروج النساء من بيوتهن واختراق الفضاء العام.
وتنوه حنان العسري إلى أنّه "فقط في عاشوراء يُسمح للفتيات بالبقاء في الشارع لوقت متأخر، ونتمتع بحريتنا في الرقص والغناء".

التلاحم والتضامن الاجتماعي
ترمز عاشوراء إلى تمرد النساء بالمغرب على القيود والخروج للفضاء العام في فترة زمنية وهي الليل الذي يعد حكراً على الذكور، كما أنّهن يتغنين بأهازيع تعود إلى عصور المجتمعات الأميسية بالمغرب، ما يعد فرصة للانفلات ولو رمزياً من السلطة الذكورية.

اقرأ أيضاً: حركة الصابرين.. هل تمثل ذراع التشيع الإيراني في غزة؟
وإلى جانب أهازيج التمرد، تتسم ليلة عاشوراء في المغرب بالتلاحم والتضامن الاجتماعي عبر تحضير الكسكس ببقايا لحم الأضحية المجفف، وتجتمع الأسر حول موائد الطعام، وتقدم أطباق الفواكه الجافة.
تضيف حنان في هذا الصدد : "تُحضر الأمهات والجدات الكسكس ببقايا لحم أضحية عيد الأضحى المجفف أي "القديد"، وتجتمع العائلة، كما يوزع رب الأسرة  على كل فرد نصيبه من الفواكه الجافة".
تُنصب "الشعالة" قبيل يوم عاشوراء وتعني إشعال النيران في أغصان الأشجار أو عجلات السيارات

"السحر والشعوذة"
وتتابع: "وتقص بعض الفتيات خصلات من شعرهن ليلة عاشوراء، اعتقاداً منهن بأنّ شعرهن طيلة السنة لن يتساقط".
ويتزايد إقبال بعض النساء على طقوس السحر والشعوذة، وتعد هذه الليلة بالنسبة لهنّ فترة خصبة لنجاح أعمالهنّ.

اقرأ أيضاً: التشيع في المغرب: وهم يراهن عليه الولي الفقيه كطابور خامس
يقول "مروان ي" شاب يعيش في مدينة الدار البيضاء لـ "حفريات" إنّ عاشوراء "ارتبطت لدى بعض النساء بالسحر خاصة في ليلة عاشوراء، عندما نشعل نيران (الشعالة)، كنا نُلاحظ تسلّلهنّ لرمي أعمالهنّ السحرية في النار".
يضيف مروان: "نعتبر (الشعالة) فرصة للاستمتاع مع أبناء الحي، لكن للأسف هناك من يستغل الحدث لممارسة الشعوذة".

"بابا عاشوراء قد مات وأغلقت عليه الأبواب"
وتختلف طقوس الاحتفال بعاشوراء من منطقة إلى أخرى بالمغرب، وتُقربنا الضاوية التي تعيش في منطقة قلعة السراغنة ضواحي مراكش من طقوس هذه المنطقة في عاشوراء.
وتقول الضاوية في حديثها مع "حفريات" : "نجمع العظام المتبقية من الأضحية، ونعد منها دمية، ونلبسها ملابس".

من عادات بعض المغاربة أنّهم لا يستحمون ولا ينظفون ملابسهم ولا يحلق الرجال ذقونهم حتى يدفنوا عاشوراء في المقبرة

وتضيف أنّهم في اليوم العاشر يحملونها للدفن في المقبرة، ويُغنون أهازيج من قبيل "بابا عاشور توفى سدو عليه الدفة" أي إنّ بابا عاشوراء قد مات، وأغلقت عليه الأبواب وهنّ يبكين ويصرخن، ويدفنّه في المقبرة رمزياً، ويمضين من 10 صباحاً إلى أذان العصر وهنّ يصرخن ويبكين بعد عملية الدفن، على حد تعبير الضاوية البالغة من العمر 66 عاماً.
وتتابع: "كانت والدتي تصطحبنا أيضا إلى ولي الله الصالح سيدي ابراهيم في أيام عاشوراء لنتبرك منه، ونبكي ونندب على عاشور الذي مات".
تُحضّر الأمهات والجدات الكسكس ببقايا لحم أضحية عيد الأضحى المجفف أي "القديد"

عادات غريبة.. "لا يستحمون ولا ينظفون ملابسهم"
تُشير الضاوية أيضاً إلى أنّه "منذ فاتح محرم إلى غاية يوم عاشوراء، لا يستحمون ولا ينظفون ملابسهم ولا يحلق الرجال ذقونهم، حتى يدفنوا عاشوراء في المقبرة"، مضيفة إلى أنّهم بعد عودتهم من المقبرة يستحمون وينظفون ملابسهم ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي.

اقرأ أيضاً: هل تصدّر إيران التشيع إلى المغرب العربي؟
وتشكو الضاوية من تراجع اهتمام هذا الجيل بطقوس الأجداد خلال عاشوراء، وتقول بنبرة حزينة: " للأسف هذا الجيل بدأ يتخلى عن عادات أجداده".
ويعتبر بعض الباحثين أنّ بكاء النساء في بعض المناطق أمام أضرحة، ومدح  آل البيت، وخروج  الناس إلى الشوارع بالطبول طقوس تشبه ما يمارسه الشيعة.
المظاهر الشيعية مستمرة
ويُشار إلى أنّ مناسبة عاشوراء لها مكانة خاصة في المجتمع الشيعي، الذي يُحيي ذكرى الحسين، رضي الله، حفيد الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي قُتل على يد يزيد بن معاوية، من خلال طقوس الحزن والبكاء ويُعذبون ذواتهم، اعتقاداً منهم أنّهم يكفّرون عن ذنب تركه وحيداً وعدم الالتحاق به في القتال.
ويعتبر بعض الباحثين أنّ هذه الطقوس الشيعية بالمغرب عبارة عن موروث شفوي من الدولة الفاطمية، التي كانت قد حكمت أجزاء من شمال إفريقيا، خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الفاطميين كانوا يعتنقون المذهب الشيعي، غير أنّ هذه الثقافة الشيعية اندثرت بعدما تم طمسها، من قبل الدول التي جاءت عقب انهيار الدولة الفاطمية. لكنّ الموروث الشفوي بالمغرب حافظ على بعض تلك المظاهر الشيعية على شكل طقوس تظهر في بعض احتفالات مثل عاشوراء.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية