تحويل النفط إلى مكانة إستراتيجية: لماذا نجحت الإمارات وفشلت ليبيا-القذافي؟

الإمارات وليبيا

تحويل النفط إلى مكانة إستراتيجية: لماذا نجحت الإمارات وفشلت ليبيا-القذافي؟


11/09/2019

استضافت العاصمة الإماراتية، أبوظبي، أول من أمس، مؤتمر الطاقة العالمي الرابع والعشرين، الذي ينعقد للمرة الأولى في مدينة شرق أوسطية، ما يؤشر إلى مكانة أبوظبي في قطاع الطاقة ودورها في إيجاد حلول لتحديات استدامة إمدادات الطاقة وتنويع مصادرها. وقد لفت وزير الطاقة والصناعة الإماراتي، رئيس المؤتمر، سهيل المزروعي، إلى أنّ اختيار شعار "الطاقة من أجل الازدهار" لهذا المؤتمر "دليل على التركيز على الإنسان وتلبيةً لتطلعاته نحو غدٍ أفضل؛ فالإنسان هو الأساس لكل مشروع حضاري وهو الاستثمار الحقيقي لوضع العلم والتكنولوجيا والابتكار في سبيل خدمة الإنسانية وتقدمها".

اقرأ أيضاً: الإمارات أيقونة العمل الخيري العالمي
ما يثيره هذا المؤتمر - بعيداً عن التفاصيل الإجرائية لهذا الحدث المنشورة في الصحف- أنّ ثمة دولاً نفطية نجحت في استثمار ثروتها وغناها بمصادر الطاقة، وعززت بالتالي دورها الإيجابي ومكانتها السياسية والإستراتيجية، بينما أخفقت دول نفطية أخرى في ذلك.

جانب من مؤتمر الطاقة العالمي الرابع والعشرين
ويقول محللون إنّ الفرق بين صعود النمور الأربعة (هونغ كونغ وماليزيا وتايوان وسنغافورة)، أو صعود قوى بريكس (البرازيل وجنوب إفريقيا والهند وروسيا والصين)، هو أنّ القوى شرق الأوسطية الصاعدة انطلقت من فائض في الثروة النفطية، إلى ثقافة تحويل سلعة إستراتيجية إلى دور إستراتيجي، كما أوردت صحيفة "العرب" اللندنية، التي أردفت بأنّ الدول النفطية كانت في السابق تعتمد على توفير هذه السلعة للسوق العالمية، وتترك الدور (الاستراتيجي) لدول أخرى أكبر لكي تقوم به. لكن صعود جيل جديد من القيادات في السعودية والإمارات، مثلاً، خلق مساحة جديدة أمام حركة هذه الدول بشكل مستقل، وهو ما ميزها عن مرحلة الصعود الآسيوي، وفق الصحيفة.

لماذا المقارنة بين ليبيا والإمارات؟
وعند الاستطراد، يمكن القول إنّه في السنوات الماضية، كانت في العادة تُجرى مقارنة متكررة بين الإمارات وليبيا في ظل سلطة حاكمها الراحل، معمر القذافي. ولعلّ من المقالات المفيدة التي ناقشت هذه المسألة رأيٌ كتبه قبل سنوات نائب رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط"، حينها، علي إبراهيم، الذي ذكر أنّ "بين الإمارات وليبيا (التي رزحت عقوداً تحت حكم العقيد القذافي) قدراً كبيراً من التشابه في الظروف والإمكانات الطبيعية والثروات، وتقريباً بداية الثروة النفطية، لكنّ البلدين اختارا مسارين مختلفين سياسياً، ما أدى إلى نتائج مختلفة تماماً على صعيد تطور كل منهما، نراها اليوم تميل كفتها بوضوح شديد لصالح الإمارات".

استضافت العاصمة الإماراتية أبوظبي أول من أمس مؤتمر الطاقة العالمي 24 الذي ينعقد للمرة الأولى في مدينة شرق أوسطية

وأورد إبراهيم أنّ تاريخ الإمارات، التي تأسست كدولة اتحادية في عام 1971، أحدث من ليبيا التي استقلت في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، ثم تحوّلت من الملكية إلى جمهورية على يد القذافي في 1969، لكنّ البلدين ارتبطا بالثروة النفطية التي شهدت فورتها الحقيقية في السبعينيات من القرن العشرين، وشكلت تقريباً جزءاً كبيراً من مسار منطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها الدولية صداقة وصراعاً.
ويشير المقال إلى أوجه التشابه والاختلاف، فيذكر أنّ عدد السكان متقارب نوعاً ما، مع مساحة كبيرة في ليبيا التي تعد الدولة رقم 17 على مستوى العالم من حيث المساحة. كما أنّ إنتاج النفط متقارب مع احتياطيات ضخمة وإمكانيات اكتشاف احتياطيات أخرى، خصوصاً في ليبيا التي ظلت لسنوات محرومة من الاستثمار الأجنبي بسبب المقاطعة الدولية أيام القذافي.
ميزات ليبية
وينبّه علي إبراهيم في مقاله المذكور إلى أنّه قد يكون لليبيا بعض الميزات النسبية على دولة الإمارات، فهي على ساحل المتوسط على مسافة قصيرة من أسواق التصدير الرئيسية المستهلكة للنفط في أوروبا، وبعض حقولها تكلفة إنتاج برميل النفط فيه منخفضة للغاية ولا تتجاوز دولاراً للبرميل.

بعض حقول النفط الليبية تكلفة إنتاج برميل النفط فيها منخفضة للغاية ولا تتجاوز دولاراً للبرميل
لكن ما الذي جعل البلدين مختلفين برغم أوجه التشابه، لا سيما في الموارد النفطية ومصادر الثروة؟ يجيب الكاتب على ذلك قائلاً: إنّ الخيارات السياسية رسمت مسارين مختلفين للغاية للبلدين؛ فالإمارات اختارت الواقعية السياسية المتفاعلة مع محيطها، وركزت على التنمية الداخلية، والأهم توظيف ثروة النفط في بناء دولة حديثة ومؤسسات اعتماداً على الخبرات المتوافرة في السوق العالمية، من دون أي عقد أيديولوجية، بينما العكس فعلته ليبيا على يد القذافي، فقد حكمتها العقد الأيديولوجية، والمغامرات الخارجية المستنزفة للموارد، وبدلاً من أن توظف ثروة النفط في بناء المؤسسات والتنمية الداخلية وتحديث الاقتصاد والمجتمع، انشغلت في برامج الأسلحة، وتصدير الثورات في المنطقة العربية وإفريقيا، من دون أن يكون الأساس الداخلي قوياً أو يمكن أن يكون نموذجاً لآخرين.

الإمارات اختارت الواقعية السياسية المتفاعلة مع محيطها وركزت على التنمية الداخلية والأهم توظيف ثروة النفط في بناء دولة حديثة

وينبّه الكاتب إلى أنّ الشعب الليبي وقع ضحية هذه المغامرات وسوء الإدارة لعقود، وهو يستحق أفضل مما وقع له، وفي هذا يقول علي إبراهيم، إنّ النفط ليس هو العامل الوحيد في التطور الذي وضع دولة الإمارات بتنوع مكونات الاتحاد على الخريطة العالمية بقوة، سواء اقتصادياً أو سياحياً أو سياسياً، فالأهم، برأيه، هو أنّ الإمارات نجحت في استخدام وتوظيف مميزاتها النسبية في عملية التنمية، والميزات النسبية تشمل الموقع والثروة والأسواق المجاورة والخبرات المكتسبة، بينما لم تنجح ليبيا في تاريخها الحديث في استخدام ميزاتها النسبية الكثيرة، وبدلاً من أن تكون مركز ازدهار إقليمياً، كانت دائماً عامل توتر وقلق أمني، كما يقول. ويتساءل الكاتب أخيراً: "من يدري، ربما كانت ليبيا اتخذت مسار الإمارات نفسه لو لم يأتِ القذافي إلى السلطة، وإن كانت كلمة "لو" لا تصلح في كتابة التاريخ؟".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية