هل تكون إسبانيا مثالاً لأوروبا الحائرة تجاه الإرهاب؟

هل تكون إسبانيا مثالاً لأوروبا الحائرة تجاه الإرهاب؟


18/09/2019

طيلة ثلاثة أيام من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري (11-13) التأم ثلة من الخبراء العرب والأوروبيين في مدينة إيرون الصغيرة المطلة على التراب الفرنسي بإقليم الباسك في إسبانيا، في الملتقى العالمي الأول لما أسماه المنظمون "الإرهاب الجهادي"، لمدارسة واحدة من أعقد القضايا التي تشكل اليوم الهاجس الرئيس للأوروبيين إلى جانب قضيتي الهجرة واليمين المتطرف الذي يطل برأسه في عدد من البلدان الديمقراطية الليبرالية.

اقرا أيضاً: من يقف وراء أسطورة "غزو المسلمين لأوروبا"؟
الملتقى نظّمه "المركز العالمي للأمن وتحليل المعطيات" الذي يوجد مقره في برشلونة ويترأسه الدكتور دافيد كاريغا، الخبير الدولي في علم الجريمة، ويتشكل طاقمه العلمي من كل من أنطونيو مارتين وبهاء الدين بومنينة وعدد من الباحثين الإسبان المشهود لهم بالكفاءة، وكاتب هذه السطور الذي تم تعيينه رئيساً لوحدة "تفكيك الفكر المتطرف" داخل المركز، بعد أن نشرنا في العام الماضي باسمه كتاباً لنا باللغة الإسبانية تحت عنوان "وجهاً لوجه مع الشيطان: جهادي فرنسي في أرض الإسلام"، الذي قدم له دافيد كاريغا.

ثمة شعور مشترك بضرورة التقارب أكثر للتصدي للتطرف الذي يهدد بالإساءة إلى العلاقات الأوروبية العربية

ورغم أنّ المركز حديث التأسيس؛ إذ لم يعلَن عنه إلا قبل عامين، إلا أنّه استطاع تنظيم العديد من اللقاءات والمؤتمرات العلمية داخل إسبانيا وخارجها، كما أنشأ مجلة شهرية هي "الغرباء" أصبحت اليوم من المجلات المطلوبة لدى الخبراء وصانعي القرار في الدوائر الأمنية داخل إسبانيا وفي البلدان الناطقة بالإسبانية، وهو ناشط في تنظيم اللقاءات التكوينية لفائدة رجال الأمن والخبراء السياسيين في البلاد في مجال مكافحة العنف والتطرف الجهادي.
مع الوقت تبدو ظاهرة الإرهاب والتطرف في إسبانيا أكثر فأكثر تعقيداً، وهذا ما يدفع مراكز البحث والمؤسسات العلمية والجامعات إلى تنظيم لقاءات ومؤتمرات مكثفة يُستدعى لها خبراء من العالم العربي ومن أوروبا بقصد تبادل الخبرات ووجهات النظر، والبحث عن أقرب الإجابات لأبعد الأسئلة.

اقرأ أيضاً: صحيفة بريطانية: جماعة الإخوان تروج للفكر المتطرف داخل أوروبا
وقد لاحظت من خلال مشاركاتي المتعددة مع المركز والإنصات للرؤى المقابلة لنا نحن العرب أنّ هناك الكثير مما هو مشترك بيننا كسكان لضفتي المتوسط، وأنّ هناك شعوراً بضرورة التقارب أكثر من أجل التصدي لهذا النوع من العنف الذي يهدد بأن يسيء إلى العلاقات الأوروبية ـ العربية، التي ليست في أفضل حالاتها على كل حال، لكن التطرف الأعمى يزيد في تأزيمها ويحاول إلغاء ما تم كسبه حتى اليوم بعد عقود من الشراكة المترددة.
بيد أنّ الجميع ينظر إلى الهجرة نظرتين متناقضتين؛ ففي إسبانيا يوجد أكثر من مليوني مسلم يحاولون فتح طريق لهم في مجتمع لا يزال يحمل جرح الحروب الكاثوليكية الإسلامية وعقدة الأندلس. وفي حين ينظر البعض إلى الماضي العربي لإسبانيا باعتباره قفلاً يرى آخرون أنّه يمكن أن يكون مفتاحاً.

إسبانيا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي له خبرة تاريخية طويلة مع الثقافة العربية دامت 8 قرون

في محاضرة دُعيت إليها العام الماضي هناك قلت إنّ التاريخ الإسباني مليء بالحضور العربي الإسلامي، وإنّ إسبانيا يمكنها أن تلعب دوراً أكبر في تجسير الفجوة بين العالمين العربي والأوروبي بحكم ماضيها وأهليّتها لتفهم الثقافة العربية والاستفادة من الخبرة الأندلسية. ولا تزال الجامعات ومراكز البحث والمؤرخون يصدرون كل سنة مؤلفات حول هذا الماضي الإسباني تعكس الاهتمام المتزايد بالحضور العربي القديم.
ويلاحظ أنّ إسبانيا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي له خبرة تاريخية طويلة مع الثقافة العربية دامت مدة ثمانية قرون، وهناك حركة استعراب واسعة، بل يرفض المتخصصون في "الاستشراق" الإسباني هذه التسمية ويفضلون مصطلح الاستعراب؛ لأن الاستشراق بالنسبة إليهم يعبر عن المسافة الموجودة بين المستشرق والثقافة العربية كثقافة تمثل الآخر البعيد، فيما يرون بالمقابل أن الاستعراب يعني وجود حالة من الاندماج بين الثقافتين؛ العربية والإسبانية، بحكم التعايش التاريخي الطويل بينهما، وبالتالي فإنّ "المستشرق" الإسباني عندما يتطرق إلى الشؤون العربية لا يكون وافداً عليها، بل جزء منها؛ ففي الدم الإسباني قطرات من الدم العربي.

اقرأ أيضاً: حزب الله يبحث عن المال في أوروبا
وتساعد هذه الخلفية الثقافية والتاريخية في إمكانية جعل إسبانيا قنطرة عبور نحو أوروبا، من خلال صوغ نموذج إسباني للتعامل مع الإسلام فوق ترابها يمكنه أن يصبح مثالاً للبلدان الأوروبية الحائرة اليوم في التعامل مع ظاهرة التطرف والعنف باسم الدين الإسلامي. وبالتأكيد لا يوجد تصور مثالي أو جاهز لهذا النموذج، لكن المراكز الفكرية ودوائر البحث بمعية المؤسسات العربية الموجودة في إسبانيا يمكنها أن تذلل الصعوبات، من خلال مشروع واعٍ للشراكة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية