بين العزوف والمقاطعة… هكذا عاقب شباب تونس السياسيين

تونس

بين العزوف والمقاطعة… هكذا عاقب شباب تونس السياسيين


23/09/2019

صدمة كبيرة أحدثتها النتائج غير المتوقعة في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية، وسط ذهول الطبقة السياسية بكل رموزها وأحزابها، بعد أن أفرزت فوز مرشحين من خارج النظام السياسي في البلاد، هما أستاذ القانون المحافظ قيس سعيّد وقطب الإعلام المعتقل في سجون البلاد، نبيل القروي، اللذان تفوقا على 24 مرشحاً آخرين من بينهم رئيس الوزراء ورئيساً وزراء سابقان ورئيس سابق ووزير دفاع.

صدمة كبيرة أحدثتها النتائج غير المتوقعة في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية

نتائج وصفها مراقبون بـ"المفاجأة"، فيما اختار لها آخرون توصيف "الزلزال الانتخابي"، و"الصفعة القوية" لمنظومة الحكم، وأحزابها، وأنّها مؤشر بارز على فقدان الثقة، من قبل الشعب التونسي، بالمؤسسة السياسية التي حكمت البلاد على مدار سنوات ماضية، خاصة أنّ أغلب التونسيين امتنعوا عن الإدلاء بأصواتهم، بما تم تفسيره بأنّه ردّ على فشل الحكومات التسع والرؤساء الثلاث الذين تعاقبوا على الحكم منذ العام 2011.
هذا وبلغت نسبة التصويت 45,02%، وفق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي قالت إنّ عدد المصوتين بلغ 3 ملايين و10 آلاف و980 ناخباً، من جملة أكثر من 7 ملايين ناخب يفترض أنّهم سجلوا في العملية الانتخابية كتعبيرٍ عن نيتهم في المشاركة في التصويت، من أصل حوالي 12 مليون ساكن.

اقرأ أيضاً: بركان في وجه إخوان تونس.. استقالات وانشقاقات وملفات فساد

تونس تنتخب رئيساً لها وسط عزوف تجاوز نسبة 50 بالمائة
ويعد الإقبال على هذه الانتخابات أدنى من مثيله في العام 2014 والتي وصلت نسبة المشاركة فيها 64 %، وأشرف على هذه الانتخابات آلاف المراقبين، بمن فيهم مكلفون من قبل هيئة الانتخابات، بالإضافة إلى منظمات غير حكومية ونقابية تونسية وأجنبية، منها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد الأوروبي ومركز "كارتر".

نسبة المشاركة في التصويت وصلت إلى 45,02% وهي أدنى كثيراً من سابقتها

على هذا الصعيد، يتوقع المختص في علم الاجتماع السياسي، سامي نصر، أن يشهد الدور الثاني للانتخابات التونسية ارتفاعاً مهماً لنسب عزوف الشباب عن الإدلاء بأصواتهم، مرجعاً ذلك إلى ركوب أحزاب النظام على الأحداث، رغم أنّه عاقبها في الدور الأول ظنّاً منه أنّه سيتخلص منها.
وأكد نصر في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ الدراسات الاجتماعية التي أجريت على فئة الشباب في السنوات الأخيرة، أكدت أنّ نسب عزوفهم عن الحياة السياسية والعمل الجمعياتي تجاوزت 80%، وتوقع نسبة عزوف أعلى بكثير من النسب التي تم تسجيلها، والتي تجاوزت 50%.
ضعف الإقبال التصويتي في الخارج
ضعف إقبال الناخبين لم تكن ظاهرةً محليةً فقط، كما تشهد بذلك مشاركة الجالية التونسية في فرنسا، التي تعد الأكبر حجماً بين الجاليات التونسية في الخارج، وتشكل قاعدةً انتخابية مهمّة يُقدّر عددها بمئات الآلاف؛ إذ يعتبرها مراقبون مؤثرة في تحديد التوجهات العامة للناخبين وحتى في تحديد النتائج النهائية؛ إذ كذبت هذه المرة التوقعات، وبلغت نسبة المشاركة فيها كالتالي، دائرة فرنسا 1 : 15.5 %، دائرة فرنسا 2: 6.9 %.
كما بلغت نسبة التصويت في دائرة الأمريكيتين وبقية دول أوروبا: 3.7 %، دائرة ألمانيا 12 %.

اقرأ أيضاً: التونسيون يقلبون الطاولة على "النهضة" والطبقة السياسية

قيس سعيد فائز غير متوقع في انتخابات تونس
إجمالاً، بلغ مجموع نسب إقبال الناخبين التونسيين بالخارج على صناديق الاقتراع، 9.2% من مجموع المسجلين، وبحسب هيئة الانتخابات فقد سُجلت أعلى نسبة إقبال في دائرة العالم العربي وبقية العالم حيث بلغت 19.1%؛ إذ توجه 6869 تونسياً إلى مراكز الاقتراع المسجلين بها من أصل 53897 شخصاً مسجلين في الانتخابات.

جمعي القاسمي: تونسيو الخارج لم يجدوا في الطبقة السياسية من يعطيهم أملاً في مستقبل أفضل

وأرجع المحلل السياسي جمعي القاسمي، ذلك، إلى ما اعتبره "هنات القانون الانتخابي، الذي يسمح لكل تونسي بالترشح في دوائر المغتربين (التونسيين بالخارج)، حتى وإن كان من خارج دائرتهم الانتخابية ولا يقيم فيها، ولا يعلم عن وضعهم أو احتياجاتهم شيئاً، وهو ما أثار استياء الجالية التونسية".
وشدد القاسمي في حديثه لـ "حفريات" على أنّ التونسيين المقيمين في المهجر، هم جزء من الجسم الانتخابي، ومعنيون بارتدادات الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، لافتاً إلى أنّهم "لم يجدوا في الطبقة السياسية من يعطيهم أملاً في مستقبل أفضل، ولم يقتنعوا بخطاب جل المترشحين، وهو ما جعلهم ينسحبون من المسار الانتخابي العام."
مفاجآت
انتخابات 2019 شهدت تراجعاً كبيراً لمرشحين تقليديين على غرار الرئيس السابق المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، وزعيم التيار الديمقراطي محمد عبو والمرشح اليساري حمة الهمامي، الذين حصلوا على نسب متدنية.
في المقابل، شهدت الانتخابات صعود مرشحين غير تقليديين، منهم أحمد الصافي سعيد، ولطفي المرايحي وسيف الدين مخلوف، وأفرزت مرشحين من خارج صندوق التوقعات السياسي وهما؛ القانوني قيس سعيّد، ونبيل القروي المحتجز بتهم فساد كان قد نفاها جميعها.

اقرأ أيضاً: شعارات "الإخوان" في رئاسيات تونس.. تزوير للتاريخ وتلاعب بالرأي العام
ويصف مراقبون المرشح قيس سعيد الذي فاز بالمرتبة الأولى من هذا الاستحقاق الرئاسي، بأنّه صوت الذين "خذلتهم" المنظومة السياسية التي حكمت البلاد منذ العام 2011، وهو من مواليد 22 شباط (فبراير) 1958 بتونس.
ويدعم سعيّد (الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري) تطبيق عقوبة الإعدام، ويرفض المساواة في الميراث بين الرجال والنساء، ويقوم برنامجه الانتخابي بالأساس على اللامركزية في الحكم، وهو مرشح مستقل لا يملك دعماً حزبياً، اختار في حملته الانتخابية طريقة التواصل المباشر مع الناخبين رافضاً عقد تجمعات شعبية على غرار البقية.
ويقدم نبيل القروي نفسه كرجل أعمال وناشطٍ سياسي، ويلقب بالقطب الإعلامي الموقوف في السجن منذ 23 آب (أغسطس) الماضي لتهم ترتبط بتهرب ضريبي وتبييض أموال، ولم يتسنَ له قيادة حملته الانتخابية والمشاركة في المناظرة التلفزيونية مع بقية المرشحين.

نبيل القروي مرشح مثير للجدل في تونس
من جهته، اعتبر المحلل السياسي محمد بوعود فوز كلّ من قيس سعيد ونبيل القروي، غير متوقع، ووصف مرورهما للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بـ "الضريبة التي كان على الطبقة السياسية دفعها، بعد أن خيبت انتظارات المواطن، وأهدرت سنوات وجهداً ومالاً في معارك لا علاقة لعامة الشعب بها، أغرقت البلاد في أزمات متتالية، وجعلت فئةً واسعة من التونسيين تفقد ثقتها في الوجوه التي أثثت المشهد السياسي منذ سنوات".

اقرأ أيضاً: قيس سعيد: الرجل الآلي الوفي لمبادئ الثورة
وأكد بوعود في حديثه لـ "حفريات" أنّ "سقوط السياسيين في حملات شيطنة خصومهم، جعلت الناخبين يبحثون عن بديل تكون فيه المواصفات التي عادةً ما تستهوي الشباب كنظافة اليد، والثورية والهوية".
ويحكم تونس منذ العام 2015 ائتلاف حكومي يجمع أساساً بين "حداثيي" حركة نداء تونس وإسلاميي حركة النهضة، فيما انفصلت لاحقاً قيادات عن حركة نداء تونس والتحقت بحزب تحيا تونس برئاسة الشاهد مطلع 2019.

لماذا امتنع تونسيون عن التصويت؟
يبدو واضحاً أنّ حالة من الإحباط، والخيبة، باتت تحكم المزاج الشعبي التونسي، وهو ما ولّد أزمة انعدام ثقة الناخبين في الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بعد الثورة، جراء تدهور أوضاعهم المعيشية نتيجة الغلاء، وتردي الخدمات وتدهور البنية التحتية، وهو ما اعتبره مراقبون السبب الأول والمباشر في ارتفاع نسبة عزوف الناخبين، فضلاً عن ارتفاع عدد المرشحين، البالغ عددهم 26 مرشحاً، وغياب الوضوح بسبب تشتت الناخبين وكثرة البرامج.
ويُعتبر تنظيم الانتخابات في ظرف استثنائي، بصفة مبكرة إثر وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بعد أن كانت مبرمجة في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، من بين الأسباب التي أربكت التونسيين، وشتت اختياراتهم.

سامي نصر: توقعات بارتفاع نسبة عزوف الشباب عن الانتخابات في الدور الثاني إلى نسب قياسية

ويرى الأستاذ في علم الاجتماع سامي نصر في تصريحه لـ "حفريات" أنّ التونسيين فضلوا "القفز في المجهول بدل إعادة انتخاب منظومة الحكم القديمة، التي سقطت في حملات الشيطنة والشيطنة المضادة"، مؤكداً أنّ الشعب التونسي توجه إلى صناديق الاقتراع بشيء من الإحباط والرغبة في الانتقام، "لأنّ الطبقة السياسية والنخبة التونسية لم تهيئه نفسياً لتلقي أزمات عقب قيام ثورة 2011، خاصةً أنّ علم الاجتماع السياسي، يقوم على نظرية أنّ الجيل الذي يقود ثورة يستحيل أن يجني ثمارها، بل سيجني أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأنّ الجيل الذي سيليه هو من سيستفيد من ثورته".
وأضاف نصر أنّ التونسيين اختاروا قيس سعيّد بناءً على نوع من "الغموض" الذي تميز به خلال حملته الانتخابية، وعلى بعض وعوده التي قامت على مبدأ تكافؤ الفرص بين الجهات وخريجي الجامعات والمثقفين، فيما ذهب إلى أنّهم اختاروا نبيل القروي لأنّه "ظهر كمعارض للنظام، وأقنعهم بتوجهه نحو القضاء على الفقر والتهميش، من خلال بعض الحملات الخيرية والمساعدات التي قدمها للفقراء والمهمشين".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية