رسائل إيرانية بـ "تنازلات" بعد عملية "أرامكو" السعودية

رسائل إيرانية بـ "تنازلات" بعد عملية "أرامكو" السعودية


24/09/2019

كشفت السياسات والمواقف الإيرانية، في تفاعلها مع الضربة التي تمّ توجيهها للمنشآت النفطية التابعة لـ "أرامكو" السعودية، أنّ إيران أخذت بمقولة "الانحناءة أمام العاصفة"، والتكيف مع ردّ الفعل الأولي، خاصّة في الساعات الأولى، بعد توجيه أصابع الاتهام، أمريكياً وسعودياً، للحرس الثوري الإيراني بمسؤوليته عن الوقوف وراء العملية بشكل مباشر، وأنّ التحقيقات الأولية أشارت إلى إطلاق الحرس الثوري حوالي عشرين مقذوفة، بين صواريخ "كروز" وطائرات مسيرة، من قواعد إيرانية على الحدود مع العراق، فيما لم تأخذ السعودية، أو الولايات المتحدة، بمزاعم الحوثيين بأنّهم يقفون وراء العملية.
وفيما يلي عرض للرسائل الإيرانية التي جاءت في إطار ردّ فعلها على العملية:
أولاً:
احتواء ردّ الفعل بالتأكيد، عبر سيل من التصريحات، عدم مسؤولية إيران عن العملية، وأنّ جماعة أنصار الله الحوثية هي من نفّذها، وأنّه لا يمكن التشكيك في قدرات الحوثيين على تطوير منظومات صاروخية وصناعة طائرات مسيرة بإمكانها الوصول للعمق السعودي، وأنّ العملية تأتي ردّاً على الحرب "الظالمة" التي تشنّها السعودية والتحالف العربي على اليمن، وبالتزامن؛ تمّ دفع القيادة العراقية لتبنّي نفي انطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة من العراق، بما يبعد الاتهامات الموجَّهة للحشد الشعبي العراقي، الموالي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية خامنئي.

تضمّنت الرسائل استعداد إيران للقيام بأدوار تهدئة في المنطقة في إطار تدخّلاتها الإقليمية مقابل رفع الحصار عنها

وإذا كانت قناعات أمريكية وسعودية، تؤكّد عدم وقوف الحوثيين، أو الحشد الشعبي العراقي، وراء العملية، إلا أنّ التصريحات اللاحقة لقيادات أمريكية وسعودية، بدأت تتراجع عن الجزم بأنّ الحرس الثوري الإيراني يقف وراء العملية، بما فيها تصريحات الوزير السعودي، عادل الجبير، الذي أكّد أنّه سيتمّ بحث إجراءات الردّ على إيران لاحقاً، "في حال ثبوت أنّها وراء العملية"، وهو ما يعني تأجيل الاتهام النهائي لنتائج التحقيق الدولي المزمَع إجراؤه حول العملية، خاصّة أنّ جهات دولية، روسيا وفرنسا، طلبتا التريّث في توجيه الاتهام لأيّة جهة بالوقوف خلف عملية "أرامكو".
ثانياً: التأكيد على مقولة إنّ إيران لا تريد الحرب، سواء مع المملكة السعودية أو أمريكا، تزامناً مع تأكيدات أمريكية صدرت عن الرئيس ترامب ووزير دفاعه بالاتجاه نفسه، ورفض إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى السعودية ودول الخليج، وتقديم عروض حول مشاركة الدول الخليجية وإيران في صياغة نظام أمني، يضمن أمن الخليج وخليج عمان ومضيق هرمز، في إطار مبادرة سيطرحها الرئيس الإيراني على دول الخليج.

اقرأ أيضاً: أسئلة عن إيران ومن خلفها
ومن المؤكّد أنّ تلك المبادرة تأتي لذرّ الرماد في العيون؛ حيث تفترض أنّ طرفاً ثالثاً يهدّد أمن الخليج، في حين كلّ التهديدات مرتبطة بالتصعيد بين إيران والولايات المتحدة، منذ إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، في أيار (مايو) من العام الماضي، والدور الذي يمارسه الحرس الثوري في حرب ناقلات النفط في الخليج.
ثالثاً: أقدمت إيران على خطوات ذات دلالة في إطار تدخّلاتها الإقليمية، والأدوار التي تمارسها في تقويض أمن الملاحة البحرية في الخليج، وفي سوريا والعراق واليمن، تضمّنت رسائل باستعدادها للقيام بأدوار تهدئة في المنطقة، في إطار تدخّلاتها الإقليمية، مقابل رفع الحصار عنها.

اقرأ أيضاً: لماذا يصف مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد إيران براعية الإرهاب العالمي؟
لقد كان لافتاً التوصل لاتفاق بخصوص اللجنة الدستورية خلال قمة أنقرة، التي عقدت بين الرؤساء "روحاني وأردوغان وبوتين"، ورغم عدم وضوح تشكيل اللجنة وآليات عملها، والعقبات التي ستعترضها لاحقاً، إلا أنّها شكّلت رسالة إيرانية باستعدادها للتعاطي مع الحلول المطروحة في سوريا، وتزامن ذلك مع تراجع ملحوظ في أدوار الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، بما فيها معارك ريف حلب وإدلب.
وبالتزامن؛ لم تكن المبادرة الحوثية بالتوقف عن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ضدّ المملكة السعودية، مقابل توقف القصف الذي يشنّه التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن، بعيدة عن توجيهات إيرانية مباشرة للحوثي، بعد عملية "أرامكو"، وربما استهدفت التسهيل على المملكة، لمواصلة الحوار والحلّ السلمي في اليمن، خاصة بعد انطلاق حوار أمريكي مع الحوثيين.

على كافة القوى المعنية بالملفات الإيرانية الاستعداد لمفاجآت في ظلّ تلكؤ أمريكي في اتّخاذ قرارات الحرب والسلم مع إيران

وفي العراق؛ تتوالى قرارات الحكومة العراقية حول الحشد الشعبي العراقي، الذي يمثّل النسخة العراقية من الحرس الثوري الإيراني، ولم يكن قرار إعفاء نائب رئيس الحشد الشعبي من مهامه، أبو فؤاد المهندس، المعروف بولائه المطلق لإيران، إلا رسالة إيرانية عن إمكانية المساهمة بحلول في العراق، خاصة أنّ الحشد العراقي موضع حوارات عراقية داخلية، جوهرها أنّ الإطاحة به، بصيغته الحالية، تشكّل عنوان الخطوة الأولى لانفكاك العراق من السيطرة الإيرانية.
وفي خطوة مدروسة؛ أفرجت إيران عن السفينة السويدية التي ترفع العلم البريطاني، والمحتجزة لدى السلطات الإيرانية، منذ شهرين، بالتزامن مع مغادرة الرئيس الإيراني طهران، متوجهاً إلى نيويورك؛ حيث اجتماعات الأمم المتحدة واحتمالات عقد لقاء مع الرئيس ترامب.

اقرأ أيضاً: في كل أزمة فتشوا عن إيران
وفي الخلاصة؛ إنّ ما بين النفي المطلق لمسؤولية إيران عن عملية "أرامكو"، والرسائل المتوالية من اليمن والعراق وسوريا، حول ما يمكن أن تقوم به إيران من مساهمة في إيجاد حلول في تلك المناطق، وما يجري من مفاوضات إيرانية – أمريكية، عبر وسطاء، بالسرّ وبالعلن، ورغم قرع طبول الحرب في الإعلام، فإنّ سيناريو الحرب في الخليج، يبدو أنّه أخّر السيناريوهات المحتملة، لأسباب مرتبطة بالداخلَين؛ الأمريكي والإيراني، وعلى كافة القوى المعنية بالملفات الإيرانية الاستعداد لمفاجآت، في ظلّ مراوحة أمريكية و"تلكؤ" في اتّخاذ قرارات الحرب والسلم مع إيران.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية