إيران و"الإخوان"

إيران و"الإخوان"


02/10/2019

أحمد مصطفى

لعل الأجيال التي عاشت فترة الثمانينات من القرن الماضي تتذكر كيف كان «الإخوان» أكثر حماساً لثورة الخميني في إيران واستبشروا بها كنموذج.
تواجه المنطقة حالياً خطراً لا يقل في أهميته عن الخطر الذي تمثله إيران على الأمن القومي العربي، هو محاولات تنظيم الإخوان العودة إلى الساحة، منطلقاً من مقره التأسيسي التاريخي مصر.
ورغم أن محاولة ركوبهم معاناة أغلب المصريين نتيجة الإصلاحات الاقتصادية الضرورية التي تقوم بها الحكومة قد فشلت، إلا أن ما شهدته مصر في الأسابيع الأخيرة يذكرنا بأن التنظيم لم ينته ولن يكف عن محاولاته التخريبية التي ما زالت مستمرة في ليبيا مثلاً وبدرجة أقل في بلاد أخرى في المنطقة. ورغم الضربات المتتالية التي عانى منها التنظيم، إلا أن فلوله - خاصة التي تحتضنها دول مثل تركيا - ما زالت نشطة وستظل تحاول.
لا شك أن الضربة التي أصيب بها التنظيم بالتغيير الذي حدث في السودان، والضغط العسكري الذي تتعرض له ميليشياته المسلحة في ليبيا ونتيجة الانتخابات الرئاسية التونسية التي كشفت تراجع شعبية ممثليه في هذا البلد الشمال إفريقي، كل هذه الأحداث جعلت التنظيم وداعميه يسعون مرة أخرى لاستهداف مصر. ورغم أن عمليات التنظيم، عبر ميليشياته الإرهابية في سيناء وغيرها لم تتوقف، إلا أن الإخوان من طبعهم أن ينشطوا أكثر حين يستشعرون ضعف الأوطان. وكان استشعارهم خاطئاً خائباً في مصر هذه المرة.
ومع ذلك، لن يتوقف التنظيم عن محاولة انتهاز الفرص خاصة أن رعاته يرون أن المنطقة مشغولة بمواجهة الاعتداءات الإيرانية وبالتالي فهناك فرصة للإخوان لمحاولة اختطاف الأوطان. ويجب ألا يختلط علينا أن الإثنين وجهان لعملة إرهابية متطرفة واحدة، والهدف هو الخداع بالخيار ما بين هذا أو ذاك. ويستغل هنا البعد الطائفي، الذي لا معنى له عندهم سوى أنه انتهازية واستغلال للدين لتحقيق أطماع لا علاقة لها بمصالح الشعوب.
ربما لا تجد تحالفاً علنياً واضحاً بين الاثنين، بل إن كليهما حريص على إبراز الطابع المذهبي للخلاف في استغلال للدين. إنما الحقيقة، والتاريخ القريب جداً يثبتان أنهما واحد من حيث الطبيعة والسلوك. وليس الأمر بظاهره، أن كليهما يقوده مرشد ولا أنهما يخدعان جمهور المسلمين بتسييس الدين ولا حتى أن حلفاءهما مشتركون وأساليبهما متشابهة مثل استغلال الجماعات المسلحة الموالية أو المنبثقة عن كل منهما. إنما أوجه الشبه والتقاطع أعمق بكثير. ولعل الأجيال التي عاشت فترة الثمانينات من القرن الماضي تتذكر كيف كان الإخوان أكثر حماساً لثورة الخميني في إيران واستبشروا بها كنموذج.
ما يهمنا هنا هو الإخوان، ذلك الورم الخبيث في جسد الأمة، وما عززته ثورة إيران لديه من تسييس الدين. ولعل التاريخ القريب جداً، قبل بضع سنوات، يذكرنا بصورة المتطرف محمود أحمدي نجاد في الأزهر الشريف مع الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي. لكن علاقة الإخوان بإيران تعود إلى ما قبل ذلك بكثير. وأذكر أنهم الفصيل الوحيد من العرب الذي حاول بعد احتلال العراق الكويت «التوسط» حتى لا يحارب أحد صدام حسين. وابتلع صدام طعم الثنائية الخداعية تلك، وغيّر علم العراق إلى شكل يستميل الإخوان.
ويطول الحديث في سرد الأمثلة على التعاون الوثيق أحياناً بين نظام الملالي في إيران وجماعات العنف والإرهاب التي خرجت من عباءة الإخوان. وليس ذلك في باكستان وأفغانستان فحسب، بل هو قائم وموجود الآن خاصة في اليمن ويشكل أكبر خطر على أمن وسلامة منطقة الخليج كلها بل والعالم العربي الأوسع.
وإذا كانت السياسة تعني أنه لا عدو دائماً ولا حليف دائماً، وأن مرونة المواقف والحلول الوسط ضرورية أحياناً لتحقيق الغايات، فليس صحيحاً أن ذلك ينطبق على هذين التنظيمين: ملالي إيران وجماعات الإخوان. وأمامنا السنوات القليلة الأخيرة منذ انقلاب الحوثيين بدعم إيراني على الشرعية في اليمن. الخلاصة، أنه لا يمكن مواجهة إيران بوجود الإخوان وأيضاً لا يمكن مواجهة إيران وردعها بينما الإخوان جزء من سياساتنا. وفي ظل الحصار الذي يتعرض له الاثنان، لا بد أن نتوقع زيادة الخطر منهما. وليس منطقياً أن نأمن لأي منهما حتى تضع المواجهة أوزارها. وإن ظلت إيران دولة، بغض النظر عن نظامها، لا يريد أحد منها سوى أن تكون جارة مسؤولة لا تعتدي ولا تضر باستقرار جيرانها فإن تنظيم الإخوان وجماعاته الإرهابية لا ينطبق عليها ذلك، فهي ليست سوى «دمل» في جسد المنطقة يجب التخلص منه تماماً.

عن "الخليج" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية