غانتس يرفض الشراكة مع نتنياهو: إسرائيل تحت نير الانسداد السياسي

غانتس يرفض الشراكة مع نتنياهو: إسرائيل تحت نير الانسداد السياسي


كاتب ومترجم فلسطيني‎
03/10/2019

ترجمة: إسماعيل حسن


خرجت الانتخابات الإسرائيلية في جولة الإعادة الثانية، التي أجريت منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، بتقارب الأصوات والمقاعد بين كلّ من حزبَي "الليكود" اليميني و"أزرق أبيض"، ونتيجة لهذا التقارب تطلب الأمر من كلا الحزبين، تشكيل حكومة واحدة تجمع رؤساء الحزبين في حكومة واحدة، على أن يتم تناوب منصب الرئاسة فيها بين الفينة والأخرى.

اقرأ أيضاً: المشهد السياسي الإسرائيلي يزداد تعقيداً: من يشكل الحكومة المقبلة؟
الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، تدخّل شخصياً لحلّ التصادم والعقبات التي تقف أمام تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك بعد تباعد وجهات النظر بين رؤساء الحزبين؛ حيث قدم حلّاً يقوم على ترشّح رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، بالقيام بتشكيل الحكومة أولاً، على أن يتم تناوب رئاستها مع بيني غانتس، لكنّ الأخير رفض ذلك بشكل قاطع، وناهض الدخول في حكومة تضمّ بنيامين نتنياهو، المتهم –على حدّ قوله- بقضايا فساد خطيرة.
 بيني غانتس

للمرة الثانية في خمسة أشهر
إذاً، للمرة الثانية، في غضون خمسة أشهر، لم يفلح نتنياهو في تحقيق النصر الانتخابي وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة تتولى إدارة البلاد، ومع ذلك عاد الصراع السياسي الإسرائيلي إلى صدارة الواجهة مرة أخرى؛ فبعد انتخابات الكنيست الأولى التي أجريت في نيسان (أبريل) الماضي، والتي حقّق فيها نتنياهو فوزه، لم يتمكن في أعقاب الفوز من تشكيل حكومته، نتيجة خلافات حادة بينه وبين خصمه، ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، والذي قدّم شروطاً لدخوله حكومة نتنياهو، لكنّ الأخير رفضها وانقضت في أعقاب ذلك المهلة المحددة لتشكيل الحكومة، السيناريو ذاته ها هو يعود مجدداً، بعد إعادة جولة الانتخابات وترشّح نتنياهو لتشكيل الحكومة، لكنّه لم يتمكن أيضاً من تحقيق أيّ تقدّم حتى الآن، بل وصل إلى طريق مسدود وغير واضح في تشكيل الحكومة.

نتنياهو قدّم عرضاً سرّياً للرئيس الإسرائيلي يطلب فيه عفواً عن قضايا الفساد المتورط بها مقابل خروجه من الحياة السياسية

على صعيد كلّ من الحزبين؛ فقد حصلا في جولة الانتخابات الأخيرة على 65 مقعداً، وهما، كأكبر حزبين في إسرائيل، لا يحتاجان إلى مقاعد إضافية، وبإمكان أيّ من زعماء الحزبَين تشكيل الحكومة المقبلة، لكنّ التعنّت المستمر من قبل بيني غانتس، يعدّ تهديداً حقيقياً على صعيدَين؛ أولهما: عرقلة إنشاء حكومة إسرائيلية في الوقت القريب ترعى شؤون البلاد، وقد يهدّد بنشر الفوضى في الشارع الإسرائيلي، أما الأمر الثاني؛ فإذا انقضت المدة الزمنية لتشكيل الحكومة، قد يعرّض ذلك نتنياهو للعزل بشكل إجباري من الحياة السياسية، بالتزامن مع تورطه بملفات فساد تلقي به في السجن، وعلى كلا الصعيدين؛ نتنياهو أمام خطر كبير يهدد مستقبله القادم.
في المقابل؛ الجنرال المتقاعد بيني غانتس، والذي شغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلي لفترة زمنية كبيرة، يحظى بشعبية واسعة في الوسط الإسرائيلي؛ حيث أظهرت استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي سبقت الانتخابات دعم أكثرية الناخبين الإسرائيليين لغانتس، رغم أنّه لا يحمل في تاريخه إنجازات عسكرية تطمئن الإسرائيليين لأمنهم، كما يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، تعزيز الأمن لدى الإسرائيليين لضمان استمرارية وجوده في الحكم.
 ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"

هل ينجح نتنياهو في إقناع غانتس؟
محاولات نتنياهو في إقناع غانتس بتشكيل حكومة وحدة ما تزال متواصلة؛ فـللمرة الثالثة على التوالي، في غضون أسبوع؛ جدّد نتنياهو دعوة منافسه الرئيسي، غانتس، إلى الانضمام إليه في إطار حكومة وحدة، إلا أنّ غانتس جدد رفضه الانضمام إلى حكومة يقودها نتنياهو، وكتب على صفحته في فيسبوك: إنّ "حزب "أبيض أزرق" الذي أترأسه، لن يقبل الانضمام إلى حكومة قد يواجه رئيسها قراراً اتهامياً خطيراً، وعليه تهم فساد، فكيف لي أن أشاركه في حكومة وهو متهم؟"، وبذلك يهدّد عدد المقاعد المتقارب الذي ناله كلّ من الحزبين، بإطاحة ببنيامين نتنياهو من موقع رئاسة الحكومة الذي يشغله منذ 13 عاماً، بعد فشل عدّة لقاءات مع خصمه، محاولاً من خلالها إقناعه بالدخول في حكومة الوحدة، لكن في ظلّ تبادل الاتهامات وتحميل مسؤولية أبعاد هذا الفشل بين الطرفين؛ تدخّل الرئيس الإسرائيلي، مرة أخرى، في محاولة لإزاحة العثرات؛ حيث منح المشاورات فرصة ثانية، في محاولة لمنع التوجه إلى أسوأ الاحتمالات، المتمثلة في التوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة، وسيلتقي كلاً من غانتس ونتنياهو مرة أخرى، على أمل أن يكون لدى غانتس ردّ حول اقتراح الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، فيما يخصّ تناوب رئاسة الحكومة؛ حيث يرأسها نتنياهو أولاً، إلى حين اتضاح وضعيته القانونية بعد جلسة الاستماع المخصصة له في المحكمة، منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، فإن تقرر تقديم لائحة اتّهام ضدّه، ستتمّ إزاحة نتنياهو وترشيح غانتس لتشكيل الحكومة.

اقرأ أيضاً: الجاسوس إيلي كوهين: إسرائيل تفشل في مواجهة "الهجّان"
وكانت آخر جلسة مشاورات قد عقدت بين زعماء الحزبين، الأحد الماضي، واستغرقت أكثر من ساعتين، دون أن تفضي لأي تقدّم حول التفاهمات بين الطرفين. وقال نتنياهو بعد انتهاء الجلسة؛ إنّ المرشح الثاني في قائمة "أزرق أبيض"، يائير لبيد، يقف عائقاً أمام التفاهمات بشأن حكومة الوحدة؛ حيث يرفض رفضاً قاطعاً التناوب بين نتنياهو وغانتس، وحمّل نتنياهو لبيد مسؤولية أبعاد قراره وخطورته، والذي قد يجرّ إسرائيل إلى انتخابات جديدة يرفضها الشارع الإسرائيلي؛ حيث تشير التطورات الحاصلة على الحلبة السياسية في إسرائيل وتفاقم الأزمة بين الحزبَيْن المتفاوضَيْن، إلى أنّ نتنياهو سيعلن خلال الأسابيع القادمة، إذا صمّم غانتس على رفض طلبه، فشله في تشكيل الحكومة ويعيد التكليف الذي حصل عليه إلى الرئيس ريفلين، ليحوّله الأخير إلى غانتس، وهي اللحظة الحاسمة التي ينتظرها.
 المرشح الثاني في قائمة "أزرق أبيض" يائير لبيد

الأمر في غاية الصعوبة
بالنسبة إلى زعيم الليكود، الذي بات تشكيل الحكومة بالنسبة إليه أمراً في غاية الصعوبة، ما يزال يناور ويستغل الفرص للتوصل إلى أيّ من الحلول قبيل انتهاء المدة المحددة من قبل رئيس الدولة؛ حيث سعت جهات في حزب الليكود إلى التواصل مع رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، وتقديم اقتراح له يقضي بانضمامه إلى حكومة برئاسة نتنياهو، مقابل التناوب على رئاستها، فيما رفض رئيس الحزب، أفيغدور ليبرمان، طلب الليكود الانضمام إلى الحكومة، سواء كانت مع نتنياهو أو غانتس، وذلك لعدم تلبية كلٍّ من الطرفين شروط ورغبات ليبرمان حيال تشكيل أيّة حكومة وحدة، وبهذا الصدد حذّر ليبرمان كلاً من الطرفين، من تضييع الوقت والعودة إلى إجراء انتخابات جديدة، داعياً نتنياهو وغانتس لإنقاذ الموقف والتوافق فيما بينهما، والإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة لإدارة شؤون البلاد، في ظلّ التحديات التي تشهدها المنطقة الإقليمية.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تستعين بالخنازير لمعالجة جنودها المصابين بأمراض نفسية وعقلية
في خضمّ هذه الأزمة؛ يرى ساسة إسرائيليون أنّ لا أحد سينجح في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، حتى بيني غانتس، الذي يعرقل الأمور، سيفشل هو الآخر في تشكيل الحكومة؛ نتيجة عدم تنفيذه أيّ من رغبات "الليكود" أو "إسرائيل بيتنا" حال الانضمام، وبذلك يبقى الحلّ الوحيد لمنع إسرائيل من التوجه إلى انتخابات جديدة, هو تشكيل حكومة وحدة تضمّ كافة الأحزاب الإسرائيلية بما فيها القائمة العربية المشتركة؛ حيث إنّ هذا الحلّ يصبّ في مصلحة بنيامين نتنياهو، الذي سيمثل في أيّة لحظة أمام القضاء، والذي قد يعرّض مسيرته السياسية للخطر.

الجبهة الداخلية ترى أنّ هناك رزمة من التهديدات الأمنية على إسرائيل تتطلب السرعة والتعجل في تشكيل الحكومة

الجبهة الداخلية الإسرائيلية ترى هي الأخرى؛ أنّ هناك رزمة من التهديدات الأمنية على إسرائيل، تتطلب السرعة والتعجل في تشكيل الحكومة؛ حيث قال الجنرال العسكري المتقاعد، عاموس يلبوع: إنّ هناك تحديات تواجه إسرائيل في الفترة الحالية والمقبلة، ما يتطلب المسارعة في تشكيل حكومة وحدة واسعة ومستقرة داخل الكنيست، بعيداً عن الاعتبارات الشخصية للسياسيين؛ فنحن مطالبون بقيام حكومة إسرائيلية تتخذ قرارات صعبة وليست شعبوية، لأنّ إسرائيل بحكومة غير مستقرة وبصفة سيئة لا نريدها، ولذلك ينبغي أن يكون هدف العام المقبل مستقراً داخلياً، وبعيداً عن الإرباكات الحزبية، وأشار الخبير العسكري إلى أنّ هناك ثلاثة تهديدات أساسية تعرضت لها الحملات الانتخابية الإسرائيلية الأخيرة على هيئة شعارات انتخابية لا أكثر، وأوّل هذه التهديدات التي تواجهنا بصورة يومية؛ المسيرات وعمليات التسلل على طول الحدود مع قطاع غزة؛ حيث المظاهرات الفلسطينية وما يتخللها من إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه مدننا، وبذلك فإنّ عدم وجود حكومة إسرائيلية مستقرة، يعرضنا لتهديدات أمنية خطيرة من الخارج، وهي تحديات لا تتوقف وليست صامتة؛ بل تواصل العمل والتحرك وجدول أعمالها لا ينتظر الألعاب الصبيانية التي يقوم بها الساسة في إسرائيل، في ظلّ المشاورات الائتلافية الجارية لتشكيل الحكومة المقبلة.
 التحدي الأمني الثاني الذي يواجه إسرائيل يتعلق بصفقة القرن الخاصة بالرئيس دونالد ترامب

في حال سقطت قذيفة فلسطينية
وتساءل عاموس: ماذا سيكون ردّ الفعل الإسرائيلي في حال سقطت قذيفة صاروخية فلسطينية على حديقة أطفال؟ فيما الساسة الإسرائيليون منشغلون في التناوب على رئاسة الحكومة، أو الخوض في عملية انشقاق جديدة لأحزاب أخرى.
وأشار إلى أنّ التحدي الأمني الثاني الذي يواجه إسرائيل، يتعلق بصفقة القرن الخاصة بالرئيس دونالد ترامب، لا سيما بعد إعلان الإدارة الأمريكية أنّها سوف تعلن عن الخطة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وليس بعد انتهاء الانتخابات، وهذا جيد، لكن من الأهمية أن نكون على استعداد لأيّة مفاجأة قد يعلنها ترامب نحو إسرائيل.

اقرأ أيضاً: "لا حصانة لإيران" مقابل "لا أمان لإسرائيل"؟
ومع مرور الوقت دون جدوى؛ يبدو الأمر جلياً أنّ خطة الرئيس الإسرائيلي، ريفلن، قد فشلت في الوصول إلى حلّ لتشكيل حكومة إسرائيلية، تزامناً مع تعادل الأصوات بين أكبر حزبَين على الساحة السياسية الإسرائيلية؛ فكلّ الترجيحات تتوقع فشلها؛ فمن جهة يرفض حزب كحول لفان "أزرق أبيض"، ما تضمنته الخطة، ومن جهة أخرى؛ سيتوجب على ريفلين احترام رأي الجمهور، الذي عبّرت غالبيته في آخر استطلاع للرأي عن قناعتها بضرورة استقالة نتنياهو من منصبه، في حال تقديم لائحة اتهام ضدّه،
وبحسب استطلاع محدث نشرته القناة التلفزيونية الثانية؛ يعتقد 59% من الإسرائيليين أنّ على نتنياهو الاستقالة في حال قدمت لائحة اتهام جديدة ضده، فيما رأى 52%؛ أنّ عليه التنازل عن رئاسة الحكومة في هذه الحالة، ومنح عضو كنيست آخر من الليكود فرصة محاولة تشكيلها. أما 34% من الإسرائيليين، فلا يرون أنّ على نتنياهو التخلي عن منصبه في أيّ ظرف كان، واللافت في الأمر؛ أنّ الاستطلاع بيّن أنّ ما نسبتهم 11% لن يشاركوا في التصويت حيال أيّة إعادة لانتخابات جديدة.
مصير نتنياهو السياسي
بالعودة إلى صراع المنافسة الذي شهدته الحلبة السياسية قبيل الانتخابات؛ بات نتنياهو أكثر تخوفاً من خسارته أمام أزرق أبيض، الأمر الذي قد يهدد مشواره السياسي، نتيجة تورطه في عدة قضايا فساد؛ فنجاحه في الانتخابات وإيعازه بتشكيل الحكومة، لم يشفع له من الملاحقة القضائية؛ حيث إنّ بوادر فشله مجدداً في تشكيل الحكومة دفعت المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية إلى تحديد جلسات استجواب له خلال الأسبوع المقبل، ليستكمل من خلالها التحقيق في القضايا المعروفة باسم "قضية 1000" المشتبه نتنياهو فيها بتلقي هدايا بمئات آلاف الدولارات من رجل الأعمال، أرنون ميلتشين، مقابل توسط نتنياهو لمنح ميلتشين تأشيرة للإقامة في الولايات المتحدة، أما "القضية 2000"؛ فيشتبه بنتنياهو فيها بمحاولته سنّ قانون لتقليص أعداد صحيفة "إسرائيل اليوم"، مقابل تغطية داعمة له في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أما "القضية 4000" المشتبه فيها بنتنياهو فتتمثل في إرساء مناقصات على رجل الأعمال، شاؤول ألوفيتش، مقابل تغطية داعمة لنتنياهو في موقع "واللا" الإلكتروني، وهذه الملفات الخطيرة تؤرق حياة نتنياهو السياسية؛ لاعتقاده أنّه بات أقرب بكثير من أيّ وقت مضى لدخول السجن متهماً، وهذا الاعتقاد جاء في أعقاب الدعوة الأخيرة، الثلاثاء الماضي، من قبل الرئيس الإسرائيلي، لجلوس نتنياهو وغانتس كفرصة أخيرة أمامهما، يحاولان من خلالها التوصّل لحلّ يمكن من خلاله البدء بتشكيل الحكومة، لكن غانتس ردّ على نتنياهو قائلاً: إنّ الظروف الحالية ليست مواتية لعقد جلسة تشاورية، وهذا يعدّ مضيعة للوقت، وقدّم بنيامين نتنياهو في وقت ليس ببعيد عرضاً سرّياً لرئيس الدولة رؤوفين، يطلب منه فيه عفواً عن قضايا الفساد المتورط بها، مقابل خروجه من الحياة السياسية وعدم التعرض له، لكنّ الرئيس لم يعطِ نتنياهو أيّة تطمينات أو وعود، وهذا ما يخيف الشارع الإسرائيلي من إقدام الرئيس لاحقاً على منح عفو له، مقابل تفويض غانتس بتشكيل الحكومة، وذلك تحسّباً من العودة لإجراء انتخابات جديدة.    


المصدر: معاريف

الصفحة الرئيسية