رئيس تونس الجديد في مجابهة بركان الصراعات السياسية.. فهل ينجح؟

تونس

رئيس تونس الجديد في مجابهة بركان الصراعات السياسية.. فهل ينجح؟


14/10/2019

قلب الشباب التونسي، الذي استقال من الحياة السياسية منذ عام 2011، المعادلة الانتخابية، وعاقب الطبقة الحاكمة، بمحاولة إقصائها من المشهد، لينتخب المرشّح المستقل قيس سعيّد (61 عاماً) الذي يتبنى أفكاراً اجتماعيةً محافظة، والداعم لمبادئ الثورة، ومطالبها، بنسبة فاقت 76 بالمئة، متقدّماً على منافسه، نبيل القروي، بأكثر من أربعين نقطة، وفقاً لتقديرات شركات سبر الآراء، وهي نسبة تُسجّل لأوّل مرّة في تونس منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، 90 بالمئة منها من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً.

العبيدي: الخبرة القانونية نقطة إيجابية تُحسب لرئيس البلاد لكنّها غير كافية لتسيير دواليب الدولة

وفي ظرف وجيز استطاع سعيّد بعثرة أوراق الأحزاب التقليدية، وإنهاء مسيرة شخصيات سياسية بارزة، تحكّمت إلى وقت قريب في مفاصل الدولة، أن يكسب تأييداً واسعاً من قبل الشباب الغاضب، خصوصاً بعد أن رفض منحة الدولة التي قُدمت له من أجل الإنفاق على حملته الرئاسية، معتبراً إيّاها من أموال الشعب ولا يحق له قبولها، واعتمد على مجهوداتٍ ذاتية قادتها مجموعة من الشباب التونسي.
قراره رفض مواصلة حملته الانتخابية ما لم يتم الإفراج عن منافسه، رجل الأعمال التونسي نبيل القروي، بجولة الإعادة، حيث أعلن حينها وقف جميع أنشطة حملته حتى الإفراج عن منافسه، وإتاحة الفرصة كاملة له، لخوض الانتخابات بنزاهة وشرف، وضماناً لتكافؤ الفرص بينهما، كان له وقع إيجابي لدى مؤيديه، وأكسبه مزيداً من الدعم.
آلاف التونسيين يحتفلون بفوز قيس سعيد برئاسة تونس

رئيس دون خبرة سياسية
ولئن عُرف الرجل منذ ظهوره كخبيرٍ قانوني على شاشات التلفزيون التونسي عقب الثورة بمداخلاته العلمية للفصل الدقيق في الخلافات الدستورية بين القوى السياسية، وبنظافة يده واستقامته، لكنّه مع ذلك لا يملك رصيداً سياسياً قوياً يجعله قادراً على مواجهة أسماء بارزة في المشهد السياسي، ولا خبرة كافية لإدارة المناورات السياسية، كما أنّه لا يستند إلى حزب أو جهة سياسية تدعمه.

ونيس: التزام قيس سعيّد باعتماد الشريعة في القوانين مخيف وخطوة إلى الوراء في مجال الحريات الفردية

سعيّد الذي أبهر متابعيه باستخدامه المتقن للغة الضاد في كل تدخلاته وتصريحاته للصحافة، التي ظهر خلالها بهيئة الاستثناء الذي لا يشبه باقي السياسيين، وهو الذي لم يبتسم أبداً في كلّ مداخلاته الإعلامية منذ 2011، وبدا جديّاً إلى درجة وصفه بـ"الرجل الآلي"، شدّد في عدّة مناسبات على أنّه ترشح "مكرهاً"، وأنّه غير مدعوم من أيّ حزب؛ لأنّه يرى أنّ عهد الأحزاب قد "أفلس وولى"، وأنّ السلطة يجب أن تكون بيد الشعب وحده.
هذا واعتبر المحلل السياسي، عبد الله العبيدي، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ الخبرة القانونية نقطة إيجابية، تُحسب لرئيس البلاد، لكنّها غير كافية لتسيير دواليب الدولة، وأنّه على سعيّد أن يكوّن حزاماً سياسياً وبرلمانياً، ليستطيع مواصلة تسيير مهامه.

اقرأ أيضاً: بعد فوز سعيّد... علاقته مع النهضة تثير مخاوف التونسيين
وشدّد العبيدي على أنّ البرلمان الجديد، تضمّن عدّة أعضاء مورطين في قضايا فساد وتهرّب ضريبي، إلى جانب مهرّبين، وهو ما سيضع كل المبادرات التشريعية، تحت طائلة المساومات، وسيعطّل سير الدولة، وعمل الحكومة، في ظلّ عجز الرئيس عن التفاوض مع مختلف مكونات المشهد من حكم ومعارضة، وإدارة المناورات السياسية.
المحلل السياسي رجّح أيضاً لجوء الرئيس المنتخب، إلى استفتاءات شعبيّة على بعض المبادرات التي تمرّ ضرورة بالبرلمان، في ظلّ المعارضة التي قد يلقاها.
لم يخبر التونسيين ببرنامجه
لم يخبر سعيّد الشعب التونسي بتفاصيل برنامجه الانتخابي، ودار معظم ما قاله في لقاءاته في فلك ضرورة إصدار تشريعات جديدة، واكتفى بالمدافعة عن لامركزية القرار السياسي، وضرورة توزيع السلطة على الجهات ويتبنى شعار الثورة "الشعب يريد" و"شغل حرية كرامة وطنية".

ثابت: حركة النّهضة تسعى إلى السيطرة على الرئاسات الثلاث وسعيّد مجبرٌ على التحالف معها

ويرى سعيّد أنّه لا يجب تقديم برنامج جاهز، بل يجب أن يضع الشعب التونسي برنامج الرئيس؛ أي أن يقدم مطالبه، ليضع من خلالها هو برنامجه للخمس سنوات القادمة.
ورجّح الديبلوماسي السابق والمحلل السياسي، أحمد ونيسي، في تصريحه لـ "حفريات"، أنّه لا تسير الدولة وفق برنامج مسطّر، ومخطّط واضح؛ بل ستسير وفقاً لمسائل تطرأ عليها بين الفينة والأخرى، وسيعتمد فيها سعيّد على الفريق الحكومي، الذي سيتم تشكيله من قبل الحزب الأوّل في البلاد (حركة النّهضة)، مشيراً في المقابل، إلى أنّ سعيّد يتمتّع باندفاع وطني مطمئن.
ولم يُعرف بعد عن سعيّد من أيّ تيارٍ فكري هو، خاصّةً أنّه لم يصنّف نفسه، ولم يقدم آراءه الشخصية في قضايا تتعلق بسياسات الدولة، وقد اعتبره البعض يسارياً فيما صنّفه آخرون بالإسلامي المحافظ، لكنّ المخاوف الليبرالية واليسارية تصاعدت بعد جملةٍ من المواقف التي أدلى بها، بخصوص الحريّات الفردية، بعد أن أكد رفضه لمقترح المساواة في الميراث بين الإناث والذكور، واعتبر أنّه لا مجال فيها للتأويل أو الاجتهاد؛ لأنّ النص القرآني واضح؛ فضلاً عن دعمه تطبيق عقوبة الإعدام.
ويقول في هذا الشأن أحمد الونيسي، إنّ التزام سعيّد باعتماد الشريعة في القوانين، "مخيف وخطوة إلى الوراء بالنسبة إلى تونس التي قطعت أشواطاً هامّةً نحو الحرية، وهو ما قد يلقى معارضة شديدة من قبل القوى الحداثية".
قيس سعيّد يبعثر أوراق الأحزاب التقليدية

مخاوف من تغوّل حركة النّهضة
من جهتها، ألقت حركة النهضة بثقلها لدعم سعيّد، بعد خروج مرشحها عبد الفتاح مورو من الدور الأوّل، وحشدت أنصارها، لانتخابه، ودعم حملته الانتخابية، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة منها لاستمالته، من أجل فرض سيطرتها على الرئاسات الثلاث (رئاسة البرلمان والحكومة والجمهورية)، خصوصاً بعد فوزها بأكثر الأصوات في الانتخابات التشريعية، وهو ما يمنحها حق تعيين رئيس حكومة.
وهو ما أشار إليه المحلّل السياسي، منذر ثابت، الذي أكّد أنّ الحركة تنسب لنفسها الانتصار الرئاسي لقيس سعيّد، وتعتبر نفسها الفاعل الرئيسي الذي رجّح كفّة فوزه، معتبراً أنّ ذلك في سياق حسابات شديدة التعقيد، في مسعى إلى توظيفه لاستكمال حلقات استحواذها على الرئاسات الثلاث.

الفتيتي: حركة النّهضة لن تطالب برئاسة الحكومة خوفاً من تحمّل مسؤولية إخفاقها

وقال ثابت، في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ المخاوف التي طبعت المشهد السياسي مؤخّراً من إمكانية تغوّل الحركة، وسيطرتها على كلّ أجهزة الدولة، لها وجاهتها، خاصّةً أنّ القاعدة الانتخابية التي دعمت سعيّد، معظمها من أنصار النّهضة، كما أنّ فوزها بالقوة البرلمانية الأولى، رغم عدم حصولها على الأغلبية رغم فوز حلفائها بثالث مركزٍ في البرلمان، يمنحها حق تكوين حكومة، "وبالتالي فهي ضمنت رئاسة البرلمان والحكومة في انتظار رئاسة البلاد".
المحلّل السياسي أكّد أيضاً أنّ الرئيس المنتخب حديثاً سيحتاج بالضرورة إلى دعم حركة النّهضة، على مستوى تمرير مبادراته التشريعية، وأنّه سيكون في بعض الأحيان ملزمٌ على التحالف معها، من أجل المصادقة على القوانين التي تتطلّب أغلبيةً تفوق 109 أصوات.

اقرأ أيضاً: انتخابات تونس.. برلمان دون أغلبية وفوز منقوص لحركة النهضة الإخوانية
في مقابل ذلك؛ يرى عضو مجلس نواب الشعب المتجدّدة عهدته، طارق الفتيتي، أنّ حركة النهضة دعمت قيس سعيّد على حساب نبيل القروي، في محاولة للتخفيف من شدّة غضب قواعدها الذي عاقبوها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية، بعد أن غادرها أغلبهم، وتراجعت من مليون ونصف مليون ناخب إلى أقل من 500 ألف ناخب فقط.
واستبعد الفتيتي، في حديثه لـ"حفريات"، أن تطالب حركة النّهضة برئاسة الحكومة، خوفاً من تحمّل العبء، وتحمّل مسؤولية إخفاقها؛ لأنّها تملّصت منذ 2013، إلى اليوم من هذا المنصب، لافتاً إلى أنّها تعي جيّداً أنّ السلطة الأصليّة تحت قبّة البرلمان، كما أنّ التوازنات السياسية، والتحالفات التي ستجريها مستقبلاً لن تسمح بمنح الحركة كافة الرئاسات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية