لماذا تحول الإرهاب في الساحل الأفريقي إلى أزمة عالمية؟

لماذا تحول الإرهاب في الساحل الأفريقي إلى أزمة عالمية؟


20/10/2019

لا يكاد الإرهاب يهدأ قليلاً في منطقة الساحل الأفريقي إلا ليضرب من جديد، في دورة دموية تضاعف معاناة الساكنة وتزيد في هشاشة بنيات الدولة وتعزز رصيد عدم الاستقرار. ففي آخر الشهر الماضي استهدفت الجماعات الإرهابية المسلحة معسكرين تابعين للجيش المالي في منطقتي بولكيسي وموندورو وسط البلاد على الحدود مع بوركينا فاسو، التي تعاني هي الأخرى من جراء المواجهة مع الجماعات المتطرفة، في عمليتين متتابعتين خلّفتا 25 قتيلاً في صفوف الجيش و60 من المفقودين، كما قتل في العمليتين 15 من أفراد الجماعات المسلحة المهاجمة، في أكبر عملية إرهابية من نوعها تشهدها البلاد منذ بدء المواجهة المسلحة مع الجماعات الإرهابية عام 2012، عندما زحف المقاتلون المسلحون على جنوب مالي متأهبين لدخول العاصمة باماكو، قبل أن تتدخل القوات الفرنسية لإجلائهم.

الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي لم يعد مشكلة إقليمية فحسب بل تحول إلى أزمة عالمية

العمليتان، اللتان يبدو أنّه تم التخطيط لهما بإحكام وعلى مدى فترة طويلة من التحضير والرصد والمتابعة، حصلتا أياماً قليلة بعد القمة الاستثنائية لبلدان منطقة غرب أفريقيا التي احتضنتها بوركينا فاسو، وأطلقت مخططاً عسكرياً واسعاً من أجل ملاحقة وتفكيك الجماعات الإرهابية المسلحة، وهو ما أعطى الانطباع بأنّ المنفذين كانوا يريدون توجيه رسالة مفادها أنّ المخططات الحكومية المعدة لمواجهة المسلحين باءت بالفشل. وقد عزز من ذلك الانطباع أنّ الجنود الذين لقوا مصرعهم وزملاءهم المفقودين ينتمون إلى البلدان الخمسة المشكلة لما يسمى "مجموعة الخمسة"، المتكونة من مالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد، وهي مجموعة أنشئت عام 2015 بإيعاز من الحكومة الفرنسية لتعويض قواتها المرابطة في المنطقة والتي تحمل اسم "بارخان"، لكنها تشكو من الفقر اللوجستي وغياب منظومة دفاعية مشتركة قوية وعدم تلقي أفراد جيشها لتدريبات عسكرية كافية، بالنظر إلى غياب الخبرة في مجال مكافحة الإرهاب، كون الظاهرة الإرهابية جديدة على بلدان المنطقة وتتطلب تدريباً على خوض حروب تختلف عن الحروب النظامية الكلاسيكية.

اقرأ أيضاً: الإرهاب غرب أفريقيا.. كيف يمكن مواجهته؟
لكن الضربة الأخيرة التي تلقتها مالي وضعت حكومة الرئيس إبراهيم أبي بكر كيتا، على المحك، أمام الماليين، في الوقت الذي أعلنت الحكومة الحداد لمدة ثلاثة أيام؛ فالرجل تم انتخابه بشبه إجماع عام 2013، بعد أقل من سنة على هجوم الجماعات المسلحة على جنوب ووسط البلاد وتهديد العاصمة باماكو، وتعهد بالقضاء على العنف والإرهاب، لكن مرور قرابة خمس سنوات على وجوده في السلطة زاد من تعميق الأزمة بدل حلّها، وهو ما دفع ذوي الضحايا والمفقودين من الجنود إلى التظاهر في العاصمة احتجاجاً على حكومته بعد يوم واحد من وقوع العمليتين الإرهابيتين، مطالبين بكشف الحقيقة وبمعلومات عن الجنود المفقودين، وكذا بتمكين أفراد الجيش بالمعدات والإمكانيات اللازمة من أجل عدم تكرار ما حصل.

تعد جماعة "نصرة الإسلام" التي أنشئت عام 2017 من عدة كيانات مسلحة من أخطر الجماعات الإرهابية بالمنطقة وخاصة بجنوب مالي

بيد أنّ حصيلة العمليتين ارتفعت خلال يومين؛ حيث ارتفع عدد القتلى من الجنود إلى 38، وأعلن وزير الدفاع المالي عن العثور على 33 من الجنود المفقودين على قيد الحياة، فيما لا يزال مصير الآخرين مجهولاً. وأعلنت فرنسا، من خلال قوات بارخان الموجودة في المنطقة، عن مشاركتها في تعقب منفذي العمليتين وتعزيز القوات العسكرية التابعة للبلدان الخمسة بهدف القضاء على الجماعات المسلحة.
وتشير أصابع الاتهام إلى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التي تعد اليوم أخطر الجماعات الإرهابية في المنطقة وبالأخص في جنوب مالي، أنشئت عام 2017 من عدة كيانات مسلحة في المنطقة هي جماعة أنصار الدين بزعامة المالي إياد أغ غالي، الذي يعد أخطر المطلوبين دولياً، وجماعة "المرابطون" بزعامة الجزائري مختار بلمختار، و"إمارة الصحراء" التي تعد فرعاً عن تنظيم القاعدة في منطقة الغرب الإسلامي. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت تلك الجماعة في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي على القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية الدولية، في أعقاب العملية التي نفذتها في واغادوغو ببوركينا فاسو في آذار (مارس) من العام نفسه.

اقرأ أيضاً: هل تحرّرت مستعمرات جنوب أفريقيا من الاحتلال فعلاً؟
والواضح أنّ الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي لم يعد مشكلة إقليمية فحسب؛ بل تحول إلى أزمة عالمية؛ حيث صرّح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مؤخراً، في لقاء حول المعضلة الأمنية في منطقة الساحل على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، بأنّ المنتظم الدولي مهدد "بفقدان المبادرة في مواجهة العنف والإرهاب"، كما أشار إلى أنّه في الفترة ما بين 2012 و 2018 تضاعف عدد ضحايا الإرهاب من المدنيين في بلدان "مجموعة الخمسة" أربع مرات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية