هل نحن فعلاً أمام ثورة في لبنان أم هناك قصة أخرى؟

هل نحن فعلاً أمام ثورة في لبنان أم هناك قصة أخرى؟


22/10/2019

ربما شكّلت "الانتفاضة" اللبنانية مفاجأة لكثير من اللبنانيين والعرب؛ من ناحية زخمها وعناوينها الشعبية المطروحة، إلا أنّها لم تكن كذلك، ارتباطاً بأسبابها؛ إذ إنّ ما يجري في لبنان هو ذاته ما يجري في دول عربية كثيرة، لدرجة أنّه يمكن اعتبار حراك الشارع اللبناني اليوم امتداداً لما يمكن تسميته بموجة "الربيع الثانية"، التي اندلعت في العراق والجزائر والسودان، وحتى ما جرى بالانتخابات التونسية بفوز الرئيس  التونسي الجديد، قيس سعيّد، لم يكن بعيداً عن مضامين هذا الحراك، إضافة إلى حراك نقابة المعلمين في الأردن، التي نفّذت إضراباً استمر شهراً، وانتهى باستجابة الحكومة لمطالب المعلمين بتخصيص زيادات على رواتبهم.

اقرأ أيضاً: نصر الله ولبنان: هيهات منّا الاستقالة!
واستناداً إلى المرجعية ذاتها، التي انطلقت منها الحراكات العربية؛ انطلق حراك الشارع اللبناني، على خلفية قضايا "مطلبية" مرتبطة بعناوين، ذات صلة مباشرة بتردي الأحوال الاقتصادية للمواطنين، وتراجع مستوى وحجم الخدمات المقدمة لهم، مقابل تغوّل غير مسبوق في التوسع بفرض ضرائب جديدة، على كافة السلع والخدمات، إلى جانب زيادة أسعار الماء والكهرباء والخبز والمحروقات "وجميعها خدمات وسلع لا بدائل لها إلا في إطار ما تقدمه الحكومات"، وتتزامن مع فشل الحكومات "المشكلة على أساس توافقات حزبية ومحاصصات طائفية"، في تحقيق إصلاحات اقتصادية وسياسية.

يمكن اعتبار حراك الشارع اللبناني اليوم امتداداً لما يمكن تسميته بموجة "الربيع الثانية" التي اندلعت في العراق والجزائر والسودان

الشعارات التي رفعها اللبنانيون في حراكهم لا تختلف عن تلك التي ترفع في شوارع العواصم والمدن العربية فهي عابرة وتتجاوز، عبر رأي عام جمعي لدى الطبقات المهمشة والفقراء، القدماء و"الجدد"، القادمين مما كان يعرف بالطبقات الوسطى، لكلّ ما يمكن أن نسميه ثوابت مستقرة في النظام العربي الرسمي، كانت مرجعيات نزولها إلى الشارع ثنائيات طائفية وحزبية وجهوية ومحاصصات، وتجلّى هذا الانقلاب على كلّ تلك الثوابت برفع شعار إسقاط كافة أقطاب الطبقة السياسية الحاكمة، بما في ذلك ما كان يوصف بقواعد لزعماء الطوائف والأحزاب رفعت شعارات إسقاط تلك الزعامات، وشمل ذلك في لبنان: الزعامات "السنّية والشيعية والمسيحية"، بوصفها مسؤولة عن تدهور الأوضاع في لبنان، واقترابه من الوصول إلى مرحلة الدولة الفاشلة، في ظلّ شيوع الفساد بين أفراد الطبقة الحاكمة، ورهن لبنان ومستقبله لصراعات المحاور الإقليمية، تحديداً بين المحورَين؛ الإيراني والسعودي، وخطف لبنان عبر حزب الله من قبل القيادة الإيرانية، وتشكيل الحزب دولة داخل الدولة.

اقرأ أيضاً: ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

في لبنان قصة "الربيع" مختلفة، وليس من السهولة تحقيق شعار "إسقاط النظام"، أو الوصول إلى نتائج تفضي لتغيير جذري في لبنان، في ظلّ تركيبة طائفية مستقرة منذ استقلال لبنان، وارتهانه لتجاذبات الصراعات والمحاور الإقليمية، وهو ما يعني ارتهان البلد لمخرجات ما ستفضي إليه التسويات الإقليمية والدولية في المنطقة، وفي مقدمتها ما يرتبط بالملف الإيراني وعلاقاته بحزب الله، ومآلات التسوية في سوريا.

اقرأ أيضاً: احتجاجات في بيروت وتظاهرات عارمة جنوباً: ضد من يثور اللبنانيون؟

القوى السياسية اللبنانية يبدو أنّها غير مدركة لحقيقة الحراك الشعبي اللبناني، وما تزال تبني مقارباتها في إطار الحفاظ على الوضع القائم، كما يطرح حزب الله، الذي ثبت أنّه يسيطر على الدولة من خلال الحكومة ورئاسة الجمهورية، وهو ما يفسّر دعمه لهما، وتهديد الحزب للوزراء بأنّ الاستقالة "ممنوعة" وتحت طائلة المسؤولية، أو تهديده خصمَيه؛ جعجع وجنبلاط، اللذين يبنيان مقاربتهما على أساس التماهي مع المطالب الشعبية التي يطرحها الشارع، والاستفادة من هذا الحراك لتوجيه ضربة لحزب الله ولرئيس الجمهورية، كما أنّ خطط رئيس الحكومة ومبادراته وحلوله المقترحة، لم تخرج عن محاولة الاستفادة من الحراك بإلقاء المسؤولية على خصومه "شركائه" في الحكومة بعرقلة خططه التي تستجيب لمطالب الشارع، في حين أنّ الحقائق، كما يطرحها الحراك، جعلت من كافة رموز الطوائف والأحزاب اللبنانية هدفاً للشارع، وأنّ مغادرة "الجميع" للمشهد السياسي في لبنان مطلوبة.

قصة "الربيع" بلبنان مختلفة فليس من السهولة الوصول إلى نتائج تفضي لتغيير جذري في ظلّ تركيبة طائفية مستقرة منذ استقلاله

أهمية الحراك الذي يشهده الشارع اللبناني، وليس الرموز السياسية اللبنانية، ومآلاته؛ أنّه يرسل رسالة حول مدى صلاحية "المحاصصات الطائفية" والحزبية وطبيعة الحكم التي بنيت بعد "الاستقلال" منذ أكثر من قرن، في لبنان والدول العربية الأخرى، كما سترسل رسالة حول مستقبل التحالفات الإقليمية التي تعيشها المنطقة.
وبالخلاصة؛ وبعيداً عن الرومانسية السياسية، فمن المؤكَّد أنّ حراك الشارع اللبناني سيحقق بالنهاية العديد من الإنجازات، التي تتضمن إظهار استجابة حكومية لبعض المطالب؛ كإلغاء بعض الضرائب وتخفيض الجمارك، وربط الضرائب تصاعدياً بالدخل، وفتح عمليات تحقيق في بعض قضايا الفساد الكبرى، وتحسين نسبي في مستوى الخدمات، إلا أنّ ما يمكن أن يحققه هذا الحراك سياسياً، في المدى المنظور، قد يؤسّس لمرحلة جديدة، تطرح حدود ومفاهيم التغيير الجذري المنشود، بما في ذلك طبيعة الحكم "الطائفية" في لبنان، وكيفية الوصول إلى دولة ديمقراطية، تحكمها قوانين وقيم المواطنة، وليس الانتماء الطائفي، دولة بجيش واحد وعلم واحد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية