خطاب نصر الله الأخير: ممنوع على لبنان أن يرى الفيل وسط الغرفة

خطاب نصر الله الأخير: ممنوع على لبنان أن يرى الفيل وسط الغرفة


25/10/2019

وسط تظاهرات شعبية عارمة في لبنان لليوم التاسع على التوالي، شملت مناطق شيعية أساسية، خرج الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، على اللبنانيين، عصر اليوم، في خطاب متخبّط وغير واضح المعالم، يطالب اللبنانيين فيه، على الأقل، بتوضيح انقساماتهم، والاعتزاز بانتماءاتهم الطائفية حتى يتمكن من مهاجمتهم؛ لأنه، كما يبدو، يعاني مشكلةً حقيقيةً هذه المرة في شيطنة حراك الشعب اللبناني، الذي أسقط معنوياً القيادة السياسية اللبنانية القائمة على محاصصات الدم، ولم يستثنه منها.

يجلس حزب الله وسط غرفة السُّلطة في لبنان كالفيل الذي يُمنعُ على أحدٍ أن يراه أو يتهمه أو ينتقده

نصر الله، وكعادته، ظل معظم مدة خطابه، يشير بين فينة وأخرى قائلاً "لا أريد ذكر أسماء" مهدداً وموحياً بأنّ لديه قوائم وأسماء ضد جهاتٍ ما، وأسماء للبعض من أحزاب الطبقة السياسية الواقفة خلف هذه الجهات، متهماً إياها بالتعاون ضد حزب الله، والتعاون مع جهاتٍ خارجية أيضاً من أجل تقويض السلم في لبنان.
هذه الأحزاب، الشبيهة بحزب الله أصلاً، وفقاً لتاريخها الفوضوي والعنيف منذ الحرب الأهلية اللبنانية، تتحالف معه من أجل مصالحها، سامحةً بجلوس حزب الله وسط غرفة السُّلطة في لبنان كالفيل، الذي يُمنعُ على أحدٍ أن يراه، أو يتهمه أو ينتقده، حتى تمر مصالحها فيما تبقى من ممراتٍ ضيقة، ضامنةً لنفسها البقاء، وربما يشير صمت سعد الحريري وضعف ميشال عون وتردد وليد جنبلاط، إلى المدى الذي وصل إليه نصر الله من تنصيب لنفسه طوال أعوامٍ ماضية مرشداً أعلى للبنان.

اقرأ أيضاً: نصرالله "قائم مقام" علي خامنئي وحامل سيفه
وبينما يتهم نصر الله مظاهرات الشعب اللبناني أنّها "منظّمة، وهناك من يدعمها جالباً الطعام والشراب للمتظاهرين" لا يتذكر السيد حسن كون داعمه وسيده الخارجي المتمثل بإيران، لا يعطيه الطعام والشراب فقط؛ بل يمده بملايين الدولارات وربما الأسلحة، إلا أنّ ولاء الحزب إلى الخارج مقدس، لا يمكن المساس به، متناسياً في الوقت نفسه أنّ الشعب صرخ بشعاراته ضد الكل، ولم يطالب بجهة سياسية معينة، حتى لا يعود ويصبح فريسةً من جديد للنظام الاستبدادي الذي جعل الحرب الأهلية جزءاً من طبيعة لبنان السياسية طوال عقود.

اقرأ أيضاً: 4 دلالات لخطاب نصرالله بذكرى حرب تموز 2006
ولم يكتف رأس حزب الله بمناداة الناس، وفق رسالة تهديدٍ مبطنة، أن يتركوا الساحات، ويطمئنوا إلى أنّ هناك إصلاحاً قادماً، رغم عقمٍ سياسي واقتصادي لعب فيه حزبه دور البطولة طوال أعوام؛ بل أظهر تهديده بنزول العديد من أنصاره وعناصره إلى الساحات في بيروت والنبطية؛ حيث تجمع فيها المعتصمون من اللبنانيين، ليتلاسنوا معهم، ويهاجموهم بالضرب، ثم يسبوا قوى الأمن التي تفصل بينهم وبين المتظاهرين. وينسى السيد حسن نصر الله، أنّ الفقر في لبنان، كبير، بل أصابه الهرم، وأنّه لم يولد في الأمس، لذلك فإنّ نصر الله لا يمكن أن يكون في خطابه شخصاً يحاول تقديم حلولٍ من أجل لبنان، وهو يتهم فقراء الشعب اللبناني الثائرين "بالعمالة والخيانة" محاولاً التصرف كأنّه مجرد رئيس مافيا رأسمالي يرتدي عمامة، ليبقي الوضع كما هو عليه.

اقرأ أيضاً: لبنان نصرالله: أشلاء وطن مخدوع
في المقابل، وبينما بثت شاشات إعلامية مختلفة ردود أفعال اللبنانيين الساخرة والغاضبة من خطاب نصر الله المتناقض والاستعلائي، بدأ أنصار حزب الله يتجمعون وحدهم، ويغلقون بعض الشوارع بدورهم، ثم أغلقوا مداخل الضاحية الجنوبية، المعقل الأساسي للحزب في بيروت، وملؤوا مناطق بيروتية مختلفة بالأعلام الصفراء؛ حيث يمكن التصور أنّه لا يوجد لبنان، إلا أصفر اللون بائساً، يحكمه حزب الله فقط، المحق في السياسة والاقتصاد والمقاومة وكل شيء!
بشكلٍ واضح، يبدو أنّ نصر الله المختبئ في مكانٍ ما منذ زمن، بسبب إمكانية تعرضه للاغتيال من قبل الاحتلال الصهيوني، أصبح لديه سبب جديد حقاً للاختفاء اليوم؛ لأن الشعب اللبناني يطالب بإسقاط سلطته، ومنهم مسلمون سنّيون وشيعة ومسيحيون ودروز وغيرهم من ملايين اللبنانيين الذين فحص نصر الله دماءهم، وفتش جيوبهم كلهم! ليقول في خطابه بكل بساطة إنّهم "يقبضون النقود ليخرجوا في المظاهرات" في صيغةٍ فاشلة استخدمتها أنظمة عربية سابقة في مصر وليبيا مثلاً؛ حيث كان السيد حين ذاك يتهم تلك الأنظمة العربية بالتقاعس عن دعم المقاومة، ويتهمها بالفساد، ليعود ويستعير لغتها البائسة، ثم يقوم باتهام الإعلام العربي باستهدافه هو وحزبه أيضاً، مستمراً في خلق الأعداء كأنّه دونكيشوت، لا يريد الاعتراف بالفشل، ويخاف أن يتم تجريده من دور البطولة، فيخوض حرباً حتى لو كانت ضد شعبه ووطنه نفسيهما.

نصر الله لا يمكن أن يحاول تقديم حلولٍ من أجل لبنان وهو يتهم بعض فقراء الشعب الثائرين "بالعمالة والخيانة"

وليس بعيداً عن لبنان، يعاني العراق من (أحزاب الله) الأخرى؛ حيث سقط من مواطنيه اليوم شهداء، وضرب متظاهروه، وتقوم عصابات إيران المعروفة أسماؤها وميليشياتها، بقمع الشعب، مدعومةً من سلطة استبداد سياسي بذات المحاصصات والتاريخ تقريباً، مع اختلاف المكان والظروف. ومع أنّ الداعم واحد، حاول نصر الله القول إنّه يدعم المتظاهرين وإنجازاتهم وحراكهم وأنّه يجب أن يشكلوا قيادة واضحة الانتماء من أجل القيام بتغييرٍ سياسيٍ في لبنان. فكيف يستقيم أنّ داعميه الإيرانيين الذين قال غير مرةٍ أنّه يعترف بهم، يدعمون قاتلي العراقيين، ولن يدعموا حزبه في قمع وإيذاء اللبنانيين في حال تمت المطالبة بإسقاط كل الأحزاب السياسية اللبنانية التي احتلت الحكومة واستعمرت شعبها ذاته طوال أعوام.

اقرأ أيضاً: حسن نصرالله .. الأولوية إيرانية
لا بد أنّ استمرار اللبنانيين في ثورتهم، سوف يسقط الحكومة اللبنانية، وسوف يضعف تغول حزب الله على الدولة في لبنان، وعلى أرض الواقع، لا يستطيع حزب الله مهاجمة الشعب اللبناني مدةً طويلة، وربما على الحزب أن يتعلم أنّ دور المقاومة، لا يعني بالضرورة استيلاءه على أدوار الجميع في السياسة داخل لبنان، وربما أنّه لا يمكن تجاه لبنان بالذات، القول إنّه يوجد حزب سياسي يمكن للشعب أن يلوذ به، لا القومي ولا القوات، ولا حركة أمل أو حزب الله، فجميعها نالت حصةً من اقتصاد لبنان، ونالت منه بالدم في يومٍ من الأيام. يمكن أن يبقى اللبنانيون محقين فقط، في مسيرةٍ بلا قيادة؛ لأن ما يقودها هو الوعي فقط، وليس رجلاً واحداً، من قيادات لبنان الحالية المتحالفة ضد مستقبل اللبنانيين، ومنهم حسن نصر الله.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية