لماذا تغذي إيران النزاع في إقليم كشمير؟

كشمير

لماذا تغذي إيران النزاع في إقليم كشمير؟


29/10/2019

في أعقاب إعلان الهند ضمّ إقليم كشمير، الذي يتمتع بالحكم الذاتي، والمتنازع عليه بين الهند وباكستان، انبعث من جديد الجدل الإقليمي والمحلي حول تلك القضية، وتباينت ردود الفعل، خاصة موقف الخليج العربي من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، بينما تحوّل الإقليم المتاخم لحدود الصين والهند وباكستان إلى بؤرة توتر، لما يمثّله عبر موقعه الحيوي من نقطة توازن بين تلك الدول والقوى، في جنوب القارة الآسيوية، بالتالي؛ فإنّ هيمنة واستحواذ دولة دون غيرها على الإقليم، سيمثّل تهديداً للأمن القومي للآخرين، في ظلّ تنوّع مصادر القوة بالإقليم، الاقتصادية والسكانية وحتى مساحته وامتداداته الجغرافية.
أزمة الجغرافيا وجدل السياسة
شهد الإقليم، الذي فقد حكمه الذاتي القائم منذ سبعة عقود، تحركات عسكرية على المستوى الميداني، الأمر الذي يعكس حجم المخاوف والأهمية التي تحوزها المنطقة بين الأطراف المتنازعة عليها من عدة نواح؛ سياسية وأمنية واقتصادية وإستراتيجية؛ إذ يعدّ إقليم كشمير بالنسبة إلى الهند، مركزاً للنفوذ الاقتصادي والأمني، خاصة أمام الصين وباكستان.

تحوّل الإقليم المتاخم لحدود الصين والهند وباكستان إلى بؤرة توتر

وفيما يتصل بباكستان؛ فإنّه ممرّ تجاري حيوي، نظراً لوجود ميناء "كراتشي"، ووجود ثلاثة أنهار مهمة في المنطقة، السند وجليم وجناب، ناهيك عن الورقة الطائفية والمذهبية التي تسببت في حروب وصراعات وتدخلات خلال أعوام وعقود طويلة؛ إذ يشكّل المسلمون نسبة 90% بالمنطقة.

يفرض الواقع الجيوسياسي والاقتصادي على إيران تبني سياسة أكثر تحفظاً لأنها في حاجة إلى الهند لموازنة الضغوط الدولية عليها

قبل أيام، قام الجيش الباكستاني بمرافقة فريق من الدبلوماسيين والصحفيين الأجانب، الذين زاروا قرى في وادي نيلم، المتاخم لخطّ السيطرة، في الجزء الخاضع للإدارة الباكستانية من كشمير، للردّ على التصريحات المضادة من الحكومة الهندية، بعدما اتهمتها الأخيرة باستهداف معسكرات هناك. ومن جانبه، تحدّث الناطق باسم الجيش الباكستاني، اللواء آصف غفور، حسبما نقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية، من أنّ ثمّة خروقات هندية مستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار تتعمّد استهداف المدنيين.
وغرّد الناطق باسم الخارجية الباكستانية، الدكتور محمد فيصل، عبر منصة التواصل الاجتماعي "تويتر": "الجانب الهندي لم يشارك ضمن الجولة التي نظمها الجيش الباكستاني، كما أنّه لم يتعاون بشأن إعطاء الإحداثيات المتعلقة بالمعسكرات التي زعم قائد الجيش الهندي تدميرها، وما قاله قائد الجيش الهندي ليس سوى محض ادّعاءات فقط".
الاستعمار وفصول النزاع بعد الاستقلال
منذ عام 1947، تاريخ استقلال الهند عن الاستعمار الإنجليزي، بدأ فصل جديد من النزاع، ظلّ مستمراً لعقود دونما انقطاع، إثر تقسيم الولايات على أساس المذهب الديني؛ إذ انضمت الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، والغالبية المسلمة إلى باكستان، مما خلف صراعات مذهبية وعرقية تبعاً للتقسيم السكاني المتنوع بتلك المنطقة، وهو ما أسفر عن نشوب 3 حروب، كان إقليم كشمير محلّ النزاع فيها جميعاً.

اقرأ أيضاً: هل يتدخل ترامب لتهدئة صراع كشمير؟
وبين عامَي 2008 و2016، وقعت عدة صراعات مسلحة حادة، أدّت إلى مقتل عشرات الأشخاص، وعدة هجمات على قواعد عسكرية، لا سيما قاعدة الجيش الهندي، في كشمير، التي أسفر الهجوم عليها عن مقتل 19 جندياً.

ثمّة خروقات هندية مستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار
ويرى الصحفي المصري، أحمد حسن، المتخصص في الشأن الخارجي؛ أنّ خطوة الهند الأخيرة ستكون جولة جديدة من الصراع القديم في تلك المنطقة، والذي سيتجدّد على أساس عرقي ومذهبي، بعدما قامت وزارة العدل الهندية بإلغاء المادة 370 من الدستور، التي تمنح سكان إقليمي جامو وكشمير الحقّ في دستور خاص، يكفل لهم الحكم الذاتي من خلال حكومة مركزية، وهو الأمر الذي سيترتب على دخوله حيز التنفيذ دمج المنطقة ذات الأغلبية المسلمة مع بقية أجزاء البلاد.

اقرأ أيضاً: كشمير.. حرب لا تنتهي
وفي حديثه لـ "حفريات"، يوضح الصحفي المصري؛ أنّ الواقع في الإقليم سيشهد انفلاتاً وأوضاعاً غير آمنة على المدنيين، إضافة إلى تواتر صراعات مسلحة جديدة، وستلعب عدة دول، لا سيما إيران، دوراً في شحن الأوضاع بصورة سلبية، واستثمار الأزمة لصالحها، والأمر نفسه مع إسلام أباد، والأخيرة سبق أن شاركت من خلال قبائل باكستانية في الصراعات المسلحة، بحجة مؤازرة المسلمين بالإقليم ضدّ الحكومة الهندية؛ حيث جرت صدامات مسلحة بين القوات الباكستانية والهندية.

وبينما وصفت باكستان إلغاء الهند الحكم الذاتي لولاية كشمير، بأنّه خطوة "غير شرعية"، فقد علق المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، على الأزمة بأنّها جزء من مخططات الاستعمار القديمة، بعد انسحابه من شبه القارة الهندية، بيد أنّه أشار إلى ضرورة عدم ممارسة العنف بحقّ المسلمين في هذه المنطقة.
إيران وباكستان... المصلحة والضرورة
وهدّدت باكستان بأنّها ستستخدم كلّ الخيارات الممكنة، للردّ على ما وصفته بـ "الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها الهند"، كما صرّح، رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، بدعم طهران للحكومة الباكستانية في نزاعها المستمر مع نظيرتها الهندية، بشأن الأوضاع في إقليم كشمير.

منذ عام 1947 تاريخ استقلال الهند عن الاستعمار الإنجليزي، بدأ فصل جديد من النزاع ظلّ مستمراً لعقود دونما انقطاع

ولفت الناطق باسم الخارجية، عباس موسوي، إلى أنّ الجمهورية الإسلامية في إيران تطالب السلطات الهندية بوضع حدّ للظروف القاسية التي يعيشها المسلمون في كشمير، وأشار إلى أنّ ثمة ظروفاً قاسية يعانيها المسلمون في المنطقة، خاصة فيما يتصل بممارساتهم الدينية في إقليم كشمير.
يوضح الدكتور محمود حمدي أبو القاسم، مدير وحدة الدراسات الإيرانية، بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ومقرّه الرياض؛ أنّ "الموقف الرسمي الإيراني تجاه الصراع المتصاعد في إقليم كشمير، بين الهند وباكستان، يحكمه عدد من العوامل الرئيسة، ومن بين هذه العوامل؛ الطبيعة الأيديولوجية للنظام، التي ترفع شعار: "نصرة المستضعفين"، وصاغته وفق اعتبارات دينية متعلقة بالشرعية السياسية والفقهية، التي يقوم عليها النظام، وهي نفسها الاعتبارات التي يغذي النظام من خلالها مشروعه الخارجي، بهدف ترسيخ نفسه كقائد للعالم الإسلامي ككلّ، ويفرض هذا التوجه وجود تعاطف إيراني تجاه قضية كشمير، خصوصاً على المستوى الشعبي، وهو ما ظهر في التظاهرات التي قام بها الإيرانيون أمام السفارة الهندية في إيران رفضاً للسياسات الهندية تجاه إقليم كشمير".
يمثل الإقليم محلّ تنازع بين دولتين مهمتين

اعتبارات جيوسياسية
ويضيف أبو القاسم لـ "حفريات": "لكن لاعتبارات جيوسياسية، فإنّ الأمر يبدو أكثر تعقيداً؛ حيث يمثل الإقليم محلّ تنازع بين دولتين مهمتين؛ إحداهما باكستان، التي تقع على تخوم دولة إيران من جهة الشرق، وتربطها مع إيران علاقات متعددة ومتشابكة، سياسية واقتصادية وأمنية، فضلاً عن وجود بعض التوترات، والدولة الأخرى هي الهند، وهي الدولة المهمة في إقليم جنوب شرق آسيا، ولها علاقات وثيقة مع إيران، وتلعب دوراً بارزاً في مشروع اقتصادي حيوي بالتعاون مع إيران، وهو مشروع ميناء تشهبار، وخطوط الاتصال بين الهند ووسط آسيا عبر إيران".

اقرأ أيضاً: الصراع على كشمير: تاريخ النزاع وشبح الحرب
وعليه، يفرض هذا الواقع الجيوسياسي والاقتصادي على إيران تبني سياسة أكثر تحفظاً تجاه التعاطي مع هذه القضية، حسبما يرى أبو القاسم، سيما أنّ إيران في حاجة إلى الهند لموازنة الضغوط الدولية عليها، خصوصاً أنّها أحد أهم الشركاء التجاريين لإيران على المستوى الدولي، كما أنّها تخشى أن تقوم باكستان بسياسات معادية لإيران في حالة دعمت أيّة سياسات لا تراعي رؤية باكستان في كشمير، سيما أنّ باكستان متهمة بالأساس من جانب إيران بتقديم الدعم والتعاون مع أطراف خارجية لدعم تمرّد البلوش ضدّ النظام الإيراني.
وبناء على ذلك، يؤكد أبو القاسم أنّ التصريحات الرسمية الإيرانية قد أكّدت ضرورة إيجاد حلّ سلمي للأزمة، كما رفضت الحلول العسكرية، باعتبارها تفتح مجالاً للتوتر على حدودها الشرقية، وقد تسهم في حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، ويؤثر على المشروعات المزمع عقدها بين إيران والدولتين في المستقبل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية