بعد استقالة الحريري: هل يُسقط المحتجون الوصاية الإيرانية على لبنان؟

لبنان

بعد استقالة الحريري: هل يُسقط المحتجون الوصاية الإيرانية على لبنان؟


30/10/2019

يُنظر إلى استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، عصر أمس الثلاثاء، باعتبارها  انقلاباً على أكثر المتضررين من الاحتجاجات التي تعصف بلبنان منذ السابع عشر من الشهر الجاري، وفي مقدمتهم حزب الله التي يقول محللون إنّه قرأ استقالة الحريري "بشكل سلبي، ويصفها بالانقلاب أو بالتماهي مع الضغوط الخارجية، التي تهدف إلى تغيير الموازين السياسية في البلاد" على ما ذكر الكاتب اللبناني منير الربيع في موقع "المدن"، متوقعاً عدم إعادة تسمية الحريري رئيساً للحكومة المقبلة.

اقرأ أيضاً: هكذا كشفت الاحتجاجات النفوذ الإيراني في العراق ولبنان
ورغم استقالة الحريري المتوقعة، إلا أنّ المحتجين لم يعودوا إلى بيوتهم؛ حيث استفاقت بيروت اليوم الأربعاء على هدوء حذر، غداة ليلة أمنية وسياسية عاصفة، عاشها المحتجون قرابة ساعتين من الرعب وسط بيروت، إثر إقدام عدد من الشبان يهتفون بولائهم لـ "حزب الله" وحركة "أمل" على تحطيم وحرق خيام المحتجين، وفق موقع "روسيا اليوم".

أقدم عدد من الشبان يهتفون بولائهم لحزب الله وحركة أمل على تحطيم وحرق خيام المحتجين
وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قد توجه في كلمته الأولى لرئيس الحكومة وعموم الطبقة السياسية اللبنانية، محذراً إياهم من مغبة تقديم استقالاتهم استجابة لمطالب المتظاهرين، وهدد بمحاكمة كل من يقْدِم على الاستقالة!

أسعد بشارة: أتوقع أن يستمر حزب الله وحليفه رئيس الجمهورية، وجبران باسيل بمحاولة الضغط لتشكيل حكومة لهم فيها أغلبية

وفي تعليقه على استقالة الحريري قال رئيس المجلس النيابي اللبناني، نبيه بري، لصحيفة "الجمهورية": إنّ "الوضع دقيق وحساس، وينبغي مقاربة ما حصل بكثير من التعقل، والحؤول دون حصول أي أمر من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً"، مؤكداً أنّ "المطلوب هو أن تسود الحكمة ولغة الحوار بين المكونات اللبنانية، خصوصاً أنّ صورة الأزمة ليست طائفية أو مذهبية".
من جهته، قال الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، في حديث تلفزيوني: إنّ "حكومة اللون الواحد حماقة"، وأضاف: "لا أعرف ما هي ظروف الحريري، لكني معه إذا قرر العودة لرئاسة الحكومة".
من جانبه، قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع: "حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته، واستقالة الحكومة، تجاوباً مع المطلب الشعبي العارم بذلك. المهمّ الآن الذهاب نحو الخطوة الثانية والأساسية والفعلية المطلوبة للخروج من أزمتنا الحالية ألا وهي تشكيل حكومة جديدة من أخصائيين مشهود لهم بنظافة كفهم واستقامتهم".
رغم استقالة الحريري المتوقعة إلا أنّ المحتجين لم يعودوا إلى بيوتهم

ماذا بعد الاستقالة؟
بعد استقالة الحريري، يبقى السؤال حول ما سيحدث في الشارع اللبناني، وإذا كانت التظاهرات ستستمر. وماذا سيجري في حال عدم التوافق على حل يرضي المحتجين الذين رفعوا شعاراً راديكالياً اتهموا فيه الطبقة السياسية كلها بالفساد وبتكبيد لبنان خسائر اقتصادية بسبب سوء الإدارة والفساد ونظام المحاصصة الطائفية، مطلقين صيحة: "كلن يعني كلن"، فهل نجا الحريري من الـ "كلن" باستقالته التي لبّت واحدة من أهم مطالب المحتجين؟
خصوم الحريري لن يتركوه يفرح بما يعتبره إنجازاً أو انتصاراً للإرادة الحرة للمحتجين، فقد كشفت صحيفة "الأخبار" المؤيدة لحزب الله أنّ "الحريري كان يعقد اجتماعات سرية يومية مع مجموعات في المحتجين"، مشيرة إلى أنّ "خصوم الحريري يتهمونه بأنّه أراد بذلك، الظهور على أنّه يؤيد مطالب المحتجين تمهيداً لاستقالة تجعله خارج شعار "كلن يعني كلن".

اقرأ أيضاً: هناك شعب آخر في لبنان لا تعرفه سيد نصرالله
ولفتت "الأخبار" إلى أنّ الحريري قال: "إنّه لم يعد قادراً على تحمل وزير الخارجية جبران باسيل والتعايش معه، وأنّ شرطه الوحيد للبقاء داخل الحكومة إجراء تعديل يطال باسيل بالدرجة الأولى قبل أي وزير آخر".
إرادة الحريري بالعودة إلى الحكم، وفق شروطه، ترتطم، في نظر محللين، بعقبتين؛ الأولى من رئيس الجمهورية برفض استبعاد الوزير جبران باسيل من الحكومة المعدلة أو الحكومة الجديدة، والثاني؛ من حزب الله برفضه حكومة التكنوقراط.

 

سقوط التسوية الرئاسية
وتُقرأ استقالة الحريري من زاوية أخرى، باعتبارها سقوطاً للتسوية الرئاسية، وفق ما يرى الكاتب اللبناني وليد حسين، الذي يعتقد أنّ سقوط الحكومة هو أول الغيث في معركة المحتجين مع السلطة، وأنّ مجموعات المحتجين لن تتراجع عن التصعيد في الشارع، "وصولاً إلى إسقاط جميع رموز العهد القديم الذي تسبب بجميع الكوارث التي حلت باللبنانيين. لكن أي تصعيد محتمل سيكون رهناً بما سيبدر عن السلطة في الأيام القليلة المقبلة".

أكد الناشطون أنّ استقالة الحريري إنجاز تحقق بفعل الشارع وأنّها تعني سقوط التسوية الرئاسية التي حكمت لبنان مند 3 سنوات

وأكد الناشطون أنّ ما حدث إنجاز تحقق بفعل الشارع، وأنّ استقالة رئيس الحكومة تعني سقوط التسوية الرئاسية التي حكمت لبنان مند ثلاث سنوات، وبالتالي فإنّ على حكومة أخرى، كي تكون مرضيّاً عنها، "تسوية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتجنب الانهيار بالدرجة الأولى".
وحذّر مراقبون من تدخلات حزب الله المدعوم من إيران، واختطاف لبنان مرة أخرى من أجل الهيمنة على السلطة بكل الطرق، وفي مقدمتها التهديد والتخويف والاعتداء على المتظاهرين وفض الخيام، وحتى اللجوء إلى العنف وإسالة الدماء. وفي هذا السياق قال الكاتب السياسي، أسعد بشارة، إنّ "المسار داخل السلطة منفصل تماماً عن مسار الديناميكية داخل الشارع، فالانتفاضة الشعبية تطالب بالتغيير الكامل"، مضيفاً أنّه في حال "قرر حزب الله أن يلجأ مرة ثانية إلى الالتفاف والمناورة، فإنّ الشارع لن يسكت".
حذّر مراقبون من تدخلات حزب الله المدعوم من إيران

مطالب تتجاوز القوى السياسية والطائفية
واستطرد قائلاً: "مطالب الشارع تتجاوز القوى السياسية والطائفية، فالحريري ابن الطائفة السنية، وهو ممثل حقيقي وكبير لها، ومع ذلك لاحظنا أنّ ردة فعل طرابلس، وهي أكبر مدينة ذات طابع سني في لبنان، جاءت مؤيدة للاستقالة، وهذا يعكس تجاوز اللبنانيين للحواجز الطائفية، وتعاملهم من منطلق الوطنية وحب البلد".

اقرأ أيضاً: خطاب نصر الله الأخير: ممنوع على لبنان أن يرى الفيل وسط الغرفة
ويرى بشارة، في تصريحات لـ "سكاي نيوز عربية"، أنّ الحريري "اتخذ قراراً شجاعاً"، معللاً ذلك بالقول: إنّ "الحكومة وإن كانت برئاسته (الحريري)، فإنّ حزب الله مسيطر على مقاليد الأمور، إذ تسلم القرارات الكبرى، ووضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية، وعزله عن محيطه العربي وقتل حياته السياسية، وأوصله إلى الانهيار الاقتصادي".

مراقبون يحذرون من تدخلات حزب الله المدعوم من إيران، واختطاف لبنان من أجل الهيمنة على السلطة بكل الطرق

واستطرد قائلاً: "حزب الله هو من أوصلنا إلى هذا الانهيار، فهو من يغطي الفساد، ويشارك فيه من خلال التعطيل الدستوري، والمعابر المفتوحة، وتهريب الأموال، وتهديد النظام المصرفي، وكل ما شهدناه في السنوات الأخيرة من تعطيل وتخريب".
وهناك خياران قد يلجأ إليهما حزب الله بعد استقالة الحريري، خاصة في ظل تمتعه بالأكثرية النيابية، بحسب بشارة؛ الأول "هو أن يسمح حزب الله بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، بعيدة عن الضغوط، تنقذ البلد وتبني دولة (وهو احتمال مستبعد). أما الاحتمال الثاني فهو أن يتوجه إلى تشكيل حكومته الخاصة، كونه يتمتع بالأغلبية النيابية".
وتابع: "أتوقع أن يستمر حزب الله وحليفه الأساسي الآن، العهد (رئيس الجمهورية) وجبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر)، بمحاولة الضغط لتشكيل حكومة لهم فيها أغلبية؛ إذ لن يكفوا أيديهم عن تشكيل الحكومة، وهذا ما دفعهم لتعطيل استقالة الحريري ومحاولة إثنائه عنها، ليبقى داخل السلطة شريكاً لهم بكل الأخطاء المتركبة". وتابع: "يريدون الشراكة لتبقى تركيبة السلطة بيد حزب الله".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية