الصين وإيران.. شريكان وليسا حليفين

الصين وإيران.. شريكان وليسا حليفين


كاتب ومترجم جزائري
31/10/2019

ترجمة: مدني قصري


في 14 أيلول (سبتمبر) 2019؛ تعرّضت منشآت نفطية سعودية لهجمات طائرات بدون طيار، مما تسبَّب في ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10٪، كلّ الأنظار تحوّلت بسرعة إلى إيران، التي تتهمها الولايات المتحدة بشكل خاص، بالوقوف وراء الهجوم، مع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، دعت بكين إلى ضبط النفس، ليس هذا من قبيل الصدفة؛ لأنّ إيران شريك من الدرجة الأولى للصين، التي تريد تجنّب زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج.

اقرأ أيضاً: هل تتوسط الصين في الخلاف بين الكويت والعراق؟
تعود العلاقات بين الصين وإيران، وهما من أقدم الحضارات في آسيا، إلى العصور القديمة، في ذلك الوقت، ربط طريقُ الحرير الكيانَين، كان التجار والسفراء والمسافرون من مختلف المرجعيات جسوراً بين الثقافتين، واليوم، تطورت علاقاتهما، لقد طور البلدان تعاوناً قوياً، خاصةً من الناحية الاقتصادية والطاقة، ولكن أيضاً في العديد من المجالات، وحتى في المسائل الأمنية.
حول هذا الموضوع، أجرت "lesclesdumoyenorient" مقابلة مع تيري كيلنر، دكتور في المعهد العالي للدراسات الدولية (IUHEI) في جنيف، ومحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة بروكسل الحرة (ULB)، وهو عضو في مراكز أبحاث (ULB EASt)، و(REPI)، و(OMAM)، و(CECID)، وباحث مشارك في (GRIP) "بروكسل".
ينظر القادة الصينيون إلى إيران كقوة إقليمية طبيعية في الخليج

في العقود الأخيرة؛ أصبحت الصين وإيران شريكَتين متميزتَين، كيف تطورت علاقاتهما؟ وما هي مصالح هذَين البلدان في تطوير مثل هذا التعاون؟
تم الاعتراف الدبلوماسي بجمهورية الصين الشعبية من قبل إيران، عام 1971، وتعود علاقاتهما إلى عهد شاه إيران، محمد رضا بهلوي (1941-1979)، بسرعة كبيرة، تطور التعاون بين البلدين في مجالي التجارة والتعليم، ولكن أيضاً على المستوى السياسي.

اقرأ أيضاً: ترامب يصدر أمراً للشركات الأمريكية بالانسحاب من الصين
ينظر القادة الصينيون إلى إيران كقوة إقليمية طبيعية في الخليج؛ لذا فإنّ بكين تبحث عن روابط مع طهران، التي تنظر إليها كشريك مفيد للتصدي لأيّة مطالبات "هيمنة" من القوى العظمى في هذه المنطقة الرئيسة من النظام الدولي (خاصةً اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية في ذلك الوقت، ثم الولايات المتحدة فيما بعد)، يفضل القادة الصينيون تشكيلاً متعدّد الأقطاب للنظام الدولي.
هذا الاهتمام مترسّخ بشدة، لدرجة أنّ الثورة الإسلامية الإيرانية (1979) لم تُعِدْ النظر في العلاقات الثنائية، ورغم العلاقات التي كانت قائمة في السابق بين بكين والشاه، لقد استؤنف التعاوُن بين البلدين بسرعة، وقد استمرت العلاقات بين البلدين رغم الاضطرابات في النظام الدولي، وقد نمت هذه العلاقات على مرّ العقود، وحتّى هذه اللحظة.

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح التمثيل الدبلوماسي للكويت في الصين هو الأكبر لها عالمياً؟
لقد تعزّزت بشكل خاص في سياق التنمية الاقتصادية في بكين؛ فمنذ التسعينيات، حيث أصبحت طهران مورداً رئيسياً للنفط للصين، وهي طاقة أساسية لتغذية النموّ الصيني، وترى جمهورية الصين الشعبية؛ أنّ النفط الإيراني "آمن"؛ ففي حالة نشوب أزمة مع واشنطن، تراهن بكين على أنّ طهران ستواصل تزويدها بالنفط، بالنظر إلى توجّهها المعادي لأمريكا، وهذا ليس هو الحال بالنسبة إلى المُورّدين الآخرين في الخليج.
الصين الشريك التجاري الأول لطهران
ابتداء من العقد الأول من القرن العشرين، أصبحت إيران على الفور متهّمة على المستوى الدولي، بسبب القضية النووية، وقد انسحب الشركاء الاقتصاديون التقليديون (اليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوروبية)، مما ترك المجال مفتوحاً لانتشار الاقتصاد الصيني في إيران، وقد استفادت بكين إلى حدّ كبير؛ لأنّها أصبحت الشريك التجاري الأول لطهران في هذا الوقت.
بعد الثورة الإسلامية منذ عام 1981 أصبحت الصين ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإيران بعد روسيا

قال علي أكبر ساهيلي، وزير الخارجية الإيراني السابق: إنّ "البلدين متكاملان لديهم (الصينيون) الصناعة، ونحن (الإيرانيين) نملك الطاقة"، هل تلخّص هذه الكلمات العلاقات بين هذين البلدين؟ الصين مصدر للسلع المصنعة لإيران، وطهران تزود الصين بالطاقة عن طريق النفط؟
يُعدّ تصديرُ النفط الإيراني الخام إلى الصين بعداً رئيساً في العلاقات الثنائية، جمهورية الصين الشعبية هي أكبر سوق لتصدير النفط لطهران، لكنّ بكين هي أيضاً أكبر سوق للمنتجات الإيرانية غير البترولية، مثل المعادن أو المنتجات البتروكيماوية، من جانبها؛ تصدّر الصين العديد من السلع المصنعة إلى إيران، وقد فتحت لها العقوبات أبوابَ السوق الإيرانية، عام 2018، كانت بكين الشريك الأول لطهران من حيث الواردات (على قدم المساواة مع الاتحاد الأوروبي بأكمله)، ومع ذلك؛ لا ينبغي أن تكون هذه الشراكة مثالية؛ لأنّ المنتجات الصينية لها صورة متناقضة في إيران، بسبب ضعف جودتها، وأحياناً ما تكون الأسعار مرتفعة، وتمارَس عندما تكون إيران تحت العقوبات، أو بسبب العواقب السلبية لهذه الواردات الموجهة للصناعة الإيرانية المحلية.

اقرأ أيضاً: هكذا أصبحت الاستثمارات الصينية في إفريقيا مصائد للهيمنة
إضافة إلى التجارة، تنشط الشركات الصينية نشاطاً كبيراً في إيران في العديد من القطاعات، بما في ذلك في بناء البنية التحتية، مثل خطوط السكك الحديدية، وقد منحت بكين قروضاً كبيرة، قابلة للسداد، خاصة في مقابل النفط، وفي سياق تجديد واشنطن للعقوبات ضدّ إيران؛ تبرز إيران كشريك لا غنى عنه لإيران، في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك القطاع الاقتصادي، في علاقاتها مع الإيرانيين، فازت الصين بالعديد من الرسوم البيانية، لا شكّ في أنّ العلاقة غير متناظرة، وليس لطهران بديل في هذا السياق.
على الجانب العسكري؛ زوّدت بكين إيران بتقنيات عسكرية متطورة، بما في ذلك الصواريخ، ماذا عن علاقاتهما من حيث التسلح؟
الجانب الاقتصادي أساسي في علاقاتهما الثنائية، لكنّ البلدين يتعاونان أيضاً بشكل فعال على المستوى العسكري؛ بعد الثورة الإسلامية، منذ عام 1981، أصبحت الصين ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإيران، بعد الاتحاد السوفييتي، ثم الاتحاد الروسي، لقد عرفت كيف تستجيب بشكل خاص لمطالب إيران بقدرات غير متماثلة، والتي تُعدّ ضرورية لإستراتيجية إيران العسكرية.
كانت الصين، وما تزال، مورّداً رئيساً للقذائف، جميع الصواريخ الإيرانية تقريباً هي نماذج أو تقنيات صينية، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالدفاع الساحلي؛ فحتى عامَي 2017-2018، كانت الشركات الصينية وبعض الأفراد من ذوي الجنسية الصينية يخضعون لعقوبات أمريكية؛ بسبب تعاونهم في مجال الأسلحة الباليستية مع إيران.

اقرأ أيضاً: معركة كسر العظم بين أمريكا والصين ميدانها التكنولوجيا ولاعباها هواوي وغوغل
زوّدت الصين طهران أيضاً بالتكنولوجيات النووية المدنية والدراية الفنية، لكنّ قدرات إيران النووية، التي تخيف المجتمع الدولي، تدين بالكثير لهذا التعاون مع بكين، بما في ذلك من خلال شركاتها، وفي عام 2019، تمّت معاقبة بعض الكيانات والأفراد من ذوي الجنسية الصينية من قِبل واشنطن لتعاونهم مع إيران في المجال النووي.
تعدّ مكافحة الإرهاب والتعاون البحري من بين مجالات التعاون التي تطوّرت مؤخراً، يبدو أيضاً أنّ بكين وطهران تتعاونان في مجال القدرات الإلكترونية، إلا أنّ المدى الدقيق لهذا التعاون غير معروف الآن، على وجه اليقين.
من حيث الطائرات بدون طيار؛ ما تزال المعلومات غير واضحة، الطائرات بدون طيار الإيرانية تكتسب أهمية كبيرة، وقد بدأت تقلق جيران طهران، ويبدو أن بعضها مستمدّ من النماذج الأمريكية (بما في ذلك طائرة RQ-170 Sentinel، التي تحطمت في إيران، في كانون الأول (ديسمبر) 2011)، ولكن ليس من المستحيل تخيّل أنّ إيران يمكن أن تستفيد من أشكال نقل الكفاءة أو التكنولوجيا من الصين، المتقدمة جداً في هذا القطاع، ومع ذلك، يجب الحذر في حالة عدم وجود معلومات أكثر دقة.

اقرأ أيضاً: اللغة الصينية في السعودية
ومن الجوانب التي لم تحظ بالتعليق كثيراً؛ أنّ البلدين يتعاونان أيضاً في مسائل السلامة العامة، الشركات الصينية "ZTE"، و"Huawei"، لها حضور قوي في إيران، وعلى وجه الخصوص؛ فقد زودت الصينُ النظامَ الإيراني بتقنيات المراقبة الإلكترونية، مما مكنها من تعزيز أمنها الداخلي في سياق "الحركة الخضراء" في عام 2009.
للصين مصالح متضاربة حيث تريد الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران ولكن دون أن تغيظ واشنطن

في عام 1995، أصدر الرئيس كلينتون مرسوماً بالحظر التجاري على إيران، وفي الوقت نفسه، منذ منتصف التسعينيات، تكثفت العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران بشكل كبير، وأصبحت الصين الشريك الاقتصادي الرئيس لإيران في آسيا، وتتمتع طهران بمركز المراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، منذ عام 2005؛ هل عززت العقوبات الأمريكية العلاقات بين البلدين؟
في العقد الأول من القرن الماضي تحديداً، تطور التعاون الاقتصادي بشكل كبير بين البلدين؛ فعامَ 2014، كان ما يقرب من 45٪ من التجارة الخارجية لإيران مع الصين، إذاً؛ نعم، العقوبات ساعدت التجارة بين البلدين، واستفاد القادة الصينيون من بلد كانت فيه المنافسة ضعيفة، بسبب العقوبات، ووجدت إيران في الصين بديلاً لدعم اقتصادها، هذا سمح للاقتصاد الإيراني بالتنفّس رغم العقوبات.
منذ عام الـ 2000؛ عارضت الصين أحياناً العقوبات المفروضة على إيران، قائلة إنّ الدبلوماسية كانت حلاً أفضل لحلّ القضية النووية الإيرانية؛ هل لعبت الصين دوراً في المفاوضات وفي إبرام الصفقة النووية، التي هي طرف فيها؟
هناك عدة مراحل في الدور الذي لعبته بكين على هذا المستوى: في البداية؛ كان لدى الصين بعض التردّد في الانضمام إلى المجتمع الدولي، لكن منذ عام 2006، صوتت الصين لصالح مختلف قرارات الأمم المتحدة التي تعاقب إيران، لكنّها ظلت تحاول باستمرار إبطاء القرارات، والحدّ من نطاق هذه العقوبات، لقد طوّرت بكين إستراتيجية خفية للاستفادة من السياق، على سبيل المثال، من خلال التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل أن لا تتعرّض شركاتها النفطية التي تتعاون مع إيران لعقوبات مقابل إبطاءٍ في استثماراتها، ودون إثارة أيّ خلاف مع واشنطن، ومن المسلَّم به أنّ سياسة بكين هذه قد أغضبت، لوقت أو لآخر، أحد هذين الشريكين، ولكن دون التسبب في قطيعة، لقد استفادت الصين إلى حدّ كبير من موقفها الغامض.

اقرأ أيضاً: هجوم الصين الناعم على أفريقيا: هل هو استعمار جديد؟
ابتداء من عام 2013، أصبحت الصين أكثر نشاطاً في عملية التفاوض النووي الإيراني، وقد لعبت دور الوسيط، بسبب علاقاتها الإيجابية مع جميع الأطراف، كانت تعرف كيف تُظهر للإيرانيين أنهم سيحصلون على فوائد سياسية واقتصادية من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات، لكنّها كانت أيضاً قادرة على الضغط على طهران في بعض الأحيان، على سبيل المثال، عن طريق تخفيض مشترياتها من النفط، في النهاية؛ كان نشاطها إيجابياً وساهم في توقيع اتفاقية 2015.
الصين زادت تعاونها مع إيران في العقد الأول من القرن العشرين

بالنظر إلى أنّ الصين زادت تعاونها مع إيران في العقد الأول من القرن العشرين، جزئياً، "بفضل" العقوبات الدولية؛ فهل لها حقاً مصلحة في تأييد الاتفاقية النووية، مع خطر رؤية شركاء جدد يتعاونون مع طهران ومنافستها؟
في الأساس، تماماً مثل موسكو والغرب، لا ترغب بكين في رؤية إيران تمتلك سلاحاً نووياً، وهذا، حتى لو لم تشعر بأنها مستهدفة مباشرة من قبل التهديد النووي الإيراني. الصين مستهلك رئيس للنفط، 50 ٪ من وارداتها تأتي من المنطقة الرئيسة في الخليج، فإذا تزودت إيران بأسلحة نووية، فستصبح المنطقة مهدَّدة بخطر زعزعة استقرارها، ونمو ظاهرة الانتشار النووي، ناهيك عن الأضرار التي ستهدّد النظام الدولي لعدم الانتشار النووي، وهذا من شأنه أن يتعارض مع مصالح الصين، التي طورت أيضاً تعاوناً مهماً في مجال الطاقة والمجالين الاقتصادي والمالي مع المملكة العربية السعودية، أو الإمارات العربية المتحدة.
النفط الإيراني مصدر توتر العلاقات بين واشنطن وبكين
في أعقاب هجوم الطائرات بدون طيار على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، دعت الصين إيران والولايات المتحدة إلى كبح جماحهما، وفي وقت سابق، خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا (28-29 حزيران (يونيو) 2019)، دعت الصين إلى التهدئة بين طهران وواشنطن، مطالبة أصحاب المصلحة الرئيسيّين "بالحفاظ على هدوئهم" مع تصاعد التوترات، يبدو أنّ بكين تسعى إلى الحصول على دور الوسيط في التوترات بين كتلة واشنطن-الرياض، وطهران؛ هل هو دور فعّال، رغم العداوة بين بكين وواشنطن، التي تفاقمت منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

للصين مصالح متضاربة؛ إنّها تريد الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران، ولكن دون أن تغيظ واشنطن، على الرغم من العلاقات الصعبة مع الرئيس ترامب، الصين شريكة لإيران، لكنّها ليست حليفة؛ إذا اندلع صراع بين إيران والولايات المتحدة، فمن المحتمل ألا تشارك، من خلال لعب دور الوسيط، فإنّها تسعى إلى حماية علاقاتها مع إيران، وكذلك مصالحها الاقتصادية، ومصالحها في مجال الطاقة، ومصالحها المناهضة للهيمنة في الخليج. في الوقت نفسه، تريد أن تظهر كلاعب مسؤول، وهو ما يتماشى مع طموحاتها الدولية، ويسمح لها هذا الدور كوسيط الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والتي تُعدّ حالياً خصماً لإيران، وهذا موقف ينطوي على مخاطر، بما في ذلك خطر فقدانها طرفًا أو مجموعة أطراف، في نهاية المطاف، لكنّ بكين تراهن على ألّا يرغب أيّ من الأطراف في الوصول إلى هذا الوضع، بسبب أهمية مصلحة هذه الأطراف في الحفاظ على العلاقات متوازنة معها.

اقرأ أيضاً: أمريكا والصين.. وصراع الزعامة
إذا وضعت بكين نفسها موضع الوسيط، فهي لن تتردد في ممارسة الضغط على طهران لدعوتها إلى الانضباط؛ فعندما تصاعد التوتر في مضيق هرمز، ألمحت بكين إلى أنّها يمكن أن تنضم بشكل أو بآخر إلى التحالف الدولي الذي اقترحته الولايات المتحدة، لمرافقة الناقلات عسكرياً عبر هذا المضيق، وبقيامها بذلك، أرسلت الصين رسالة إلى إيران مفادها أنّ؛ للصين مصالح ستدافع عنها، ويتعيّن على طهران أن تأخذها في الاعتبار، وإلا ستتحمل خطر فقدان الدعم.
وبالتالي؛ فإنّ البلدين شريكان، لكن ليسا حليفين، يتصرفان أولاً وفق مصالحهما، ومن المسلَّم به أنّ هناك تقاربات مهمة، خاصة حول الأحادية القطبية الأمريكية، أو التعدد القطبي للنظام الدولي، أو حول سوريا، أو في حدّ أقل، حول أفغانستان، لكنّ المصالح ليست متطابقة، وهي أحياناً متناقضة (حول العلاقات مع المملكة العربية السعودية أو إسرائيل على سبيل المثال).
الصين لا تريد استفزاز واشنطن

إذا وضعت بكين نفسها موضع الوسيط، فهي لن تتردد في ممارسة الضغط على طهران
منذ 2 أيار (مايو) 2019، حظرت واشنطن تصدير الخام الإيراني، وحتى ذلك التاريخ، كانت الصين واحدة من ثماني دول خرقت بعض القيود، لكن حتى شهر أيار (مايو)، تتحايل بكين على الحصار الأمريكي المفروض على إيران باستيراد النفط، وقد تم تسليم عدة ناقلات نفطية إيرانية؛ هل الصين معرضة لأن تفقد ثقة واشنطن؟

تلعب الصين لعبة ذكية؛ لقد رفضت دائماً فرض عقوبات من جانب واحد، لأنّها تمثل توجهات "هيمنة" أمريكية من وجهة نظرها؛ فهي تتحايل على الحصار الأمريكي بطريقة ذكية، مع التقليل الرسمي من استيراد النفط الإيراني، إنها تخزن النفط الإيراني على أراضيها. رسمياً، الأمر لا يتعلق بالواردات؛ إنّها وسيلة لطمس الأرقام حول واردات النفط، مع استمرارها في دعم إيران، إنّها سياسة خفية للتوازن، الصين لا تريد استفزاز واشنطن.

اقرأ أيضاً: الحرب الباردة ما بعد الاستعماريّة: كيف نفهم العلاقات الصينيّة-الأمريكيّة؟
في الأسابيع الأخيرة؛ تمّ تناقل بعض المعلومات المتعلقة بتعزيزٍ جديد للعلاقات بين بكين وطهران، المعلومة الأولى تتعلق بالاقتصاد: لقد وقعت الصين على صفقة استثمار بمئات المليارات من الدولارات مع الإيرانيين في قطاعي النفط والغاز، وقد ثبّتت إيران هذه المعلومات في وسائل الإعلام، وذلك على الأرجح لإظهار أنّ إيران لديها حلفاء وليست معزولة، لكنّ الصين لم تؤكد هذا الاستثمار، جزء آخر من المعلومات يتعلق بالجانب العسكري: مناورات بحرية مشتركة بين الصين وإيران وروسيا يمكن تنظيمها قريباً، إنها أيضاً وسيلة لردع واشنطن، وإذا بدا أن الصين تريد بالفعل الانضمام إلى مثل هذه المناورات (فعلت الدولتان ذلك من قبل)، فإنّ الخبراء العسكريين الصينيين يشيرون إلى أنّ القوات الصينية المرسلة ستكون غير مقاتلة، وهي طريقة للتصرف تصرفاً حيادياً يدلّ على تضارب المصالح الصينية والحدود التي تؤثر على شراكتها مع إيران، فبكين لا تريد عزل طهران ولا واشنطن، لكنّها لن تدع شريكتها الإيرانية تجرّها إلى أبعد مما يحقّ لها.


مصدر الترجمة عن الفرنسية: 

lesclesdumoyenorient



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية