شمس بلعربي: راعي الغنم الذي شق طريقه إلى هوليوود

شمس بلعربي: راعي الغنم الذي شق طريقه إلى هوليوود


03/11/2019

سرد المخرج المصري الراحل محمد خان في خطاباته لصديقة المصور السينمائي سعيد شيمي، معاناته في لندن لدراسة السينما، وكيف اضطر للعمل شيال من أجل توفير نفقاته، كان ذلك ولم يبلغ خان العشرين من عمره، عام 1960، وتجددت المعاناة في رحلة خان إلى بيروت في الستينيات أيضاً للعمل في مجال السينما مساعد مخرج ثالث، وكيف اضطر للسكن في غرفة بمستشفى يملكها صديق لوالده، ذلك أنّ خان لم يكن يملك أجرة السكن، غير أنّ خان يذكر في خطاباته، المنشورة عن دار الكرمة في القاهرة، كيف أنّ معاناته، لم تكن محط اهتمامه، طالما أنه مستمر في رحلته من أجل أن يصبح المخرج السينمائي محمد خان، الذي اعتبرت أفلامه في الثمانينات مؤسِسة لموجة جديدة في السينما المصرية.

اقرأ أيضاً: ممثل هوليوود العالمي سيد بدرية: أتسلق السور وأقفز دائماً
معاناة خان تكررت مع تجارب أخرى، لأشخاص عشقوا العمل في مجال السينما، وفي شمال أفريقيا، ببلدة عين تادلس التابعة لولاية مستغانم في الغرب الجزائري، كانت هناك رحلة أخرى، لشاب عمل طفلاً في رعي الغنم، غير أنه عشق الرسم، وتجاوز ظروفه الحياتية القاسية، ليحتفل ذلك العام، بتصميمه أفيشات أفلام هوليودية.
 بوستر فيلم من رسم شمس

فن الأفيش في مواجهة التكنولوجيا
عن طبيعة عمله قال بلعربي لـ"حفريات":"يتمثّل عملي الفني في رسم ملصقات الأفلام وتصميمها. وأنا كنت من عشاق السينما، واستطعت أن أمزج بين موهبتي في الرسم وبين شغفي بالسينما من خلال رسم ملصقات سينمائية راسخة في ذهني. وقد تمسكت بهذا العمل تقديراً مني له، وإيماناً بأنّ الفنانين الحقيقيين يحترمون هذه المهنة. لا أنكر أبداً أنّ هذا الفن، في خضم التكنولوجيا الرقمية، لم يعد رائجاً وأصبح حضوره مقتصراً على المتاحف وعلى هواة جمع الملصقات القديمة. لكنني عمدت إلى تطوير فكرة رسم الملصق بما ينسجم مع العصر، عبر إضافة تقنيات جديدة وعصرية، تجعله يقترب من الإبداع الذي نجده في الملصقات الحديثة في هوليوود".

اقرأ أيضاً: كيف قدّمت هوليوود العرب والمسلمين؟
ولد شمس الدين بلعربي عام 1987، إذ كان يعيش في قرية صغيرة غرب الجزائر، بعيدة عن الحضارة. "كنت أرعى الغنم مع خالي رحمه الله، وبينما كنت أمارس مهنة رعي الغنم في سن الخامسة كانت تمر بجانبي صفحات الجرائد، وكانت تجذبني الصور البراقة لنجوم السينما، فالتقط هذه الجرائد من على الأرض، وأتمعن فيها، وأرسمها بالعود في الرمال، وعندما بلغت سن السادسة انتقلت إلي المدينة، لكي أدخل إلي المدرسة، وفي المدرسة بدأ المعلمون يكتشفون موهبتي، وبدأت أعطي الأهمية لمادة الرسم أكثر من باقي المواد".
العودة إلى الشارع
بدأ المدرَسون اكتشاف موهبة الرسام المبدع، بفضل ميله اللافت إلى مادة الرسم بالمقرر المدرسي أكثر من المواد الأخرى. واضطر الفنان إلى ترك مقاعد الدراسة، بسبب فقر عائلته وعجزها عن الإنفاق على تدريسه: "خرجت إلى الشارع لامتهان حرفة تزيين المحلات التجارية وتصميم الديكورات، وهو نشاط عرف رواجاً كبيراً. غير أنّ الشارع جعلني عرضة للاستغلال من طرف تجار كانوا لا يدفعون مالاً نظير جهدي. وفي أحيان كثيرة كان بعض ميسوري الحال يساعدونني مادياً، لإعجابهم بفني".

مزج شمس بلعربي بين موهبته في الرسم وبين شغفه بالسينما من خلال رسم ملصقات سينمائية راسخة في ذهنه

وكان شمس الدين يتوجه يومياً إلى قاعات السينما بمستغانم، ليشاهد أفيشات أفلام السينما والصور الضخمة للنجوم: "بقيت على هذه الحال لسنوات، أعيش على تصميم الملصقات بينما كانت ظروف عائلتي المادية تزداد تدهوراً، وكان لزاماً علي أن أساعد والدتي للوفاء بأعباء البيت، ومع الوقت أنشأت ورشة صغيرة في الغابة المجاورة ظلت فترة طويلة مأوى بالنسبة لي، أقصده خاصة عندما أعود من السينما لأرسم ما شاهدته بالأفيشات".
غير أنّ منزل أسرة بلعربي المتواضع، مكسور السقف جزئياً، تسللت من خلاله قطرات المطر في صيف الشتاء فأفسدت لوحاته، هنا قرر البدء في إرسالها إلى شركات الإنتاج السينمائي في الخارج، على أمل أن يتحقق الحلم.
يقول  بلعربي:" أرسلت كل الرسومات إلى شركات الإنتاج السينمائية عن طريق البريد، وبدأ الناس ينعتونني بالمجنون، ولكن اتكلت على الله، لأنه هو من أعطاني هذه الموهبة، وواصلت المثابرة والعمل، ولكن مرت السنوات و لم أتلقَ أي رد".
شمس بجوار لوحة من أعماله للفنان المصري عبد الله غيث

انتصار السينما
لم يتأخر الرد أكثر من ذلك، فقد جاء اليوم الذي تلقى فيه بلعربي رسالة من منتج أرجنتيني يعمل بالشراكة مع هوليوود، أعجب بأعماله وقدمها إلى المنتج والممثل السينمائي محمد قيسي، الذي شارك النجم جان كلود فاندام بعض أفلامه في الثمانينات، ثم بدأ تلقي الطلبات من المخرجين والمنتجين، وقدم بعض ملصقات لأفلام عالمية، منها:The News  وHonor  و Garra Mortal و  Bucks of America

عاش بلعربي بعيداً عن الحضارة واضطر إلى ترك مقاعد الدراس بسبب فقر عائلته وعجزها عن الإنفاق على تدريسه

يُفضّل شمس ألا يترك بلاده، وأن يلقى الدعم الداخلي حتى يكمل ما بدأه: "أطمح إلى فتح مدرسة عربية تعلّم هذا الفن لجميع الراغبين والموهوبين، حفاظاً عليه من الإندثار، كما سبق أن اندثرت فنون أخرى جميلة ومهمة. أحب أن أساهم في تطوير مهارات الشباب وفي تعزيز مساحة الفنّ في حياتنا المثقلة بالهموم والأزمات. الفنّ هو في الأساس تربية ورسالة وجمال، وأظنّه خلاصنا من شرور هذا العالم".
وبما أنّ فن رسم أفيشات الأفلام بات أمراً نادر الوجود، فقد صار حلم بلعربي إقامة ورش لإفادة هواة هذا الفن، وإقامة متحف ومعارض لملصقات الأفلام، مطالباً القائمين على شؤون الفن في الجزائر وخصوصاً مسؤولي وزارة الثقافة تقديم تسهيلات له؛ لفتح مدرسة عالمية تستقطب كل الفئات العمرية الموهوبة، بغض النظر عن مستواهم الدراسي أو العمر أو الجنسية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية