التحرش في مصر يتعدى أجساد النساء إلى قتل المدافعين عنهن

التحرش

التحرش في مصر يتعدى أجساد النساء إلى قتل المدافعين عنهن


04/11/2019

(#راجح_قاتل)، هاشتاج أشعل سريعاً غضب المصريين، يحكي قصة شاب دافع عن جارته ضد من تحرشوا بها، فكان جزاؤه القتل، حادث مقتل محمود البنا لم يكن الأول، ظهوره على السطح كان سبباً في تفاعل رواد السوشيال ميديا مع الواقعة.

خلصت دراسة أمريكية إلى أن 99% من العينة التي أجريت عليها الدراسة في مصر تعرضن لتحرش جنسي

جريدة "الوطن" المصرية رصدت في تقرير منشور تكرار حوادث القتل بسبب الدفاع عن فتيات تم التحرش بهن، في كانون الثاني (يناير) 2019 لقي "مكوجي" بمنطقة البساتين يدعى طه طلبة إبراهيم مصرعه، خلال دفاعه عن سيدة كان يتم التحرش بها في الشارع، الأمر الذي دفع المتحرش لتسديد طعنات له بـ"سكين" تسببت في مقتله، وفي آذار (مارس) 2019 قام 6 أشخاص بالشروع في قتل مراهق عمره 15 عاماً يدعى "عمار.م"، أثناء قيام الأخير بالتدخل لحماية 3 فتيات قام المتهمون بالتحرش بهن داخل أحد المولات، وفي حزيران (يونيو) 2018 تصدى شاب بمدينة السنبلاوين لبعض المتحرشين خلال مضايقتهم لإحدى الفتيات، وتدخل لحمايتها، وبعد مرور شهر من الواقعة، اختطف المتهمون الشاب وقتلوه بالأسلحة البيضاء، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 أصيب فني صيانة بمنطقة العجوزة يدعى "مهند"، بجرح نافذ نتيجة الاعتداء عليه بـ"مطواة"، إثر تدخله لمنع أحد الشباب من التحرش بسيدة، وكان جزاؤه توجيه طعنات له من قِبل المتهم شروعاً في قتله، وفي أيار (مايو) 2015 قتل شخص بعد تعرضه للطعن بمطواة من قِبل شخصين حاولا التحرش بخطيبته، وعندما تدخل دفاعاً عنها ومنع إيذائها كان "القتل" جزاءً له، وفي أيار (مايو) 2015 قتل الشاب طه مصطفى البالغ من العمر 20 عاماً عندما رأى شقيقته أثناء سيرها في الشارع، تتعرض للتحرش من قِبل شخص في منطقة المرج بالقاهرة، وعندما تصدى الشاب لحماية شقيقته، تلقى طعنات متفرقة بأنحاء جسده لقي على أثرها مصرعه على يد "المتحرش".

اقرأ أيضاً: لماذا يميل المجتمع لاختلاق الأعذار للمتحرش؟
حادثة مقتل محمود البنا التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ليست الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة.
وكانت دراسة دولية صدرت في 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2017  من قبل خبراء في مجال حقوق المرأة،  قالت إنّ العاصمة المصرية القاهرة تعد أكثر مدينة خطورة على النساء، حيث كشفت الدراسة من خلال استطلاع للرأي أنّ معاملة المرأة في العاصمة المصرية قد ساءت منذ بداية ما عرف بالربيع العربي في عام 2011. كما كشفت الدراسة أنّ القاهرة هي أكثر مدينة "عدائية" للنساء في العالم.
99% من نساء مصر تعرضن للتحرش
ونشرت جريدة "الأهرام" المصرية في العام نفسه، تصريحاً للدكتور هاني هنري، رئيس قسم علم الاجتماع والنفس بالجامعة الأمريكية في القاهرة، أشار إلى أنّ هناك دراسة أجرتها مؤسسة تمكين المرأة مع الأمم المتحدة لفتت إلى تعرض السيدات المصريات للتحرش الجنسي، وخلصت الدراسة إلى أنّ 99% من العينة التي أجريت عليها الدراسة تعرضن لتحرش جنسي مختلف الأنواع أبسطها معاكسات بسيطة وأخرى مغلظة.

تتعرض النساء المصريات لمعظم أشكال التحرش بدءاً من التصفير والمعاكسات الكلامية 67.9%، مروراً بالنظرة السيئة الفاحصة لأجسادهن 46.6%

دراسة الجامعة الأمريكية بالتعاون مع الأمم المتحدة عن التحرش في مصر ليست الأولى في ذلك المسار، فقد سبقتها دراسة نشرت عام 2009، تحت عنوان "غيوم في سماء مصر – التحرش الجنسي من المعاكسات الكلامية... حتى الاغتصاب"، أعدتها الباحثة بالمركز المصري لحقوق المرأة، رشا محمد حسن، والتي أجرتها على عينة من 2020 فرد، قسمت بالتساوي بين الذكور والإناث المصريات، كما اشتملت الدراسة على النساء الأجنبيات القادمات إلى مصر لأغراض مختلفة وكان عددهم 109 عينة.
خلصت نتائج الدراسة إلى ارتفاع نسبة تعرض جمهور البحث من المصريات والأجنبيات للتحرش الجنسي، فكانت النسبة 83%، 98% على التوالي، وأشارت إلى تعرض النساء المصريات لمعظم أشكال التحرش بدأ من التصفير والمعاكسات الكلامية 67.9%، مروراً بالنظرة السيئة الفاحصة لأجسادهم 46.6%، ثم اللمس غير اللائق لأجسادهن 40.0%، والتلفظ بألفاظ ذات مغزى جنسي 30.2%، والملاحقة والتتبع 22.8%، والمعاكسات التليفونية، وصولاً إلى كشف المتحرش لبعض أعضاء جسده 10.9%.
الروائية والمصورة آية عبد الرحمن

العنف طريق النجاة
عن تجربتها الشخصية مع التحرش تحكي الروائية والمصورة المصرية آية عبد الرحمن في تصريح لـ "حفريات": "شخصياً، عانيت كثيراً من التحرش بكل أنواعه، بالنظر واللمس والكلام والرسائل الإلكترونية، وقد لاحقني في جميع مراحل حياتي، الطفولة والمراهقة والشباب، وأنا أرتدي خماراً فحجاباً، ولاحقاً بعد التخلي عن الحجاب.. وتعاملت معه بكل الطرق الممكنة.. الملابس الواسعة، لوم المتحرش "أنا مثل أختك"، الاستغاثة بالآخرين. في النهاية كان العلاج هو المرض.. العنف؛ بعدما فشلت في تفادي الخطر أصبح العنف هو طريقتي للنجاة.. العنف اللفظي، الانتهاك المعنوي، السخرية الجارحة، ثم العنف البدني (الضرب). الملاحظة هنا أنّ استعمالي العنف جعل الناس أكثر تعاطفاً ومساندة، عندما يصير المتحرش ضحيتي أصبح أنا موضع التقدير، وهي ملاحظة مهمة تضاف إلى ملاحظةٍ مهمةٍ أخرى: تعرضي للتحرش قلَّ كثيراً بعد خلعي للحجاب، وكأنّ تلك الطرحة كانت إعلان هشاشة يغري بالاعتداء! ربما نحتاج طبيباً نفسياً يفسر لنا هذا".

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن أول معاهدة دولية بشأن العنف والتحرش في العمل؟
لم تلجأ أية عبد الرحمن في كل حوادث التحرش إلى الشرطة: "ليس بسبب منهجية بعض الشرطيين في السخرية منا، وإجبارنا على وصف ما حدث على الملأ مهما كان مخجلاً، بل لحتمية وصول المتحرش لبياناتي ومن ثم مطاردتي وتهديدي. أسلوبي الوحيد هو المواجهة الفورية، كسر المتحرش وإذلاله بطريقة تردعه عن التعرض لأخرى.. المهم أن يحدث هذا سريعاً قبل أن يتدخل الآخرون لحمايته، تهريبه، أو ضربي لأن "الست ما تضربش راجل"، وهي عبارة هوجمت بها يوماً بعدما ضربت شاباً كشف لي عضوه الذكري في المواصلات، فصفعت قائلها".

اقرأ أيضاً: فلسطينيات يتعرّضن للتحرش الرقمي.. ما السبيل لإيقاف المتحرشين الجدد؟
تضيف عبد الرحمن:"لا يولّد العنف إلا عنفاً، ولو كان المخرج الوحيد من الخطر، وأتوقع أن يستمر عنف المتحرشين ويتصاعد العنف في مواجهتهم، إلى أن يُفعَّل قانون رادع، وتهتم الدولة بملف التحرش ومناهضته. يتمتع الذكور في المجتمع بامتيازاتٍ كثيرة (بعضها يشجع النظر للأنثى كأداةٍ جنسية تبرر التحرش بها، ويرى التحرش من سمات الرجولة)، لهذا لا يقلقهم ملف التحرش، بالنسبة لهم هو وهم، أو ادعاء، أو جريمة بعيدة عنهم، بالتالي لا يجدون دافعاً للتنازل عن امتيازاتهم لحماية النساء".
غلاف كتاب مزة أنبوكس

مزة انبوكس
ارتفاع حدة التحرش بالأخص مع ظهور وسائل أخرى للتحرش مع انتشار وسائط التواصل الإجتماعي، قررت الروائية والإعلامية المصرية جهاد التابعي جمع حكاياتها مع التحرش في كتاب، صدر في القاهرة عام 2014، تقول التابعي عن الكتاب في تصريح لـ"حفريات":"مرت خمس سنوات على كتابتي لـ"مزة إنبوكس"، الكتاب الذي اعتبره فضفضة توثيقية واقعية ومعايشة لواقع التحرش الإلكتروني، وهو أقرب لتحقيق صحفي موسمي مطول، عندما بدأت في استعمال وسائل التواصل الإجتماعي كفتاة عادية وكنت أضع صوراً عادية أقل جرأة كثيراً من الآن، كانت تنهال علي الرسائل في صندوق الوارد، رسائل غزل صريح، شتائم لآرائي، عروض زواج متعة، صور لأجساد رجال عارية، وأرقام هواتف، ورسائل حب، لفترة ظننت أنّ المشكلة بي أنا، وأنّ شيئاً ما يوحي لهؤلاء بالتجرؤ علي أنا دون غيري، لكن الصدفة والغضب جعلاني ذات مرة أنشر صوره من محادثة لرجل متزوج أرسل لي:"هو أنا هبقي رجعي لو طلبت منك علاقة جنسية جادة" وأرفقها بصورته عارياً، فامتلأ صندوق الوارد مجدداً بالشتائم منه أنني فضحت رغبته في استغلالي سراً وخيانة زوجته، واللوم من رجال آخرين كيف أفشي سر زميلهم في مسيرة كفاح التحرش الإلكتروني، لكن خلال أيام وجدت مئات الرسائل من فتيات يحكين لي قصصاً مشابهة، ووجدت الكثيرين يرسلون نفس الرسائل لكل البنات وينتظرون ضربة حظ ربما ترد إحداهن".

اقرأ أيضاً: كيف وحّدت حملة "مين الفلتان" اللبنانيات على مواجهة التحرش؟
تضيف التابعي: "بدأت في سماع الحكايات من فتيات بأعمار مختلفة ونمط حياة مختلف، انشأت حساباً وهمياً لفتاة بصورة لأنجلينا جولي وأخرى محجبة، واسم مستعار، وانهالت عليها نفس الرسائل تماماً، وأنشأت حساباً آخر بصورة لعارض أزياء إسباني، وجعلت مهنته طياراً، وحصلت على أرقام هاتف ثلاث فتيات في ربع ساعة، ومئات رسائل الإعجاب من الفتيات، دونت أغلب القصص بالكتاب، لكن تظل هناك الكثير من الأسئلة ليس لها إجابات قاطعة، هل متحرش الإنترنت هو نفسه المتحرش في الشارع، أم أنّ الفئة الأكثر تحرشاً على الإنترنت هم من لا يستطيعون فعل ذلك في الحقيقة، بسبب الخجل أو الحالة الإجتماعية أو السن، هل التخفي يمنحه جرأة أكبر؟ هل شعور المتحرش أنه مختبئ خلف اسم وهمي يجعله أكثر همجية، وآمن العواقب؟".
الروائية والإعلامية جهاد التابعي

عندما يُشرْعن المجتمع التحرش
الطبيبة النفسية أميرة الأدهم تنفي وجود شيء اسمه أنّ المتحرش يجب أن يكون مريضاً نفسياً، أو أن أحدد سلوكاً معيناً من خلال عَرض أو سلوك معين لنحدد أن فلان مريض.

اقرأ أيضاً: الظهور العلنيّ للنساء.. جدل الحداثة والطبقة والتحرش!
تضيف الأدهم في تصريح لـ"حفريات": "التحرش سلوك، منتشر في المجتمع، فهي مسألة غير فردية، ومع الاتفاق الجمعي أنّ ذلك السلوك ناشز، فالمتحرش مدرك تماماً للعواقب، بالتالي هو ليس مجرد مريض، أو صاحب سيكولوجية مخالفة، هو في منتهى البساطة شخص حسب حسبته أن المجتمع لا يعاقب من يأتي ذلك السلوك، بل يضع له المجتمع مبررات، فنرى أحاديث يتم ترديدها في المجتمع تبريراً لموقف المتحرش، أنّ النساء لبسهن دافع لذلك، أو أنّ الشباب عاجز عن توفير تكاليف الزواج، ومع زيادة ترديد ذلك الكلام يحدث نوع من شرعنة لمسألة التحرش، وذلك ليس فقط على مستوى الشارع، لكن قد يكون أسوأ على مستوى استغلال السلطة، أو الجامعة، أو على مستوى العمل، أو حتى على مستوى العلاقات، فمسألة أنّ إنساناً أقدم على سلوك يؤذي من خلاله إنساناً آخر (المرأة)، فذلك لأنّ المجتمع شرعن ذلك السلوك وتسامح معه، ويصف له تبريرات بل ويتحامل على الضحية".
غيوم في فهم التحرش بالنساء
عام 2009، كتب مدير برنامج القضايا الاجتماعية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء المصري، الدكتور سعيد المصري، مقالاً في "الأهرام"، فند فيه دراسة "غيوم في سماء مصر – التحرش الجنسي من المعاكسات الكلامية... حتى الاغتصاب"، والتي أعدتها الباحثة بالمركز المصري لحقوق المرأة، رشا محمد حسن، قال فيه: "قد يوحي الأصل الانجليزي لتعبير التحرش الجنسي (ualHarassment‏) أننا بصدد ظاهرة جديدة على المجتمع المصري‏،‏ وهذا يخالف الواقع،‏ فالتحرش الجنسي ضد النساء ظاهرة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية، وقائمة في كل مجتمع مع اختلاف صوره. وبطبيعة الحال فضحايا التحرش هم في الغالب من الضعفاء، وبالأخص النساء والأطفال‏.‏ وتزداد فرص حدوث التحرش في ظل أوضاع عدم المساواة التي يترتب عليها استغلال ضعف الضحايا بأي صورة من الصور"‏.‏

القوانين بطبيعة الحال ليست هي الحل السحري للحد من التحرش‏،‏ فالقوانين ماهي إلا أدوات مستحدثة لتحقيق الضبط الاجتماعي

يضيف المصري: "الصحيح أننا بصدد تعبير جديد على الثقافة العربية، حسب تعبير الدكتور محمد مهدي، الذي قدم أفضل تعريف ممكن للتحرش الجنسي، وهو أي قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه‏.‏ والتعريف يجمع بين الرغبة الجنسية والعدوان من جانب طرف نحو طرف آخر بغير رضاه‏ (‏انتهي الاقتباس‏)‏ وحول هذا المضمون لدينا تعابير أخرى للحديث عن الظاهرة، كالمعاكسات وخدش الحياء وما يسميه القانون هتك العرض‏".‏

الطبيبة النفسية أميرة الأدهم
طرح المصري في هذا الصدد مجموعة من التحفظات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند معالجة قضية التحرش الجنسي‏، منها، ضرورة دراسة الظاهرة‏: ‏"هناك بلاشك اجتهادات بحثية مهمة سعت بجدية إلى دراسة الظاهرة وتقديم معلومات علمية موثقة عنها، ومع ذلك فما زالت هناك فجوة معرفية تحتاج إلى بحوث متأنية لفهم هذه الظاهرة المعقدة والاجابة عن تساؤلات مهمة‏:‏ ما الذي يؤدي مثلاً إلي حدوث هذه الظاهرة وبهذا الزخم المتزايد سنة بعد أخرى؟ وهل هي عامة أم تخص فئات محددة ومناطق بعينها ومواقف وأحداثاً مصاحبة لها؟‏....‏ إلخ‏.‏ قد يقول قائل إنّ البحوث المتوافرة أجابت عن تلك الاسئلة‏، غير أنّ بعض النتائج بحاجة إلى تدقيق، وينبغي ألا تدفعنا الحماسة في الدعوة لمكافحة التحرش إلى حد اعتبار أي نتيجة بحثية تم التوصل إليها كافية للحكم على الظاهرة"‏.‏

اقرأ أيضاً: هذه الدول سنّت قوانين تعاقب المتحرشين
يشير المصري في مقاله أيضاً: "يميل الجدل المثار حول التحرش إلى المغالاة في المطالبة بمزيد من القوانين الرادعة لمن يتحرش بالنساء‏.‏ ورغم ما في هذا من انتقاد ضمني أيضاً للحكومة وتغليظ عصا التشريعات،‏ فإنّ كثرة القوانين تتحول إلى غيوم في طريق تحقيق العدالة وتزيد من اليأس في الوصول إليها، والقوانين بطبيعة الحال ليست هي الحل السحري للحد من التحرش‏،‏ فالقوانين ماهي إلا أدوات مستحدثة لتحقيق الضبط الاجتماعي‏.‏ ومن المعروف أن للضبط الاجتماعي أربعة جوانب أولها وأهمها العرف الذي يتمثل في قيم وقواعد شفهية متداولة بين الناس‏،‏ وهي التي ظلت عبر تاريخ المجتمع المصري وغيره من المجتمعات تحمي الفضيلة بين الرجل والمرأة‏.‏ والجانب الثاني للضبط يتمثل في القيم الدينية التي تدعو إلى الفضيلة، وتضع حداً فاصلاً بين الحلال والحرام في الحياة اليومية،‏ وقد أسهمت المؤسسات الدينية في حماية الفضائل بمقتضي حضورها الكثيف في عمليات التنشئة الاجتماعية‏.‏ وللضبط الاجتماعي جانب ثالث يتمثل في القوانين التي ارتبطت بسلطة الدولة المدنية‏.‏ وأخيراً هناك جانب رابع من الضبط الاجتماعي قائم في المجتمعات المتحضرة يتمثل في الذوق العام والبروتوكولات التي تفرض سطوتها على الناس في الأماكن العامة دون الحاجة لأي أعراف أو دعوات دينية أو قوانين‏.‏ وبناء على هذا الفهم لمعنى الضبط الاجتماعي يتعين أن نسأل أنفسنا‏:‏ هل التحرش موجود بالصورة الصارخة التي نتصورها في المجتمع المصري كله؟ هل يشكل ظاهرة تؤرق المجتمع الريفي والمجتمع البدوي الذي تسوده الأعراف والقيم الدينية؟ أعتقد أنّ الاجابة المنصفة تقول إنّ المجتمع المصري ككل لا يمكن أن يكون مليئاً بصور التحرش الجنسي على النحو الذي أكدته بعض البحوث والتقارير الصحفية وصور الفيديو على صفحات المدونات، بل يحدث التحرش فقط لدى فئات بعينها، وفي مواضع ومواقف ومناطق تفتقر إلى كل أدوات الضبط الاجتماعي‏،‏ أعني بذلك فقدان احترام سلطة العرف والقيم الدينية‏‏ والقوانين‏،‏ وأيضاً الذوق العام‏.‏ وهذا ما نريد أن نفهمه بهدوء دون ضجيج أو تبسيط‏".‏



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية