عندما تخلى أساتذة الجامعات عن دورهم

عندما تخلى أساتذة الجامعات عن دورهم


05/11/2019

تتنازع الشبابَ المصري الآن العديدُ من التوجهات التي تبغي السيطرة عليه وتشكيل وعيه، والتأثير على توجهاته وانتماءاته، فقد استطاع شيوخ السلف بمنابرهم المختلفة التأثير في وعي الشباب، وجذب العديد منهم إلى الاقتناع بمبادئ التيار السلفي المختلفة، وفكره المنغلق والمتشدد، كما استطاعت بقية الجماعات الإسلامية كالإخوان وغيرها أن تؤثر في وعي الشباب، وتستقطب بعضاً منه للانتماء إليها، بل وتفخيخ بعض من هؤلاء الشباب في عمليات إرهابية ضد رجال الجيش والشرطة المصرية.

الأوضاع الحالية في مصر الآن تتطلب أن تقوم الجامعة بواجبها المنوط بها في حسم معركة تنمية الوعي لدى الشباب

كما أثرت وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة تردي وضعية الخطاب الديني، في توجه قلة من الشباب نحو الإلحاد، بسبب ما يوفره فضاء الإنترنت من مختلف الثقافات المعروضة عليه، وأصبح أخطر ما في وسائل التواصل الحديثة المقدرة على الحشد، وإحداث الفوضى، بل إنّ هناك من يوظف وسائل التواصل لممارسة الإرهاب ضد المجتمع، ولعل هذا ما يطرح علينا حقيقة الدور الذي ينبغي أن يوضع على عاتق التعليم  بعامة، وعلى عاتق الجامعة بخاصة، ما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الجامعة في توعية الشباب وبناء عقولهم؟

أستاذ الجامعة وتنمية الوعي
قبل أن نطرح السؤال نقول بأنّ الشيخ حسان، وحسين يعقوب، وغيرهما من شيوخ الجماعات الإسلامية قد أثروا في عقول الشباب، وذلك حين تخلت الجامعة عن رسالتها الحقيقية في بناء وعي الشباب المصري، وحين تخلى أساتذة الجامعة عن دورهم في تشكيل وعي الأجيال، وأصبح دورهم عمل مذكرات تخلو من أي معرفة بنّاءة للحصول على عائد من المال؛ بدعوى أنهم يعانون من الفاقة، وتوجه البعض منهم إلى العمل الخاص خارج الجامعة ، ويتم منح أعلى الدرجات العلمية بدون معرفة حقيقية، ففقدت الجامعات المصرية دورها الحقيقي في بناء وعي الشباب المصري من أجل حمايته من المخاطر التي يتعرض لها كل يوم، فما هو الدور المنوط بالجامعات المصرية في بناء وعي الشباب؟

ضرورة تطوير أنظمة التعليم لتنمية الوعي
بات على الجامعة المصرية أن تطور المناهج والأنظمة التعليمية التي تسهم في بناء وعي الشباب، حيث كان منوطاً بالجامعة في أبحاثها أن تعرف توجهات الشباب وانتماءاته، وذلك من خلال أبحاث حية وفاعلة،  تطرح مدى تأثير المحيط الاجتماعي في تشكيل وعي الشباب، والعناصر والمؤسسات التي تسهم في بناء توجهات سلبية لدى الشباب تجاه وطنهم، وتجاه أوضاعهم المختلفة، وعليه ينبغي على برامج الجامعات التعليمية والحوارية، أن يصبّ جزء منها في تشكيل وعي الشباب الذين يمثلون القوة الفاعلة في المجتمع، والقوة القابلة للتفجير.

اقرأ أيضاً: الأزمات تعصف بالقطاع الأكاديمي في تركيا.. من المسؤول؟
ولاشك في أنّ أهم سلاح ينبغي أن يتم تشكيله لدى شباب الجامعة لمواجهة المعتقدات الخاطئة هو امتلاك الوعي الناقد القائم على عقل يملك آليات النقد والفحص لكل ما يطرح على عقله من خلال التفكير الناقد، وهو ما يستدعي الضرورة الملحة لمقرر جامعي في التفكير الناقد، لا يقتصر فقط على جامعة القاهرة، ولكن يكون مقرراً معمماً في كل الجامعات، له مواصفات متطورة يراعي طبيعة المشاكل السائدة في مجتمعنا المصري، ويطرح على عقل الشباب المقدرة على السؤال، ومحاكمة العقل للأخبار والوقائع، وعدم التسليم والتصديق دون محاكمة العقل. هذا المقرر يمكن مراجعته بشكل مستمر لتغييره وتطويره، وفقاً لتجدد مشكلات المجتمع. هذا المقرر ينبغي أن يمنح عقل الشباب الاعتقاد بأنّ الحقيقة نسبية، وأنّ الإدراك البشري للحقيقة أمر مختلَف عليه، ولذلك ينبغي أن يشتبك بالنقد والتحليل لكل المعارف التي تعرض على ذهنه، والإيمان بأنّ العلم والمعرفة لا تتطور إلا من خلال عصف العقول، وأنه ليس ثمة كلمة نهائية في العلم والمعرفة، فضلاً عن ضرورة أن يمنح هذا المقرر عقلية الشباب المقدرة على التمييز بين الحق والباطل، والحقيقي والمزيف، وأن يرفض العقل بأن يُساق من قبل أشخاص لهم توجهات سلبية ضد المجتمع.
البرامج الثقافية وتنمية الوعي
ومن جانب آخر لابد أن يكون في بالجامعات برامج ثقافية بخطة محددة، وفقاً للاحتياجات الفعلية لشباب الجامعة، ولا يترك الأمر لقيادات الجامعة يحددون كل شيء وفقاً لمصالحهم وأغراضهم الضيقة المحدودة فيقومون باستدعاء بعض من الصحفيين محدودي القيمة من أجل تلميعهم في الصحف والجرائد الذين يعملون فيها، فلا بد أن يتولى البرامج الثقافية من ندوات ولقاءات وورش العمل، أفضل المتخصصين ولو من خارج الجامعة التي يتم فيها هذا، وأن ترصد ميزانيات مالية لهذه البرامج الثقافية، وأن تعود للجامعة مجلة الحائط، وجريدة للكلية ليس دورها فقط نشر أخبار الجامعة، ولكن هدفها أيضاً توعية الشباب بقضايا وطنهم، كما ينبغي توظيف الفنون المختلفة في ترقية وعي الشباب، وأن تكون السينما والموسيقى ومعارض الرسم وكل أشكال الفنون المختلفة حاضرة ومؤثرة في تنمية وعي شباب الجامعة .

لا ينبغي أن يقتصر دور أستاذ الجامعة على محاضرات محنطة، بل عليه أن يتفرغ لدوره في نشر الوعي

ولا ينبغي أن يقتصر دور أستاذ الجامعة على محاضرات محنطة تخلو من مضمون الوعي، ولذا بات من الضروري أن يتفرغ الأستاذ الجامعي لعمله، ليس في داخل المحاضرة ولكن في مكتبه، ومشاركاته المجتمعية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، فصناعة الوعي، وإنارته مطلب ضروري، وحاجة ملحة للمجتمع ككل؛ لأنّ مجتمعنا لن يرتقي أو ينهض إلا من خلال الوعي الفاعل الخلاق، لأنه لا يمكن أن تتحقق أي تجربة ديمقراطية في المجتمع إلا من خلال وعي حقيقي يبني هذه التجربة ويحميها، فالتجربة الديمقراطية لا تنمو ولا تقام في مجتمع يسود فيه الجهل والأمية، ويعجز العديد من أفراده عن التمييز بين الرموز الانتخابية للمرشحين، ولهذا فإنّ انعدام الوعي، وشيوع الجهل يحول الحديث عن الحياة النيابية وإمكانية تحققه إلى مجرد تمثيلية فاشلة لامعنى لها.

اقرأ أيضاً: معهد تونس للفلسفة.. اشتباك الفكر الحر مع هموم الناس خارج الأكاديميات
ومن جانب آخر، فإنّ شيوع الوعي الفعال مهم في تحقيق الحريات في المجتمع؛ لأنّ الحرية مسؤولية ، كما أنّ الحرية ركن إيجابي في حياة الأفراد، ولكنه يمكن أن يتحول، في حالة انعدام الوعي والجهل، إلى ركن سلبي ومدمر لحياة المجتمع ككل، ويمكن أن نقيس على ذلك أهمية الوعي بكل مشكلات المجتمع كالفقر، والبيئة، والمرض في إمكانية مواجهة هذه المشكلات التي يعد الوعي بها أول الطريق إلى مواجهتها ومعالجتها.         
الأوضاع الحالية في مصر الآن تتطلب أن تقوم الجامعة بواجبها المنوط بها في حسم معركة تنمية الوعي لدى الشباب، وذلك من أجل الوطن على كافة المستويات، وعلى كافة الأصعدة المختلفة، فهل يمكن أن تقوم الجامعة بالدور الذي تخلت عنه على مدار عقود  سابقة؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية