"قوارير داعش" ... المغرب يفتح ذراعيه لضحايا البغدادي

"قوارير داعش" ... المغرب يفتح ذراعيه لضحايا البغدادي


11/11/2019

منذ الإعلان عن القضاء النهائي على ما تبقى من تنظيم داعش، في المناطق التي كان يسيطر عليها، في سوريا والعراق، من لدن التحالف الدولي لقتال التنظيم الإرهابي، بدا أنّ مخلّفات هذا الأخير وتداعياته مرشحة كي تعيش بعده فترة ربما قد تطول؛ بسبب حجم الدمار والخراب العمراني والبشري الذي خلّفه طوال ما يقرب من خمسة أعوام، عاث فيها فساداً في الأرض، وترك وراءه جروحاً وضحايا، بل ربما سنسمع قريباً عن مدافن جماعية لمقاتلي هذه الميليشيا المسلحة، كشأن أيّ حكم ديكتاتوري يتسلط على الناس بالحديد والنار، ويخلّف وراءه سجلاً من المآسي الإنسانية.

اقرأ أيضاً: دراسة إسبانية تلقي الضوء على "الجهاد المؤنث".. لماذا يستقطب داعش النساء؟
وخلال العامين الأخيرَين؛ برز إلى السطح موضوع المقاتلين العائدين من مناطق القتال، أولئك الذين اختاروا بشكل إرادي، منذ الإعلان عن مسمى الخلافة الداعشية عام 2014، الالتحاق بالمناطق التي يسيطر عليها، إما قناعة ناتجة عن تشرّب الفكر المتطرف وأوهامه، أو بسبب الخضوع لغسيل الأدمغة تحت القصف الدعائي للتنظيم على شبكة الإنترنت، أو الاستقطاب المباشر عبر الوسطاء المجنّدين في صفوفه.

يقدَّر عدد النسوة والأطفال المغاربة بنحو 12 ألفاً وهو رقم كبير يعطي صورة عن حجم الكارثة الإنسانية التي خلّفها داعش

ويتكدّس المئات من هؤلاء اليوم في سجن الهول، تحت قيادة القوات الكردية السورية المقاتلة، في أوضاع كارثية جعلتهم يستفيقون على حقيقة مختلفة عمّا كان التنظيم في السابق يمطرهم به من الأوهام والخيالات، وبعد أن كانوا يحملون السلاح ويقتلون المدنيين بدعوى "الجهاد"، تحت راية البغدادي، ويصولون ويجولون في مناطق نفوذ التنظيم، صاروا اليوم يبحثون فقط عن مجرد البقاء على قيد الحياة، بعد أن فقد بعضهم أحد أطرافه، أو أصيب بأمراض خطيرة، أو فقد بصره، وبعضهم توفّي نتيجة عدم القدرة على المقاومة.
هؤلاء لا ترغب أية واحدة من البلدان التي ينحدرون منها في استعادتهم، رغم الدعوات المتكررة من القوات الكردية، كون أغلبهم ما يزال يشكل خطراً، خاصّة أنّ عدداً كبيراً منهم، بحسب شهادات أعضاء الجيش الكردي، قاتل حتى الرمق الأخير قبل اعتقاله، ما يعني أنّ قناعاتهم المتطرفة ما تزال حيّة وقابلة للاشتعال.
وحتى الآن، عاد ما يقرب من 300 مقاتل من المقاتلين المغاربة الذين كانوا قد التحقوا بالتنظيم خلال الأعوام الماضية، وذلك من بين حوالي 1600 مغربي، بحسب تصريحات رسمية، عام 2015، عدد كبير منهم لقي مصرعه في مناطق القتال، وقد تمت محاكمة هؤلاء العائدين وإيداعهم السجن، بمقتضى القانون الذي سنّه المغرب قبل أربعة أعوام، والذي ينصّ على عقوبات سجنية تتراوح بين 10 و15 عاماً، لكلّ من غادر البلاد باتجاه مناطق التوتر.

اقرأ أيضاً: نساء داعش.. عرائس أم إرهابيات؟
بيد أنّ السلطات المغربية تسامحت مع النسوة اللواتي رجعن من تلك المناطق في الفترات الأخيرة؛ إذ لا تتم متابعتهنّ قضائياً، وإن تمّ الاستماع إليهنّ للتعرّف من خلالهنّ إلى طبيعة الأوضاع هناك وطبيعة المهام التي كانت تسند إليهنّ في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم البغدادي، غير أنّ كثيرات من هؤلاء النسوة ما يزلنَ معتقلات في سجن الهول، أو ضائعات في تركيا، خوفاً من اعتقالهنّ لدى عودتهنّ.
وقد قرّر المغرب، لدواع إنسانية صرفة، فتح ذراعيه لهؤلاء النسوة وأطفالهنّ، انطلاقاً من أنهنّ كنّ من المغرَّر بهنّ، ولم تكن لهنّ علاقة بالأعمال الإرهابية؛ إذ تجري العادة أن ترافق المرأة زوجها، وبحسب إفادات غير رسمية، حتى الآن، يقدَّر عدد النسوة والأطفال المغاربة بنحو 12 ألفاً، وهو رقم كبير يعطي صورة عن حجم الكارثة الإنسانية التي خلّفها تنظيم داعش، وإذا أضفنا هذا الرقم إلى أرقام النساء المغرَّر بهنّ من بلدان أخرى، نكون أمام قائمة طويلة من الضحايا الجانبيين للإرهاب.

قرّر المغرب فتح ذراعيه لنساء داعش انطلاقاً من أنهنّ كنّ من المغرَّر بهنّ ولم تكن لهنّ علاقة بالأعمال الإرهابية

هذا ما أعلنه مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، عبد الحق الخيام، مؤخراً، حين كشف عن قرب إطلاق إستراتيجية لإعادة النساء والأطفال المغاربة من بؤر التوتر، مبرراً ذلك بأنّ هؤلاء النسوة لم ينتقلن إلى تلك البؤر للقتال؛ بل لمرافقة أزواجهنّ، كما كشف الخيام أنّ هؤلاء لن تتمّ متابعتهنّ.
لكنّ هذه المبادرة الإنسانية تلقي على السلطات المغربية أعباء كبرى؛ ذلك لأنّ هؤلاء النساء والأطفال يحتاجون إلى عناية نفسية وطبية ومصاحبة اجتماعية لفترات زمنية طويلة، تساعدهم على التخلص من الإرث النفسي والجروح العاطفية، التي تركت آثارها فيهم طوال مدة إقامتهم في تلك المناطق التي كان تنظيم داعش يسيطر عليها، وإذا كان الأمر يسيراً بالنسبة إلى النساء؛ فإنّ المهمة ستكون مضاعفة بالنسبة إلى الأطفال؛ فهؤلاء أغلبهم فتح عينَيه على مظاهر العنف والقتل ومشاهد السلاح اليومية، داخل البيوت وفي الشوارع، وتسربت إليه الشعارات العنيفة والمتطرفة التي كان التنظيم يحرص على بثّها في نفوس الصبيان، تنفيذاً لمقولته "باقية وتتمدد"، فهو كان ينوي بقاء مسمى الخلافة، وكان يعمل على تنشئة جيل جديد من الأتباع المطيعين الذين لا يعرفون سوى لغة القتال، وهو ما جعله يضع مقررات تعليمية جديدة في المناطق التي كان يديرها، تدور كلّها حول محاور محددة، هي: القتال "الشرعي"، والدفاع عن "الخلافة"، و"عبادة" شخص الخليفة المفترض، قبل أن يتبدّد كلّ شيء.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية