وما على اللبنانيين إلا أن يكونوا حوثيين

وما على اللبنانيين إلا أن يكونوا حوثيين


13/11/2019

يوسف بزي

في أوج حرب تموز 2006، بادر وزير في حزب الله إلى "طمأنة" رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة، قائلاً أن "المقاومة" لم تُمس ولم تتكبد خسائر تُذكر: "معظم الضحايا من المدنيين"، قالها بارتياح وبمعرض التأكيد أن إسرائيل فشلت بضرب حزب الله.

بالطبع، لم يحتسب ذاك الوزير أيضاً ما أصاب البلد من خراب وما ترتب عليه من خسائر اقتصادية ومالية.

وعلى هذا المنوال، وفي عز الانتفاضة الشعبية اللبنانية، تبجح حسن نصرالله بقوة حزبه وتماسكه، قائلاً أنه لو انهار البلد وانعدم المال، ستظل رواتب الحزب تُدفع بمواعيدها، وسيظل المال "الحلال" متوفراً.

وعلى هذين المثالين، يقيم حزب الله علاقته باللبنانيين وبدولتهم وأمنهم واقتصادهم. فلبنان منذور للحزب وسلاحه، ويستمد أسباب بقائه وهويته بقدر خدمته ومنفعته لغايات الحزب وأعماله ومشروعه. فـ"الجهاد" تحت راية ولاية الفقيه ضد النظام العالمي القائم، تدميراً للامبريالية الأميركية وإزالةً لإسرائيل من الوجود، وتعميماً للثورة "الخمينية" في ديار العرب (أقله في المشرق والخليج)، وإزالة للحدود الوطنية، وتثبيتاً لمحور الممانعة المتوسع امبراطورية ما بين البحر الأحمر وشرق المتوسط إلى الخليج، فبحر العرب (المحيط الهندي) وصولاً بحر قزوين والحدود الباكستانية.. لهو "جهاد" لا محيد عنه قدراً ودهراً وإلى قيام الساعة.

وجنوح اللبنانيين عموماً إلى مسائل دنيوية من قبيل القلق على السياحة، وسعر صرف العملة، ونوعية التعليم، وحقوق النساء، والحوكمة الرشيدة، وصون الحريات الفردية والعامة، وحماية البيئة، وتطوير البنى التحتية والخدمات..إلخ، إنما هو جنوح يقعدهم عن "الجهاد" ويبعدهم عن طلب القتال و"الشهادة"، ويوقعهم في رذيلة إغراءات الحياة وأنماطها التي تشيعها ثقافة غربية أميركية كافرة ومرذولة.

وعلى هذا، كانت خطبة نصرالله الأخيرة، في "يوم الشهيد"، بشطرها الأول هياماً صافياً بالدم والموت وبحب الاستشهاد وأهله وطلابه، كما لو أنه يعيد إلى أذهاننا الفارق بين المصطفين، أشرف الناس، وبين سائر الخلق الهائمين في ساحات الاحتجاج الممتعضين من تدني مستوى معيشتهم.

والحق أنه "طمأن" اللبنانيين على منوال ما فعل وزيره عام 2006، إلى تنامي قوة الحزب، وقوة محور الممانعة كله، واصفاً حال الحوثيين وحشودهم التي تهدد إسرائيل، رغم المجاعة ورغم الكوليرا، ورغم سنوات الحرب الخمس.. مئات الآلاف الحفاة الذين يفتقرون إلى كل شيء إلا الأسلحة وإرادة القتال والاستشهاد، تجمعوا تحت الشمس الحارقة بلا شكوى.

وكانت واضحة نشوة صاحب الخطاب بهؤلاء الحوثيين، الذين ليس لديهم لا اقتصاد ولا سياحة ولا استشفاء ولا مدارس ولا كهرباء ولا مياه نظيفة ولا طعام.. ومع ذلك لا يتزحزحون عن إيمانهم ولا يشتكون من جوعهم ومرضهم وخراب بلادهم.

وعلى الأرجح، أن نصرالله أراد إحراجنا وتأنيبنا وتعييبنا إزاء المثال اليمني، فنظهرُ مقارنة مع الحوثيين شعباً متخاذلاً ومفسوداً كثير الشكوى والميوعة، ضعيف الإرادة. فكما نعرف "وما النصر إلا صبر ساعة". وما يصيب اليمنيين والعراقيين واللبنانيين (وما أصاب السوريين) ما هو إلا مؤامرة كونية، أميركية صهيونية الصنع. ولا خيار إلا الاستمرار في المقاومة والقتال وإشهار السلاح إلى أن يأتي النصر الموعود.

وطالما أن "المؤامرة"، حسب الخطاب نفسه، هدفها "يد المقاومة" وسلاحها، وطالما أن لا معنى ولا هوية للبنان من دون هذا السلاح، وجب أن ننذر أنفسنا للحرب والقتال وطلب الشهادة على نحو ما يفعل أهل صعدة وصنعاء، حفاة وجوعى ومرضى في "صمود أسطوري" يراكمون معه نصراً إلهياً فوق نصر إلهي، وصاروخاً بعد صاروخ إلى يوم القيامة.

عن "المدن"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية