نصرالله: الاقتصادي السيئ

نصرالله: الاقتصادي السيئ


14/11/2019

ساطع نور الدين

لم يكن الكلام الاقتصادي لامين عام حزب الله السيد حسن نصر الله اقل سوءاً من كلامه السياسي. إحالة الامر الى قلة المعرفة والخبرة، لا تبرر ذلك الكم من المغالطات التي لا يمكن ان يقع فيها مبتدىء في مقاربة شأن بالغ الاهمية، يشمل التجرؤ على العلاقات الاقتصادية والحروب التجارية بين دول عظمى يمكن ان تأكل لبنان كلقمة سائغة بين ليلة وضحاها.

هو كلام لا يقل خطورة عن إنكار السيد حسن المتكرر ان يكون العهد الحالي أو أن تكون الحكومة الحالية هي حكومة حزب الله، مع أنه يعلم ، كما هو مفترض، ان بندقية الحزب هي التي إنتخبت الجنرال ميشال عون رئيساً، بعدما قطع الثمانين من العمر، وهي التي أطلقت ولا تزال تطلق وتحمي التيار العوني ورئيسه جبران باسيل، في حملته الطائفية المفضوحة على مختلف الطوائف والقوى السياسية، عدا الشيعة، وفي معالجته العنصرية لملف اللجؤين السوري والفلسطيني.

نعم، حزب الله لا يحكم لبنان، ولا يدير الاقتصاد ولا يتحكم بالقطاع المصرفي ولا يشرف على الجيش والمؤسسات الامنية، لكن التيار العوني يفعل ذلك، وبدعم مطلق من الحزب، يخلو حتى من التحفظ على أدائه الاستفزازي، الذي يلامس المحرمات الموروثة من الحرب الاهلية. ولعل أهم من أنتجته الثورة الشعبية الراهنة في لبنان، هو إزالة الفوارق في التحليل والاجتهاد بين الحزب والتيار، حتى صار موقفهما متطابقاً، وبات تشكيل الحكومة المقبلة يعتمد على تفاهمهما على الاسماء والحقائب. وهو ما أصبح في ساعاته الاخيرة.

كان الحزب ولا يزال خارج السلطة، لكنه في صلب عملية صنع القرار السياسي والامني.. وهو ما عرض البلد للكثير من المخاطر والخسائر والاضرار التي أدت جميعها الى إنفجار الثورة الشعبية، والتي يمكن ان تتفاقم، إذا ما تحولت الافكار والاقتراحات التي تقدم بها نصر الله لمعالجة الازمة الاقتصادية، الى برنامج عمل للحكومة المقبلة التي يقوم بتشكيلها الآن مع التيار العوني، والتي يمكن ان تخضع لبنان لعقوبات أميركية ودولية لن تكون أرحم من تلك التي تخضع لها ايران وسوريا.

ولعل الفكرة الوحيدة الصائبة التي ذكرها نصر الله، ولم يسهب في شرحها، ولم يخفها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، هي ان العقوبات الاميركية على الحزب وأنصاره وبيئته، تشكل أحد مصادر الازمة المالية والاقتصادية الراهنة في لبنان، لانها تضغط على اللبنانيين جميعا من دون إستثناء، وتعرض القطاع المصرفي المراقب عن كثب لمخاطر حقيقية، تتخطى فقدان الثقة والقدرة على البقاء داخل النظام المصرفي العالمي.

لكن الحل الذي إقترحه نصر الله لا يمكن ان يخطر في بال أي لبناني أو إيراني أو سوري: المواجهة مع أميركا، وهو ما لا تستطيعه الصين نفسها ولا أوروبا طبعا، ولا روسيا حتما. والجهات الثلاث سبق ان عرضت على لبنان هبات وقروض وإستثمارات، لا سيما في الجيش وفي مرفأ طرابلس ومطار رياق في البقاع، لكنها هربت كلها من فساد الدولة اللبنانية ولا جدوى الاستثمار في لبنان.. كما تلقت نصائح أميركية بالابتعاد وعدم التورط في إعادة الاعمار في سوريا واعادة تأهيل نظام بشار الاسد. مع العلم ان الصينيين والاوروبيين والروس ما زالوا حاضرين في الاقتصاد اللبناني كشركات وصفقات ورجال اعمال في أكثر من قطاع، أهمها الاتصالات.. مثلما هم موجودون في مختلف البلدان العربية الحليفة لاميركا، مثل دول الخليج العربي.

أما أغرب ما عرضه نصر الله، فهو تعزيز الصادرات اللبنانية، الزراعية خاصة، على أساس المحبة التي يكنها الشعب العراقي للبنانيين، متجاهلا حقيقة ان الاقتصاد السوري على سبيل المثال قائم بنسبة تفوق ال80 بالمئة على القطاع الزراعي، الذي كان ولا يزال يعتمد على العراق كسوق رئيسي للسلع الغذائية فضلا عن السوق اللبناني، ويتنافس مع السلع التركية الزراعية والصناعية في تغطية الحاجات العراقية.. من دون أي مشاعر كراهية تمنع الصادرات الزراعية والصناعية اللبنانية من الفوز بالسباق  للوصول الى المستهلك العراقي شرقا أو الخليجي جنوبا.

يمكن أن يُغفر للسيد حسن عدم درايته بالمشاريع الصينية والاوروبية والروسية في لبنان، التي لا تعطلها أميركا، لكن لا يمكن ان يُسامح على تعريض البلد للمزيد من العقوبات المالية والاقتصادية الاميركية التي لم تكن يوماً تهتم بإستقرار لبنان ولا بإزدهاره..

عن "المدن"

الصفحة الرئيسية