دراسة جديدة تبحث أوضاع النساء في العالم.. من أسوأ الدول؟ ولماذا؟

دراسة جديدة تبحث أوضاع النساء في العالم.. من أسوأ الدول؟ ولماذا؟


17/11/2019

قام بعض الناشطين والناشطات بدراسة إحصائية لمؤشر "المرأة والسلام والأمن" لعام 2019/2020 (wps)، من حيث المتغيرات التي طرأت على العالم، وقد تناولت الدراسة وضع المرأة في مئة وسبع وستين دولة في العالم، وتضمّنت الإحصائية المذكورة مؤشرات: العمالة والأمن والتمثيل السياسي، وصولاً إلى الاستقلال المالي والحسابات المصرفية.

اقرأ أيضاً: المرأة اللبنانية تحطم الصورة النمطية وتصنع أيقونة الثورات العربية
احتلّ اليمن المرتبة الأخيرة، لما يشهده من تدهور في أوضاع النساء في جميع جوانب الحياة، تلته أفغانستان، ثم سوريا، ليس مفاجئاً أن تكون سوريا ثالث أسوأ دولة في العالم يمكن أن تعيش فيها المرأة، تليها الباكستان، ثم جنوب السودان.
فما هي القواسم المشتركة بين صنعاء وكابول ودمشق وإسلام آباد وجوبا؟
أحالت الدراسة تردّي أوضاع المرأة، أو تحسّنها، إلى جملة من العوامل أو الأسباب، كان النزاع المسلح الذي لم تنطفئ ناره في أفغانستان، ويتفاقم يوماً بعد يوم في كلّ من اليمن وسوريا، في مقدمة هذه العوامل، التي تؤدي إلى تدهور نوعية حياة المرأة، في ظلّ تدهور عام لشروط الحياة الإنسانية.

سوريا ثالث أسوأ دولة في العالم يمكن أن تعيش فيها المرأة تليها الباكستان ثم جنوب السودان

أما على الجانب الآخر؛ أي الدول الأفضل لوضع المرأة، تأتي النرويج في المرتبة الأولى؛ إذ حصلت على درجة مثالية في الإدماج المالي للمرأة، وحققت مكاسب كبيرة في التطبيق والإدراك لأهمية حماية المرأة وتعزيز أمنها، وسويسرا في المرتبة الثانية، ثم فلندا والدنمارك وآيسلندا.
يتضح من خلال تلك الإحصائية، أنّ العالم مهتم بشؤون المرأة، ويعمل على الحدّ من التمييز ضدّها، لكنّ الإحصائية نفسها تبيّن أنّه من بين جميع الدول التي شملتها الدراسة لم تحصل أيّة دولة على درجة الامتياز لوضع المرأة فيها، ما يعني أنّ أوضاع المرأة في العالم بوجه عام ليست على ما يرام، وغالبية نساء العالم لسنَ بخير، لكنّ درجة الاختلاف والتفاوت كبيرة جداً، بين وضع المرأة في الدول المتقدمة ووضعها في الدول المتخلفة، والأسوأ في الدول التي تخضع لنزاعات مسلحة؛ فهل تتأثر المرأة بالنزاعات أكثر مما يتأثر الرجل؟ وما هو السبب وراء ذلك؟

اقرأ أيضاً: "النسوية".. المرأة الغربية ماتزال تعاني التمييز
لو كانت الدراسات والإحصاءات دورية، تجري كلّ عام أو أكثر، لتبيّن أنّ أوضاع النساء في سوريا وغيرها من البلدان العربية تتدهور عاماً بعد عام، وأنّ الحياة الإنسانية تتدهور عاماً بعد عام، لا بسبب الحجر على النساء وتقييد حريتهن واضطهادهن واستغلالهن وحرمانهن من الحقوق فقط، بل بسبب فساد الأنظمة الاجتماعية والسياسية، الذي أدّى إلى تفكّك المجتمعات وتدهور القيم الأخلاقية، علاوة على تنامي الفقر والجهل والمرض والبطالة ونهب قوت الناس وقوة عمل المجتمع وثروات الوطن.

بالنسبة للدول الأفضل لوضع المرأة تأتي النرويج في المرتبة الأولى ثم سويسرا تبعتها فلندا والدنمارك وآيسلندا

الأسوأ في أوقات النزاع؛ هو زجّ النساء في الأعمال الحربية والاستخبارية، تحت عناوين مختلفة، منها مساواة النساء بالرجال، وقدرة النساء على القيام بالأعمال التي يقوم بها الرجال، فصارت النساء مقاتلات وبطلات وشهيدات،... إلخ.
لقد كانت سوريا من أوائل الدول التي أقرّت حقوقاً سياسية للنساء؛ إذ أُقرَّ حقّ المرأة في الاقتراع العام 1949؛ أي قبل أن يقرّ في فرنسا، أو في العام نفسه، وكانت النساء، في خمسينيات القرن الماضي، تشارك في الاحتجاجات الشعبية، وتخرج من الحارات الدمشقية التي صارت في الوقت الحاضر أكثر تعصباً، دينياً واجتماعياً، حيال النساء؛ ذلك لأنّ دور المرأة كان فعّالاً في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وكانت النهضة التعليمية للفتيات والنساء في أوج حماستها، وكان الاستبداد الديني أخفّ وطأة على النساء، مما هو اليوم، ولم تكن السلطة السياسية مستبدة، كما هي في الوقت الحالي، مع أنّ القوانين السورية الخاصة بالمرأة في تلك الفترة لم تختلف عن القوانين الحالية، خاصّة قانون الأحوال الشخصية.

اقرأ أيضاً: المرأة الإماراتية في قطاع الفضاء .. قصص نجاح ملهمة عنوانها التمكين
لا يقتصر تأثير النزاعات المسلحة، وغير المسلحة، على وضع المرأة في البلدان النامية فقط، ففي المجتمعات المتقدمة أيضاً تتأثر المرأة أكثر من الرجل في النزاع، والدليل على هذا التأثر؛ القرار رقم 1325، الذي أصدره مجلس الأمن لحماية النساء والأطفال من النزاعات، العام 2000، وقد أضاف إلى موضوع الحماية إشراك النساء في حلّ النزاعات وبناء السلام، نظراً إلى دورها الفاعل في بعض المجتمعات وعدم فاعليتها في مجتمعات أخرى، فهو تحفيز للدول والمجتمعات التي تُغفل دور المرأة في صنع السلام*.
في كتابها "بنيان الذكورة"؛ تبيّن الدكتورة رجاء بن سلامة، انبناء الثقافة التقليدية على ثنائية الذكورة والأنوثة، وترصد مظاهر عملية البناء الثقافي على هذه الثنائية المركزية بقولها: "... أصبحت الثقافة التقليدية المركزية وإعادة بنائها في العصر الحديث، وما يصحب البناء وإعادة البناء من أنظمة تبريرية وآليات تفكير، تحوّل الهيمنة التاريخية إلى بديهيات ومسلمات غير قابلة للنقاش".

من بين جميع الدول التي شملتها الدراسة الدولية لم تحصل أيّ منها على درجة الامتياز لوضع المرأة فيها

إذاً، ليست النزاعات وحدها ما تؤثر في فاعلية دور المرأة في المجتمع، أو تجعلها متأثرة في النزاعات أكثر من الرجل؛ فالنظرة الاجتماعية التقليدية للمرأة، التي جعلتها أقلّ منزلة من الرجل، تجعل تأثّرها بالنزاع مسألة حتمية؛ فالأطراف المتنازعة تستغل النساء للضغط على الرجال على أنهنّ الحلقة الأضعف في تلك المجتمعات المتنازعة، فعلاقات الهيمنة واللامساواة تجعل الوعي بالمسلّمات أكثر قصوراً وأكثر تخلفاً، فلم تعد المرأة نفسها تنظر إلى الاغتصاب، على سبيل المثال؛ إلّا بصفته انتهاكاً لشرف العائلة والقبيلة والعشيرة، وليس انتهاكاً لإنسانيتها وحريتها وكرامتها الإنسانية، وهذا الأمر (الاغتصاب) نراه بكثرة أثناء النزاعات.
أما السلطة السياسية التي تحجّم دور المرأة في الحياة العامة؛ فهي الأكثر تأثيراً عليها في حالات الحرب والسلم؛ فالمرأة ليست في حاجة إلا إلى الاعتراف بوجودها كإنسانة حرة، لديها القدرة على حماية نفسها أثناء النزاع، بواسطة قانون يساويها بالرجل في الحقوق والواجبات، فلو كانت المرأة في الدول التي حصلت على أسوأ درجة في الإحصائية السابقة؛ تتمتع بالحرية والمساواة كالمرأة الألمانية التي أعادت بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لما وصلت تلك الدول إلى ما هي عليه الآن، فوضع المرأة في كلّ مجتمع ينمّ عن تطوره ومدى حداثته وتقدمه.


هامش:

* لا مجال لذكر بنود القرار رقم 1325، موجود على موقع الأمم المتحدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية