تظاهرات في فرنسا تجدّد السجال حول الإسلاموفوبيا

الإسلاموفوبيا

تظاهرات في فرنسا تجدّد السجال حول الإسلاموفوبيا


19/11/2019

في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أصدرت الحكومة الفرنسية قراراً بمنع الأمهات المسلمات المرتديات للحجاب، من صحبة أبنائهنّ في الرحلات المدرسية، بدعوى أنّ هذا اللباس يثير الذعر لدى بقية الأطفال، وهو ما أثار جدلاً في الإعلام الفرنسي، انتهى بتظاهرة في العاصمة الفرنسية، باريس، ندّدت بالإسلاموفوبيا المنتشرة في المجتمع، والأهم من ذلك؛ أنّ التظاهرة جمعت بين تيارات متباينة كان أبرزها؛ الإخوان والجهاديين، وكذلك اليسار الفرنسي، وفي مقدمتهم اليساري الفرنسي البارز، جون ميلانشون.
الإسلاموفوبيا: انحسار وتمدّد 

مسيرة باريس ندّدت بالإسلاموفوبيا التي يروّجها اليمين الفرنسي ضد المسلمين الذين يتحملون عبء إرهاب بعض الأشخاص الخارجين عن القانون

كان الحجاب، لأعوام خلت، هاجساً لدى الحكومة الفرنسية، وأشبه بشرارة تشتعل إثرها أيّة خلافات سياسية تنكرها الحكومة، هذه المرة اشتعل الفتيل من اليمين المتطرف، فخلال زيارته لإحدى المدارس في مدينة ديجون، وسط البلاد، طلب أحد أعضاء اليمين المتطرف في المجلس المحلي، جوليان أودول، من إحدى الأمهات، والتي لم تكن تخفي وجهها، أن تخلع الحجاب، وقال، مستشهداً بقيم العلمانية الفرنسية: "لدى هذه السيدة متسع من الوقت لارتداء الحجاب في المنزل في الشارع، ولكن ليس داخل المدرسة، وليس اليوم". وفي مقال له على موقع "تويتر"، شمل شريط فيديو للحادث، قال السيد أودول: "ارتداء الحجاب كان (استفزازاً) لا يمكن التسامح معه، خاصةً بعد هجوم عنيف على ضباط شرطة باريس هذا الشهر من قبل مسلم بين صفوفهم"، وعليه اندلعت ضجة إعلامية، واعترض أعضاء آخرون في الجمعية، بمن فيهم الرئيس، على الطلب.
السياسيون اليمينيون المتطرفون، الذين ينتمون إلى حزب التجمع الوطني، خرجوا، أمّا وسائل الإعلام فالتقطت صورة انتشرت بشكل واسع أثارت تعاطف الناس، للمرأة وطفلها يبكي بين يديها.

اقرأ أيضاً: هل تتغذى الإسلاموفوبيا في كندا على الممارسات الغريبة لبعض المسلمين؟

صورة السيدة فاطمة وابنها

في تصريح لجريدة "نيويورك تايمز"، قالت المؤرخة في كلية الدراسات العليا في باريس، المتخصصة في دراسة التسامح الديني في أوروبا، فالنتاين زوبيير: "هناك وحشية في الخطاب الموجه للمسلمين، حتى على مستوى النخبة، وهذا أمر مخيف للغاية؛ فالحجاب بالنسبة إليهم أصبح رمزاً للخضوع الأنثوي، وإن لم يكن، فهو دلالة على التطرف الديني، وكونه غير مرغوب فيه في فرنسا، يرجع هذا إلى تاريخ طويل الأمد من كراهية الفرنسيين للتعبير العلني عن مظاهر الإيمان، وهذا سبب كره الحجاب في نظري"، أمّا الرئيس المنتخب لحزب ريبليكانيانز اليميني، كريستيان جاكوب، فصرّح لصحيفة "لو فيجارو" الفرنسية قائلاً: "يجب حظر الحجاب في جميع أوقات الدراسة ليس فقط في مبنى المدرسة، لكن في النزهات العامة كذلك"، يمكن أن نرى تلك التصريحات في سياق الحدث الأخير في فرنسا، حين فتح أحد الإرهابيين النار على الشرطة الفرنسية، ليدعو بعدها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمجتمع اليقظة ضدّ الأسلمة، معلناً أنّ أولويته هي محاربة الإرهاب والتطرف الديني، إلى جانب محاربة الشيوعية.

أصوات المسلمين تتعالى
في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، جاء الردّ سريعاً على التصريحات العنصرية؛ إذ انطلقت تظاهرة في العاصمة باريس، تندّد بالإسلاموفوبيا التي يروّجها اليمين الفرنسي، ضد المسلمين الذين يتحملون عبء إرهاب بعض الأشخاص الخارجين عن القانون، غير أنّ أجواء التمييز ضدّ المسلمين، حتى الفرنسيين، شبهتها المواطنة الفرنسية الكاثوليكية، جوليا فرنانديز، المشاركة في المسيرة، والبالغة من العمر 68 عاماً، بأجواء معاداة السامية في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو ما يتوافق مع استطلاع للرأي أجراه معهد "IFOP"، الذي وجد أنّ أربعة من بين عشرة مسلمين يشعرون بالتمييز على أساس الدين، وفي استطلاع آخر لنفس المركز، أجري مؤخراً، وجد أنّ النسبة ارتفعت لـ 6 من بين كلّ عشرة مسلمين، وهو ما وجده الباحث في الفلسفة العربية والإسلامية، بجامعة السوربون، فرانسيس إيمانويل، والذي يعيش بين القاهرة وباريس، أمراً حقيقياً، وقال في حديثه لـ "حفريات": "بعد اندلاع حركة السترات الصفراء في باريس، فهم السياسيون أنّ هناك أزمة اقتصادية واجتماعية تتخطى المشكلات العرقية والجندرية، بالتالي؛ فُتح المجال أمام اليمين المتطرف وخطاباته التي تستخدم الأعراق والأديان الأخرى، كشماعة لتعليق فشلها الاقتصادي واتساع الفجوة بين الطبقات".

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الجماعات المتطرفة الإسلاموفوبيا سلاحاً؟!


وأردف قائلاً: "قرار منع الحجاب في النزهات المدرسية، والذي أقرّه مجلس الشيوخ بسرعة فائقة، يعكس ما هي أولويات الحكومة، التي لم تستجب لأيّ مطلب اقتصادي من قبل السترات الصفراء، بينما هرعت لمنع الحجاب، وهو نفس ما فعله هتلر، حين أقنع الألمان أنّ اليهود هم أصل البلاء الذي أصاب الأمّة الألمانية، والحقيقة أنّ فشل النيوليبرالية يبحث عن كبش فداء لجرائمه بحقّ الفئات المهمشة"، وبحسب إحصاء أجرته شركة "Occurence" الاستشارية، بتكليف من الحكومة الفرنسية، فإنّ ما يزيد على 13500 شخص، قد شاركوا في المسيرة، التي دعا لها عدد من الشخصيات العامة، والمنظمات المدنية بقيادة (CCIF) جماعة مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا؛ إذ ضمتّ التظاهرة قيادات من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وهو ما جعلها ذات صدى في البلاد، فزعيم حزب فرنسا أونبوويند اليساري العمالي، جون لوك ميلانشون، تواجد ودعا أنصاره للتظاهرة، إلى جانب آخرين من الأحزاب اليسارية الديموقراطية، بينما أعلن العديد من أعضاء الحكومة، على رأسهم: وزير الشباب، ووزيرة البيئة، عدم تعاطفهم مع المسيرة، ولا منظميها، معللين ذلك بـ"قتل الإسلام الراديكالي للفرنسيين أكثر من قتل الإسلاموفوبيا المسلمين".

حماية للعلمانية أم تحيز لليهود؟
في الوقت الذي يصدح فيه الإعلام الفرنسي، نقلاً عن الحكومة، وأحزاب اليمين المتطرف بكراهية المسلمين، لا نجد الخطاب نفسه تجاه اليهود الأصوليين، المقيمين في فرنسا، ولا يخفى على الفرنسييين علاقة رؤساء الجمهورية بتعاقبهم، بجميعة "كريف" الصهيونية، والتي تعدّ الشريك الفرنسي الرسمي للمؤتمر اليهودي العالمي (WJC)، وهي المظلة العالمية للمجتمعات اليهودية، والمؤتمر اليهودي الأوروبي، كما أنّها تعارض معاداة السامية والسياسات التي ترى أنّها معادية للسامية، فهي تدعم عموماً الأهداف الصهيونية ودولة إسرائيل، وعلى الرغم من ذلك شجبت "CRIF" وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، عام 2004، لمعاداة السامية في فرنسا ودعوته لجميع اليهود الفرنسيين للهجرة إلى إسرائيل، وفي العام نفسه؛ اتهمت كريف الحكومة الفرنسية بالفشل في حماية المواطنين من البرامج التي تبثها قناة "المنار" الفضائية، التابعة لحزب الله اللبنانيّ، والتي تتضمن أفلاماً، تزعم "CRIF" أنّها معادية للسامية وتحرض المسلمين على مهاجمة اليهود، وعليه تم حظر القناة من قبل وكالة الفضاء الكندية؛ إذ تمّ تأسيس تلك المنظمة، عام 1944، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي روّجت لنفسها كأب روحي لحماية اليهود في كل بقاع الأرض واتخذت من واقعة الهولوكست ذريعة لتأسيسها.

الرئيس ماكرون بجانب رئيس منظمة كريف فرانسيس خليفات

في هذا الصدد؛ قال الباحث في القانون بوحدة القانون والمجتمع في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والمتخصص في القانون الفرنسي، عمرو جمال، لـ "حفريات": "هناك طيف عنيف من العنصرية يسود المجتمع الفرنسي تجاه المسلمين، لكن بالنظر إلى مبادئ العلمانية الفرنسية التي يروجون لها، نجد ازدواجية في المعايير في علاقة الرؤساء الفرنسيين بالمؤسسة الصهيونية "كريف"، والتي تقوم في الأساس على قوام ديني ربما أكثر تطرفاً من الإرهاب الإسلاموي، ومناصراً لدولة دينية طائفية استعمارية، فمع كلّ تنصيب لرئيس فرنسي، لا بدّ من أن يبدأ الرئيس زياراته للمؤسسة، مجتمعاً بالجالية اليهودية في فرنسا، ليطمئنهم بأنّ السياسة الفرنسية لن تتعرض لهم بأي شكل من الأشكال، وأعتقد أنّ هذا دليل واضح على ازدواجية المعايير".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية