هل تؤدي الانتفاضة إلى "تحرير" بيئة حزب الله؟

هل تؤدي الانتفاضة إلى "تحرير" بيئة حزب الله؟


24/11/2019

منير الربيع

أشار تعطيل جلسة مجلس النواب بقوّة مدنية سلمية، غير سياسية ولا مسلّحة، إلى تطور مهم في مجريات الحياة السياسية اللبنانية، تمكّنت الانتفاضة الشعبية من تحقيقه. فكلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري وإرادته تنكسران للمرة الأولى.

ذيول تعطيل الجلسة النيابية
إصرار برّي على عقد الجلسة، التي أعلن مقاطعتها حليفه وليد جنبلاط، وحليفه الآخر سليمان فرنجية، لن تعيد فرز قوى 8 و14 آذار. بل هدم إصراره صيغاً كثيرة: أولها المعادلة التي كُرست في 6 شباط 1984، وأطاحت الاتفاق الثلاثي اللبناني الميليشيوي اللبناني - السوري. وهو الاتفاق الذي طُبّق واقعياً بدلاً من اتفاق الطائف. كما أنها هدمت معادلة الحلف الرباعي واتفاق الدوحة، وضربت تسوية 2016.

المشهد الأساسي الجديد الذي أطاح معادلات الاصطفاف السياسي والمذهبي، هو توحد الساحات والشعارات والمناطق اللبنانية برمّتها. وهذا يضرب أكثر معادلات تحكم القوى السياسية بالشارع، لا سيما بعد فشل محاولات اختراق التحركات أو تسييسها ومذهبتها. وهذا الفشل أربك القوى السياسية وأصابها في صميمها مع جمهورها.

صحيح أن القوى التي تظهر عليها علامات الضعف، لا تشمل حزب الله، بل تقتصر على حركة أمل، وتيار المستقبل، والتيار العوني، والحزب التقدمي الإشتراكي. لكن الحقيقة تبدو مغايرة كلياً: الأزمة تطال حزب الله في عمقه وصميمه وداخل بيئته، خصوصاً بما يتعلّق باستفاقة تساؤلات عديدة داخل الطائفة الشيعية حول أداء الحزب وتعامله مع الأزمة.

اهتزاز مشروعية حزب الله
قام حزب الله على مشروعيتين منحته هذا الحجم من الاستقطاب الهائل للجماهير الشيعية: مشروعية المقاومة التي تجاوزت الطائفة الشيعية، ومشروعية الدفاع عن حقوق المحرومين، ورفض التركيبات السياسية للمحاصصة. بدأ حزب الله يخسر جزءاً من مشروعية المقاومة، بعد تورطه في قتال الشعب السوري، وإجهاض ثورته، فيما كان يؤيد ثورات الربيع العربي التي سبقت الثورة السورية. لكنه نجح في تعزيز الاستقطاب في خطابه العقائدي والمذهبي، بادعائه الدفاع عن المقدسات، وحماية محور المقاومة وتأمين طريق إمدادها بالسلاح والمال. أما مشروعية دفاعه عن حقوق المحرومين، فقد خسرها حزب الله بعيد إنتفاضة 17 تشرين، وظهوره بموقع المدافع عن التركيبة اللبنانية، في تناقض تام وهائل مع ما كان قد ربى جمهوره عليه وحضّره له.

التحول الكبير الذي أحدثته انتفاضة 17 تشرين، يطال في جانب أساسي منه الوعي المجتمعي لدى البيئات كلها، بما فيها بيئة حزب الله. فالتظاهرات خرجت في النبطية، صور، بعلبك والهرمل. وهي تظاهرات مطلبية حماسية، ألهبت مشاعر الجمهور الذي استعاد صوته بعد صمت طويل. ثورة المشاعر والوعي المستيقظان، تقوم على قاعدة تاريخية كان الشيعة اللبنانيون فيها ركن المطالبة المساواة الاجتماعية وبالدولة المدنية، وناشطو الثقافة والأحزاب العلمانية واليسارية والتقدمية. هذا بالتحديد ما تدغدغه التحركات والتظاهرات الراهنة، التي أخرجت بيئة حزب الله عن صمتها، هي التي كانت التحقت بالحزب بعد إنهيار الأحزاب الوطنية والتقدمية، والرتابة التي كانت تفرضها الطبقة السياسية الإقطاعية والعائلية. فاليوم ينتفض هؤلاء على الثبات والموات السياسي الذين يفرضهما حزب الله، مغلّفاً بالإيديولوجيا الدينية المذهبية.

أغانٍ ورقص ونساء
مشاهد رقص النبطانيين - وهم من أعمار غير شابة نسبياً - على أنغام وأغاني الحركة الوطنية اللبنانية السابقة على حزب الله، أو على أغاني الشيخ إمام، يمثّل تحولاً كبيراً في البيئة الشيعية، أو استعادة لتاريخ بقي راعفاً في أعماقهم، منعتهم الظروف من البوح به والتعبير عنه. وهناك أيضاً منعطف  أساسي جديد يستعيد الماضي الشيعي القريب: خروج النساء والصبايا الشيعيات السافرات والمتحررات إلى العلنية العامة المحلية والبلدية المحجبة أو المحتجبة. وعدوى السفور ومشهده سريا في المجتمع الشيعي في كفررمان والنبطية، حيث رقصت نساء الانتفاضة وصباياها على أنغام أغنية "علّي الكوفية". ووصل هذا المشهد إلى أبناء البقاع الشمالي في بلدة الفاكهة، التي احتضنت أبناء عرسال، بعلبك، العين، والهرمل. فرفع الناس عنهم عباءات الانقسام الذي كرسته الأحزاب في أحداث عرسال بين العامين 2013 و2016. فاستعاد الناس هناك وحدة رؤيتهم المطلبية والوطنية.

ولا تزال الانتفاضة تسجّل مكتسبات سياسية واجتماعية، فيما تجد القوى السياسية الحزبية والسلطوية وزعاماتها أنها أمام أفق مسدود. فالاتصالات لتشكيل الحكومة وإعادة تكوين السلطة، لم تؤد إلى أي تقدّم. ويبدو أن الأزمة ستطول. وهذا ما يعرفه حزب الله جيداً. وهو يحضّر كوادره وجمهوره للتصرف بصبر ونفس طويل مع الأزمة. طبعاً هو يعتبر أن ما يجري يهدف إلى الاقتصاص منه سياسياً أو تطويقه. ولذلك لا يبدو أنه في وارد تقديم أي تنازل. بل يراهن على تغيير موازين القوى إقليمياً، لتجديد التسوية. وبحسب المعطيات ليس الحزب في وارد اللجوء إلى العنف أو مواجهة المتظاهرين. وجلّ ما يريده هو حماية مناطقه، وإصراره على عدم التنازل.

حامي منظومة السلطة
لا يستند حزب الله فقط إلى قوته العسكرية والأمنية، بل إلى تركيبة السلطة أيضاً. وكل استنزاف للسلطة يطال الحزب، خصوصاً أنه يصوّر حالياً حامياً لهذه التركيبة برمّتها. وهو الذي يسعى إلى معالجة الأزمة والتصدي لها، ليس في السرّ فقط، بل في العلن، ومن خلال جولات قيادييه ولقاءاتهم. وهكذا أصبح حزب الله حامي المعادلة والتركيبة والسلطة.

بالتأكيد سيكون للأزمة تأثيرات كبيرة على حزب الله، وخصوصاً في اعتراضه العلني على حكومة التكنوقراط. فيما يدفع تطور الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية المواطنين المعترضين إلى الاستشراس أكثر، في ظل استمرار تعطيل الحلول. لذا ستتزايد أعداد المعترضين. وقد يؤدي هذا إلى تورط الحزب في المواجهة المباشرة، أوتحتم عليه اتخاذ إجراءات سياسية وتقديم تنازلات، لأنه لن يكون قادراً على عزل نفسه عن الأزمة.

أما الاستعصاء السياسي فلا شك في أنه قد يؤدي إلى توترات أمنية تؤذي الكثيرين. لذلك يشدد حزب الله على أقصى درجات ضبط النفس حالياً، واعتماد الصبر مفتاحاً للفرج، في انتظار حصول تطورات إيجابية خارجية، قد تدفع إلى تنفيس الإحتقان في لبنان. فالحزب يمسك بورقة الأمن والاستقرار التي تهمّ الدول كلها. وهو يستثمر فيها إلى حدّ بعيد، لا سيما إذا ما استمرت محاولات تدويل الأزمة. عندها يتشدد الحزب سياسياً، ويعمل على استعادة من تفلّت من جمهوره على القاعدة التقليدية: التهديد بحرب الوجود.

عن "المدن"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية