من قلب معاناة المواطن الإيراني

من قلب معاناة المواطن الإيراني


09/01/2018

هل شعر نظام ولي الفقيه في إيران بالضغط الشعبي، وسيستجيب ولو جزئياً للمطالب التي ركزت على وقف دعم عملياته الخارجية في المنطقة العربية وتكريس ثروة البلاد للمواطنين؟ الأرجح أنه لن يفعل. لن يوقف هدر أمواله لتقوية عضلات حزب الله، أو استئجار المرتزقة الأفغان والباكستانيين والعرب في معاركه، وإهداء صواريخه وسلاحه للحوثي، وتهريب أمواله بعد غسلها إلى معارضة البحرين المسلحة.
الاحتجاجات الشعبية لن تستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل قيام الثورة الخمينية بكل مبادئها التي ترتكز على الهيمنة الجغرافية والثقافية معتمدة على وسيلة التشيع المذهبي.
كيف إذن هي تداعيات خروج الناس للشوارع والاحتجاجات الغاضبة؟
هذه المرة، خلافاً لكل المرات السابقة التي ثار فيها الشارع، لم تكن مصنفة؛ أي ليست طلابية تنادي بالحريات الإعلامية، ولا سياسية ثائرة لصالح رموز سياسية.. هي غضبة تراكمية، بلغت أقصاها لأسباب موضوعية، أسرد بعضها هنا.
كل العالم لديه يقين بأن أنشطة إيران خارج حدودها تأتي على حساب ميزانية الدولة التي يفترض أنها غنية كونها تمتلك موارد طبيعية وبشرية هائلة. لكن الفارق أننا لسنا إيرانيين. الإيرانيون فقط هم من يعانون الفقر تحت وطأة التصدير الخارجي لثرواتهم، ومعاكسة نظامهم للقوانين الدولية التي جلبت عليهم عقوبات اقتصادية نثرت الملح على الجرح. في رأي رجل الشارع الإيراني العادي الذي يسعى إلى العيش في حياة كريمة، كل هذا مجرد ترهات. بالنسبة إليه لا يوجد عدو حقيقي لدولته يستدعي ميزانية التسليح الهائلة والتنافسية على الصواريخ النوعية، وبرامج التطوير البحثية في هذا النطاق، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين. حتى إسرائيل لا تمثل خطراً على النظام، والولايات المتحدة لا تبدي سوى ردود فعل على ما ترتكبه حكومة طهران من أفعال مناهضة للسلم الدولي. والسعودية التي ينظر إليها أنها حامية للمذهب السني ليست في صدد التدخل في شأن أي دولة أخرى، وربما أنها آخر دولة في العالم قد تختار الاشتباك العسكري مع أي دولة مهما بلغ الخلاف العقدي أو تقاطعت المصالح، إلا ما يمس أمنها الداخلي كما هو حاصل في اليمن. إيران بلا أعداء حقيقيين، وهذا ما جعل المواطن الإيراني يرفض أن يكون ضحية لوهم الدفاع عن أرضه، وبعد مرور عقود من حكم نظام الملالي وجد نفسه أمام الحقيقة المرة؛ أنه ضحية حلم الهيمنة والتمدد خارج حدوده.
هذه الاحتجاجات سجلت مواقف شعبية لم يسبق لها مثيل، أهمها جرأة المحتجين على إهانة رموزهم الدينية والسياسية، ونعتهم بالديكتاتورية والمطالبة بسقوطهم. لم تعد حجج المرشد الأعلى علي خامنئي التي يثرثر بها في خطب الجمعة مقنعة للشارع بأن دولته تحت خطر التهديد من إسرائيل والولايات المتحدة، لأن الواقع أن هاتين الدولتين لم تشكلا خطراً على إيران منذ قيام ثورة الخميني عام 1979. إهانة هذه الرموز العليا أخافت النظام، لأنه كان يستمد قوته الشعبية خلال العقود الماضية من هيبته، وخوف الناس من بطشه، وهو يراها اليوم تذوب على جدران الشوارع بعبارات مهينة ورفض جريء.
الأمر الآخر، أن الشعب الإيراني يراقب مجريات التغيير في الدول من حوله، وأهمها السعودية، الدولة التي كانت منغلقة على نفسها اجتماعياً وثقافياً لأسباب دينية، وتعاني من اعتماد كلي على مؤشر سعر النفط.. السعودية التي نشأ جيلان من الإيرانيين بدعوى أنها دولة متخلفة مقارنة بالعرق الفارسي ولا تستحق قيادتها أن ترعى الحرمين الشريفين، اتخذت خطوات غير مسبوقة في الجوانب الحقوقية والاجتماعية والاعتدال الديني والإصلاح الاقتصادي خلال وقت وجيز، وفي فترة تدير فيها حرباً على حدودها الجنوبية لصد عدوان حقيقي على أراضيها. هذه التطورات، تركت أثراً سلبياً على المواطن الإيراني الذي يتمنى أن يجد اهتماماً من حكومته كالاهتمام الذي توليه للبنانيين والسوريين. وما أمعن في أوجاع الإيرانيين مثلما أوجعهم جرأة القيادة السعودية على مكافحة الفساد من أعلى طبقة في المجتمع، بلا استبعاد لأي شخصية عن المساءلة حتى من أبناء الأسرة المالكة نفسها. هذه أحلام المواطن الإيراني ببساطة؛ أن تجنح حكومته للعدالة الاجتماعية وتطهيرها من الفاسدين وتطوير المنظومة الاقتصادية وأن يكون هو الأول في أجندتها.
نحن إذ نراقب مع العالم الاحتجاجات الشعبية في إيران نتفهم الدوافع والمسوغات، موقنين أنها داخلية محضة، وليست مؤامرة خارجية كما يدعى الرئيس حسن روحاني. حتى موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب منها وتصريحه بالوقوف مع المتظاهرين لن يؤثرا على إرادتهم كما يتردد، لأن منطلقات غضبهم ليست سياسية، ولن تؤثر في مجريات الاحتجاجات سلباً كونها صدرت عن أميركا التي يسميها النظام الشيطان الأكبر، بل إن أكثر التعليقات حكمة على ما يجري هي عبارة ترمب بأن الأنظمة الاستبدادية لا تدوم. هذا صحيح، والتاريخ مليء بالشواهد التاريخية.
لا أحد يجزم بما ستؤول إليه هذه الاحتجاجات، وتأثيرها في النظام الحاكم، لكن الأكيد أن إيران ما قبل الثامن والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2017 لن تكون كما قبله. العالم كله شهد غضباً جماهيرياً عارماً في كل مناطق إيران، لب مطالبهم أن تكون دولتهم مدنية، وليست دينية راديكالية، بصوت واحد يرددون الموت لخامنئي. هذه الأصوات ستقض مضجع السلطة الحاكمة أبداً، لأنها لامست المقدس الذي لم يجرؤ أحد على عبوره يوماً.

أمل عبد العزيز الهزاني-عن"الشرق الأوسط"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية