هل تشن إيران حرباً للخروج من مأزقها.. ولكن ضد من ستكون؟

هل تشن إيران حرباً للخروج من مأزقها.. ولكن ضد من ستكون؟


27/11/2019

ربما لم تشكل مضامين التقرير، الذي نشرته وكالة "رويترز" مؤخراً، حول مسؤولية القيادة الإيرانية عن الهجوم الذي تم على "أرامكو "السعودية، في منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، مفاجأة للمتابعين للشأن الإيراني، ودور القيادة الإيرانية والحرس الثوري في الوقوف وراء العديد من العمليات التي تم تقييدها ضد فاعل مجهول "معروف".

اقرأ أيضاً: إيران... الرجل المريض
ومع ذلك فإن الإضافة النوعية التي قدمها تقرير "رويترز" تتمثل أولاً؛ في تلك التفاصيل التي تشير إلى خمس اجتماعات، شارك فيها المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، بحضور مسؤولين بالحرس الثوري، وأنّ الاجتماعات عقدت في مكان محصّن جنوب طهران، خلال أيار (مايو) الماضي، وناقش خلالها المرشد الأعلى خطة للهجوم على منشآت نفطية سعودية، رداً على العقوبات الأمريكية التي تفرضها أمريكا ضد القيادة الايرانية.

التسريبات المنشورة حول أدوار إيران التخريبية في الإقليم ستسهم في تعميق المأزق الإيراني الذي يزداد اتساعاً مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية

وثانياً؛ فإن تقرير "رويترز" يجيب على أسئلة بقيت معلقة، يبدو أنّ إجابتها كانت لدى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولم يتم الإعلان عنها لأسباب أمنيّة وسياسية، ربما تكون مرتبطة برغبة أمريكية لاستخدام تلك الأدلة للضغط على القيادة الإيرانية، وإجبارها على التفاوض، ويرجّح أنّ هذا السيناريو ينسحب على كافة العمليات التي استهدفت ناقلات النفط في الخليج العربي وخليج عُمان.

تقرير "رويترز" غير معزول عن تسريبات وتقارير نشرتها مواقع إعلامية أمريكية (ذا إنترسيبت، ونيويورك تايمز) حول الأدوار التي يمارسها الحرس الثوري، والاستخبارات الإيرانية، بما في ذلك سيطرة إيران على كافة مفاصل الحياة في العراق، و"تجنيد النخبة السياسية العراقية" ليس فقط الشيعية، بل رمزا أيضاً بالمكونين السنّي والكردي، بالإضافة لعلاقات واتفاقات بين الحرس الثوري وجماعة الإخوان المسلمين، عقدت في تركيا بهدف تنسيق المواقف في العديد من الساحات، وخاصة مع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن "حزب الإصلاح" لإفشال مشروع الإنقاذ السعودي في اليمن.

اقرأ أيضاً: التوّتر بين الولايات المتحدة وإيران.. الأسباب والإستراتيجيات

التسريبات التي يتم نشرها اليوم حول خطط القيادة الإيرانية وأدوارها التخريبية في الإقليم ستسهم في تعميق المأزق الإيراني الذي يزداد اتساعاً مع انطلاق ثورة شعبية في المدن والمحافظات الإيرانية، على خلفية تتجاوز زيادة أسعار المشتقات النفطية، وترتبط أصلاً بطبيعة النظام الإيراني الاستبدادية، التي أكدتها أعداد قتلى الانتفاضة الأخيرة، واستخدام ذات الأساليب من قطع خدمات الإنترنت، والاعتقالات الواسعة وعمليات قتل المتظاهرين بالرصاص الحي، بالتزامن مع حملة إعلامية ما زالت تعكس حجم الانفصال لدى القيادة الإيرانية عن الواقع باتهام "الشيطان الأكبر وقوى الاستكبار وأعداء الثورة وعملاء الداخل والخارج"، ومن المرجّح أن تظهر أرقام موازنة الدولة الإيرانية للسنة المالية القادمة (آذار/ مارس 2020) عمق المأزق الإيراني، واستمرار توزيع الثروة الإيرانية على مؤسسات المرشد الأعلى والحرس الثوري، فيما ستزداد جيوب الفقر بين الطبقات الوسطى والفقيرة.

اقرأ أيضاً: احتجاجات إيران والعراق ولبنان تندّد بـ "الزعامات الفاسدة": كلن يعني كلهم

إنّ ما يشهده العراق من ثورة اليوم، لم تستطع فصائل الحشد الشعبي العراقي، الموالية والمرتبطة مباشرة مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، من إخمادها رغم استخدام ذات الأساليب الإيرانية من قتل بالرصاص وقنابل مسيلة للدموع قاتلة وعمليات الخطف والقتل، وقطع الإنترنت كلها تؤكد أنّ المشروع الإيراني يقف أمام لحظة تاريخية مفصلية، وهو ما يدركه حزب الله في لبنان، وهذا التحالف مع حركة أمل، وهو ما دفعه للتعامل مع الثورة اللبنانية، بأساليب إيرانية، تصاعدت بعد "إحباط" الحرس الثوري ثورة إيران بالحديد والنار.

اقرأ أيضاً: هتلر وإيران.. وجهان لعملة واحدة

المأزق الإيراني لا يقتصر على رفض مشروع تصدير الثورة في إيران فقط، ولا على الثورة التي يشهدها العراق ولبنان، حيث يرجح أن تنعكس السياسات الإيرانية على المواقف الأوروبية والدولية ضد القيادة الايرانية، بعد إصرارها على الخروج من الاتفاق النووي، وزيادة تخصيب اليوارنيوم، وتعاملها مع احتجاجات الشعب الإيراني، وهو ما يرجّح معه أن تتحول  الدول الأوروبية لاتخاذ مواقف تقترب من المواقف الأمريكية تجاه إيران، بما في ذلك طرح تساؤلات حول إمكانية استمرار الوساطة الفرنسية، التي يبدو أنّها، على الأقل، بدأت تفقد بريقها، وحماسة فرنسا لها.

قد تقوم إيران بتصدير أزمتها الداخلية وأزمتها بالعراق ولبنان عبر شن حرب في المنطقة وتحديداً في الخليج العربي

الجدالات في دوائر صنع القرار الغربية تتركز اليوم حول سيناريو قيام إيران بتصدير أزمتها الداخلية وأزمتها في العراق ولبنان، عبر شن حرب في المنطقة ربما تكون ضد أهداف سعودية وفي الخليج العربي، يبدو أنّها لن تطال أهدافاً أمريكية، لحرف الأنظار عن أزماتها، إلا أنّ هناك وجهة نظر أخرى، وإن كانت تتفق مع تلك المقاربة، بأنّ القيادة الإيرانية ستذهب باتجاه الحرب، إلا أنّ وجهتها وساحتها ربما لا تكون بالخليج العربي، وترجح أنّها ستكون بين إيران وميليشيات حزب الله، مع إسرائيل، ويستند أصحاب وجهة النظر هذه لعاملين: الأول؛ أنّ إسرائيل بقيادة نتنياهو "المأزوم" بحاجة لمثل هذه الحرب لخلط الأوراق قبل الانتخابات الجديدة الثالثة في إسرائيل هذا العام، فيما الحرب مع إسرائيل بالنسبة لإيران ستكون أكثر قبولاً لدى الرأي العام العربي والاسلامي، ومع ذلك فإنّ مثل هذا السيناريو لا يعني حرباً شاملة، بل حرب محدودة يحقق من خلالها كلٌّ من "خامنئي ونتنياهو" أهدافهما من خلالها، خاصة وأنّ رهانات خامنئي على مغادرة ترامب دائرة صنع القرار الأمريكي لم تعد مضمونة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية