قراءة عميقة في أسباب احتجاجات الإيرانيين الحالية

قراءة عميقة في أسباب احتجاجات الإيرانيين الحالية


كاتب ومترجم جزائري
28/11/2019

ترجمة: مدني قصري


يحلل الباحث المشارك بجامعة لييج، ميشيل ماكينسكي، الأسباب المباشرة والأكثر عمقاً لاحتجاجات إيران الجارية منذ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وردود الفعل من جانب السلطة.

وماكينسكي، هو مسؤول قانوني سابق في مجموعة دولية، ورئيس تنفيذي لشركة Ageromys International ، في هذا الحوار مع موقع Les clés du Moyen-Orient، يوضح مدى اختلاف الحركات الاحتجاجية الحالية مع سابقاتها.

هنا نص الحوار:

هل يمكنك العودة إلى الأسباب المباشرة لأعمال الشغب في إيران، والتي بدأت في 15 تشرين الثاني؟

في 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، اتخذ الرئيس الإيراني بشكل غير متوقّع (فهو في الواقع يعتقد منذ فترة طويلة أنّ هناك ضرورة ملحّة  لا شك فيها) تدبيراً صاغه بالتعاون مع المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، الذي يضم رؤساء القوى الثلاث في البلاد (السلطة التنفيذية، التشريعية والقضائية)، حيث خفض بعض الإعانات المدمّرة التي تؤمّن السعر غير الكافي للمحروقات، في حين أنّ عائدات صادرات النفط (ما بين 200.000  و350.000  برميل / يوم) انهارت منذ عودة العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ عمليات التهريب الهائلة للوقود التي يُسهّلها الاختلاف في الأسعار مع الدول المجاورة، تجفّف إيرادات البلاد. وفقاً لنائب وزير الاقتصاد السيد دهنافي، فإن تقنين البنزين قد يسمح بتصدير 3.3 مليار دولار سنوياً. على وجه التحديد، لتر البنزين العادي المدفوع حتى الآن بـ 10000 ريال؛ أي 9 سنتات (وهو أقل سعر في العالم) سيصل سعره إلى 15000 ريال، أو 12 سنتاً (35 سنتاً بسعر الصرف الرسمي للدولار)، حوالي 11 سنتاً أوروبياً؛ أي بزيادة قدرها 50 ٪. والأسوأ من ذلك، يقتصر هذا السعر على 60 لتراً لكل سيارة.

أسباب الغضب

علاوة على ذلك، وفقاً لأرمين عارفي، ارتفع السعر إلى 30000 ريال؛ أي حوالي 22 سنتاً، وهو ما يمثل زيادة قدرها 300٪ تقريباً مقارنة بالسعر الأصلي. أما بالنسبة للسوبر، فسوف يصل سعره إلى 35000 ريال لكل لتر، بزيادة قدرها حوالي 300 ٪. على الرغم من أنّ الحكومة ما فتئت تعلن أنّ المدخرات (300 مليار ريال، حوالي 2.3 مليار يورو) سيتم دفعها لحوالي 18 إلى 19 مليون أسرة (حوالي 60 مليون إيراني) التي تتلقى إعانات صغيرة، فقد تلقى السكان صدمة عنيفة. فكان الانفجار فورياً وانتشر في جميع أنحاء البلاد كالنار في الهشيم. أما القرار الخفيّ الذي اتخذته الإدارة في نفس اليوم برفع سعر الغاز (في بعض الحالات مضروباً بـ 3)، الذي وصفه علي ربيعي، الناطق باسم الحكومة، بأنّه "أمر محزن ولكنه ضروري" فلا يساعد المناخ الاجتماعي. فالفئات الأكثر فقراً، وفقاً للتقديرات الأخيرة، ستكون الأكثر تضرراً؛ حيث لا توجد بدائل لتعويض التكاليف المرتفعة المتعددة.

القيود المفروضة على الإنترنت ليس لها آثار سياسية فحسب بل لها عواقب اقتصادية أيضاً

أسباب الغضب بسيطة. مع فرض العقوبات، تضرب الأزمة الاقتصادية بشدة الفئات الأكثر فقراً (بعضها لا يستطيع شراء اللحوم والأدوية) ولكن أيضاً الطبقات المتوسطة الأدنى. في الوقت نفسه، تنتشر فضائح الفساد في الطبقة السياسية، ورجال الدين، والمؤسسات، مما أثار السخط والإحباط. في الظاهر لم يتوقع رئيس الدولة وأولئك الذين ساهموا في هذا القرار (ليس فقط الحكومة) استجابة بهذا الحجم وهذا العنف: خطأ خطير في التواصل و/ أو الروزنامة.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ دفْع مِنحٍ تعويضية، المعلَن عنه، غير مؤكد وغير مضمون للمستفيدين. الشعور بالضيق السياسي واضح، ويدعي العديد من البرلمانيين أنّ المجلس لم تتم استشارته (هل هذا قصفٌ من قبل "المتشددين" ضد رئيسه علي لاريجاني الذي يجلس في المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي؟) ويطلبون إعادة النظر في هذا الأمر. وقد ذكّر محمود فايزي، رئيس أركان روحاني، أنّ مسؤولي الطاقة الرئيسيين وافقوا جميعاً على زيادة سعر الغاز. والحال أنّ البعض يحاولون الادعاء بالعكس. وفقاً لموقع تبناك Tabnak، فقد أصدر مجلس التمييز بياناً نفى فيه أنّ أمِينه أيّد هذا القرار الذي يقع بطبيعته ضمن اختصاص الحكومة والبرلمان..

 

 

ومن المفارقات، أنّ المرشد، الذي كان يمكن أن ينتقد روحاني أو أن ينأى بنفسه كحَكمٍ مستقبلي، قد دافع علانية عن هذا الموقف، بينما يحتمِي وراء المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي. هذا الخداع لم يحمِه من سخط وحقد المتظاهرين. فهو يدعي أنّه يتفهم سخطهم بينما ينتقد "مثيري الشغب" وهو نداء إلى القمع. من خلال موقفه، فقد نصّب نفسه مسؤولاً مشاركاً لهذه "الآلهة". علاوة على ذلك، كشف النائب الإصلاحي محمود صادقي في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) أنّ خامنئي أرسل مذكرة إلى البرلمان يحثه فيها على عدم معارضة الإجراء الحكومي.

اقرأ أيضاً: قرار سري بمضاعفة تعداد إيران واليمن

إبراهيم الريسي، رئيس السلطة القضائية، وخاصة المرشح المحتمل لخلافة السلطة، يتماشى معه من خلال الدفاع عن مبدأ زيادة سعر الغاز، لكنه حريص على انتقاد السلطة التنفيذية حول كيفية تنفيذه، وخاصة على عدم وجود طرق مهنية ومرنة لمخاطبة الجمهور. طريقة حذقة للتخلص من المسؤولية. هل يكفي هذا لتجنب تماثله مع خامنئي؟

لماذا قطعت الحكومة الإيرانية الشبكات الاجتماعية على الإنترنت؟

اعتباراً من يوم الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تم رصد أوّل انقطاعات في الوصول إلى الإنترنت في مدينة مشهد، وفقًا لمرصد NetBlocks ، وتم تكثيف هذه الانقطاعات على مدار ساعات عبر البلاد. في صباح اليوم التالي (السبت) ، قامت شركات الهواتف المتنقلة الإيرانية الرئيسية MCI و Rightel و IranCell بتعليق خدماتها في نفس الوقت الذي انتشرت فيه الاحتجاجات والعنف. في وقت متأخر من بعد ظهر السبت، انخفضت نسبة التوصيل إلى 7٪ فقط ثم تواصل الانخفاض إلى أن وصل إلى 5٪ فقط. شهدت البلاد إذن انقطاعاً شبه كامل في شبكة الإنترنت، وهي ظاهرة لم نشهدها أبداً في إيران منذ رئاسة روحاني، وفقاً لنفس الخبراء. علاوة على ذلك، يعتبر هؤلاء الخبراء أنّ هذا الانقطاع هو الأكثر تعقيداً من حيث الحجم والتعقيد التقني اللذين لوحظا في البلدان التي يتابعونها. وهم يعتقدون أنّ هذا الانقطاع تم الحصول عليه بالتعاون مع المُشغِّلَيْن المذكورين أعلاه. فكون أنّ إيران تمتلك "شبكة وطنية" فهو عامِلٌ يُسهل بطبيعة الحال السيطرة على أي "انفلات".

نشر بعض الأشخاص الجريئين على تويتر ما لم يتمكنوا من طباعته على الصحف الورقية

أكد محمد جواد عزاري جهرومي، وزير الاتصالات، في 18 الشهر الجاري أنّ المجلس الأعلى للأمن القومي قرر حجب الإنترنت. يعكس هذا القرار الشعور بالقلق من جانب جهاز الأمن في البلاد فيما يتعلق بما يعتبره خطراً لوقوع حريق اجتماعي كبير قد يفلت من سيطرة السلطات. لقد أقنع المرشدَ ولكن أيضاً فروع السلطة الأخرى (البرلمان، رئيس الدولة، ودون صعوبة القضاء) مصرة على قتل الحركة في مهدها. من الواضح أنّ السلطات قد تعلمت دروس احتجاجات شتاء 2017/2018 التي كان لها أثر كبير وواسع من خلال تعبئة قوية للغاية، عبر الشبكات الاجتماعية. الهدف الأول هو بوضوح منع هذه التعبئة. والثاني ينبع من خصوصية الأحداث الأخيرة: عنف غير معروف وغير مسبوق منذ القمع الدموي لحركة التمرد لعام 2009 ضد الانتخابات الاحتيالية المزورة لأحمدي نجاد.

اقرأ أيضاً: هل تشن إيران حرباً للخروج من مأزقها.. ولكن ضد من ستكون؟
هذا لمنع تداول مقاطع الفيديو وشهادات الوحشية المرتكبة على المتظاهرين، وكذلك إطلاق النار بالأسلحة النارية التي يقوم بها أفراد من أجهزة الأمن ضد الأفراد والمركبات. على الرغم من هذه الرقابة، تلقّت بعض المنظمات غير الحكومية الدولية بعض الفيديوهات والشهادات (هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية ...). نُسِبت عمليات إطلاق النار الهادفة (غير محددة) التي تم تصويرها، إلى أفراد من حراس الثورة، والباسيجي، وربما غيرها من المصالح. في 22 الشهر الجاري، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد أزاري جهرومي، من خلال إدراجه في قائمة الأشخاص وكيانات "محددة" لقيامها بفرض الرقابة على الإنترنت.

آثار وعواقب قطع الإنترنت

هذه القيود المفروضة على الإنترنت ليس لها آثار سياسية فحسب، بل لها عواقب اقتصادية أيضاً. لقد أثرت ليس فقط على الأفراد ولكن أيضاً على الشركات الكبيرة التي يعتمد عملُها على الاتصالات. وكذلك الأمر بالنسبة للبنوك والشركات الناشئة. تخضع مجموعات التصدير لمعاقبة شديدة بسبب استحالة استلام أو إرسال المستندات. وسوف يعاني الاقتصاد الضعيف بالفعل في إيران أكثر فأكثر. في هذا الشأن قال عبد الحسن فيروزبادي، أمين المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، إنّ هذا الأخير (أي المجلس) سينظر في كيفية التعويض عن الخسائر التي تكبدتها الشركات بسبب قطع خدمة الإنترنت. مع استئناف السيطرة على الشارع، منذ 21 الشهر الجاري، حدثت عودة تدريجية للوصول إلى شبكة الإنترنت بناء على تعليمات من المجلس الأعلى للأمن القومي. وفي 22 الشهر، أبلغ مرصد NetBlocks أنّه قد تمت استعادة 20٪ من الاتصالات، وقد شملت العديد من المحافظات. بعض الجامعات (جامعة آزاد الخاصة و7 جامعات أخرى)، وصحفيون تم اختيارهم، سيستفيدون أيضاً من هذه الخدمة. وتبقى خدمة الاتصال الهاتفي المحمول مخصصة لكبار المسؤولين الحكوميين. وتتوقع السلطات عودة سريعة إلى حد ما إلى وضعها الطبيعي.

أعمال القمع التي تجسدها الوحشية المفرطة ضد المواطنين تبيّن أن خيار السلطة هو إظهار قوتها وإرادتها في كسر دوامة الاحتجاجات

لم تقتصر الرقابة على الإنترنت؛ فالصحف تتعرض أيضاً لضغط شديد. الغريب للغاية، أنّ مراقبين ( نيلوفار روستامي من Iranwire) لاحظوا أنّ بعض مديري وسائل الإعلام قد تم تنبيههم قبل بضعة أشهر حول احتمال خفض دعم الوقود. وقد تم إبلاغهم بالقرار قبل يومين من الإعلان عنه. وفقاً لروستاني، فقد تلقوا تعليمات قوية بإظهار "إيجابية" الاحتمال المذكور والامتناع عن النقد. فالمفاجأة لا تكمن في التدبير ذاته، المتوقع، ولكن في الافتقار المزدوج إلى توضيح وتفسير ذلك للجمهور، وعدم كفاية وسائل النقل العام (تدرك بلدان أخرى أوجه القصور هذه ...). كما أنّ مواد صحافية نقدية، ورسوماً كاريكاتورية قد تم حظرها بحزم. وقد نشر بعض الأشخاص الجريئين على Twitter ما لم يتمكنوا من طباعته على الصحف الورقية. ويشير المراقبون المستنيرون إلى أنّ المصداقية الضئيلة للصحافة المكتوبة في تدهور مستمر.

 

 

وفقاً للسلطات الإيرانية، من هم المسؤولون عن الأحداث، إذا أشرنا إلى ما قاله المرشد الأعلى علي خامنئي: "الإجراءات الأخيرة مشكلة أمنية، وليست مشكلة الشعب"؟
تعكس هذه اللغة إلى حد ما عنصرين اثنين: من ناحية، إجماع بين مختلف فروع السلطة حول التواصل في هذا المجال: التمييز بين "المتظاهرين الشرفاء" الذين لديهم الحق في التعبير عن سخطهم بسلام ، و"المتسللين" الذين يرسلون مقذوفات على قوى النظام، ويقيمون المتاريس، ويحرقون المباني العامة، والبنوك، وأماكن العبادة، والمركبات، إلخ.

اقرأ أيضاً: إيران... الرجل المريض
إنّها مسألة محاولة تخفيف حدة التوتر من خلال لعب شكل من أشكال الاسترضاء في اتجاه "المطالبات المشروعة". إنّ درجة السخط التي يشعر بها السكان، وخاصة أهدافها ومواضيعها، تجعل من المشكوك فيه أن يكون هذا كافياً لتهدئة الاستياء العام. يتم التعبير عن غضب المتظاهرين من خلال مستوى التطرف (الحرائق، رمي المقذوفات، وربما حتى الطلقات النارية) فتصبح الكلمات الطيبة عاجزة عن تهدئة الناس، حتى لو كان من يمارسون العنف أقلية للغاية. ذكرت صحيفة "إيران ديلي" اليومية الموالية للحكومة أضراراً تصل إلى 700 مليون دولار، وأضراراً لحقت بـ 450 فرعاً من فروع البنوك (كانت فروع غفامين بنك، المرتبطة بحراس الثورة مستهدفة بشكل خاص) في 4 مدن، على الأقل، وضد 80 متجراً، و40 مركزاً للإغاثة، و180 محطة خدمة بنزين، ناهيك عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في أصفهان، وكلها تقدر بـ 700 مليون دولار وفقاً لـ"إيران ديلي". على الرغم من أننا يجب أن نظل حذرين بشأن الأرقام، فإنّ هذا الواقع لا يمكن إنكاره. إنّها تسير جنباً إلى جنب مع الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين وأفراد الأمن، سواء أكانوا بالزي الرسمي أو الملابس المدنية. وفقاً لـ"راديو فاردا"، في ماهشهر، يزعم أنّ المتظاهرين استخدموا الأسلحة النارية ضد قوات الأمن التي كانت تستخدم العربات المدرعة.


لذلك نرى أنّ أعمال القمع التي تجسدها الوحشية المفرطة ضد المواطنين، واستخدام خراطيم المياه، ولا سيما استخدام الأسلحة النارية (هناك مقاطع فيديو كثيرة بما فيه الكفاية ولا يمكن أن تكون "مزيفة")، تبيّن أنّ خيار السلطة هو إظهار قوتها وإرادتها في كسر هذه الدوامة من العنف. صحيفة "كيهان" المتطرفة تهدد: يجب أن تعاقَب "جرائم" المحتجين بالشنق. ووزارة الإعلام تحذر: تم تحديد المسؤولين والإجراءات اللازمة جارية. وهناك هديرُ حراس الثورة: إذا استمر عنف المتظاهرين فسيتم اتخاذ إجراء "حاسم". إنّ العديد من الشهادات التي صدقت عليها المنظمات ذات السمعة الطيبة (هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية)، تتفق، وفقًا لـ أ. عارفي، حول تصرفات أفراد ينتمون إلى الشرطة أو وحدات مكافحة الشغب أو حراس الثورة، أو الباسيجيين أو مصالح أخرى، مما لا يدع أي شك حول واقع القمع الوحشي. تؤكد منظمة العفو الدولية أنّه شوهد قناصة في شيراز وهم يطلقون النار من سطح أحد المباني، وفي حالة أخرى من طائرة هليكوبتر. إذا ثبت ذلك، فإنّ عمل القناصة يظهر تصعيداً مثيراً للقلق ويعكس وجود القناصة الناطقين باللغة الفارسية في العراق خلال الاضطرابات العنيفة الأخيرة التي تم قمعها بمساعدة عناصر "خارجية".

لم تقتصر الرقابة على الإنترنت فالصحف تتعرض أيضاً لضغط شديد

بطبيعة الحال، سيكون لعدم اليقين تأثير دائم على العدد الدقيق للسجناء والضحايا والجرحى. يفرض قطعُ الشبكات الاجتماعية التعتيم على الحقائق، بينما تستعر معركة الأرقام. وفقاً لمنظمة العفو الدولية، تم اعتقال 1000 شخص، على الأقل، وحتى 19  تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تم تسجيل 106 حالات وفاة، وفق ما نقله خبراء الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان. على الفور نفى علي ميرزا مريوسفي، الممثل الإيراني لدى الأمم المتحدة، البيانات، ووصف منظمة العفو الدولية بأنّها منظمة "متحيزة". إذاعة راديو فاردا، في 21 الشهر الجاري، أبلغت عن 3000 عملية اعتقال و138 حالة وفاة بين المحتجين. ذكر موقع "إيران حقوق الإنسان" 200 ضحية، وقدّر في 22 الشهر الجاري (دون ذكر مصادر دقيقة) عدد الاعتقالات بين 2755 وما يقرب من 4000. ليس من المستغرب أن تقلل السلطات من عدد الوفيات، التي يصعب التحقق منها، ولكنها أدركت بعض الخسائر بين المتظاهرين والشرطة (ربما 4 من الشرطة؟).

 

 

"العنصر اللغوي" الثاني (الأمن) هو إشارة واضحة للسيناريو المحتوم لـِ "مؤامرة الأجنبي" التي يرددها بلا انقطاع المرشد والمتطرفون المتعصبون والأجهزة الأمنية وأجهزة القضاء. يحذر خامنئي قائلاً: "يجب أن يعرف أصدقاؤنا وأعداؤنا أننا قاتلنا العدو على المستوى العسكري والسياسي والأمني". في إيران، لا يؤثر خامنئي بحديثه على الكثير من الناس باستثناء "متشددي" النظام، عندما تتدخل واشنطن، كما هو الحال مع تصريحات دعم المحتجين الصادرة عن البيت الأبيض، وبومبيو، اللذين دعيا الإيرانيين لإرسال مقاطع الفيديو التي تظهر الإساءات، وبراين هوك لدعم تطلعات الشعب الإيراني العادلة.

اقرأ أيضاً: التوّتر بين الولايات المتحدة وإيران.. الأسباب والإستراتيجيات
في 16 الشهر الجاري، اتهم المدعي العام محمد جعفر منتظري "القوات الأجنبية" باستخدام الإنترنت لإثارة المظاهرات، وحذّر المتظاهرين من أنه سيُظهر "الحزم". وفي انسجام معه قال حسام الدين هاشم، مستشار روحاني: الأجانب وراء ظهور المظاهرات: "نحن الإيرانيين، لن نسمح لوسائل الإعلام" المرتزقة "بتحديد مصيرنا". أعلن التلفزيون العام والإعلام المقربَان من حراس الثورة أنّه من بين قادة مثيري الشغب تم إلقاء القبض على العديد من مزدوجي الجنسية. وكون أن رئيس الدولة نفسه يلوح بموضوع المؤامرة الأجنبية وراء أعمال العنف التي قام بها مثيرو الشغب أمرٌ أكثر دلالة. ففي 20 الشهر الجاري، احتفالاً بـ "انتصار" السلطات على المحتجين، ندد قائلاً: كان مثيرو الشغب قليلين، لكن "كانوا مسلحين، ومكلفين بالتصرف وفقاً لخطة محسوبة".

 

 

وأضاف: "لقد أطلقوا إجراءً يستند بالكامل إلى خطة مبرمجة مسبقاً من قبل الأنظمة الرجعية الإقليمية والصهيونية والأمريكيين". يعكس الطابع الصارم لهذا البيان توافق روحاني التام مع مواقف المرشد، والمطابق لمواقف الحرس الثوري. التمسك بنظرية المؤامرة الطبيعية عند هؤلاء وعند خامنئي، كان أقل توقعاً من رئيس الدولة، الذي لا شك أنّه لم يكن أمامه خيار آخر سوى تأييدهم.

اقرأ أيضاً: احتجاجات إيران والعراق ولبنان تندّد بـ "الزعامات الفاسدة": كلن يعني كلهم

جوقة "المتطرفين" تتذمر ضد "المؤامرات المظلمة المنسوجة من الخارج". أعضاء جهاز الأمن، حراس الثورة وباسيجي يهاجمون مثيري الشغب ويصفونهم بعملاء الأمريكيين والصهاينة. العميد غلام رضا سليماني، قائد الباسيجي، يقول: "فشلت المؤامرة الأمريكية". وأدان زميله العميد باسيج سالار أبنوش "تحالف الشر" (صدى محور الشر عند بوش) الذي يتكون من إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية الذي يقف وراء "الفتنة". اختيار هذا المصطلح الذي يشير عادة إلى الإصلاحيين "الخضر" لا يخلو من قيمة، ويستخدَم لتشبيه المحتجين بمثيري الشغب... كما في عام 2009.


أعلن العميد رمضان شريف، مسؤول العلاقات العامة في باسداران، أنّ قادة التمرد الذين تم اعتقالهم في أربع محافظات رئيسية لهم صلات بأجهزة الأمن الأجنبية. في 22 الشهر الجاري صرح العميد علي فدوي، الرجل الثاني في حراس الثورة، مع ترحيبه بانطفاء الاضطرابات في المقاطعات، أنّ الأمريكيين قد فشلوا وخاب أملهم من هذه العودة إلى الهدوء خلال 48 ساعة، لكنه مع ذلك لم يخفِ بعض اليقظة: "كون أنّ الجهات الفاعلة الحاقدة في جميع أنحاء العالم تستهدف إيران في القضايا التي لا تهمها بأي شكل من الأشكال يجب أن تكون موضوعاً للتفكير". يسعى المرشد لتعبئة رجال الدين للوقوف معه وتأييده.

اقرأ أيضاً: هتلر وإيران.. وجهان لعملة واحدة
يؤيد المتطرف أحمد خاتمي، زعيم صلاة الجمعة في طهران، "رؤيته" هذه: لقد أمضت بعض الدول الأجنبية "ثلاث سنوات" في الإعداد لفرصة إطلاق العنان للفوضى في إيران، مع تدريبها داخل وخارج البلاد لعناصر متخصصة لهذا الغرض، وفقاً لوكالة فارس (المقربة من حراس الثورة). ليس من المستحيل أن لا نرى في أقواله هذه إشارة إلى مجاهدي خلق (MKO / MEK) الذين يشتبه في تعاونهم مع المصالح الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية للقيام بمهامٍّ على الأراضي الإيرانية. ولكن هناك متعاقدين آخرين من الباطن.

اقرأ أيضاً: بين مرشدين اثنين.. كيف يتشابه الإخوان وإيران؟
ذكرت وكالة فارس، دون مزيد من التفاصيل، أن مواطنين ألمانيين وأتراكاً وأفغاناً تم اعتقالهم في منطقة البرز، تم تدريبهم وتمويلهم من قبل أجهزة الاستخبارات الأجنبية لمهاجمة البنية التحتية والعصيان المدني في إيران. وكان هؤلاء مجهزين بمعدات التخريب. قد يتساءل المرء أيضاً عما إذا كان لا يوجد هنا خلط مع الخلايا الإرهابية القريبة من "داعش" التي ارتكبت بالفعل هجمات في المحافظات وفي طهران في الماضي القريب.
متشدّدو النظام قاموا بتنظيم مظاهرات "عفوية" لدعم "المرشد"، والحرس الثوري، بحضور واضح لرجال الدين، والباسيجي الذين ردّدوا أغانيهم المعتادة "الموت لأمريكا"، "الموت لإسرائيل".


مصدر الترجمة عن الفرنسية: lesclesdumoyenorient.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية