لماذا تفرض "حركة الشباب" اللغة العربية قسراً في الصومال؟

الصومال

لماذا تفرض "حركة الشباب" اللغة العربية قسراً في الصومال؟


02/12/2019

لا تكاد تخلو أيّة نقاشات فكرية وسياسية عمومية راهنة في الصومال من تداول سؤال اللغة العربية، وتحديد مكانتها داخل الهويات اللغوية في البلد الذي يعدّ من الأعضاء القلّة في جامعة الدول العربية، الذين لا يتحدث مواطنوهم اللغة العربية كلغة أم. وأدى هذا الأمر إلى فرض حركة الشباب الصومالية الإرهابية اللغة العربية قسراً على المناطق الخاضعة لسيطرتها، مما زاد المشهد ارتباكاً.

اقرأ أيضاً: ملامح مستقبل "داعش" في الصومال بعد مقتل البغدادي
ولا تكمن أهمية النقاش حول العربية في الصومال في كون العربية اللغة الرسمية الثانية بعد اللغة الصومالية، كما تنصّ الدساتير الصومالية المختلفة؛ بل كذلك بصلة العربية الوثيقة بالهوية الثقافية والدينية لدى الصوماليين، كما في باقي المجتمعات المسلمة غير العربية.

الكاتبة أمينة شوكت: الدول العربية في أفريقيا تتفاعل مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الناطقة باللغة العربية

ويمكن القول ابتداء؛ إنّ العربية تختلف عن اللغات الأجنبية الأخرى؛ بسبب خصوصيتها في وجدان الصوماليين بصفتها اللغة التي تعبّر عن الهوية الثقافية والحضارية لديهم، فالعربية لغة القرآن الكريم الذي يشكّل أحد أهم عناصر نشرها وتمدّدها، فضلاً عن التفاعل التاريخي بين ضفتَي البحر الأحمر، خاصة في المدن الساحلية في القرن الأفريقي، وبين الجزيرة العربية، وهو أمر استمرّ بقوة حتى وصول لحظة الدول الحديثة، وبروز القومية اللغوية التي مهدت أرضية عدائية للغات الأجنبية، بما فيها اللغة العربية.

تمّ إقرار تدوين الصومالية بحرفها الحالي عام 1973

تاريخ ممتدّ للغة العربية في الصومال
تبدأ اللغة العربيّة بالمدارس القرآنيّة، أو ما تسمّى عند الصوماليين "مدارس الدكسي"، وهو أولى مراحل التعليم، ويتعلّم الطفل حروف الهجاء العربيّة قبل أن يتعلّم الألفبائيّة الصوماليّة اللاتينيّة، ثم يتدرّج في حفظ القرآن الكريم، وتُعدّ مدرسة الدكسي التقليدية أقدم المؤسسات التعليمية والتربوية التي عرفتها الصومال.

اقرأ أيضاً: من هي الشخصيات التي أعادت الحكومة الصومالية بناء تماثيلها؟
وظلّ الصوماليون يستخدمون اللغة العربية كوسيلة للمخاطبة والمراسلة والمعاملات التجارية وتوثيق العهود حتى إقرار التدوين الرسمي للأبجدية الصومالية، عام 1973، بل ويرى بعض الباحثين أنّ العربية كانت لغة الثقافة والدين والعلم، بينما الصومالية كانت لغة التخاطب اليومي، لكنّ ذلك تأثّر بدخول الاستعمار وانتشار المدارس الإيطالية والبريطانية، ودخول التعليم الحديث، ولاحقاً بتدوين اللغة الصومالية بشكل رسميّ.

اقرأ أيضاً: صراع قطري تركي في الصومال
وفي فترة التسعينيات من القرن الماضي؛ انتهج الرئيس سياد بري سياسة لغوية قومية ترمي لاستبعاد اللغات الأجنبية، حين قرّر تدوين الصومالية بحرفها اللاتيني الحالي، وفي الوقت عينه، كان يسعى إلى ضمّ الصومال إلى جامعة الدول العربية، واعتبرت اللغة العربية اللغة الرسمية الثانية في البلاد غداة انضمام الصومال إلى الجامعة، عام 1973، كما افتُتِحت في ذلك الوقت العديد من المدارس الأزهرية في البلاد، وكانت وجهات الابتعاث الأكثر إقبالاً في ثمانينيات القرن الماضي، تتمثّل في مصر والعراق، وهو ما انعكس في بعض الحضور للغة العربية داخل المجتمع الصومالي.

سياد بري مع معمّر القذافي عام 1978

انحسار العربية لصالح الإنجليزية
وفيما يتعلق بترتيب المشهد اللغويّ في البلاد؛ كان الرئيس بري يتعامل بازدواجية حين يصرّ على صوملة المناهج التعليمية عبر تبنّيه سياسة لغوية قومية تدرّس باللغة الصومالية، حتى في المستويات الجامعية، لكن في الوقت نفسه؛ كانت تجمعه علاقات صداقة زائفة مع زعماء بعض الأنظمة القوميين العرب؛ لذلك اعتُبرت العربية لغة ثانية رسمية، لكن لم يتبع ذلك أيّ تخطيط لغويّ مدروس، وظلّ شعاراً يبيعه لحلفائه القوميين في المنطقة.
وبانهيار النظام الرسمي في الصومال؛ اختفى أيّ اهتمام بالتخطيط اللغوي في البلاد، وقد أزّم المشهد صعود نجم الوهابية لدرجة باتت اللغة العربية مرتبطة في أذهان الصوماليين بالخطاب السلفي الوهابي، والجماعات المسلّحة المتشددة التي تسخدم العربية في خطاباتها الرسمية؛ حيث أعلنت "حركة الشباب"، مثلاً، مؤخراً، فرض التعريب القسري على المناطق التي تخضع لسيطرتها.

اقرأ أيضاً: هل يسدد الصومال ديونه الخارجية ويخرج من نفق "الدولة الفاشلة"؟
على المستويات الاجتماعية؛ باتت ترتبط فرص العمل باللغة الإنجليزيّة، كشرط أساسيّ في المؤسسات الحكوميّة وغير الحكوميّة، كما غدت اللغة الإنجليزية تهيمن على المناهج التعليميّة في البلاد، في وسط انعدام حضور اللغة العربيّة في المناهج التعليميّة، باستثناء مادة التربية الدينيّة التي يتمّ تدريسها باللغة العربيّة منذ السنة الأولى الابتدائيّة.

وفيما يخص البند الدستوري عن اللغة، يرى الباحث الصومالي المتخصص باللسانيات اللغوية عبد الولي عمر؛ أنّه لا يوجد اتّساق بين الواقع العمليّ وبين السياسة اللغويّة المنصوصة في الدستور الفدراليّ.

اقرأ أيضاً: رئيس حزب معارض يكشف ماذا تريد قطر من الصومال

ويدعو عمر، في تصريح لـ "حفريات"، إلى ضرورة الانتباه للاختلاف الموجود في الدساتير الصوماليّة، سواء كان الدستور الفديرالي أو الدستاير الإقليمية؛ حيث يقول: "يقرّ الدستور الصوماليّ الفدراليّ على أنّ اللغة الصوماليّة والعربيّة، هما اللغتان الرسميّتان للبلاد، بينما دستور ولاية بونتلاند ودستور ولاية جوبالاند ينصّان على أنّ اللغة الصوماليّة واللغة العربيّة تأتيان بالمرتبة الأولى والثانية، وأمّا اللغة الإنجليزيّة فتأتي بالمرتبة الثالثة على أساس أنّها اللغة الرسميّة الثالثة لحكومة بونتلاند وحكومة جوبالاند؛ ذلك أنّ اللغة الإنجليزيّة تتمتع بمكانة عالية في الصومال؛ لأنّها لغة التعليم ولغة الإدارة ولغة سوق العمل، وهذا ما جعل اللغة الإنجليزيّة تحظى بمكانة في دساتير الولايات الإقليميّة؛ لذلك نصرّ على وجوب إعادة النظر في التنسيق بين الواقع اللغويّ وبين السياسات اللغويّة المنصوصة في الدساتير، سواء على المستوى الفدرالي أو على المستوى الإقليمي".

لا اتّساق بين الواقع العمليّ وبين السياسة اللغويّة في الصومال

ضعف حضور العربية في الثقافة
ثقافياً؛ يتجلى ضعف العربية في الصومال في معارض الكتب المقامة في المدن الصومالية، والغياب شبه الكامل للكتب العربية، عدا الدينية منها، لكنّ معرض "هرجيسا" الدولي للكتاب؛ لهذا العام كان لديه تجربة مختلفة بهذا الصدد؛ حيث استضاف بلداً عربياً كضيف شرف، للمرة الأولى، في تاريخه.

ظلّ الصوماليون يستخدمون العربية كوسيلة للمخاطبة والمراسلة والمعاملات التجارية وتوثيق العهود حتى إقرار التدوين الرسمي للأبجدية الصومالية عام 1973

وقد اختار المعرض، الذي يعدّ الحدث الثقافي الأكبر في شرق أفريقيا، مصر كضيف شرف في دورته الأخيرة، ورغم أنّ الجمهور الحاضر كان معظمه من الصوماليين. ولاحظ زوار المعرض شيئاً غريباً على صعيد اللغة المستخدمة أثناء فعاليات المعرض؛ حيث احتلت اللغة الإنجليزية الأكثر استخداماً في ندوات المعرض، كما كان لافتاً غياب أيّة فعالية باللغة العربية، كما لم تحضر أيّة دار نشر عربية؛ مع أنّ البلد الضيف كان عربياً.
وعن المشهد اللغوي في أفريقيا، والانقسام التاريخي حوله، تقول الكاتبة السودانية، ومديرة منصة "أندريا" الثقافية، أمنية شوكت، التي شاركت في معرض هرجيسا بنسخته الأخيرة لـ "حفريات": "يوجد في أفريقيا 22 دولة تتحدث الفرنسية كلغة رسمية، و19 الإنجليزية، و7 العربية، و5 البرتغالية، ودولة تتحدث الإسبانية، بخلاف ذلك؛ تفتخر أفريقيا بآلاف اللغات واللهجات (1500-2000)، ما نحتاج إلى البحث عنه هو التحدث بأكثر من لغة واحدة حتى نتمكن من إشراك القارة بطرق أكثر وليس البقاء معزولين".

الكاتبة السودانية أمينة شوكت

وتؤكّد شوكت خلال حديثها لـ "حفريات"؛ أنّ "اللغات الإنجليزية والفرنسية والصينية قوية؛ لأنّ الملايين يتحدثون بها، واللغة الإنجليزية هي لغة التجارة والاقتصاد، حتى إنّ الإنترنت يفتقر إلى اللغات الأخرى". وتضيف: "بالنسبة إلى الأدب، نحتاج بالتأكيد على النشر بمزيد من اللغات حتى يتم مشاركة المحتوى المحلي على نطاق واسع ويتم سرد قصص ثقافتنا وتاريخنا من قبلنا، بدلاً من أن يكتب شخص آخر عنا بلغة أجنبية لا يمكننا النقاش بها".
وعن ضعف اللغة العربية في القارة، تلاحظ شوكت أنّ "الدول العربية في أفريقيا قليلة، لكنّها مكتظة بالسكان، بالتالي؛ فإنّ تأثير اللغة قد يكون كبيراً إذا كانت هذه الدول تتفاعل مع القارة أكثر، لكنّها تميل إلى التفاعل مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الناطقة باللغة العربية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية