حالات انتحار شبان عرب.. هل من مبادرات لمواجهة المشكلة؟

حالات انتحار شبان عرب.. هل من مبادرات لمواجهة المشكلة؟


04/12/2019

محمود حسين

حوادث انتحار في أكثر من بلد عربي في توقيت شبه متزامن، وما يجمعها هو أن من قرروا إنهاء حياتهم هم من فئة الشباب، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر للوقوف على أسباب الانتحار في الدول العربية وكيفية معالجتها قبل أن تتحول إلى ظاهرة.

ناجي الفليطي شاب ثلاثيني من لبنان أنهى حياته بعد فشله في العثور على عمل يؤمن به حياة عائلته.. نادر محمد جمال، شاب مصري أنهي حياته بالقفز من برج القاهرة.. عبد الوهاب الحبلاني (25 عاما) قام بإحراق نفسه بمحافظة سيدي بوزيد التونسية بعد أن طرد من عمله، وفي المغرب انتحرت شابة بتناول سم الفئران.

أكثر من حادث انتحار مروع وقع خلال عدة أيام في أكثر من دولة عربية، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر من أن يتحول الانتحار بين شباب العالم العربي إلى ظاهرة مخيفة.

أسباب متعددة

حوادث الانتحار في العالم العربي ليست جديدة لكن الجديد هو نشر الحوادث في مواقع التواصل الاجتماعي. هكذا يرى الدكتور عمار على حسن الروائي المصري والخبير في علم الاجتماع السياسي.

ويضيف على حسن، في مقابلة مع DW عربية، بأن نسبة تلك الحوادث "ربما تكون قد زادت بسبب الأوضاع في العالم العربي التي أضفت طابعاً سياسياً على التأويل والتفسير"، مضيفاً أن أسباب ذلك تتنوع بين المرض النفسي والضغوط الاجتماعية والاقتصادية وأخرى متعلقة بخلافات عميقة داخل الأسر، "بجانب الأسباب السياسية المتعلقة بانعدام وانسداد أفق التغيير في وجه الشباب العربي والانكسار السياسي لديهم بعد أن عولوا كثيراً على الحراك والانتفاضات والثورات في تحسين حياتهم ومستقبلهم، لكن المسألة لم تتم على هذا النحو".

ويتفق مغردون مع رأي عمار علي حسن:

أما سمير مرقص الكاتب والمفكر السياسي المصري فيرى في انتحار الشباب في العالم العربي بعداً آخر، "ففي لحظة مركبة ومعقد للغاية يتم الانتحار ليكون له دلالة رمزية". ويفسر المفكر المصري في مقابلة مع DW عربية قائلا: "نحن في لحظة انتقال حرجة فيما يعرف في الفلسفة بالانتقال من نموذج متعارف عليه ومفهوم PARADIGM إلى مفهوم أو نموذج آخر جديد وغامض بالنسبة للبعض، وهذا التغير الشديد في نماذج الحياة لا يستطيع بعض البشر التعايش معه ومع ما ينتجه من منظومة قيمية وفكرية وثقافية جديدة، ولحظة الانتحار تكون هي ذروة رفض الشخص لهذا التغير أو الانتقال".

ويضيف الكاتب والمفكر المصري أن البعض الآخر قد يواجه هذا التغير بالاستغراق فيما يغيبه عن العالم سواء بالتشدد الديني أو باستخدام ما يفقده توازنه أو عقله سواء بالإدمان أو التعاطي، ويعد الانتحار ذورة عدم القدرة على التعايش أو إدارك وفهم لحظة الانتقال الكبرى التي يعيشها العالم".

ظاهرة أم حوادث فردية؟

منظمة الصحة العالمية نشرت مؤخراً تقريراً عن ظاهرة الانتحار حول العالم. وقالت المنظمة في تقريرها الصادر في سبتمبر/أيلول 2019 إن نحو 800 ألف شخص يلقون حتفهم كل عام بسبب الانتحار.

وأفاد التقرير بأنه في مقابل كل حالة انتحار، هناك الكثير من الناس الذين يحاولون الانتحار كل عام، فيما يعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15و 29 عاماً. وتستأثر البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنحو 79% من حالات الانتحار في العالم.

ويرى الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي في الأكاديمية الطبية بالقاهرة أن التركيز الإعلامي على حوادث الانتحار هو ما قد جعل الناس يلتفتون إلى الأمر خاصة وأن المنتحرين من الشباب صغير السن، مضيفاً في مقابلة مع DWعربية، أن "بعضهم قد يبحث عن الشهرة وبعضهم يعاني من إهمال عاطفي أو إحباطات على مستويات حياتية معينة"، مؤكداً على أن الأمر لم يصل بعد إلى حد الظاهرة، "وحتى تصبح كذلك يجب أن تصل نسبة الانتحار إلى 25% من الشباب في العالم العربي، وهذا لم يحدث".

مسألة التركيز الإعلامي ذهب إليها بعض المغردين:

المرض النفسي وعلاجه.. سبة في المجتمعات العربية؟

حتى اليوم يعاني المريض النفسي في العالم العربي للكثير من الاضطهاد. ففي الكثير من المجتمعات العربية يعتبر البعض المرض النفسي سبة أو أمر مشين للعائلة أن يعرف أن أحد افرادها يتلقى علاجاً نفسياً.

ويقول سمير مرقص  الكاتب والمفكر السياسي المصري إن "المرض النفسي لازال ينظر إليه في مجتمعاتنا العربية على أنه عيب أو فضيحة أو شيء غير مقبول اجتماعياً وهذا جانب من المشكلة وذلك على الرغم من أن الكل معرض في وقت ما لمواجهة مثل هذا الأمر نتيجة الضغوط المجتمعية أو التطورات المتلاحقة".

ويؤكد الدكتور عمار على حسن على الأمر نفسه، مشيراً إلى أنه في السابق كانت حوادث الانتحار تقع لكنها لم تكن تسجل أو تتداول على أنها حوادث انتحار لأسباب دينية أو مجتمعية وإنما تسجل كحوادث طبيعية، "فلا أحد يحب الاعتراف بوجود مثل هذه الحوادث في المجتمع، لكن الأمر الآن اختلف بسبب وسائل التواصل الاجتماعي".

ويشير الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي إلى أن هناك أمراض نفسية تصل بالشخص إلى حافة الانتحار منها الاكتئاب والفصام المصاحب بالهلاوس السمعية وهؤلاء في حاجة ماسة لتلقي العلاج، "لكن ومع وصمة المرض النفسي والعلاج النفسي في العالم العربي يمتنع البعض عن الذهاب للعلاج أو تذهب للدجالين فتكون النهاية أن ينتحر الشاب أو الفتاة".

جهود حكومية ومجتمعية

أعلنت الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان بمصر، عن تخصيص خط ساخن لتلقي واستقبال المكالمات من قبل الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة. ويقوم الخط باستقبال المكالمات من أي شخص في أي وقت، من خلال أخصائيين نفسيين مدربين في إطار الحملة التي أطلقتها بعنوان "حياتك تستاهل تتعاش” لمكافحة الانتحار*.

كما أطلقت دار الإفتاء المصرية حملة للتوعية بالمرض النفسي، ونشرت هاشتاغ #المرض_النفسي_أشد_من_العضوي:

ويعتقد الكاتب والمفكر المصري سمير مرقص أن مسالة الانتحار لم تدخل بعد في حيز الاهتمام الكبير من جانب بعض الحكومات العربية وذلك لجملة من العوامل "منها أنه حتى الآن ثقافياً ودينياً يعد الانتحار أمراً محرماً وغير مقبول ولا يوجد اعتراف بأنه كاد أن يتحول لظاهرة يمكن أن تمتد حتى إلى المجتمعات المتدينة أو المحافظة".

ويضيف مرقص بأن جزء من المشكلة هو مؤسسات التنشئة التقليدية منها المسجد والكنيسة والأسرة والجامعة والمدرسة والإعلام والتي يتلقى المواطن تنشئته المتنوعة من خلالها، وهذه المؤسسات ليس بها المساحة التي تعطي بعض الإدراك للجانب النفسي والذهني للمواطن وللشباب بالتحديد، بل إن الآباء والأمهات في المنزل أحياناً قد لا يدركون أن الأبناء لديهم مشاكل نفسية، وبعضهم إن علموا يرفضون الاعتراف بوجود تلك المشكلة لدى الابن أو البنت.

كيفية التعامل مع الحالات المستعصية

مع تكرار حوادث الانتحار في مصر مؤخراً، بدأ عدد من النشطاء والمغردين على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر أرقام هواتف لأطباء نفسيين ومصحات ومراكز طبية ومستشفيات لعلاج من يمكن أن يكونوا "ضحايا انتحار محتملين"، وشدد هؤلاء على ضرورة عدم ترك من يتعرض لضغوط حياته وحده، وأن يتم تشجيعه على اللجوء فوراً للحصول على مساعدة طبية.

ويرى الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي أن هذا التحرك من جانب البعض أمر إيجابي للغاية، "فالناس يجب أن تنصح من تراه على شفا الانتحار بالذهاب فوراً لتلقي العلاج ودفعه إلى ذلك وتشجيعه ومساعدته".

لكنه استدرك بالقول أنه "يجب الحذر مما يقال في هذا السياق ممن يشجعون المريض على التحدث إليهم فقط، وكأن هذا نوع من العلاج، في حين أن المريض عندما يصل لحافة الانتحار فلا مجال معه لا للكلام ولا حتى للذهاب لعيادة الطب النفسي، وإنما يدخل إلى مستشفى طب نفسي فوراً تكون مجهزة لمن هم على شفا الإقدام على الانتحار ليقدم لهم العلاج وفق البروتوكول الدولي المتعارف عليه والمقر دولياً".

عن "دويتشه فيله"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية