"جثة البغدادي" وراء تفكيك خلية إرهابية بين المغرب وإسبانيا

داعش

"جثة البغدادي" وراء تفكيك خلية إرهابية بين المغرب وإسبانيا


05/12/2019

بعد هدوء قصير على ضفتي المتوسط، خلال الأشهر الماضية، عادت أخبار الخلايا الإرهابية لتتصدر من جديد أغلفة الصحافة الإسبانية ومعها الإشادة بالتعاون المغربي النموذجي في تعقب الجماعات المتطرفة. فقد أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية أمس عن تفكيك خلية مرتبطة بتنظيم داعش تتكون من أربعة أفراد، ثلاثة منهم جرى اعتقالهم فوق التراب المغربي بمبادرة من الأجهزة الأمنية، والرابع اعتقل في ضواحي مدريد من لدن الأجهزة الإسبانية.

وبحسب بلاغ الداخلية الإسبانية، فإنّ أعمار ثلاثة أفراد من هذه الخلية تتراوح ما بين 24 و29 عاماً، بينما يبلغ عمر الشخص الرابع الذي اعتقل فوق التراب الإسباني 31 عاماً، وتصفه الأجهزة الأمنية الإسبانية بأنّه الزعيم المفترض للخلية. ووفقاً للبلاغ نفسه فإنّ أفراد الخلية كانوا يعقدون بين الحين والآخر لقاءات سرية في مدينة مليلية المحتلة القريبة من الناظور شمال المغرب.

اقرأ أيضاً: ملامح مستقبل "داعش" في الصومال بعد مقتل البغدادي

بيد أنّ ما يثير في هذه الخلية، التي ليست الأولى التي يتم تفكيكها بتعاون بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، هو أنّ عناصرها كانوا يخططون للانتقام لمقتل أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الذي انتحر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أثناء تعقب القوات الأمريكية له. فبعد أزيد من شهر على نهاية البغدادي يبدو أنّ التنظيم المتوحش قد انتهى من وضع مخطط إرهابي جديد لاستهداف عدد من البلدان، خصوصاً الأوروبية منها، انتقاماً لزعيمه المنتحر.

بعد نهاية البغدادي واستحالة تعويضه داخل التنظيم لا يبقى لدى هذا الأخير سوى توظيف جثة الزعيم المنتحر

ولعل هذا يشير إلى نقطة مركزية لا بد من التوقف عندها. فطوال العامين الماضيين، منذ أن تم القضاء على التنظيم في العراق وسوريا من لدن التحالف الدولي، حاول البغدادي مرات عدة إعادة إحياء مشروع ما يسمّى "دولة الخلافة" لدى بقايا مقاتلي التنظيم، الذين قضى الكثير منهم في المواجهات مع القوات العراقية وقوات التحالف الدولي، لكن من دون جدوى، والسبب أنّه بعد تفكك الدولة المزعومة وفقدانها المناطق التي كانت تسيطر عليها صار من الصعب خلق فكرة جديدة يتم تجييش المقاتلين القدامى حولها، أو استقطاب مقاتلين جدد للدفاع عنها، كما فعل التنظيم في أوج انتشاره بين عامي 2014 و2016. غير أنّه بعد مقتل البغدادي يظهر أنّ التنظيم وجد أخيراً ورقة يلوح بها في أوساط المقاتلين القدامى ويجند بها متطوعين جدداً للقتال، بدعوى الانتقام لمقتل "الخليفة". فبعد نهاية البغدادي واستحالة تعويضه داخل التنظيم بشخص آخر له نفس الكاريزما، لا يبقى لدى هذا الأخير سوى توظيف جثة الزعيم المنتحر.

وتقدم السرعة التي تم بها تفكيك هذه الخلية الجديدة بين كل من المغرب وإسبانيا صورة عن التعاون النموذجي الحاصل بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة. فقد انطلق هذا التعاون بوجه خاص منذ تفجيرات مدريد في آذار (مارس) من عام 2004، التي تم خلالها اعتقال عدد من المغاربة المهاجرين في إسبانيا لتورطهم فيها، ومنذ ذلك التاريخ تطور التنسيق بين البلدين بحيث صار نموذجاً للتعاون الأمني بين بلد في الاتحاد الأوروبي وبلد متوسطي من خارج الاتحاد. وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 2017، في أعقاب العملية الإرهابية في مدينة برشلونة، قال وزير الداخلية الإسباني، خوان إغناسيو زويدو، خلال زيارته للرباط، إنّ التعاون الأمني مع الرباط يعد مثالاً نموذجياً في الاتحاد الأوروبي لأشكال التعاون الأخرى التي يمكن للاتحاد أن ينخرط فيها مع بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، وأشار إلى أنّ التنسيق الأمني بين مدريد والرباط تمكن خلال عام 2017 فقط من إطلاق 12 حملة أمنية داخل إسبانيا أدت إلى اعتقال 175 متشدداً.

تقدم السرعة التي تم بها تفكيك الخلية الجديدة صورة عن التعاون النموذجي بين المغرب وإسبانيا في مجال مكافحة الإرهاب

ويعود التركيز الإسباني على المغرب، كشريك أساسي في الحرب ضد الإرهاب، إلى الموقع الإستراتيجي الذي يحتله، ووجود سبتة ومليلية المحتلتين على أراضيه، وهما مدينتان محتلتان من طرف إسبانيا منذ قرون لكنهما اليوم تندرجان ضمن نطاق الأمن الأوروبي كجزء من الاتحاد. ونظراً لوجود عدد كبير من المغاربة في المدينتين فإنّ إسبانيا تجعل منهما محوراً رئيسياً في التنسيق الأمني مع المغرب، خصوصاً وأنّ عدداً من المغاربة في المدينتين سبق أن اعتقلوا في شبكات متطرفة خلال السنوات الأربع الأخيرة.

وكان المعهد الملكي للدراسات (إلكانو) قد أشار في دراسة له العام الماضي إلى أنّ ثلاثة أرباع المتطرفين الذين قتلوا أو اعتقلوا بين 2013 و2017 في إسبانيا ينحدرون من هاتين المدينتين؛ حيث كشفت الدراسة أنّ 44 في المئة من هؤلاء ينحدرون من سبتة، و28 في المئة من مليلية، مشيرة إلى أنّ 40 في المئة من المغاربة الذين التحقوا بتنظيم داعش في نهاية 2013 كانوا ينحدرون من مدن الشمال المغربي القريبة من المدينتين المحتلتين.

كما يعود هذا التركيز أيضاً إلى الأعداد الكبيرة للجالية المغربية المقيمة في إسبانيا، خصوصاً في إقليم كاطالونيا، ذلك أنّ المغاربة في إسبانيا يشكلون تقريباً ثلثي المهاجرين، بنسبة تصل إلى 67 في المئة، ما يجعلهم الجنسية الأولى في إسبانيا بين المهاجرين. وبعد حصول عمليات إرهابية في عدد من المدن الأوروبية، مثل؛ باريس وبرشلونة وبرلين، تورط فيها مهاجرون مغاربة، باتت مدريد أكثر حرصاً على مد يدها إلى المغرب لتعزيز التعاون الأمني، قصد مراقبة تحركات بعض المهاجرين الذين يمكن أن يكونوا عناصر في شبكات إرهابية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية