كيف نقرأ المصالحة الخليجية مع قطر؟

كيف نقرأ المصالحة الخليجية مع قطر؟


11/12/2019

شكّلت تصريحات وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، على هامش مشاركته في منتدى "حوارات المتوسط" الذي عقد الأسبوع الماضي في روما، والمتضمنة بداية النهاية للأزمة الخليجية بين الدوحة وجيرانها، وعودة المياه إلى مجاريها، أوضح تعبير قطري يجيب عن تساؤلات حول حقيقة التسريبات عن حلول للأزمة.

اقرأ أيضاً: "قمة الرياض": أمن دول الخليج لا يتجزأ... لكن ماذا عن قطر؟


وقد برزت العديد من المؤشرات التي سبقت هذه التصريحات، والتي كانت تشير بمجموعها إلى أنّ هناك ما يدور بالسرّ بين الدوحة وجيرانها، وفي مقدمتها انخفاض منسوب التركيز في الحملات الإعلامية التي تشنّها قناة الجزيرة القطرية على المملكة العربية السعودية، وخاصة ما يتعلق منها بملفات: الإصلاحات التي يقودها ولي العهد السعودي، والتضخيم المبرمج والمدروس تجاه ملفات حقوق الإنسان في السعودية، بالإضافة لتسريبات أخرى تتعلق بزيارات سرية لوزير الخارجية القطري إلى السعودية ولقاءاته مع مسؤولين سعوديين، وتقديم تعهدات بخصوص علاقة الدوحة مع الإخوان المسلمين، وإمكانية ترحيلهم إلى بلد ثالث، هذا بالإضافة لمشاركة الدول المقاطعة للدوحة في دورة كأس كرة القدم الخليجية، والأجواء الإيجابية المرافقة لها.

تحتاج المصالحة لجهود جبارة ومصارحات عميقة تجيب فيها الدوحة على تساؤلات حول تحالفها مع أنقرة وطهران وموقفها من الإخوان

وعلى أهمية تلك المؤشرات، والأجواء الإيجابية الناشئة الجديدة بين الدوحة ودول الخليج الأخرى، إلا أنّ توقيت إعلان قطر عن تلك المصالحة و"حلحلة" الأزمة الخليجية تبدو غير واضحة تماماً، في ظل العديد من التساؤلات المطروحة، خاصة في ظل الاشتراطات الـ "13" للدول المقاطعة، بما فيها علاقات قطر مع الإخوان والتطرف، وإذا كانت قطر قادرة على تقديم إجابات بخصوص هذين الملفين، بالتعهد بإبعاد الإخوان المسلمين، وتفسير علاقة قطر مع "القاعدة" و"داعش"، بأنّها كانت في إطار تنسيق كامل مع الولايات المتحدة كما دلّت على ذلك تصريحات مسؤولين قطريين، فإنّه من غير المعروف مستقبل علاقات قطر مع كل من تركيا وإيران، في ظل هذه المصالحة.

اقرأ أيضاً: مشكلة قطر الحقيقية
كما أنّ التركيز في تداول المصالحة بوصفها مصالحة بين قطر والمملكة العربية السعودية، دون الإشارة، بالتركيز ذاته، على شمولها لكل من دولة الإمارات ومصر والبحرين، يطرح تساؤلات حول حقيقة تلك المصالحة، خاصة وأنّ الدوحة اعتمدت سياسة الفصل بين الدول المقاطعة خلال عمر الأزمة، التي بدأت منذ أواسط عام 2017، فهل تشمل المصالحة أبوظبي والقاهرة والمنامة بالمستوى نفسه الذي يتم الحديث عنه عن المصالحة مع الرياض، وهل ستذهب للإطار الخليجي بما يعني استثناء مصر، وهل كان غياب أمير قطر عن القمة الخليجية التي عقدت بالرياض خلافاً للأجواء التي سادت قبيل انعقادها، علاقة بخلافات حول تلك الملفات؟

اقرأ أيضاً: مسؤول سعودي: إيران تتراجع في العراق ولبنان.. وهذا ما يُنتظر من قطر

لاشك أنّ تداعيات الأزمة الخليجية كان لها انعكاسات سلبية لم تقتصر على البيت الخليجي، بل شملت مناطق صراعات كان واضحاً فيها حجم التباين والصراع بين الدوحة والدول المقاطعة، في أزمات: السودان والجزائر وليبيا، وحتى في غرب أفريقيا، بالإضافة لصراعات مكشوفة وأكثر حدة في القرن الأفريقي وتحديداً في الصومال وإثيوبيا وأريتريا، تتداخل مع صراعات قوى إقليمية وأخرى دولية، كانت تتبع وتتقاطع مع هذا الطرف أو ذاك، بالإضافة لانقسامات في صراعات المنطقة، وخاصة في اليمن بالإضافة للصراعات في سوريا ولبنان والعراق، فيما كانت إسرائيل القاسم المشترك الوحيد غير المختلف عليه بين قطر والدول المقاطعة، وتساوت مع عواصم عربية أخرى في استقبال الوفود الإسرائيلية "سياسية ورياضية"، كما تساوت مع دول الخليج الأخرى في عقد صفقات أسلحة ضخمة بمليارات الدولارات من ذات المصادر"أمريكية، أوروبية، روسية وصينية" نتج عنها رأي عام خليجي وعربي، بأنّ الدول الكبرى تغذي الخلافات الخليجية لنهب الثروات الخليجية بصفقات أسلحة ضخمة وإقامة قواعد عسكرية ضخمة، استعداداً لحروب ذات احتمالات وقوع صفرية بين الدوحة وجيرانها، وأنّ التهديد الحقيقي يتراوح بين تهديد إيراني مباشر، وتهديد إسرائيلي غير مباشر.

تداول الحديث عن المصالحة بوصفها بين قطر والسعودية، دون الإشارة، على شمولها لكل من الإمارات ومصر والبحرين يطرح تساؤلات حول حقيقتها

لسنا من "المتشائلين" تجاه آفاق المصالحة الخليجية، لكن المؤكد أنّ تلك المصالحة تحتاج لجهود جبارة ومصارحات عميقة، ستكون فيها الدوحة مدعوة للإجابة على تساؤلات حول تحالفها مع أنقرة وطهران، وموقفها من الإخوان المسلمين، ومساهمات بإجراءات وقرارات تنفيذية حول دورها في اليمن، والتحالف الدولي الذي تشكل ضد إيران وسياساتها في المنطقة، رغم أنّنا لا نستبعد أن تكون أجواء المصالحة بعيدة عن اطلاع مراكز القرار الأمريكي على تفاصيلها، وربما تشجيع الدوحة على المضيّ بالمصالحة بضمانات أمريكية، في ظل علاقات واشنطن الوثيقة مع عواصم المقاطعة للدوحة، وهو ما يطرح تساؤلات حول ارتباط هذه المصالحة وبهذا التوقيت بما يتم الترتيب له في المنطقة في إطار عنوانين وهما: الملف الإيراني ومستقبل العلاقة الأمريكية مع إيران، سواء باتجاه إنجاز مصالحة كبرى ستنعكس على المنطقة، أو الذهاب إلى ضربات نوعية لإيران تجبرها على تغيير مواقفها وسياساتها، وملف السلام مع إسرائيل، ومستقبل عملية السلام في المنطقة، وبما يتطلب موقفاً خليجياً موحداً في أية مفاوضات قادمة، رغم أنّ حجم التباين بين الدولة وجيرانها تجاه إسرائيل أقلّ تباعداً مقارنة بملفات إيران.
وفي الخلاصة، ربما نشهد وعبر شاشات الفضائيات العربية وعلى رأسها "الجزيرة"، التي سيكون ملف مستقبلها حاضراً في أي اتفاق، صور مصافحات القادة الخليجيين، ومحمولات تؤكد على الوحدة الخليجية وعلاقات القربى والمصير المشترك، لكن القيمة لأية مصالحة ستكون بمدى ترجمتها بسياسات ومواقف على أرض الواقع تؤكد انتهاء كافة أسباب الخلافات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية