تونس: من يوقف الانتهاكات ضد النساء في "عاصمة المرأة العربية"؟

تونس

تونس: من يوقف الانتهاكات ضد النساء في "عاصمة المرأة العربية"؟


12/12/2019

بالرغم من اختيارها "عاصمةً للمرأة العربية لـ2018-2019"، وبرغم القوانين المتقدمة التي أصدرتها بشأن حقوق المرأة، منذ خمسينيات القرن الماضي، حتّى عام 2017، مازالت تونس تواجه ظاهرة العنف ضدّ المرأة بشتّى أنواعه، ومازالت مؤشرّات انتهاك حقوقها صادمةً في أغلب الأحيان، في وقتٍ تنشط فيه آلاف الجمعيات والمنظمات النسوية المدافعة عن حقوقها والمناهضة للانتهاكات الممارسة ضدّها.

اقرأ أيضاً: تونس: هل قطع راشد الغنّوشي الأغصان التي كان يقف عليها؟
وجعلت الأرقام والمؤشّرات التي تصدر من حين لآخر عن جهاتٍ رسميةٍ، ونشطاء في المجتمع المدني بخصوص قضايا العنف المسلّط على المرأة، كلّ التشريعات والمبادرات النسوية تصطدم بواقع المجتمع التونسي وبعده الثقافي، الذي يركز على سلطة الرجل، في مقابل خضوع المرأة، لتظل إلى اليوم الضحية المحورية.

برغم النضالات المرأة التونسية ما تزال تتعرض للعنف
وكانت تونس قد اختيرت عاصمة المرأة العربية لسنتي 2018 و2019، وعاصمةً دوليةً لتكافؤ الفرص لعام 2019، بعد أن احتضنت السويد هذا الحدث السنوي العام الماضي.
وأصدرت في العام 2017 قانوناً لمكافحة العنف ضد المرأة بهدف "القضاء على كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية"، وفق نص القانون الذي دخل حيز التنفيذ في شباط (فبراير) 2018، الذي تضمّن تشديد العقوبات في قضايا الاغتصاب وإسقاط حقّ تزويج المغتصب بضحيته.

نعيمة النصيري: الأرقام المتوفرة بخصوص ظاهرة العنف ضد المرأة تفوق كثيراً ما يروّج على أرض الواقع

كما حمَل القانون جوانبَ ردع العنف الأسري ضد المرأة بكل أشكاله بما في ذلك جريمة الاغتصاب، وضمَن حماية المرأة من المضايقات في الأماكن العامة، وجرّم التمييز في الأجر على أساس الجنس.
ويخشى نشطاء حقوقيون من احتمال إخفاق الدولة في تطبيق نصوص القانون، خصوصاً في المناطق البعيدة عن العاصمة والنائية، حيث تغيب في بعضها مظاهر الدولة باستثناء مراكز الأمن، الأمر الذي قد يؤدي إلى استحالة تطبيق القانون الجديد واحترام حقوق المرأة.
أرقامٌ مفزعةٌ
ونقلت إذاعة موزاييك أف أم الخاصة (الأولى في تونس)، عن مصادر قضائية أنّ المحاكم التونسية تفصل يومياً في ما بين 25 و35 قضية عنفٍ ضد المرأة، بجميع أنواعه، وأنّ الشكاوى التي يتم إيداعها لدى الفرق الأمنية المختصة في مكافحة العنف ضد المرأة، والطفل تتجاوز 20 شكايةٍ يومياً.
كما تبيّن المؤشّرات الإحصائية الصادرة عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة، أنّ ما يقارب 50% من النساء في تونس تعرضن للعنف الجنسي، وأنّ 90% تعرضن للتحرش في وسائل النقل العمومي، و 78.1% إلى العنف النفسي في الأماكن العامة، بينما مورس التحرش الجنسي على 75.4% من التونسيات من طرف زملائهنّ في العمل.
وتلقت وزارة المرأة خلال العام 2018 ستة آلاف شكوى لمناهضة العنف ضد المرأة، وفق ما ذكرته وزيرة المرأة نزيهة العبيدي، التي أكدت أنّ هذا الرقم لا يشير إلى تصاعد العنف ضد المرأة، بل إلى سقوط جدار الصمت الذي كان يمنع النساء من البوح بما تعرّضن له من عنفٍ جسدي ولفظي، لاعتقادهنّ أنّ ما يحدث لهنّ "شأنٌ خاصّ".

اقرأ أيضاً: هل تشهد تونس ثورة جديدة؟
وتؤكّد في هذا الخصوص عضو جمعية النساء الديمقراطيات نعيمة النصيري أنّ الأرقام المتوفرة لدى المنظمات والجمعيات المهتمة بالمرأة، تفوق كثيراً ما يروّج على أرض الواقع، بأنّ تونس تجاوزت ظاهرة العنف ضدّ المرأة، أو نجحت في القضاء عليه، مشيرةً إلى أنّ فرعاً وحيداً لجمعيتها تلقى أكثر من 450 ألف إشعارٍ بتعرّض نساء للعنف منذ بداية 2019 فقط.
ودعت النصيري إلى ضرورة الدفع لأن يصبح العنف ضدّ المرأة قضيّةً وطنيّةً، وقضية رأي عامٍ، لتظافر جهود مكونات المجتمع المدني كافّة، في مقدمتهم هياكل الدولة، من أجل القضاء على هذه الظاهرة، التي ما انفكّت تعيق ترسّخ الديمقراطية في البلاد، وتطوّرها، خاصّة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل على أرض الواقع، وليس فقط ادّعاءها في التقارير، والدراسات.
حملات وطنيةٌ وأخرى إلكترونية
وأطلقت مجموعة من النساء التونسيات حملة إلكترونية وطنية بشعار "أنا زادة" (أنا أيضاً)، تهدف إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة، ومساندة المرأة الضحية، وفضح ممارسات العنف المسلط ضد النساء، من خلال نشر تغريداتٍ وتدويناتٍ تنقل قصصاً، وشهادات حقيقية عن التحرش والاغتصاب، في تقليد لحملة "Me too" (أنا أيضاً)، التي أطلقتها الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، بعد فضيحة المنتج الهوليوودي، هارفي وينستين، المتهم بالتحرش والاعتداء الجنسي على عشرات النساء.

اقرأ أيضاً: تهديدات إخوان تونس للإعلاميين تثير مخاوف من "بلعيد" جديد
بالتوازي، أطلقت أكثر من 50 جمعية تنشط في مجال حقوق المرأة، ومناهضة العنف المسلط عليها، وعددٍ من الحقوقيين والناشطين في المجتمع المدني، حملة وطنية كبرى، رفضاً للعنف وتضامناً مع ضحاياه، في إطار الأيام الأممية لمناهضة العنف المسلط على النساء التي تمتد من 25 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 10 كانون الأول (ديسمبر). 

مباركة بن منصور: الحملات النسوية مهمّة للكشف عن فظاعة حالات التحرّش والاغتصاب الذي تتعرّض له النساء التونسيات

ونظمت هذه الجمعيات مسيراتٍ جابت المدن التونسية الكبرى، بدأت صامتةً، ثم تخلّلها قرعٌ على الأواني المنزلية، ورفع شعاراتٍ موحدة منددة بالعُنف، والتحرش ضد المرأة، أبرزها "العنف نقمة والسكات مضرة" و"لا عنف بعد اليوم".
وقد سبق لوزارة المرأة أن وضعت عام 2016 رقماً أخضر لوقف العنف ضد النساء قبل سن قانون 2017، وحملت الحملة حينذاك شعار "ما تسكتش (لا تسكت)…تكلم"، لحث النساء على كشف ما يتعرضن له من عنف، لكن الوزارة مع دخول القانون الجديد حيز التطبيق وضعت رقماً أخضر جديداً، وتعهدت بتوفير الرعاية الصحية، والنفسية لضحايا العنف من النساء، والأطفال، والمسنين.
حملات تعتبرها مباركة بن منصور رئيسة جمعية نساء من أجل التنمية والمساواة، آليةً مهمّة للكشف عن حجم، وفظاعة حالات التحرّش، والاغتصاب الذي تتعرّض له العديد من النساء التونسيات، والتي تهمّ في معظم الأحيان فتياتٍ قصّر لا تتجاوز أعمارهنّ الخامسة عشر، تعرّضن إلى التحرّش الجنسي أو الاغتصاب داخل محيطهنّ.
وأكّدت منصور في تصريحها لـ"حفريات"، أنّ هذه الحملات لها دورٌ كبيرٌ في توعية المرأة بحقوقها وبوجود قوانين تضمن حمايتها، كما أنّها تشجّع المرأة الضحية على الإفصاح ببعض القضايا المسكوت عنها، وإخراج الجرائم المتنامية إلى العلن، وتخطي حاجز الخوف، والانعتاق من مصطلح "العار".
حقوق المرأة في تونس بين الواقع والتشريعات

فجوة بين الواقع والإنجاز
وتحذّر أغلب الناشطات النسويات من وجود فجوةٍ عميقةٍ، بين ما حققته تونس من إنجازاتٍ في مجال حقوق المرأة مقارنة بغيرها من البلدان العربية، وبين الواقع الذي ما تزال تعايشه المرأة من عنفٍ وتمييزٍ، في ظلّ غياب إرادة الدولة والسياسيين في تطبيق القانون المتعلق بالقضاء على كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة، رغم مرور سنتين على إقراره.
تأكيداً لذلك، أقرّ مساعد وكيل الجمهورية بتونس المكلف بالعنف ضد المرأة أيمن شطيبة، أنّ المحاكم تجد صعوبات في تطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالعنف ضد المرأة، داعياً إلى ضرورة العمل على تنقيحه من أجل ملاءمته مع الواقع.
وقال شطيبة إنّ هذا القانون يعدّ مظهراً من مظاهر تطور السياسة الجزائية، وهو مكسب باعتبار الحماية التي يوفرها للمرأة، ولكنّه يصطدم بإشكاليات في التطبيق ليس على مستوى المحاكم فقط، بل أيضاً ميدانياً، من حيث كيفية التعامل خاصّةً في ما يتعلّق بقرارات الحماية، وفضاءات الإيواء في ظلّ الإمكانيات المحدودة للضابطة العدلية في هذا الخصوص.
من جانبها، ثمّنت الناشطة الحقوقية والمختصة في القانون حياة الورتاني في تصريحها لـ"حفريات"، هذا القانون، الذي قالت إنّه نتاج عمل عشر سنوات متواصلة للمجتمع المدني في تونس، واعتبرته خطوة مهمّة باتّجاه القضاء على كلّ أشكال العنف المسلّط على النساء.
في المقابل، لفتت إلى تخاذل الدولة في الحرص على تطبيقه، وتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك، مشيرةً إلى تأخر إحداث مركز تجميع المعلومات حول هذه الظاهرة للعام الثاني على التوالي، فضلاً عن غياب مراكز إصغاء وإيواء، خصوصاً في المناطق الداخلية للبلاد، حيث تغيب الدولة.
الورتاني أقرّت أيضاً باصطدام هذا القانون على أهميته، بالفكر السائد في المجتمع، والذي لم يقبل بعد بوجود قوانين رادعة للعنف الممارس على المرأة، ولحماية حقوقها، وهو ما عقّد الجهود المبذولة في سبيل القضاء على هذه الظاهرة السائدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية