المغامرة التركية في ليبيا.. هل تكون آخر معارك أردوغان في المتوسط؟

المغامرة التركية في ليبيا.. هل تكون آخر معارك أردوغان في المتوسط؟


22/12/2019

تطرح سياسات وقرارات ومواقف القيادة التركية، على الصعيدين؛ الدّولي والإقليمي، جملة من التساؤلات حول الأهداف التي يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوصول إليها عبر تلك السياسات، وفيما إذا كانت تركيا تستطيع تحمّل تبعات تلك القرارات والسياسات، فخلال أسبوع واحد ظهر أردوغان بجملة قرارات، شكّلت "محطات" مهمة وذات دلالة على اتجاهات السياسة الخارجية التركية، تؤكّد تشعّب الملفات التركية في قضايا إقليمية ودولية، وترسل رسائل بزيادة أعداء تركيا.

فأول ما يطالعنا؛ تلك التهديدات التي وجهها أردوغان لأمريكا على خلفية قرار الكونغرس الأمريكي، سُنّ تشريع يعترف بمسؤولية الأكراد عن مذابح الأرمن قبل مئة عام، بإغلاق القاعدتَين العسكريتَين الأمريكيتَين في تركيا، وهو ما يعيد طرح الأسئلة حول مستقبل علاقات تركيا مع حلف الناتو، وثاني تلك المحطات هذا التصعيد والتحدي والانكشاف التركي بالوقوف إلى جانب الحكومة الليبية المدعومة من فصائل إسلامية وجهادية، وتوقيع اتفاقات معها تتجاوز مسألة حصر الصراع على الأرض الليبية، لتغدو موضع شكوك بتعارضها مع القانون الدولي حول المياه الإقليمية لليبيا، والتنقيب عن النفط والغاز في مياه البحر المتوسط، وهو ما أثار حفيظة دول أوروبية (اليونان، إيطاليا، فرنسا) إضافة إلى مصر التي ترى في الاتفاق التركي مع حكومة طرابلس استهدافاً لأمنها القومي.

يبدو أنّ أردوغان يخوض معركة ليبيا في ظلّ سياقات تشير إلى أنّها ربما تكون آخر معاركه في المتوسط

وثالث تلك المحطات؛ القمة الإسلامية التي تعقد في ماليزيا بمشاركة تركية إلى جانب إيران، وتستهدف منازعة المملكة العربية السعودية على قيادة العالم الإسلامي، فيما تواصلت جملة من القرارات التركية التي لا ترقى لأن تكون محطات، لكنّها على قدر من الأهمية؛ كإعادة عناصر "داعش" ممّن يحملون جوازات سفر أوروبية إلى بلدانهم، دون تنسيق مع الجهات الأمنية في تلك الدول، وتردّد في أوساط إعلام أمريكية وأوروبية أنّ لقاء أردوغان، بزعيم حركة حماس في قطاع غزة، إسماعيل هنية، جاء في إطار ترتيبات هدفت إلى إقناع حركة حماس بشنّ هجمات صاروخية ضدّ إسرائيل، وإفشال اتفاقات الهدنة التي تمّ إنجازها بين حماس وإسرائيل عبر وساطات مصرية.

اقرأ أيضاً: الميليشيات المسلحة في ليبيا: تآكل الدولة والسيادة وانسداد الآفاق

ومع تعدّد ملفات السياسة الخارجية التركية، إلا أنّ التدخّل في ليبيا يشكّل عنواناً للسياسة الخارجية التركية، ورغم الربط بين هذا التدخل والتدخل التركي في سوريا إلا أنّ هناك فروقات تظهر تناقضات في المقاربات التركية؛ فإذا كانت تركيا تدعم حكومة شرعية في ليبيا، فإنّ المجتمع الدولي ما يزال يعترف بحكومة الرئيس بشار الأسد، بوصفها الحكومة الشرعية، وإذا كانت تركيا تبرّر تدخّلها في سوريا بوجود حدود دولية تمتدّ لأكثر من 900 كيلومتر، وأنّ هناك منظمات إرهابية تهدّد أمنها القومي، فإنّها لا ترتبط بأية حدود مع ليبيا، وإذا كانت تركيا تمكّنت من إدارة تدخّلها في الملف السوري بتعاون مع الولايات المتحدة وروسيا ومع إيران، فمن الواضح في القضية الليبية أنّ أمريكا، وإلى حدّ ما روسيا، تقفان على الجانب المضاد لتركيا، خاصّة أنّ هناك قناعات أمريكية وروسية، إضافة إلى قناعات الأوروبيين ومعلوماتهم التي تؤكّد أنّ حكومة السراج "أسيرة لميليشيات إسلاموية جهادية" مرتبطة مباشرة مع القاعدة وداعش، وهو ما أوجد تحالفاً عنوانه الاتحاد الأوروبي والدول المطلة على البحر المتوسط، بما فيها مصر، التي تتعامل مع التدخل التركي بحساسية عالية؛ لأسباب مرتبطة بأمنها القومي.

اقرأ أيضاً: هل يطالب أردوغان بإنشاء "منطقة آمنة" في ليبيا؟

واضح أنّ تطورات الموقف في ليبيا بين قطبي الصراع في طرابلس وبنغازي، تشير إلى أنّ احتمالات التصعيد أكبر من احتمالات التوصّل إلى سلام، خاصة مع إصرار حكومة طرابلس على إنفاذ اتفاق تعاونها العسكري مع القيادة التركية، واستدعاء القوات التركية إلى ليبيا، وما تردّد حول نية الجيش التركي إنشاء قواعد عسكرية في ليبيا.

يتطلع أردوغان من معركته بليبيا تأكيد الدور الإقليمي بصيغة العثمانية الجديدة في مناطق شمال أفريقيا خاصة بعد خسارته السودان

يبدو أنّ أردوغان يخوض معركة ليبيا في ظلّ سياقات تشير إلى أنّها ربما تكون آخر معاركه في المتوسط، وأنّه يتطلع لتحقيق عدة أهداف من هذه العملية، أبرزها: تأكيد الدور الإقليمي بصيغة العثمانية الجديدة في مناطق شمال أفريقيا، خاصة بعد خسارته السودان، وتراجع دوره بالقرن الأفريقي، وضعف احتمالات وصول الإسلام السياسي للحكم بالجزائر، الحصول على حصة من النفط والغاز الليبي في ظلّ كون إمدادات الغاز الأوروبية والروسية تشكّل تحدياً إستراتيجياً دائماً لتركيا، والتفاوض مع الأوروبيين حول خلافاته معهم على التنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية لقبرص اليونانية، وامتلاك ورقة جديدة للضغط على الأوروبيين بعد ورقتَي اللاجئين السوريين، وإعادة العناصر الأوروبية التي تنتمي لـ "داعش" ممن ألقي القبض عليهم في سوريا، والردّ على التحالف الذي تشكّل مع قبرص واليونان ومصر حول التنقيب عن الغاز في المتوسط، إضافة لأسباب داخلية مرتبطة بمفهوم تصدير الأزمات الداخلية المتفاقمة، سياسياً واقتصادياً، وما يتردّد حول "إشغالات" للجيش التركي بمعارك خارجية، لضمان عدم تكرار محاولات الانقلاب.

ربما يراهن أردوغان على التأسيس لأوضاع ليبية على غرار إدلب، وصولاً لعقد صفقة مع الرئيس بوتين، تعيد لروسيا، التي كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع نظام القذافي، ما خسرته خلال الثورة الليبية، إلا أنّ علاقات روسيا بالولايات المتحدة حول ليبيا، إضافة لمصر والسعودية، ومع المشير حفتر، ربما تحول دون تلك الصفقة، التي يمكن أن يتيحها الطرف الآخر للرئيس بوتين، خاصة أنّ المواقف الروسية تجاه الإرهاب أكثر وضوحاً ومصداقية من مواقف الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: "إخوان" ليبيا وفوبيا الجيش

ورغم تعدّد سيناريوهات مآلات الأوضاع في ليبيا، بما فيها استمرار تعمّق المأزق الليبي، وتحوّلها إلى دولة فاشلة، إلا أنّ السيطرة العسكرية على أكثر من 90% من مساحة ليبيا من قبل الجيش الوطني الليبي، والرهانات على حسم المعركة عسكرياً في طرابلس من قبل الجيش الليبي، سيكون السيناريو الأبرز والأكثر احتمالاً، رغم عدم سهولة المعركة، خاصة مع القناعات الدولية، والأوروبية تحديداً، بأنّ الجيش الليبي يحارب جماعات إرهابية مسلّحة ومتطرفة في طرابلس.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية