من هم رجال تركيا في سوريا؟

من هم رجال تركيا في سوريا؟


23/12/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


على كلّ طاولة داخل مكاتب الفصيل المدعوم من تركيا في إحدى مناطق شانلي أورفا السّكنيّة، في جنوب تركيا، ينتصب علم تركيّ صغير. والرّجال القابعون في الغرفة، ومعظمهم من مقاتلي شرق سوريا القدامى، كانوا يتوقّعون قدومي وبذلوا قصارى جهدهم لوضع علمٍ ثوريّ سوريّ في الوقت المناسب لاجتماعنا في صيف عام 2019. لكنّهم لم يتمكّنوا من العثور على واحد. كلّ شيء يخصّ الاجتماع وموقعه وديكوره ومحتواه، أوضح لي أنّ الرّجال القابعين في الغرفة لم يكونوا أصحاب القرار. وقد أملوا في شنّ هجوم على شمال شرق سوريا، لكن لم يكن لديهم أيّ فكرة عن الوقت الّذي سيقوم فيه صانعو القرار، المسؤولون الأتراك، بمنحهم أوامر الزّحف العسكريّ.


لقد جاء تأسيس "الجيش السّوريّ الحرّ" المدعوم من تركيا، والمعروف أيضاً باسم "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، نتيجة تحوّل استراتيجيّ في موقع تركيا في سوريا. ففي السّنوات الأولى من الحرب الأهليّة، طمحت تركيا إلى طرد الأسد من السّلطة. وبعد تدخّل روسيا المباشر في الحرب، في أيلول) سبتمبر( 2015، تحوّل ميزان القوى بشكل حاسم لصالح نظام الأسد. ونتيجة لذلك، عدّلت تركيا طموحاتها ودفعت بمجموعة أضيق من المصالح. كان على رأس أولويّات أنقرة هدف منع دخول المزيد من الّلاجئين السّوريّين والرّغبة في قتال "وحدات حماية الشّعب الكرديّ"، المكوّن الرّئيس لـ "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة"، وهي المظلّة الّتي تضمّ أيضاً ميليشيات عربيّة وسريانيّة. وتُعدّ "وحدات حماية الشّعب الكرديّ" فرعاً، مقرّه سوريا، للحركة المسلّحة الّتي تستوحي تعاليم الزّعيم الكرديّ المسجون عبد الله أوغلان، والّتي تشنّ تمرّداً دمويّاً ضدّ تركيا منذ الثّمانينيّات. ونظراً لأنّ "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" عملت عن قرب مع الجيش الأمريكيّ في الحملة ضدّ داعش في سوريا، فقد راقبت أنقرة بقلق متزايد سيطرة الميليشيات الّتي يقودها الأكراد على مساحات شاسعة من ذلك البلد.

الهجرة الجماعيّة للمدنيّين خلال "غصن الزيتون" أتاحت للفصائل فرصة مربحة لمصادرة المنازل ثمّ الانتقال إليها أو تأجيرها

وبالفعل، في آب (أغسطس) 2016، قرّرت تركيا اتّخاذ إجراءات لمنع "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" من ربط مقاطعتين تحت سيطرتها، هما عفرين ومنبج، من مدن حلب النّائية، وطرد الجيوب المتبقّية من مقاتلي داعش من هذه المنطقة الحدوديّة. كانت تلك العمليّة، الّتي أطلق عليها اسم "درع الفرات"، هي الأولى الّتي نشرت فيها تركيا فصائل تابعة لها، من شأنها أن تصبح "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، تعمل بوصفها قوة داعمة إلى جانب الجيش التّركيّ. كما وظّفت عمليّة ثانية في أوائل عام 2018، أطلق عليها اسم "غصن الزّيتون"، هذه الفصائل لطرد "وحدات حماية الشّعب" من عفرين ووضعها تحت سيطرة تركيا وفصائلها السّوريّة. وانطلقت العمليّة الأخيرة، الّتي أطلق عليها اسم "ربيع السّلام" - على ما يبدو دون سخرية -، بعد أن أعلن الرّئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، انسحاب القوّات الأمريكيّة المتمركزة بالقرب من الحدود السّوريّة مع تركيا والّتي كانت تعمل مع "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة". وسعت تركيا إلى الاستفادة من فقدان "وحدات حماية الشّعب الكرديّ" حماية الولايات المتّحدة من خلال بدء عمليّة لطرد الميليشيات من شمال شرق سوريا.


بعد بدء الغزو الّذي قادته تركيا، اكتسبت هذه الميليشيات المدعومة من تركيا سمعة سيّئة بعد أن صوّر أعضاؤها في سلسلة من أشرطة الفيديو وهم يردّدون شعارات متطرّفة وينفّذون عمليّات إعدام ميدانيّة. وقد وصفهم مسؤول أمريكيّ بـ "البلطجيّة وقطّاع الطّرق". وأجبرت العمليّة التّركيّة الأخيرة قيادة "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" على دعوة قوّات النّظام السّوريّ إلى مساحات شاسعة من شمال شرق سوريا. وهكذا، ساعد هؤلاء المقاتلون، الّذين يقدّمون أنفسهم على أنّهم ثوريّون يقاتلون النّظام، الأسدَ على استعادة موطئ قدم له في منطقة شاسعة دون إطلاق رصاصة واحدة.

في حين تنتشر الانتهاكات بالمناطق الّتي يسيطر عليها "الجيش الوطنيّ السّوريّ" فإنّ الأكراد الّذين بقوا بعفرين يعانون بشكل خاصّ

لكن، من هم بالضّبط هؤلاء الـ 35,000 رجل سوريّ تقريباً الّذين يقاتلون لصالح تركيا في سوريا؟ لقد حافظتُ على اتّصال منتظم مع بعض هؤلاء المقاتلين منذ عام 2014. ومعظمهم من العرب السّنّة الّذين نزحوا من ديارهم خلال الحرب. والمقابلات المتعدّدة الّتي أجريتها عبر الهاتف والمراسلة الفوريّة ووجهاً لوجه في تركيا مع هؤلاء المقاتلين منذ عام 2014، تكشف أنّهم عُصبة مؤلّفة من عناصر مختلفة من الرّجال الّذين يعانون الصّدمة والفقر في كثير من الأحيان، والّذين يشعرون بأنّهم دُفِعوا إلى القتال نيابة عن تركيا لتحقيق مكاسب ماليّة. وينضمّ بعض هؤلاء المقاتلين إلى الفصائل المسلّحة من أجل السّرقة والنّهب، لكن أولئك الّذين لم يكن لديهم هذا الدّافع يدركون بشكل متزايد أنّ مصالح تركيا لا تتماشى مع آمالهم في الإطاحة بنظام الأسد؛ حيث تشير أنقرة إلى استعدادها التّعاون مع النّظام. هؤلاء الأفراد، كما وجدتّ، يكافحون - أمام أنفسهم ومجتمعاتهم - لعقلنة وتبرير تصرّفاتهم وانتماءاتهم إلى هذه الفصائل، الّتي يكنّ لها مواطنوهم السّوريّون كثير الاحتقار، لا سيّما المدنيّين الّذين يعيشون تحت حكمهم.

صنّاع القرار
باستثناء مناوشات قليلة، لم تقاتل الفصائل المدعومة من تركيا نظام الأسد. وتضمّنت العمليّات الثّلاث الّتي نفّذتها تركيا ترتيبات "تجنّب النّزاع" مع روسيا (وبالتّالي، نظام الأسد) قبل أن تبدأ. وتتواصل هذه التّرتيبات: فالمناطق الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطنيّ السّوريّ" لا تتعرّض للقصف على يد نظام الأسد أو روسيا، على عكس المناطق الّتي يسيطر عليها المتمرّدون. وفي حين أنّ حدود حلب الشّماليّة الّتي يسيطر عليها "الجيش الوطنيّ السّوريّ" تقع على الأراضي الّتي يسيطر عليها النّظام، فإنّ القوّة المدعومة من تركيا لم تشنّ أيّ هجوم مُجازٍ من تركيا ضدّ النّظام وخطوطها الأماميّة اتّخذت وضعيّة ثابتة.

بعض مقاتلي "الجيش الوطنيّ السّوريّ" لديهم آراء متعصّبة تتجلّى في تدنيس المعابد اليزيديّة وفرض الحجاب على النساء في عفرين

تحتفظ تركيا بالسّلطة على وكلائها فيما يتعلّق باستخدام القوّة في العمل العسكريّ. كما توفّر تركيا رواتب المقاتلين والتّدريب والإشراف خلال المعارك. وفي حديثٍ معي من نقطة تفتيش كان يحرسها في تلّ أبيض، وهي بلدة انتُزعت من القوّات الّتي يقودها الأكراد في الهجوم الأخير لـ "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، أوضح مقاتلٌ لدى فصيل تابع لـ "الجيش الوطنيّ السّوريّ" في إدلب يدعى "فيلق المجد"، سأدعوه محمّداً (غُيّرت أسماء جميع الرّعايا السّوريّين في هذه المقالة لحمايتهم من أيّ انتقام محتمل)، أنّ "المقاتلين هنا يشبهون الحمير في اتّباع أسيادهم. والقادة أيضاً حمير يتّبعون الأوامر التّركيّة، ولا يأبهون حتّى لو كان ذلك يضرّ بمصالح الثّورة [المعادية للأسد]".
وأكّد مازن، وهو متمرّد مخضرم من الرّستن، في ريف حمص الشّماليّ، يقاتل الآن في صفوف ميليشيا "الجبهة الشّاميّة"، وهي فصيل آخر تابع لـ "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، أنّ "جميع القرارات، كبيرة كانت أم صغيرة، داخل "الجيش الوطنيّ" تُتّخذ في غرفة العمليّات الّتي تديرها الاستخبارات التّركيّة". كما ردّد مازن كلام كلّ من أجريت معهم مقابلات في الإقرار بأنّ عمليّة اتّخاذ القرارات خارجة عن أيدي القادة السّوريّين أنفسهم. وقد خضع لتدريب على يد أفراد من الجيش التّركيّ في كلّ من تركيا وسوريا.

المقاتلون
المقاتلون المدعومون من تركيا هم مزيج من المتمرّدين السّابقين والمقاتلين الجدد. فقد اعتمدت تركيا على فصائل المتمرّدين السّوريين الموجودة بالفعل، والّتي تلقّى بعضها الدّعم فيما سبق من قيادة العمليّات العسكريّة الّتي تقودها وكالة الاستخبارات المركزيّة أو برنامج التّدريب والتّجهيز التّابع لوزارة الدّفاع الأمريكيّة. وكان البرنامج الّذي تديره وكالة الاستخبارات المركزيّة، والّذي أطلق عليه اسم "تيمبر سيكامور"، أُوقِف في أواخر عام 2017، في حين فشل برنامج التّدريب والتّجهيز في شمال غرب سوريا في عام 2015. وكان من بين الجماعات الّتي تلقّت دعماً أمريكيّاً في السّابق "الجبهة الشّاميّة" و"لواء حمزة" (والّتي اندمجت فيما بعد مع جماعات أخرى من المتمرّدين لتشكّل "فرقة الحمزة"). وتولّت تركيا دفع رواتب المقاتلين قبل عمليّة عام 2016 وزادت صفوفهم بشكل كبير. وقد نمت الفصائل في الحجم، من عشرات ومئات المقاتلين إلى الآلاف. وأكبر الجماعات المتمرّدة الّتي دُمجت في "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، الفصائل الّتي تشكّل "أحرار الشّرقيّة" و"جيش الإسلام"، لم تتمتّع بالدّعم الغربيّ.

يتعارض تقديم المقاتلين لأنفسهم على أنّهم ثوار يقاتلون نظام الأسد القمعيّ مع الواقع

هذا وقد تأسّست فصائل أخرى، خاصّة تلك الّتي تحمل أسماء عثمانيّة أو تركيّة، تحسّباً لعمليّة 2016. ويميل مجنّدو ما بعد عام 2015 إلى أن يكونوا أصغر سنّاً، ويجري إغواؤهم للانضمام إلى المعركة من خلال الأجور المعروضة. كذلك جُنّد الكثير منهم في سنّ صغيرة، وهم قُصّر، حيث كانوا لاجئين صغاراً يعيشون في تركيا ولم يكملوا التّعليم الابتدائيّ، الّذي تعطّل نتيجة الحرب.
يبدو أنّ غالبيّة المقاتلين اليوم من المجنّدين الجدد، دون أيّ خبرة سابقة في قتال نظام الأسد. وقدّر المقاتلون والقادة في صفوف "الحزب الوطنيّ السّوريّ" الّذين قابلتهم من أجل هذه المقالة أنّ المقاتلين الّذين انضمّوا إلى صفوف الفصائل في عمليّة 2016، ثمّ في حملة تجنيد أخرى قبل غزو عفرين عام 2018، يشكّلون 60 في المائة من القوّة. ويقول مصطفى، وهو قائد في "لواء حمزة" انضمّ إلى المعارضة المسلّحة السّوريّة في عام 2013 وهو في سنّ الرّابعة عشرة، إنّ هؤلاء المقاتلين - المعروفين، تهكّميّاً، بـ "ثوّار 2016" - "انضمّوا في الغالب للحصول على الرّواتب، وليس من أجل الثّورة".

اقرأ أيضاً: دواعش ضمن الفصائل السورية الموالية لتركيا... شهادات
والمقاتلون في "الجيش الوطنيّ السّوريّ" هم رجال من خلفيّات سُنّيّة متواضعة، شأنهم شأن المتمرّدين السّوريّين المعادين للأسد. وفقد جميعهم تقريباً منازل وأقارب وأصدقاء على يد نظام الأسد؛ ووقع لعدد قليل منهم خسائر مماثلة على يد داعش و"قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" الّتي يقودها الأكراد. وغالبيّتهم من النّازحين داخليّاً، من جميع محافظات سوريا. وهم يعيشون الآن في مساحة ضيّقة من الأرض على طول الحدود التّركيّة-السّوريّة. وفي حين يعيش 83 في المائة من السّوريّين الآن تحت خط الفقر المعتمد داخل البلاد (6 دولارات في اليوم)، فإنّ الأشخاص النّازحين معرّضون للخطر بشكل خاصّ: فهم منفصلون عن مصادر الدّخل التّقليديّة، مثل العمل في المزارع أو المتاجر المملوكة للأسرة، ولديهم شبكة دعم محدودة حيث يعيشون الآن، وحيث عليهم دفع الإيجار. وهذا يجعل النّازحين أكثر عرضة للانضمام إلى الجماعات المسلحة.

اقرأ أيضاً: التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا ليس الوحيد لكنه الأخطر
وعندما أنشأت تركيا لأوّل مرّة إطار العمل الخاصّ بفصائلها السّوريّة، قبل عمليّة "درع الفرات"، كانت الرّواتب المقدّمة للمقاتلين مرتفعة بشكل غير عاديّ: 300 دولار شهريّاً، تُدفع بالّليرة التّركيّة. وبمرور الوقت، انخفضت الرّواتب. بحلول بداية عام 2019، خفّضت الرّواتب إلى حوالي 100 دولار توزّع كلّ سبعة إلى ثمانية أسابيع. وهذا المعدّل، البالغ حوالي 50 دولاراً شهريّاً، غير كافٍ لتغطية حتّى الضّروريات الأساسيّة، ولذلك يتعيّن على المقاتلين عموماً الاعتماد على الحصول على القروض، ودعم أسرهم، والقيام بأنشطة إجراميّة مثل النّهب من أجل تغطية نفقاتهم. ووفقاً لمحاسب من فصيل تابع "الجيش الوطنيّ السّوريّ" يُعرف باسم "لواء المعتصم" والّذي تحدّثت معه، فإنّ القادة يحصلون على ما لا يقلّ عن 300 دولار شهريّاً.

فضاءٌ غير محكوم

ترتبط إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطنيّ السّوريّ" في شمال حلب والمناطق الّتي سُيطر عليها حديثاً في شمال الرّقة والحسكة ارتباطاً وثيقاً بتركيا. وتدفع تركيا رواتب المستشارين والمعلّمين والأطباء المحلّيّين، بالإضافة إلى رواتب الشّرطة المحلّيّة والشّرطة العسكريّة والفصائل المسلّحة. وبالرّغم من وجود قوّة شرطة عسكريّة في المنطقة، فإنّها غير قادرة إلى حدّ كبير على منع الانتهاكات الّتي تجري بحقّ المدنيّين على يد "الجيش الوطنيّ السّوريّ" أو الاقتتال الدّاخليّ بين الفصائل. إنّ الخروج عن القانون منتشر، ولم يواجه سوى عدد قليل جدّاً من المقاتلين تداعيات على أنشطتهم الإجراميّة. ويقول أيمن، الّذي يعمل لصالح الشّرطة العسكريّة في عفرين، إنّ عدداً من المقاتلين عوقبوا على قيامهم بالسّرقة أمام المحاكم العسكريّة، لكن عندما يتعلّق الأمر بالقادة، "فهذا مستحيل... لأنّ الفصائل أقوى من الشّرطة العسكريّة". وإذا حاولت الشّرطة اعتقال القادة "فسوف تقابل بالقوّة".

اقرأ أيضاً: الأطفال في إيران وسوريا وقود لأيديولوجيا الحرس الثوري
وبالرّغم من أنّ جميع العناصر المسلّحة في سوريا تورّطت في انتهاكات بحقّ المدنيّين، فإنّ مستويات الإجرام في المناطق الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطنيّ السّوريّ" مرتفعة بشكل خاصّ، وفقاً للمدنيّين الّذين تحدّثت معهم ويعيشون هناك، وكان الكثيرون منهم نزحوا من المناطق الّتي سيطر عليها المتمرّدون سابقاً واستعادها النّظام الآن. ويربط السّكّان المحلّيّون، وكذلك أعضاء "الجيش الوطنيّ السّوريّ" أنفسهم، هذا المستوى العالي من الإجرام بطبيعة الفصائل ونوع المقاتلين الّذين ينتمون إليها - أفراد تقودهم دوافع ماليّة، ويفتقر معظمهم إلى أيّ روابط مع المجتمع.


يكمل المقاتلون أجورهم الضّئيلة من خلال مخططات مختلفة. فالسّيطرة على نقاط التّفتيش الدّائمة بين المناطق الّتي يسيطر عليها "الجيش الوطنيّ السّوريّ" والمناطق الّتي يسيطر عليها المتمرّدون، ومناطق النّظام، والأراضي الّتي تسيطر عليها "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة"، تحظى بتقدير كبير باعتبارها مصدراً للإيرادات - ممّا يؤدّي إلى العديد من حلقات الاقتتال بين الفصائل. وخلال الهدنات غير المستقرّة الّتي تعقب جولات الاقتتال الدّاخليّة هذه، تقسّم الفصائل عموماً السّيطرة على المعابر فيما بينها، وتقسّم عمليّات السّيطرة في بعض الأحيان إلى ساعات يوميّاً أو بضعة أيّام متتالية. وعلى السّيّارات الّتي تمرّ عبر نقاط التّفتيش هذه دفع الأموال للحرّاس، إمّا نقداً أو بوسائل أخرى. وأولئك الّذين ينقلون الأدوية، على سبيل المثال، يدفعون للمقاتلين عن طريق إعطائهم جزءاً من البضائع الّتي يقومون بنقلها - والّتي عادة ما تكون حبوباً محفّزة مثل "التّرامادول" - كما أخبرني محسن، وهو متمرّد مخضرم من مدينة حلب يقاتل الآن في صفوف "لواء المعتصم".

اقرأ أيضاً: "حفريات" توثّق عمليات مصادرة ممتلكات الأكراد في سوريا وسرقة أعضائهم في أنقرة
وهناك خطط أخرى لجني الأرباح. فبالإضافة إلى نقاط التّفتيش المحدّدة، أنشأ المقاتلون أيضاً نقاط تفتيش مؤقّتة لابتزاز الأموال من المارّة. وكما يقول محسن، فإنّ قادة "الجيش الوطنيّ السّوريّ" يطلبون أيضاً أموال الحماية من الشّركات، "مثل وكلاء السّيّارات وأصحاب المطاعم وبائعي الذّهب وأصحاب المصانع. شأنهم شأن المافيا". وتختطف بعض الجماعات أيضاً المدنيّين، وعادةً ما يكونون أشخاصاً أثرياء أو لهم أقارب بالخارج، وتطالب بدفع الفدية.
وفي حين تنتشر الانتهاكات في المناطق الّتي يسيطر عليها "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، فإنّ الأكراد الّذين بقوا في عفرين يعانون بشكل خاصّ. فبعد كلّ عمليّة لـ "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، ينهب المقاتلون ممتلكات المدنيّين. وفي عفرين، في عام 2018، كان النّهب أكثر شمولاً وأكثر تنظيماً من المعتاد. وكما يقول منصور، وهو قائد في "الّلواء التّاسع"، أحد فصائل "الجيش الوطنيّ السّوريّ": "كان الكثير من الرّجال [من زملائي المقاتلين في 'الجيش الوطنيّ السّوريّ'] ينهبون، ولم أستطع إيقافهم. ولم يستطع الأتراك إيقافهم أيضاً. لقد ضربنا [الّلصوص] وأطلقوا النّار علينا". إنّ الهجرة الجماعيّة للمدنيّين خلال تلك العمليّة العسكريّة، وعدم قدرتهم على العودة، أتاحت للفصائل فرصة مربحة لمصادرة المنازل ثمّ الانتقال إليها أو تأجيرها للعائلات العربيّة النّازحة من جيوب كان يسيطر عليها المتمرّدون في أقصى الجنوب. وفي منطقة كانت فيما سبق ذات أغلبيّة كرديّة، لم يعد معظم السّكان، حسب سكّان عفرين، من الأكراد.


وقد أخبرتني دجلة، وهي امرأة كرديّة لا تزال تعيش في عفرين، أنّها شعرت بأنّها محظوظة. فبالرّغم من القبض عليها بعد فترة وجيزة من استيلاء "لواء السّلطان مراد" على المنطقة بدعم من تركيا، كما تقول، "بالكاد لمسني أيّ منهم، مقارنةً بالنّساء الأخريات المحتجزات معي". وتضيف: "لقد تعرّضت نساء في سنّ السّبعين من عمرهنّ للضّرب والتّعذيب". وتعزو حظّها الأفضل إلى كونها مُعارِضة معروفة لـ "حزب الاتّحاد الدّيمقراطيّ"، الحزب السّياسيّ المرتبط بميليشيا "وحدات حماية الشّعب الكرديّ"، الّتي حكمت المنطقة سابقاً. ومع ذلك، احتجزت دجلة لمدّة شهر.
وفي نهاية المطاف، عادت إلى عفرين الّتي وجدت أنّها تحوّلت - ونُهبت بشدّة. وتتابع: "الآن، 90 في المائة من النّساء الكرديّات يرتدين الحجاب، خائفات من التّعرّض للمضايقات. وقد تعرّضتُّ للمضايقة والتّهديد عدّة مرّات. وما زلت أخلع الحجاب في المدينة، لكن في الرّيف، حيث الوضع أسوأ، أرتدي الحجاب… يقوم مقاتلون في الثّالثة عشرة من عمرهم، كما يبدو، بتحذير النّساء من أجل ارتداء ملابس مناسبة، لكن في الوقت نفسه، يتعاطى هؤلاء المخدرات ويقومون بأشياء محظورة [دينيّاً]".

اقرأ أيضاً: تقرير: طموحات تركيا في سوريا خير دليل على اتباع أردوغان النهج العثماني للتغيير العرقي
يقول سامر، وهو صحافيّ من إدلب زار عفرين قبل وبعد الاستيلاء التّركيّ: "اعتادت عفرين أن تكون مكاناً مليئاً بالحياة. والآن، المتاجر تغلق مبكّراً. وترى كتابات على جدران الفصائل المختلفة، في إشارة إلى أراضي كلّ فصيل". ويعترف منتصر، وهو مقاتل من "فرقة الحمزة"، وهي جماعة متورّطة في انتهاكات متعدّدة في عفرين، بأنّ مثل هذه الانتهاكات شائعة، لكنّه ألقى بالّلوم فيها على الفصائل الأخرى. يقول: "يعاني المدنيّون على أيدي بعض الفصائل، بينما يعاملهم آخرون جيّداً. فـ "أحرار الشّرقيّة"، أعوذ بالّله، من المتطرّفين القذرين... ويضطّهدون المدنيّين كثيراً". وعبّرت دجلة عن الأمر على هذا النّحو: "إنّنا خائفون باستمرار. يمكنهم القبض علينا في أيّ لحظة. لا يوجد قانون".
والرّيف المحيط بعفرين يُعدّ أكثر الأماكن افتقاراً للقانون. تقول دجلة: "في الّليل، هناك عمليّات سطو". وتضيف: "يدخلون منزلك ولا يمكنك المقاومة. وهؤلاء الّذين يقاومون يتعرّضون للضّرب أو حتّى القتل". ولا توجد محاسَبة، كما تقول، لأنّ "الفصائل تهدّد وتضرب الأشخاص الّذين يتقدّمون بالشّكاوى، ولذلك يفضّل النّاس التزام الصّمت أو الفرار". ويُعدّ الاغتصاب جريمة حرب امتنعت جماعات المتمرّدين السّوريّين إلى حدّ كبير عن ارتكابها، لكن تقارير بشأن عمليّات اغتصاب ارتكبها مقاتلو "الجيش الوطنيّ السّوريّ" تنتشر بين الأكراد المحلّيّين ووسائل الإعلام الكرديّة. وممّا يثير القلق أنّ اثنين من أعضاء "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، هما قاسم ومحسن، أكّدا لي حدوث مثل هذه الحالات، ويمكنهما تسمية نساء كرديّات ويزيديّات معيّنات يعرفن من اغتصبهنّ من مقاتلي "الجيش الوطنيّ السّوريّ" في عفرين.

اقرأ أيضاً: العملية التركية في سوريا: هل ارتكب حلفاء تركيا جرائم حرب ضد الأكراد؟
يقول محسن، الّذي شارك في الهجوم على عفرين، إنّ السّكان المحلّيّين يكرهون ويخشون الفصائل. وبالإشارة إلى التّقارير المتعلّقة باغتصاب النّساء الكرديّات على أيدي المقاتلين التّابعين لـ "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، أقرّ أنّه في عفرين، "هناك اغتصاب جسديّ... ثمّ قاموا ['الجيش الوطنيّ السّوريّ'] باغتصاب قوميّتهم الكرديّة"، في إشارة إلى الحقوق الّلغويّة والثّقافية للأكراد، والّتي جرى التّراجع إلى حدّ كبير عنها تحت الحكم التّركيّ. ويتابع: "يجري اغتصاب حقوقهم". ونتيجة لذلك، "غادر معظم الشّباب المنطقة، والباقي، وهم أقلّية، يتكيّفون مع الوضع".

اقرأ أيضاً: "اللاعبون الكبار" في سوريا.. بين سيناريوهات التعاون والاصطدام
يبدو مقاتلو الفصائل التّابعة لـ "الجيش الوطنيّ السّوريّ" عموماً على دراية بصورتهم العامّة. يقول قاسم، أحد أعضاء "الجيش الوطنيّ السّوريّ": "تشعر بالحرج من الانتماء لهذا الجانب، خاصّة وأنّك لا تستطيع تغيير أيّ شيء". وسمعة بعض الفصائل، مثل "أحرار الشّرقيّة"، وهو فصيل مؤلّف من مقاتلين من شرق سوريا وخاصّة دير الزّور، سيّئة للغاية حتّى أنّ المدنيّين الّذين نزحوا من دير الزّور إلى مناطق "الجيش الوطنيّ السّوريّ" سمعتهم ملطّخة بالارتباط بهؤلاء المقاتلين. يقول خالد، وهو ناشط من شرق سوريا يعيش في مدينة الباب، موطن العديد من مقاتلي "أحرار الشّرقية": "في الّلحظة الّتي تتحدّث فيها بلهجة أهل دير الزّور، يفترض النّاس أنّك مع 'أحرار الشّرقيّة'".
وفي القرى الأصغر داخل المناطق ذات الأغلبيّة العربيّة والتّركمانيّة، كما في بلدة ماريا، يكون المقاتلون من المحلّيّين ويتعاونون مع السّكان، وفقاً لما ذكره أيمن، ضابط الشّرطة العسكريّة. لكن في أماكن مثل أعزاز والرّاعي وجرابلس، وكذلك الباب وعفرين، غالباً ما يكون المقاتلون من الغرباء، وفي هذه البلدات، تدير الفصائل سجون يشيع فيها التّعذيب. وتقوم قنوات شائعة على تطبيق المراسلة "تيليغرام"، مثل "الباب، الكابوس" و"جرابلس، الكابوس"، بمشاركة تقارير بشكل روتينيّ عن الانتهاكات الّتي ترتكبها الفصائل.

ما الّذي يحفّز المقاتلين؟

في الصّورة الرّسميّة العامّة، يقدّم مقاتلو "الجيش الوطنيّ السّوريّ" أنفسهم على أنّهم امتداد للثّورة السّوريّة ويطلقون على أنفسهم مسمّى "ثوريّين". وفي الأوساط الخاصّة، يتّهمون بحرّيّة أولئك الّذين يقاتلون إلى جانبهم بالقتال من أجل المال ببساطة، ويقرّ بعضهم بذلك، مبرّرين الأمر من خلال إدراج أسعار السّلع والإيجار والكهرباء والمياه الّتي يتعيّن عليهم دفعها لتوفير كلّ ذلك لعائلاتهم. وبينما لا يعترف أيّ منهم بالتّورط في مشاريع إجراميّة بأنفسهم، فإنّهم يتّهمون المقاتلين الآخرين في فصائلهم بالانضمام لسرقة المدنيّين والنّهب دون عقاب. يقول عبد الله، وهو مقاتل مع "لواء حمزة"، إنّ بعض المقاتلين "انضمّوا فقط... من أجل غنائم الحرب والمال". إنّ الانضمام إلى "الجيش الوطنيّ السّوريّ" يُعدّ أيضاً شكلاً من أشكال الحماية، وهو ذو قيمة في منطقة ينعدم فيها القانون.

مقاتل تابع لـ"الجبهة الشّاميّة":  مقاتلو "الجيش الوطنيّ السّوريّ" موظفّون لدى تركيا لحماية حدودها. الأتراك يستخدموننا علفاً لمدافعهم. لقد أصبحنا مرتزقة

ويقول محسن، المقاتل لدى "لواء المعتصم" في "الجيش الوطنيّ السّوريّ"، إنّ بعض المقاتلين ببساطة عبارة عن "مدمني مخدرات ومجرمين". والبعض الآخر مدفوع بحبّ السّلطة. ويستمتع المقاتلون الشّباب، على وجه الخصوص، بعرض مقاطع فيديو على وسائل التّواصل الاجتماعيّ تظهر قيادتهم لسيّاراتهم، وتصوّرهم ملوّحين بأسلحتهم فيما يقتحمون المناطق السّكنيّة في وقت متأخّر من الّليل، وفيما يطلقون النّيران، في استمتاع بحالة الإفلات من العقاب الممنوحة لهم. وما زال البعض الآخر مدفوعاً برغبة الانتقام من "وحدات حماية الشّعب الكرديّ"، ومن بينهم متمرّدون سابقون من مدينة حلب، والّتي كانت محاصرة في عام 2016 وكان سكّانها يتضوّرون جوعاً بسبب قرار "وحدات حماية الشّعب الكرديّ" قطع طريق الإمداد الوحيد إلى المدينة. وقد جاء ذلك بعد أعوام من القصف المتواصل بين الأحياء الّتي يسيطر عليها المتمرّدون و"وحدات حماية الشّعب الكرديّ"، في حين هُجّر آخرون من بلداتهم عندما استغلّت "وحدات حماية الشّعب الكرديّ" هجوم النّظام على حلب لتحقيق مكاسب خاصّة ضدّ المعارضة النّاشئة. وقرّر هؤلاء المقاتلون المتمرّدون من شرق سوريا أنّه من غير الآمن العودة إلى ديارهم بعد سيطرة "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" على الأراضي الّتي كانت تحت سيطرة داعش في السّابق.

اقرأ أيضاً: هكذا تضامن السوريون مع الثورة اللبنانية: قادمون لاستنشاق الحرية
تلعب العنصريّة المطلقة دوراً، أيضاً. فقد أثّرت الأيديولوجيا البعثيّة الرّسميّة لنظام الأسد، والّتي جعلت الأكراد مواطنين من الدّرجة الثّانية، على السّوريّين العرب ككلّ. كذلك، تُعدّ هيمنة "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" وإدارتها الّتي يسيطر عليها الأكراد مزعجة بشكل خاصّ للعرب، الّذين يشيرون في بعض الأحيان إلى الأكراد على أنّهم "ملمّعو أحذية" و"عمّال نظافة". وأفادت دجلة أنّ "أطفال المقاتلين العرب أخبروني في وجهي بأشياء مثل "إنّكنّ عاهرات، ونأمل أن تذهبن إلى الجحيم" و"سنقتل كلّ الأكراد"". وقد قطعت حديثها لتتأمّل قائلةً: "تخيّل، ما الكراهية الّتي يعلمونها لهم في البيت لكي يتحدّثوا على هذا النّحو"؟


لكن، هل "معظم" هؤلاء المقاتلين "من المتطرّفين"، كما زعم بعض المسؤولين الأمريكيّين؟ لقد أظهرت مقاطع فيديو حديثة مقاتلي "الجيش الوطنيّ السّوريّ" وهم يهتفون ويغنّون شعارات جهاديّة. ومن الواضح أنّ بعض مقاتلي "الجيش الوطنيّ السّوريّ" لديهم آراء متعصّبة - تتجلّى، على سبيل المثال، في تدنيس المعابد اليزيديّة في عفرين، وتدمير المتاجر الّتي تبيع المشروبات الكحولّيّة في عفرين، وفرض الحجاب على نساء عفرين. إنّ الخطاب الإسلامويّ، الّذي يتضمّن الإشارة إلى مقاتلي "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" على أنّهم "ملحدين" أو "مرتدّين"، قد أصاب مواقف بعض المقاتلين بوضوح. وعندما يُطرح السّؤال بشأن الهتافات ومقاطع الفيديو الجهاديّة، يدّعي المقاتلون (وأشخاص من مجتمعاتهم المحلّيّة) في كثير من الأحيان أنّهم ببساطة يقدّمون عرضاً ويتظاهرون بأنّهم محاربون مقدّسون، بينما هم في الواقع يشربون الخمر ويدّخنون ويتعاطون المخدرات.

اقرأ أيضاً: "حفريات" توثّق الانتهاكات التركية في سوريا: اعتقالات عشوائية وتحويل المدارس إلى سجون
"هذا الحديث عن وجود جهاديّين لا معنى له. ليس لدينا داعش هنا أو "هيئة تحرير الشّام" [الجماعة الجهاديّة الّتي تُخضع إدلب الّتي يسيطر عليها المتمرّدون]. فجميع الرّجال هنا يتعاطون الحبوب المحفّزة"، يقول محمّد، وهو مقاتل لدى "فيلق المجد"، لإثبات أنّ إخوانه في السّلاح غير أتقياء. وهناك وجاهة في هذا الحديث: إذا كان المقاتلون من المؤمنين الحقيقيّين الجهاديّين، فمن المحتمل أن يتوجّهوا إلى إدلب للانضمام إلى مختلف المنظّمات الجهاديّة العاملة في المنطقة لمواجهة القوّات "الكافرة" التّابعة لنظام الأسد.

تنافر إدراكيّ
يتعارض تقديم المقاتلين لأنفسهم على أنّهم ثوار يقاتلون نظام الأسد القمعيّ مع الواقع. فعوضاً عن ذلك، تجنّبت قوات "الجيش الوطنيّ السّوريّ" المواجهة مع نظام الأسد إلى حدّ كبير، ويبدو أنّها راضية عن استخدام تركيا لها لتعزيز أهدافها الاستراتيجيّة في سوريا. ولا يزال هناك عدد قليل منهم يأملون في أن تسمح تركيا لهم بمحاربة الأسد، أو أن يتمكنوا من خداع أسيادهم الأتراك للسّماح لهم بمحاربة النّظام. ويصرّ صالح، وهو عضو سابق في "لواء العشرين"، وهو فصيل تابع لـ "الجيش الوطنيّ السّوريّ" يتألّف إلى حدّ كبير من مقاتلين مشرّدين من شرق سوريا، على أنّ الغزو الحاليّ لشمال شرق سوريا سيمكّنهم من مواجهة الأسد، وأنّه حتّى إذا حظرت تركيا الأمر، فسوف يقاتلون قوّات النّظام. يقول لي بعد دخول شمال شرق سوريا مع القوات الغازية: "لا نهتمّ بما تقوله تركيا".


وبرّر آخرون العمل مع تركيا من خلال الإشارة إلى عدم وجود أيّ حلفاء محتملين آخرين. عصام، وهو عضو في "الجيش الوطنيّ السّوريّ" ينخرط في عمليّات إزالة الألغام، راسلني بعربيّة معطوبة من منزله في عفرين، والّذي صودر من عائلة كرديّة: "في الوقت الحالي، لا يقف أحد إلى جانبنا سوى تركيا. أين العرب؟ أين أوروبا؟ ولذلك يجب علينا أن نقف إلى جانب تركيا بالطّريقة الّتي تقف بها إلى جانبنا". وبعد بضعة أيّام، بعد أن صرّح الرّئيس التّركيّ، رجب طيّب أردوغان، أنّ تركيا لا تعارض استيلاء النّظام على مناطق في شمال شرق سوريا، قال بحزن شديد إنّ "[الجيش الوطنيّ] السّوريّ سيحمي الحدود التّركيّة فقط. هذه هي المهمّة... في أرضنا، لا  قرار لنا".

يبدو أنّ قوات "الجيش الوطني السوري" راضية عن استخدام تركيا لها لتعزيز أهدافها الاستراتيجيّة في سوريا

لكن المقاتلين الآخرين يبدون أكثر إدراكاً لعجزهم التّأثير على مسار الحرب، ناهيك عن تحقيق هدفهم المتمثّل في الإطاحة بنظام الأسد. ومع ذلك، يشعرون بأنّهم محاصرون بواجب إعالة أسرهم. وقد أعرب العديد من مقاتلي "الجيش الوطنيّ السّوري"، ولكن ليس القادة، ممّن تحدثت إليهم، عن رغبتهم في الاستقالة من الفصائل - إذا كانت هناك وظائف أخرى متوفّرة - سواء لأنّهم يشعرون بعدم الارتياح إزاء القتال نيابة عن بلد آخر أو لأنّهم غير راضين عن التّعويضات الضّعيفة. والحقيقة القاسية الّتي يواجهها هؤلاء الشّباب النّازحون ذوو التّعليم والمهارات المحدودة، هي أنّ هناك القليل من الفرص الأخرى في هذه المنطقة الّتي مزّقتها الحرب.
"لقد رُحّلت من تركيا إلى إدلب، ولأنّ "هيئة تحرير الشّام" تطلبني لمعارضتهم، اضطّررت إلى الفرار إلى شمال حلب"، يوضّح حسن، أحد سكّان دير الزّور. ويضيف: "الوظيفة الوحيدة الّتي استطعت العثور عليها كانت مع "أحرار الشّرقيّة'". ونتيجة لذلك، شارك في الهجوم التّركيّ الأخير وشهد زملاءه المقاتلين الّذين نفذوا عمليّات إعدام ميدانيّة، بما في ذلك عمليّة إعدام السّياسيّة السّوريّة الكرديّة وناشطة حقوق المرأة هفرين خلف".
بالنّسبة إلى العديد من هؤلاء الشّباب، الّذين يدركون مأزقهم وغير القادرين على خداع أنفسهم بأنّه سيسمح لهم في نهاية المطاف بمواجهة نظام الأسد، فإنّ الصّدمة والذّنب واضحان للغاية. لقد أمضوا بشغف ساعات على الهاتف معي، وأوردوا تفاصيل العنف والإساءات الّتي رأوها. كان الاشمئزاز واضحاً في أصواتهم - فقد لجأوا غالباً إلى استخدام صيغة الشّخص الثّالث عند وصف تصرّفات الفصائل، وفصلوا أنفسهم عن ذلك. مازن، وهو مقاتل تابع لـ "الجبهة الشّاميّة"، يقول: "إنّهم [مقاتلو "الجيش الوطنيّ السّوريّ"] موظفّون لدى الدّولة التّركيّة لحماية حدودها". ثمّ ينتقل إلى صيغة المُتحدِّث: "الأتراك يستخدموننا علفاً لمدافعهم. لقد أصبحنا مرتزقة".


إليزابيث تسوركوف، النيويورك ريفيو أوف بوكس
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://www.nybooks.com/daily/2019/11/27/who-are-turkeys-proxy-fighters-in-syria/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية