بعد هزات 2019 ما الذي ينتظر إيران في 2020؟

بانوراما 2019

بعد هزات 2019 ما الذي ينتظر إيران في 2020؟


29/12/2019

كان 2019 عاماً قاسياً آخر، مضى يجر أذيال خيبات جمّة، تعيشها بلاد فارس منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979. تفاقمت التحديات هذا العام في ظل موجة العقوبات الأمريكية الأخيرة التي وصفت بأنّها الأشد، بين موجات العقوبات التي عرفتها إيران في تاريخها المليء بالعقوبات. وارتبطت معظم الأنباء السيئة بارتفاع مستوى الفقر، وارتفاع وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية الناتجة عن الأسباب الاقتصادية، وتقاطع أزمات الهوية والبيئة.

شهد القطاع النفطي الإيراني انهيارات متتالية العام 2019، على صعيد الصادرات أو الاستهلاك الداخلي أو حتى الإنتاج

في مطلع 2019، أعلنت الإدارة الأمريكية أنّها لن تقوم بتمديد فترة الإعفاءات للبلدان الثمانية التي كانت قد أعفتها من العقوبات المفروضة على شراء النفط الإيراني بعد نيسان (أبريل) 2019؛ ما عنى أنّ كل من يشتري النفط الإيراني بعد هذه الفترة سيتعرض لعقوبات، أكد مستشار الرئيس الأمريكي، جون بولتون، وقتها، أنّها تصل إلى 20 عاماً من السجن. وبعد أشهر قليلة، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية حزمة عقوبات استهدفت قطاع البتروكيماويات الإيراني شملت الشركة الأكبر العاملة في القطاع، وهي مجموعة "خليج فارس للبتروكيماويات" التابعة للحرس الثوري، و38 شركة أخرى تدور في فلكها. وعلى مدار العام، واصلت وزارة الخزانة الأمريكية إضافة مزيد من القطاعات والأسماء والكيانات إلى قوائم العقوبات. أكدت هذه الخطوات حزم الإدارة الأمريكية في العمل من أجل تغيير سلوك النظام الإيراني. وأشار المكلّف بالملف الإيراني في واشنطن، برايان هوك، إلى ضرورة وقف المشاريع التوسعية الإقليمية لإيران.

ساد اعتقاد قوي في طهران بأنّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحاول دفع إيران نحو الخروج من الاتفاق النووي من أجل حصول على إجماع عالمي ضدها. وبالمقابل فإنّ الرأي الغالب في الأوساط السياسية الإيرانية، هو أن يتخذ النظام الإيراني سياسة "الصبر الاستراتيجي" المبنيّ على تحمل الضغوط خلال الفترة المتبقية من ولاية ترامب، في انتظار ما تحمله الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، والتي يتطلع الإيرانيون إلى فوز مرشح ديمقراطي فيها. وفي إطار هذه السياسة واصل الإيرانيون التزامهم بالاتفاق النووي، رغم أنّه لم يعد يحمل لهم المصالح بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. ومقابل هذه السياسة الإيرانية أمكن تفسير الخطوات الأمريكية في إطار الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على النظام الإيراني بغية تعديل سلوكه الإقليمي عبر حشد الرأي العام الإيراني؛ كما أنّها تأتي من أجل إيجاد قطيعة داخل الخط الحاكم في إيران حول الحوار مع الولايات المتحدة، أو بالأحرى تعميق القطيعة الموجودة بهذا الخصوص، وترجيح كفة الجماعات التي تدعم بدء الحوار مع الولايات المتحدة من خلال العمل على ارتفاع السخط الشعبي، وارتفاع وتيرة المطالبة بالانفتاح على العالم تماماً مثلما حدث نهاية فترة حكم أحمدي نجاد، وأدى إلى حوار مع الغرب في بداية فترة ولاية روحاني.

شهد 2019 تطوراً لافتاً على صعيد التحرك السياسي والاجتماعي في إيران تمثل برفع شعارات ترفض الانتماء للتيارين الإصلاحي والمحافظ

وعلى الرغم من حديث المسؤولين الإيرانيين المتكرر عن توفر طرق لضمان بقاء مبيعات النفط الإيرانية عند مستوى مليون برميل يومياً، فإنّ مجريات الأمور، ومواقف الزبائن الرئيسيين، بينت أنّ النظام الإيراني لم يستطيع إبقاء مبيعاته عند هذا المستوى، وتراوحت صادرات النفط الإيرانية خلال 2019 بين (400 – 600 ألف برميل يومياً).
ولم يقتصر الأمر على تراجع كميات النفط المصدرة فحسب، بل برزت إشكالات أخرى؛ اضطرت طهران إلى بيع نفطها بأسعار منخفضة، بغية الحصول على زبائن. وهو ما جعل سعر 55 دولاراً للبرميل هو السعر الأقرب إلى الواقع. وبرزت إشكالية ما يسمى "بكلفة نقل الدولار إلى الاقتصاد الإيراني" التي قدّرها المحافظ السابق للمركزي الإيراني ولي الله سيف بنحو 15 في المائة من القيمة المراد نقلها، وبالتالي ازدادت القناعة بأنّ الأسعار الحقيقية المفترضة لبرميل النفط الإيراني لم تتجاوز مستوى 40 دولاراً.

جعل هبوط الإيرادات النفطية والبتروكيماوية يد الحكومة مقيدة في تطبيق واحد من أهم برامجها، وهو توفير 14 مليار دولار لتأمين البضائع الأساسية بالسعر المدعوم (4200 تومان للدولار)؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار البضائع الرئيسية، واتساع رقعة الفقر في المجتمع، ورفع من مؤشرات عدم الاستقرار الداخلي. وفي ظل العجز الناتج عن هبوط الإيرادات النفطية، والبتروكيماوية، أعلنت بعض مراكز الدراسات الإيرانية عن مجموعة طرق للتصدي لأزمة العجز الناتجة عن العقوبات المفروضة على قطاع النفط. وجمعت هذه الطرق بين خفض الإعفاءات الضريبية، وفرض مزيد من الضرائب على الطبقات الغنية، وعلى الوحدات السكنية الخالية، ورفع الحد الأدنى من السعر المدعوم لتسعير البضائع الأساسية، وفرض ضرائب على من يشترون الذهب والدولار، وبيع ممتلكات حكومية، وخفض الدعم المقدم لصناديق التقاعد. وفي منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، اتخذت الحكومة الإيرانية قراراً برفع أسعار الوقود بنسبة تتراوح بين 50 و200 في المائة؛ ما تسبب في موجة احتجاجات واسعة النطاق. تسبب القرار في مضاعفات اقتصادية شملت ارتفاع معدلات التضخم العام، والتضخم في السلع الأساسية والغذائية؛ حيث تراوح التضخم بين 64 في المائة (على صعيد التضخم العام) وبين 81 في المائة (على مستوى تضخم المواد الأساسية). وتسبب القرار أيضاً بخسائر في سوق الأسهم، وسوق التجارة الإلكترونية نتيجة انقطاع الإنترنت لعدة أيام. وكما توقع الخبراء تكررت موجات الاحتجاج الاجتماعي العنيفة فور صدور القرار مخلفة خسائر بشرية ومادية مرعبة.


كان عام 2019 قد شهد تطوراً لافتاً على صعيد التحرك السياسي، والاجتماعي في إيران تمثل في رفع شعارات ترفض الانتماء للتيارين السياسيين الأساسيين (التيار الإصلاحي والتيار المحافظ)؛ ما يعني انهيار المرجعيات السياسية التي تتحكم في الرأي العام، وتستطيع توجيهه. وظهور مرجعيات جديدة خارجة عن هيمنة الثنائي السياسي التقليدي. ودفع هذا الأمر بعض الوجوه (منهم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي) إلى التحذير من احتمال العزوف الشعبي عن المشاركة في أية انتخابات مقبلة، في ظل عزوف المجتمع عن المرجعيات السياسية التقليدية، وفشل النظام في تلبية المطالب الشعبية.

تظهر ميزانية 2020 أنّ طهران لم تتكيف مع فقدان الإيرادات النفطية وستحتاج الحكومة لاتخاذ تدابير مؤلمة لتحقيق التوازن بالاقتصاد

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في إعادة توجيه الرأي العام خلال الأعوام الأخيرة. وبينما تشير أرقام رسمية إلى أنّ التلفزيون الرسمي لا يزال يتمتع بموقع الصدارة في قائمة مرجعيات الأخبار، فإنّ شبكات التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية باتت منافساً قوياً له، باستقطابها نحو 31 في المائة من المجتمع، فيما ترتفع هذه النسبة لتكون عند 70.6 في المائة في فئة الشباب. مجموع تلك التحديات التي واجهها المجتمع الإيراني، والمرشحة للتفاقم خلال الأعوام المقبلة إلى جانب التطور في خريطة القوى الاجتماعية، والسياسية المؤثرة في الساحة الإيرانية، والتطور في آليات التأثير على عقلية المجتمع، وآليات توجيه المجتمع، جعل إيران أمام وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي من شأنه أن يبلور اتجاهات جديدة على الصعيد السياسي، وأن يؤدي إلى اتخاذ النظام الإيراني أساليب جديدة لحشد الرأي العام، ومعالجة مشكلة الشعبية.

خريف فارسي
قبل ذلك كانت إيران على موعد صعب مع موجة احتجاجات واسعة النطاق شهدتها ساحات العراق ولبنان مطالبة بتغيير النظام السياسي في البلدين. بدت إيران معنية تماماً بهذه الاحتجاجات؛ بل هناك من يذهب إلى أنّ الاحتجاجات موجّهة بالأساس ضد النفوذ الإيراني. المؤرخ الأمريكي ديفيد روزنبرغ زعم أنّ: ما يحدث في العراق ولبنان ليس ربيعاً عربياً، وإنما هو خريف فارسي، يقود إمبراطورية الفوضى الإيرانية المزعومة إلى زوال.

اقرأ أيضاً: إيران ترمم أخطاءها في الإقليم... بمزيد من الأخطاء

جاءت الاحتجاجات في وقت كثر فيه الحديث عن الضغط الدولي على إيران لوقف مشروعها التوسعي الإقليمي، إلى جانب وقف البرنامج النووي، ووقف برنامج الصواريخ الباليستية؛ ما دفع بدوره عدة مصادر، ومنها مراكز تفكير إيرانية إلى التأكيد على أنّ الاحتجاجات، حتى وإن لم تكن بفعل أجنبي، فإنّ جهات دولية تذكي نارها للضغط على إيران في هذا الاتجاه، وللحد من نفوذ إيران في بلدين عربيين. أحدثت الاحتجاجات شرخاً في الهيمنة الإيرانية على فئات صاعدة من الشيعة في المنطقة، وخلقت فرصة لابتعاد المجتمعات الشيعية العربية عن النفوذ الإيراني. ولفتت أنظار العالم إلى تغير واضح في مكانة إيران داخل المنظور الشيعي، وتحولها من الدولة الحامية للوجود الشيعي إلى الدولة المحتلة أو المهيمنة.

المؤرخ الأمريكي ديفيد روزنبرغ: ما يحدث في العراق ولبنان ليس ربيعاً عربياً، وإنما خريف فارسي

ولا شك، يمكن الربط بين حالة السخط الاجتماعي الذي تعيشه المكونات الشيعية داخل البلدين وبين الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها إيران، بداعي العقوبات؛ ما أدى إلى انخفاض مستوى الدعم الذي تقدمه إيران للميليشيات الحليفة ولمجموعة مناصريها من القاعدة الشعبية. ويعني ذلك أنّ استمرار الضغط الاقتصادي على إيران، لا يؤدي فقط إلى انخفاض قوة هذه الميليشيات ونشاطها، وإنما يؤدي إلى ارتفاع السخط الشعبي الشيعي من النظام الإيراني. ويمكن أن تؤدي الاحتجاجات دوراً فاعلاً في إجهاض المحاولات الإيرانية لتكرار تجربة الحرس الثوري، أو تجربة حزب الله اللبناني في العراق.

في لبنان، مارست طهران ضبط النفس، وتحدث حزب الله على الحفاظ على الشراكات القائمة مع الرئيس عون، وشركائه السنّة. أصبحت طهران تنظر إلى ضخ الأموال في الاقتصاد اللبناني كأولوية، وقد تبحث -لأجل ذلك- عن مصادر مالية مُحتملة مثل قطر. وسعت إلى توجيه رسالة بسيطة إلى اللبنانيين مفادُها أنّ الفساد هو جوهر مشاكلهم، لكن حزب الله غير مُذنب في ذلك.

حصيلة الاحتجاجات الدامية في إيران 2019

بحسب آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية، صدر في كانون الأول (ديسمبر) 2019، فإنّ 304 أشخاص، على الأقل، قتلوا وأصيب الآلاف خلال الفترة بين 15 و18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ حيث "سحقت السلطات الإيرانية الاحتجاجات باستخدام القوة القاتلة". وقال التقرير إنّ السلطات تقوم "بحملة قمع" عقب المظاهرات من أجل تخويف الناس حتى لا يتحدثوا عما حدث. فيما قالت الأمم المتحدة إنّ لديها معلومات تشير إلى أنّ من بين القتلى 12 طفلاً على الأقل. وكانت منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة قدّرتا في وقت سابق من الشهر الجاري عدد القتلى بـ 208، لكن الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون إيران قال إنّ العدد قد يصل إلى ألف قتيل.

اقرأ أيضاً: الهيمنة الإيرانية تنتكس في مواقع نفوذها!
وبعد مرور أسبوعين على الاحتجاجات أعلن محافظ العاصمة طهران اعتقال 2021 شخصاً في هذه المحافظة على خلفية الاحتجاجات، بينما أعلنت السلطات اعتقال 136 شخصاً في الأحواز، جنوب إيران، والتي شهدت معارك قوية، أكدت "نيويورك تايمز" أنّها خلّفت ما لا يقل عن 130 قتيلاً في مدينة واحدة من مدنها. هذا فيما أعلنت السلطات أنّها اعتقلت في الأحواز ذاتها 63 شخصاً بداعي امتلاك السلاح.

موازنة 2020 تعكس عمق الأزمة الاقتصادية

أعلنت الحكومة في آب (أغسطس) 2019 إعادة النظر في موازنتها للعام الجاري من خلال خفض التكاليف بنسبة 18 في المائة، وخفض التوقعات ببيع النفط من 1.5 مليون برميل حتى 300 ألف برميل، إضافة إلى رصد مصادر إيرادات جديدة من خلال الاستقراض واستنفاذ مصادر صندوق الادخار الوطني. وفي الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2019، قدم الرئيس حسن روحاني ميزانيته المقترحة للسنة الإيرانية 2020/2021 إلى مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان). وعلى الرغم من الخطاب الوردي للحكومة، أظهرت اقتراحات النفقات التي قدّمها روحاني عمق الأزمة العصيبة التي تواجهها الجمهورية الإسلامية.

اقرأ أيضاً: التهديد الإيراني المراوغ

تظهر الميزانية الجديدة أنّ طهران لم تتكيف بالكامل مع فقدان الإيرادات النفطية. وستحتاج الحكومة إلى اتخاذ تدابير إضافية مؤلمة لتحقيق التوازن في الاقتصاد. وعلى الرغم من كل الحديث عن "اقتصاد المقاومة"، تواصل طهران في الاعتماد إلى حد كبير على الصناعات النفطية والصناعات المرتبطة بالنفط (مثل البتروكيماويات). وإذا أرغمت العقوبات الأمريكية إيران على بيع النفط بأسعار مخفّضة بشكل كبير، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى تقويض الإيرادات الحكومية بنفس القدر تقريباً كما لو كانت إيران عاجزة عن تصدير هذا النفط على الإطلاق.

وبينما يقترب موعد الانتخابات البرلمانية المحدد في 21 شباط (فبراير) 2020 بسرعة، كانت التوقعات تتجه إلى أن يطلق خطاب روحاني حول الميزانية موسم الحملة الانتخابية عبر إعلان بنود ترضي الناخبين قُبَيل الانتخابات، إلا أنّ روحاني لم يقم بأي شيء من هذا القبيل. اقترح روحاني الإبقاء على المدفوعات النقدية الشهرية المقدمة إلى الفقراء بأقل من 4 دولارات للشخص الواحد وفقاً لسعر الصرف الرسمي، أو حوالي دولار واحد بسعر السوق الحرة. وقد تنخفض الرواتب المراعية للتضخم في عام 2020/2021 بمقدار الثلث مقارنة ببداية هذا العام، وهو واقع لن يساعد روحاني على الحصول على المزيد من الأصوات في انتخابات شباط (فبراير) المقبل. وأظهر خطاب روحاني الميزانية أنّ الحكومة تتبنى سياسة نقدية خطيرة، فلا ذكر لأي محاولة إنقاذ للنظام المصرفي المفلس بالفعل. بل على العكس من ذلك، تعتمد الميزانية الجديدة على "نقل الأصول المالية" لتأمين ربع تمويلها عبر اقتراض مبالغ طائلة محلياً، إما عن طريق تخفيض الأموال التي يمكن إيداعها في المصارف، أو الاقتراض المباشر منها. وكلاهما من شأنه أن يُجهد النظام المصرفي الذي شارف على الانهيار.

اقرأ أيضاً: حزب الله وإيران: أزمة تحالف

وتبدو سياسات روحاني الضريبية أفضل قليلاً، لكنّ تقديراته لعائدات الضرائب متفائلة إلى حدّ كبير، ولم يشر الرئيس في خطابه إلى مسألة التصدي لمشاكل التهرب الضريبي والإعفاءات. ويُقدر رئيس "هيئة الضرائب الإيرانية"، اميد بارسا، بأنّ 40٪ من الكيانات الاقتصادية في البلاد معفيّة من جميع الضرائب.

حاول الرئيس روحاني خلق أخبار جيدة عبر إعلانه أنّ التضخم قد انخفض من 52 في المائة إلى 27 في المائة. لكن طريقة احتساب التضخم التي لجأ إليها الرئيس جلبت له السخرية. وأفاد "المركز الإحصائي الإيراني" أنّه اعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر)، ارتفعت الأسعار بنسبة 41٪ على مدار الاثني عشر شهراً الماضية مقارنة بالعام السابق. وافترضت الميزانية الجديدة أنّ صادرات النفط الإيرانية ستصل إلى ما يقرب 500،000 برميل يومياً بسعر حوالي 60 دولاراً للبرميل الواحد. من حيث الأرقام، تزيد الميزانية الجديدة بحوالي 14 في المئة عن ميزانية العام الماضي بمجموع يقدر بحوالي 484 مليار تومان. ومع ذلك، ومع تضخم يُقدّر بنسبة 40 في المئة، فإنّ الميزانية فعلياً هي أقل من ميزانية العام الماضي. ونتيجة التضخّم، فإنّ الزيادة بنسبة 15 في المئة على رواتب موظفي الدولة لن تُسهم في تحسين صورة حكومة روحاني. وثمة جانبان آخران بارزان في الميزانية، وهما التفاؤل الكبير بشأن تحصيل الضرائب، والآمال الكبيرة في إمكانية اقتراض الأموال من المودعين المحليين. ويمكن أن يثبت بسهولة خطأ كلا الفرضيتين. ومن خلال عرض ملامح الموازنة الإيرانية للعام المقبل يمكن ملاحظة أنّ هذه الموازنة ستكون موازنة التآكل الذاتي؛ إذ تميل الحكومة فيها إلى أن تقتات من مصادرها الذاتية، وأن تأكل من جسدها في ظل عدم توفر موارد يمكن التعويل عليها. ونماذج هذا التآكل الذاتي هو استناد الحكومة في موازنتها على بيع شركاتها، وأصول أموالها من أجل الصمود في وجه الأزمة. وستكون موازنة العام المقبل أشبه بمحاولة تأجيل الانهيار عبر دحرجة الموازنة نحو عام إضافي؛ إذ تريد الحكومة بذل كل ما في وسعها لكي تكتسب عاماً إضافياً من الصمود من خلال دفع الانهيار عاماً إلى الوراء. وفي ظل كل ذلك، فإنّ موازنة العام المقبل ستكون موازنة انكماش قوي من خلال برامج ضبط الإنفاق، والتراجع عن مشاريع البنى التحتية، وتوقف مشاريع خلق فرص العمل؛ ما من شأنه أن يؤدي إلى موجة ركود قوية وبطالة متنامية. وستكون موازنة العام المقبل موازنة تضخم بامتياز؛ إذ تتجه الحكومة نحو زيادة الضرائب، وزيادة أسعار السلع الأساسية، وإصدار النقد الإلزامي. ويبين مجموع ذلك أنّ العقوبات بدأت تترك أثرها الواقعي على الاقتصاد الإيراني الذي بدأ يتآكل.

توقعات مبيعات النفط بين عامين

شهد القطاع النفطي الإيراني انهيارات متتالية على مدار العام 2019، سواء كان ذلك على صعيد الصادرات أو على صعيد الاستهلاك الداخلي أو حتى الإنتاج. فقد استمرت وتيرة انخفاض الصادرات الإيرانية، بعد انتهاء المهلة الأمريكية للدول في نيسان (أبريل) الماضي، ثم خروج الهند بشكل نهائي من قائمة زبائن النفط الإيراني. وتشير التوقعات إلى احتمال توقف الشركات الصينية أيضاً عن استيراد النفط الإيراني بشكل نهائي مطلع العام المقبل 2020؛ إذ واصلت الشركات الصينية خلال الفترة المنصرمة استيراد النفط الإيراني في إطار تسوية استثمارات صينية بقيمة 5 مليارات دولار في قطاع النفط الإيراني دون أن تضطر للدفع مقابل وارداتها من النفط، لكنّ الصادرات إلى هذا البلد ستنخفض بشكل حاد مع اقتراب نهاية تأدية هذه الديون. وتوقفت بعض الشركات الروسية عن مشروع تبادل النفط مع إيران؛ ما سبب انخفاضاً بنحو 20 حتى 30 ألف برميل في صادرات إيران اليومية. وإذا أضفنا إلى ذلك العقبات التي تقع على سبيل تصدير النفط إلى سوريا، فإنّ استمرار انخفاض صادرات النفط الإيرانية بمعدلات أكبر بقليل سيكون وارداً خلال العام المقبل.

قد تشهد إيران خلال العامين المقبلين ظروفاً سياسية واقتصادية صعبة وستمرّ في حالة انتقال سياسي من روحاني لرئيس آخر

حاولت إيران التعويض عن وتيرة الانخفاضات من خلال بيع نفطها في الأسواق الرمادية، ومن خلال تهريب النفط. لكن كلفة النقل، وانخفاض الأسعار في الأسواق الرمادية، كما في أسواق التهريب جعلت فائض الربح قليلاً جداً؛ ما جعل عملية تصدير النفط غير مجدية رغم انخفاض كلفة استخراج النفط في إيران. ولذلك تركزت جهود إيران على استكمال طريق يصل بينها وبين سوريا مروراً بالعراق؛ لتضمن بقاء حجم بسيط من صادرات النفط، والمنتجات النفطية عبر الشحن البري. وحاولت الحكومة بيع النفط إلى القطاع الخاص الإيراني من خلال عرضه في البورصة، أو من خلال تقديمه مقابل ديونها المستحقة للقطاع الخاص. كما بدأ الإنتاج الإيراني بالانخفاض بسبب امتلاء مخازن إيران، البرية والبحرية، التي تستوعب جزءاً من فائض الإنتاج لفترة من الزمن. وتأثر الإنتاج الإيراني من النفط بسبب نقص التقنيات المتاحة للاستخراج في ظل العقوبات.

هل انتهى شهر العسل الإيراني-الأوروبي؟

أظهر الجدل السياسي والاقتصادي بين إيران والاتحاد الأوروبي خلال 2019، أنّ ما يسمى "شهر العسل" في العلاقات الأوروبية الإيرانية شارف على نهايته؛ ما ينذر بأزمة شاملة على صعيد الخلافات بين الجانبين. ومع ذلك، لا يزال التباين واضحاً بين مقاربة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمسألة الإيرانية. بدأت بوادر التوتر الأخير في العلاقات بين إيران والأوروبيين في تشكيك الإيرانيين بجدية الاتحاد الأوروبي وقدرته على تحدي العقوبات الأمريكية. برز التوتر والتطور السلبي في العلاقات الأوروبية الإيرانية في عدة أزمات بين إيران وبلدان في الاتحاد الأوروبي؛ ما أدى إلى تصعيد شامل في العلاقات الأوروبية الإيرانية. وتمحورت الخلافات حول ثلاثة محاور أساسية، هي: الملف الصاروخي، وملف الإرهاب الرسمي الإيراني، وملف حقوق الإنسان. ومن بين مراكز صنع القرار في طهران يبرز دور الحرس الثوري في محاولة قلب طاولة الاتفاق النووي. فكل الملفات التي أدت إلى التصعيد في اللهجة الأوروبية تجاه إيران كانت من فعل الحرس الثوري. وتلوح طهران بالمساس بالأمن الأوروبي في حال انهيار الاتفاق النووي من خلال ثلاثة محاور: محور المخدرات، ومحور المهاجرين، ومحور التصعيد الإقليمي.

آلية الدفع المالي الأوروبية "إنستكس" بلا نتائج ملموسة

قدم الثلاثي الأوروبي المشارك في الاتفاق النووي آلية مالية متمثلة في مؤسسة يطلق عليها اسم "أداة دعم المبادلات التجارية" أو "إنستكس"  (INSTEX)  لتسهيل التعاون التجاري مع إيران في ظل العقوبات الأمريكية. وتعمل "إنستكس" كشركة تشتري البضائع الإيرانية، وتبيعها في الأسواق الأوروبية، والعكس صحيح، حيث تتعامل بالعملة الأوروبية لتفادي الحظر على تبادل الدولار مع إيران. ولعل أبرز محددات الآلية المالية "إنستكس" تكمن في أنّها غير ملزمة بالدرجة الأولى، وأنّها ستبقى إلى إشعار آخر ضمن حدود الطعام والخدمات الطبية. ويشترط "إنستكس" في تفعيل بنوده، أن تلتزم إيران بأعلى المعايير فيما يتعلق بالشفافية المالية، وتطبيق شروط FATF لمكافحة غسيل الأموال. وهذه النقطة هي التي أثارت تحسساً إيرانياً واضحاً.

وأدى التلويح ببدء نظام "إنستكس" إلى موجة تفاؤل عمت الأسواق الإيرانية. لكن الأجواء المتفائلة سرعان ما تبددت في ظل اتضاح أن "إنستكس" لا يحمل جديداً في جعبته. بينما إصرار الثلاثي الأوروبي على ربط "إنستكس" بقرارات FATF نشّط الخطاب المعارض للقرارات، وعرقل مسيرة تمريرها. ومن المتوقع أن يؤدى اعتماد الأوروبيين لنظام "إنستكس" في مجمله إلى إطلاق يدهم في مطالبة إيران للتفاوض حول بعض القضايا الأخرى، مثل برنامجها التوسعي الإقليمي، وبرنامجها الصاروخي والذي من المتوقع أن يؤدي إلى صدام أوروبي-إيراني مرتقب

اقرأ أيضاً: أزمة تشكيل الحكومة العراقية تتفاقم وتهديد إيراني بقلب الطاولة

لاحقاً خلال 2019، تم توسيع الآلية الأوروبية لتسهيل التجارة بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي "إنستكس" من خلال انضمام ستة بلدان إضافية لها. ومع ذلك لا تزال هذه الآلية مُجرّد منصة تجارية بالاسم فقط. وفي غضون ذلك، زعمت هيلغا شميد، الأمين العام لخدمة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي، أنّ بعض الدول غير الأوروبية أبدت أيضاً اهتماماً بالانضمام إلى هذه الآلية وأعضائها الأوروبيين العشرة الحاليين. وإذا صحت تلك الأنباء، فإنّ ذلك سيمنح آلية "إنستكس" المزيد من النفوذ وخصوصاً إذا كانت تلك الدول تضم روسيا أو الصين أو اليابان أو الهند.

استمرار انخفاض التبادل الخارجي

أظهرت مختلف الأرقام التي نشرتها مصادر حكومية إيرانية أو مطلعة خلال 2019، إلى أنّ معدلات التبادل التجاري بين إيران وشركائها انخفضت تحت وطأة العقوبات؛ فعلى صعيد الصادرات غير النفطية أعلنت مصلحة الجمارك أنّها استقرّت عند مستوى 27 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، منخفضة نحو 3 مليارات دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي حين أشارت أرقام منظمة تنمية التجارة إلى أنّ 58 في المائة من حجم الصادرات الإيرانية توجهت إلى ثلاثة بلدان، هي الصين والعراق والإمارات، بينما استحوذت تركيا وأفغانستان على 16 في المائة من الصادرات الإيرانية. وعلى الصعيد الصيني فقد استقر التبادل التجاري بين البلدين عند 19 مليار دولار خلال الأشهر العشر الأوائل من عام 2019، كانت حصة الصادرات الإيرانية منها نحو 11 مليار دولار. وبينما أعلن مسؤولون إيرانيون أنّ حصة إيران من الواردات العراقية عند 10 مليار دولار مشكلة نحو 25 في المائة من سوق الواردات في العراق، فإنّ مصادر تجارية إيرانية أعلنت أنّ حجم التجارة بين إيران وتركيا شهد انخفاضاً بنحو 37 في المائة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

هل تمدّ روسيا يد العون إلى طهران؟

أعلنت طهران عن تلقّيها قرضاً من روسيا الاتحادية بقيمة 5 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ليطلق الباحثون العنان لتحليلاتهم بشأن إمكانية أن تمد موسكو يد العون إلى إيران لإنقاذها من مواجهة الانهيار الاقتصادي المرتقب في 2020. خاصة بعد الإعلان عن انضمام طهران للاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي الذي تهيمن عليه روسيا، وعودة الحديث عن المحاولات الروسية-الإيرانية لإنشاء نظام تبادل نقدي بديل عن نظام "سويفت" الدولي الذي يحظر البنوك الإيرانية منذ عدة أعوام سابقة. واتخذت القضية الأخيرة منحى جديداً حين أعلن مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أنّ نظام التبادل النقدي البديل الذي يربط النظام البنكي الإيراني بنظام التحويل النقدي الروسي، سيبدأ نشاطه في الأيام المقبلة، ليكون بديلًا عن نظام "سويفت"، ويدعم التبادل البنكي بين البلدين في وجه التحديات الناجمة عن العقوبات. وأعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، في أنقرة عن بدء عملية اتصال البنوك الإيرانية بالبنوك الروسية من دون الحاجة إلى نظام "سويفت".

اقرأ أيضاً: نحو طيّ صفحة الميليشيات الإيرانية
وأضاف إنّ الرئيس الروسي بوتين أعلن ترحيبه بأن تكون الآلية الجديدة قناة للتبادل البنكي بين إيران، ودول الاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي الذي قرّر خلال اجتماعه الأخير قبول عضوية إيران. لكنّ أرقام التبادل التجاري المنخفضة بين إيران وروسيا تُبين أنّ إنشاء مثل هذه الآلية البديلة عن نظام "سويفت" لن يكون مجدياً اقتصادياً حتى إذا أضيف إليها أرقام التبادل التجاري مع المنظمة الاقتصادية الأورو-آسيوية.

ماذا يعني انضمام إيران الاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي؟

أعلنت إيران في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 بأنّها ستصبح جزءاً من الاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي، في أول خطوة لانضمام النظام الإيراني إلى منظمة تعاونية إقليمية، منذ مساهمتها في إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) في عام 1985. وجاء انضمام إيران إلى هذه المنظمة، بعد عامين من المفاوضات بينها، وبين الدول الأعضاء المكونة من: كازاخستان، وقيرغيزستان، وبيلاروس، وأرمينيا، وروسيا. يهدف الاتحاد الأورو-آسيوي إلى تسهيل التجارة، وإنشاء سوق مشتركة بين الدول الأعضاء، وحذف الضريبة الجمركية، وتنسيق القوانين الجمركية، وفرض رسوم موحدة على التجارة الخارجية.

اقرأ أيضاً: التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا ليس الوحيد لكنه الأخطر
يجب ألّا يُنظَر إلى انضمام إيران إلى الاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي، بوصفه تطوراً على الصعيد الاقتصادي فحسب؛ بل يجب تفسيره في ظل الظروف التي يعيشها النظام الإيراني، والعقوبات التي يتعرض لها، وابتعاده عن المجتمع الدولي، كما في ظل سياسات روسيا في المنطقة، والتقارب الروسي الإيراني بوجه خاص. إذ تحاول إيران أن تستثمر الانضمام إلى الاتحاد الأورو-آسيوي لإيجاد ثغرة في جدار العقوبات المفروضة عليها، وذلك في إطار استراتيجية لفتح الثغرات الإقليمية في هذا الجدار عبر وضع إيران تحت المظلة الروسية، ليكون خطوة لرفع مستوى تواجد روسيا في مياه الخليج، وبحر عمان.

الأزمة البيئية تشتد في 2019

يتسبب تلوّث الهواء في المدن الإيرانية بوفاة نحو 30 ألف شخص كل عام، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام رسمية في وقت سابق من هذا العام، نقلاً عن مسؤول في وزارة الصحة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 أعلن نائب محافظ طهران، محمد تقي زاده، إغلاق المدارس في العاصمة لعدة أيام، عقب اجتماع لجنة الطوارئ المعنية بتلوث الهواء. ونقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية قوله: "أغلقت جميع مدارس محافظة (طهران)، باستثناء منطقتي فيروز كوه ودماوند". وأضاف أنّ مدارس العاصمة قد تبقى مغلقة بضعة أيام. ونقلت الوكالة عن مسؤولين قولهم إنّ المدارس أغلقت أيضاً في محافظة البرز في شمال البلاد، ومدينتي أراك وقم (وسط).

إنشاء صندوق استثماري ضخم تحت سيطرة خامنئي

كجزء من استراتيجية "المقاومة القصوى" لإيران، تم إطلاق مُبادرة جديدة بهدف تشجيع تطوير المعرفة التقنية المحليّة للتغلّب على العقوبات الأمريكية. وسيحصل صندوق الاستثمار "ستارجان" على رأس ماله الأولي البالغ 54 مليون دولار من مؤسسات خاضعة لسيطرة آية الله علي خامنئي (مثل مؤسسة عتبة الرضا المقدسة). وهناك عشر مؤسسات استثمارية في هذا المشروع الجديد، حيث سيقوم هذا الصندوق بإقراض الأموال للشركات الناشئة، وتشجيع رواد الأعمال على المخاطرة.

المعارضة الإيرانية تتأهب لخلافة النظام

عقدت فصائل المعارضة الإيرانية اجتماعين مُختلفين على مقربةٍ من بعضهما البعض في لندن في 28-29 أيلول (سبتمبر) 2019. تمخض أحدهما عن إعلان "مجلس إدارة الفترة الانتقالية". ووفقاً لما ذكر أثناء اجتماع المجلس الانتقالي، فإنّ هذه المنظّمة الجامعة ستكون بمنزلة منبر لمختلف الجماعات المعارضة الجمهورية الإسلامية للإعداد والتحضير للمرحلة التي تتلو الإطاحة بالنظام.

السيناريوهات العامة للحالة الإيرانية

من المرجّح أن تشهد إيران خلال العامين المقبلين، ظروفاً سياسية واقتصادية صعبة. وستمرّ في حالة انتقال سياسي من الرئيس روحاني إلى رئيس آخر. كما تتزايد احتمالات حدوث انتقال سياسي أكبر على مستوى القائد الأعلى، الذي يتمتع بصلاحيات دستورية تجعله كلمة الفصل الرئيسة في النظام الإيراني. وبالنظر إلى خصوصية العلاقات الإيرانية-الأمريكية فإنّ الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضاً تُعدُّ فترة مخاض وانتظار، تترك أثرها على تشكيل الملامح الرئيسة لأية عملية سياسية مُقبلة في إيران.

اقرأ أيضاً: أكراد إيران بين كمين طهران وفخ واشنطن

ومن جهة أخرى، لا بدّ من التأكيد على أنّ السياسات والتكتيكات التي يتخذها النظام في كل مرحلة للتعامل مع العالم، إنما تتشكّل بدورها تحت وطأة الظروف الداخلية في إيران. واليوم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الظروف الاقتصادية، والدولية التي يعيشها النظام الإيراني ربما تكون الأسوأ خلال العقود الماضية، وفي ظل تدنّي شعبية النظام التي أشار إليها الرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، بشكل ضمني قبل شهر، حين قال "إنّ الانتخابات المقبلة سوف تشهد انخفاض المشاركة الشعبية بشكل كبير، إلا إذا حدث ما ليس في الحسبان". وفي ظل كل ما سبق، فإنّ من المرجح أن تأتي الخطوة التي سيتخذها النظام الإيراني خلال المرحلة الانتقالية القادمة بالحجم نفسه من الأهمية، أو ربما أكثر.
إلى جانب ذلك، فإنّ المسار الطبيعي لتوسع دور الدولة العميقة، ومحاولات الحرس الثوري لبسط سطوته على مناح مختلفة من الأنظمة الاقتصادية، والأمنية، والسياسية الدولية والداخلية من ناحية، والتنافس المحتدم بين المحافظين لخلافة المرشد، وما يرافق ذلك من محاولات لتوسيع دور المؤسسات المرتبطة بمؤسسة "بيت القائد" ستترك أثرها الجوهري على طبيعة العملية السياسية خلال الفترة المقبلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية