ماذا ينتظر المصريين في 2020؟

بانوراما 2019

ماذا ينتظر المصريين في 2020؟


29/12/2019

ينتهي عام 2019 مسدلاً الستار على العديد من الأحداث التي مرّت على المصريين، الجيد منها وغير الجيد، لكنّ أبرز أحداث الساحة المصرية تدور حول حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفني، ويمكن القول إنّ المصريين في حاجة لخطة إنقاذ شاملة، تحول دون تفسّخ تام للمجتمع المصري.
حفل العام الذي أوشك على الانتهاء بالعديد من القرارات الاقتصادية التي أثقلت كواهل الطبقات الأكثر تدنياً؛ إذ إنّ رفع الدعم عن الطاقة والمحروقات كان أبرز الأحداث الاقتصادية الذي ترتّب عليه رفع جميع أسعار السلع الأساسية من الغذاء والدواء والملبس والمسكن.

باحثة مصرية: على الدولة أن تعود لا في صورة راعٍ أبوي، بل أن تكون حامياً وظهيراً اجتماعياً واقتصادياً  للمهمشين

بالتوازي مع تلك الأحداث جاء قرار رئيس الجمهورية بتحديد الحدّ الأدنى للأجور، لكنّ التساؤل الذي طرحناه على المختصين هو: هل تفعيل الحدّ الأدنى للدخل يضاهي مستوى غلاء المعيشة الذي يعيشه المصريون؟
تقول أستاذة الاقتصاد السياسي، بالجامعة الأمريكية، الدكتورة أمينة كامل، لـ "حفريات": "لا ننكر أنّ قرار تفعيل الحدّ الأدنى للأجور هي خطوة جيدة، لسدّ الفجوة التي استشعرها كلّ مواطن، خاصّة بعد قرار تعويم العملة عام 2016، لكن بالنظر إلى ما تقدمه الحكومة من تقارير رسمية، فإنّ نسبة الفقر في مصر، وصلت لأعلى مستوياتها في العقود الأخيرة، وعليه فيجب أن ينتبه واضعو السياسيات ومطبقوها، إلى أنّ الحدّ الأدنى لن يكفي أبداً ليندمل جرح الطبقة الوسطى، فما بالنا بالطبقات الفقيرة والأكثر تضرراً؟".

هل تفعيل الحدّ الأدنى للدخل يضاهي مستوى غلاء المعيشة الذي يعيشه المصريون؟

وأردفت: "بوسعنا القول إنّه مهما زاد الحدّ الأدنى للأجور، في ظلّ مجتمع استهلاكي، غير إنتاجي، أبسط مقومات حياته اليومية يستهلكها من الخارج، فسيظلّ المواطن يشعر بالضيق في ظلّ غلاء أسعار وتنافسية عالمية، خرج المصريون من سباقها منذ عقود مضت؛ إذ أصبح الاقتصاد ريعياً وليس إنتاجياً، وإن لم يتغير هذا النمط سنظلّ في الدائرة المغلقة، وسيضيق الخناق أكثر على الطبقات الوسطى والأقل منها، وأعتقد أنّ المصريين في انتظار جني ثمار معدلات التنمية التي يستمعون إليها في الأخبار، وقوانين عادلة، توفر الحدّ الأدنى من احتياجات جميع المواطنين على حدة، وعلى الدولة أن تبدي تحيّزاً للفئات الأكثر احتياجاً؛ لأّنّ هذا التحيّز سيتيح لها ظهيراً اجتماعياً وسياسياً وسط الطبقات المهمشة".

اقرأ أيضاً: فزاعة الفتنة الطائفية في مصر: أزمة تنوّع ديني أم استخدام سياسي؟
إضافة إلى ما قالته الدكتورة أمينة كامل؛ ورغم كلّ ما يعانيه المواطن العادي من ظروف معيشية صعبة، فإنّه وفق مجلة "الإيكونوميست"؛ أفادت الوقائع بنمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.5% خلال عام 2019. ووفق بيانات مجلس الوزراء، في تشرين الأول (أكتوبر)، فإنّ معدّل النمو وصل إلى 5.6% وما يزال المواطن لا يستشعر بالتغيير الإيجابي.

نحو المزيد من الإنتاجية
تعتمد الدولة المصرية بشكل أساسي على الواردات، خاصّة أنّ ما يقارب نصف استهلاكها من القمح الذي يعتمد عليه المصريون بشكل أساسي، يتم استيراده من خارج البلاد، لكن في عام 2019، بدأت الصادرات المصرية خاصة من المشتقات البترولية في التزايد، ومع ذلك فإنّ المواطن ما يزال يستشعر الضيق في أبسط مقومات حياته من الملبس والمسكن والغذاء. وبسؤال أستاذة الاقتصاد بجامعة الأزهر، الدكتورة محيّا زيتون، عن أسباب عدم استشعار المواطن المصري بالتحسن، وهل يمكن أن يشعر رجل الشارع بتحسّن في عام 2020، أبلغت "حفريات": "ما من تحسن سيشعر به المصري العادي، إذا لم نصلح الهيكل الاقتصادي القائم على الريعية، ليتحوّل إلى اقتصاد إنتاجي، فالصين، ورغم بعض العوار الذي يشوب تجربتها، إلّا أنّها استطاعت، وفي غضون سنوات قليلة، انتشال ملايين الفقراء، وترقيتهم اجتماعياً، وليس ذلك لشيء إلّا لأنّ النمط الإنتاجي يعمل بكامل قوته، والعديد من البلدان النامية التي نهض اقتصادها، قام على الإنتاج لا على الريع، ولنا في تجربة عبد الناصر خير مثال، رغم كلّ ما بها من أخطاء، إلّا أنّ قوامها كان الإنتاج، هذا الهيكل الإنتاجي تدمر كلية بعد قرارات الانفتاح والدخول في جعبة صندوق النقد الدولي وبرامجه التقشفية، التي أنهكت جيوب المصريين".

تزايد الازدواجية الاقتصادية ليس إلّا إنذاراً باضطرابات اجتماعية تدفع ثمنها أجهزة الدولة أضعافاً مضاعفة

وتسترسل: "لطالما انتظر المصريون ثمار صبرهم الذي لا ينتهي، منذ نهاية حرب 1973، ولا يأتي هذا الوقت، بل يأتي مزيد من الإفقار والتهميش، وطالما أنّنا نتغافل عن إصلاح منظومة التعليم فلا يمكن لدولة أن تنهض بلا منظومة تعليم قائمة على النقد والإبداع لا على التلقين والزيف، ولا نقول إننا بمنأى عن عالم انخرط تماماً في منظومة النيوليبرالية التي جعلت الدولة كياناً افتراضياً بالنسبة إلى المواطن، لكنّ الأمر في مصر متفاقم بشكل كبير، فلا يمكننا أن نطبق النيواليبرالية دون مراعاة الطبقات الأكثر احتياجاً، ودون تطبيق نظام ضرائب تصاعدي، فالأمر في مصر يصل حدّ انعدام المساواة، فربما يدفع الموظف محدود الدخل ضرائب تفوق قيمة ما يدفعه رجل الأعمال مقارنة براتبه، وفي رأيي أنّ ما ينتظره المصريون في عام جديد، ليس أكثر من تفضيل الطبقات الأقلّ احتياجاً؛ لأنّ تزايد الازدواجية الاقتصادية ليس إلّا إنذاراً باضطرابات اجتماعية تدفع ثمنها أجهزة الدولة أضعافاً مضاعفة، بل أكثر مما ستدفعه في منظومة رعاية اجتماعية شاملة، وإصلاح منظومة تعليمية أكل عليها الدهر وشرب".
التفسّخ المجتمعي
وسائل التواصل الاجتماعي، وبكلّ ما تحمله من أضرار نفسية واجتماعية، بحسب ما تخبر به أحدث التقارير العلمية بهذا الصدد، تبقى لها جوانب إيجابية، أهمّها تسليط الضوء على الأمور التي ربما لم نكن نلقي لها بالاً من قبل، وأهمّها في مصر الجرائم الاجتماعية، التي لم نكن نلتفت لها بهذا الشكل، كالعنصرية والتحرش وقضايا العنف الأسري والزوجي، التي تعجّ بها البيوت المصرية، في هذا الصدد تواصلت "حفريات" مع الكاتب الصحفي والباحث، ورئيس تحرير قناة "القاهرة والناس"، الدكتور ياسر ثابت، الذي أخبرنا بأنه "لا يمكننا أن ندفن رؤوسنا في الرمال، وننكر أمراضنا الاجتماعية والثقافية التي باتت تهدّد حتى الطبيعة والأجيال القادمة، فنحن في طريق تردٍّ ثقافي فكري اجتماعي منذ عقود، هذا التردي، نال قلب الأسرة المصرية التي تفسّخت قيمها، وبات قبول الآخر فيها منعدماً وعليها فلن يتقبل المجتمع بعضه، وسيصبح كلّ غريب ومختلف شيئاً مقيتاً يجب أن نقتله قبل أن ينتشر، مثلما كانت أوروبا في العصور المظلمة؛ فالتنوّع والاختلاف والتصالح مع التعددية هو طريق أيّ مجتمع للنهوض من كبوته".

اقرأ أيضاً: هل صاغت ثورة يناير نظرة جديدة للقضايا الجنسية في مصر؟

المصريون ليسوا في حاجة إلى إصلاحات سطحية فهي ستعمّق الجرح وربما تأتي بنتائج عكسية

وأضاف: "من التعليم نبدأ مع الأجيال الصغيرة؛ يجب أن تتعلم احترام الآخر، واحترام القانون الذي ينصف الجميع وينحاز للضعيف، ولعلّ ما نشهده من جرائم عنف أسري وزوجي أكبر شاهد على أنّ النواة الرئيسية للمجتمع المصري، قد نال منها الفساد، وأرى أنّ تلك المنظومة لن ينصلح اعوجاجها إلّا بقوانين تنصف جميع أفراد الأسرة؛ فالأب والأم والابن والابنة في تساوٍ تام أمام بعضهم وأمام القانون، وعلينا البدء الفوري بتشريع قوانين جديدة، وعقد اجتماعي بين المواطن والدولة، وبين الأفراد وبعضهم، بعد أن عشنا عقوداً في ظلّ قوانين أشبه بقوانين القرون الوسطى، وإلّا سيستمر نزيف الأسرة المصرية، الذي يتجسد في صور الضرب والإهانة، والاستغلال المادي والمعنوي، والاغتصاب الزوجي، وضرب الأبناء، وعدد ولا حرج".
لا للخلاص الفردي
أمّا الكاتبة والباحثة وأستاذ السيناريو بمعهد السينما، الدكتورة سناء هاشم، فقالت لـ "حفريات": "منذ السبعينيات والمجتمع المصري يعيش حالة من النزيف، جعلته يتوق إلى الخلاص الفردي، بعد أن خلقت الدولة طبقة من المهمشين والمستضعفين خارج إطار القانون، من بين هؤلاء المهمّشين جاء التطرف والإرهاب، وتجارة المخدرات، وكلّ ما نتجرع اليوم مرارته، فالمصريون اليوم يعانون الخوف من المجهول؛ إذ ورثوه من نظام رأسمالي استعماري، لا يبالي بالفرد كما يدّعي، ولا يلقي اهتماماً للمجتمع، وطالما أنّ الإنسان أسير الخوف فلا تنتظر منه أن يقدم شيئاً للمجتع، ناهيك عن الأمراض التي يعانيها أكثر من نصف الشعب المصري من الكبد والكُلى، وهي أكثر أمراض تعيق الإنسان عن العمل والإنتاج، وتتركه جثة هامدة، حتى وإن كان في غضّ الشباب".

تعتمد مصر بشكل أساسي على الواردات، خاصّة أنّ ما يقارب نصف استهلاكها من القمح يتم استيراده من الخارج

وتعتقد هاشم أنّ المصريين "ليسوا في حاجة إلى إصلاحات سطحية؛ فهي ستعمّق الجرح وربما تأتي بنتائج عكسية، لكنّهم في حاجة إلى انقلاب جذري على جميع الأصعدة؛ إذ ترتبط جميعها ببعض، ولن نستطيع أن نصلح التعليم لأطفال معلولة الجسد، ولا أن نصلح هيكلاً إدارياً لعاملين محطمين نفسياً واجتماعياً، ولا أن نصلح الفنّ والثقافة لمجتمع قد تلوثت ذائقته بكلّ ما تلقوه عبر عقود من فنّ هابط لمجرد تفريغ كبتهم النفسيّ، لكن هناك أمل معقود على الثقافة الجماهيرية أن تعود من جديد، وتجمع تحت مظلتها المصري في الصعيد والدلتا والصحراء، ثقافة تروج وتبشر بمجتمع جديد، يمتلك المفكرّون والمبدعون والعمال والفلاحون والفنانون، وأن تعود الدولة لا في صورة راعٍ أبوي، بل أن تكون حامياً وظهيراً اجتماعياً واقتصادياً  للمستضعفين والمهمشين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية