هل يُخرج قانون انتخاب عصري جديد الأردن من عنق الزجاجة في 2020؟

بانوراما 2019

هل يُخرج قانون انتخاب عصري جديد الأردن من عنق الزجاجة في 2020؟


31/12/2019

تشكّل المطالبة بصياغة قانون انتخابات لمجلس النواب الأردني، يوصف بأنّه عصري يستجيب للمتغيرات التي شهدها المجتمع الأردني، ويعزّز المسار الديمقراطي باعتبار الانتخابات إحدى ركائز المعايير والنظم الديمقراطية العالمية، وبما يعكس تطورات الحياة السياسية منذ استئناف المسيرة الديمقراطية، عام 1989، وما تلاها من قرارات أسهمت في تقنين الحياة الحزبية، أحد أبرز القضايا المطروحة، التي تشكّل قاسماً مشتركاً بين المؤسسات والهيئات الشعبية المكونة لما يعرف بالمجتمع المدني، بما فيها الأحزاب السياسية.

اقرأ أيضاً: السلفية في الأردن: الإسلام السياسي في مجتمع هادئ

ولعلّ ما جعل موضوع المطالبة بقانون انتخاب ديمقراطي وعصري، يرتبط بكون غالبية الانتخابات، التي جرت منذ عام 1989، تمّت في ظلّ قوانين انتخابات "مؤقتة" غلب عليها "التجريب" ما بين قانون الصوت الواحد، رغم المآخذ الواسعة عليه والانتقادات التي وجهتها الأحزاب والقوى السياسية، أو المختلط بين المحافظة والقائمة الوطنية، التي لم تحدث تغييراً حقيقياً في بنية ومكونات المجالس النيابية المتعاقبة.

 

 

  مفهوم القانون العصري

إنّ مفردة "قانون انتخاب عصري" تشكّل قاسماً مشتركاً بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، من أحزاب وقوى نقابية وعمالية، لكن دلالات هذه المفردة ترتبط بمرجعيات الطرفين؛ فالدولة ترى في انتخابات نزيهة، خاصة بعد عمليات التزوير الواسعة التي تمّ التحقيق فيها من قبل جهات مستقلة، وتحقّق أعلى نسبة مشاركة، في ظلّ عزوف واسع عن المشاركة، ومقاطعة الانتخابات في بعض الدورات الانتخابية، وأن تكون أكثر تمثيلاً لمختلف المكونات الأردنية، وتأخذ بعين الاعتبار معادلة الجغرافيا والكثافة السكانية، مع الحفاظ على حقوق الأقليات؛ الشركس والشيشان والمسيحيين، إضافة إلى المرأة، ثوابت في القرار المرجعي لأيّ قانون انتخابي.

المطالبة بقانون انتخاب عصري ترتبط بكون غالبية الانتخابات التي جرت منذ 1989 تمّت في ظلّ قوانين غلب عليها "التجريب"

ومن جانبها، تطرح القوى السياسية المعارضة ضرورة أن يتضمّن أيّ قانون انتخابي جديد: عدالة في توزيع المقاعد تـأخذ بعين الاعتبار الثقل السكاني على حساب الجغرافيا، وربط حجم المقاعد بعدد الناخبين، والتوسع في الدوائر الانتخابية ليصبح الأردن دائرة انتخابية واحدة، وأن يتمّ تقليل عدد مقاعد المجلس النيابي، وأن تشمل الانتخابات أعضاء مجلس الأعيان، الذين يتمّ اختيارهم بالتعيين من الملك، إضافة لإجراءات مرتبطة بإدارة العملية الانتخابية، من حيث نزاهتها والإشراف الكامل عليها من قبل القضاء، وليس من قبل وزارة الداخلية، وصولاً لمرحلة الحكومات البرلمانية، على غرار الديمقراطيات الغربية، كي تشكّل الكتلة الأكبر الفائزة بالانتخابات الحكومة.

 

 

سيناريو قانون انتخاب جديد

باستثناء الإشارة التي وردت على لسان العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه طلبة الجامعة الأردنية في أوائل عام 2019، والتي ألمح فيها إلى ضرورة تخفيض عدد أعضاء المجلس النيابي إلى 80 مقعداً، وأمله في أن تتشكّل كتل حزبية برلمانية للشروع في تشكيل حكومات برلمانية، إضافة إلى ما ورد من أفكار وطروحات لبعض الأحزاب؛ فإنّ مقاربة قانون انتخاب عصري للانتخابات المقبلة ما تزال مطروحة، ويتمّ تداولها في أطر نخبوية، دون أن تشكّل موضع مطالبة شعبية، رغم القناعات الواسعة بضعف وهزالة المجالس النيابية المنتخبة، وفق القوانين الانتخابية، بما فيها القانون الذي جرت على أساسه الانتخابات الأخيرة، والذي أظهر، وفق استطلاعات شعبية، مكونات لا تمثل الرأي العام الحقيقي، في ظلّ قيم العشائرية والمال السياسي، ودخول التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وتحوّل المجلس النيابي إلى حليف للحكومات، يصادق على قراراتها وتوجهاتها، خاصة الاقتصادية.

مقاربة قانون انتخاب عصري ما تزال مطروحة ويتمّ تداولها في أطر نخبوية دون أن تشكّل موضع مطالبة شعبية

يتردّد، وعلى نطاق واسع، في أوساط نخبوية اليوم، مع انعقاد الدورة الأخيرة للمجلس النيابي الحالي، الذي يفترض أن يكمل مدته الدستورية في أيار (مايو) عام 2020؛ أنّ تعديلات ستجري على قانون الانتخاب، لكنّها لن تكون عميقة، ولن تطال روح القانون، وستقتصر على عدد المقاعد النيابية التي يتوقع أن تكون وفق التعديلات بحدود 90 مقعداً، ويبدو أنّ تخفيض عدد المقاعد سيكون على حساب المناطق التي منحت مقاعد على أساس الجغرافيا، ولن تطال تلك التخفيضات عدد مقاعد الأقليات والمرأة، وربما ترسل إشارات بأنّها لصالح كتل سكانية على حساب كتل أخرى، لطالما طالبت بإعادة توزيع المقاعد النيابية على أساس الثقل السكاني لا الجغرافي، كما ستشمل إعادة مدة رئاسة المجلس لعام، بدلاً من عامين، كما حدث في التعديلات الأخيرة.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى.. إسرائيلي يُحاكم في الأردن.. هل اعترف بذنبه؟‎

وقد بدأت قوى سياسية معارضة بإرسال تحذيرات من التعديلات الجديدة على قانون الانتخاب بأنّها تستجيب لحلول إقليمية مطروحة، من بينها ما يسمى "صفقة القرن"، وبما يشمل توطين الفلسطينيين في الأردن، وإجراء تلك التعديلات لصالحهم، وبما يظهر عدالة أكثر وتوازناً أعمق في توزيع المقاعد النيابية، خاصّة أنّ المطالبة باعتماد الثقل السكاني معياراً في توزيع المقاعد يشكل مطالبة دائمة من قوى دولية، بما فيها المؤسسات الدولية الحقوقية، ولها ارتباط مباشر باشتراطات دولية لتقديم مساعدات مالية للأردن وتبنّي برامج تنموية، في ظلّ أزمة اقتصادية متفاقمة، زادت من تداعياتها التطورات التي شهدها الإقليم، سواء بالأزمة العراقية، أو بالأزمة السورية لاحقاً، واستقبال الأردن لأكثر من مليون لاجئ سوري.

 

 

بين الإصلاح السياسي والاقتصادي

إنّ مقاربة طرح قانون انتخابات عصري للانتخابات النيابية تعدّ أحد أبرز معايير الإصلاح السياسي، الذي يشكّل أحد عناوين ومفاهيم الإصلاح بين ثنائية الإصلاح السياسي أو الإصلاح الاقتصادي، وهي مسألة تخضع في الأردن لحوارات بين النخب، وخضعت لتجريب في تقديم أولوية السياسي على الاقتصادي في أحيان كثيرة من قبل الحكومات المتعاقبة، ارتبطت بعدم القدرة على تقديم حلول اقتصادية لكثير من المشاكل المستعصية والمزمنة، فتذهب لفتح ملفات الإصلاح السياسي التي تفتح شهية القوى السياسية؛ حيث تبدأ بعقد الندوات والمنتديات وورش العمل المدعومة من منظمات دولية، لكن سرعان ما يثبت أنّها كانت مجرد حوارات، والأهمّ أنّها غالباً ما تبرز خلافات وتناقضات القوى السياسية والنخب التي تريد مخرجات إصلاح سياسي يضمن لها استمرار مكاسبها أو زيادتها، سواء في إطار المطالب بتعديلات دستورية أو على قانون الأحزاب، أو قانون الانتخابات النيابية.

أزمة الأردن اقتصادية بامتياز وقد تمكّن من الخروج من ربيعه الخاص بأقلّ الخسائر وباستجابة أكثر لتعزيز الديمقراطية

الأردن اليوم، مثل الدول الأخرى، يعيش تفاصيل حقبة ما بعد الربيع العربي الذي انطلق عام 2011، وتمكّن من الخروج من ربيعه الخاص بأقلّ الخسائر، وباستجابة أكثر لتعزيز الديمقراطية، وقد أبرزت العديد من المحطات في موجة "الربيع" الثانية حقيقة أنّ أزمة الأردن اقتصادية بامتياز، ولم تسعف مقولات الضغوطات الإقليمية والدولية على الأردن لانتزاع مواقف سياسية منه تتعلق بالقضايا العربية، ومن بينها القضية الفلسطينية، وتقديم تنازلات، إعفاء الحكومات الأردنية من تحمّل تداعيات الأزمة الاقتصادية، التي أنتجت قراراتها حراكاً شعبياً مطلبياً أردنياً جديداً، نجح في الإطاحة بحكومة الدكتور هاني الملقي، في حزيران (يونيو) عام 2018، وتكرّر المشهد نفسه لكن بصورة وأدوات مختلفة، عام 2019، بإضراب معلمي وزارة التربية والتعليم ونجاح نقابتهم بانتزاع مطالبهم، خاصة ما يتعلق بزيادة الأجور والرواتب، بالتزامن مع حراكات أخرى ينفذها عمال ومهنيون ومتقاعدون.

اقرأ أيضاً: هل ينجح توجّه السلطة الفلسطينية إلى الأردن في الانفصال الاقتصادي عن إسرائيل؟

إنّ الحراكات المطلبية التي أطلقها المعلمون، إضافة إلى استطلاعات رأي عام موثوق بها، وما يتمّ تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكّدت، وفق كثير من المراقبين والمتابعين، حقيقة موت الأيديولوجيا، ليس في الأردن فقط، بل في كلّ دول العالم، والقضايا المطلبية من خدمات ورواتب وضرائب وتحسين الخدمات التعليمية والصحية والمواصلات، كلّها أصبحت فوق الأيديولوجيات، وهو ما يفسّر التراجعات الحادة للإسلام السياسي، واستمرار خطابه القديم، وبروز حركات ارتدادية حتى من قواعد الإسلام السياسي وغيره من أحزاب أيديولوجية.

اقرأ أيضاً: عودة الإرهابيين من سوريا.. كيف سيتعامل الأردن مع هذا الملف؟

لقد أصبحنا أمام حراكات جماهيرية، جوهرها شباب غاضب، لا رأس لها، ولا يحركها إلا أوضاع اقتصادية متردية، وعدم قدرة الحكومات، في ظلّ نظم اقتصادية بالية وتحالفات طبقية حاكمة، واستشراء للفساد وعدم معالجته، والاعتماد على بيع مؤسسات القطاع العام وفرض المزيد من الضرائب، مما زاد البطالة ووسّع جيوب الفقر، وهو ما تعيشه عواصم عربية اليوم؛ في بغداد وبيروت والجزائر والخرطوم.

 

 

مخرج الأزمات اقتصادي أولاً

على أهمية تعديل التشريعات السياسية؛ كالدستور وقوانين الانتخاب والقضاء، في تنمية الحياة السياسية في أية دولة، وبما يحقق المزيد من مظاهر العدالة والمساواة، وإمكانية انعكاس تلك التعديلات على جوانب الحياة الاقتصادية، خاصة إذا شملت تلك التعديلات تخفيضات على الضرائب، وتشجيع الاستثمار وتعزيز التنمية الشاملة، بما يخفف على المواطنين أعباء الحياة اليومية، إلا أنّ إجراء أيّة تعديلات على قانون الانتخاب لمجلس النواب، ما لم تكن مقرونة بإجراء إصلاحات اقتصادية واسعة وعميقة، لن تنهي الأزمة القائمة في الأردن، وإن كانت ستخفف من حدّتها وتداعياتها، خاصّة أنّ تلك التعديلات ستكون محدودة جداً، ولن تتناول روح القانون، كما أنّ تلك التعديلات ستكون موضع اهتمام نخب سياسية، وأعضاء في مجلس النواب الحالي والمجالس السابقة، متهمة من قبل الشارع بأنّها متورطة بالتعاون مع الحكومات في تمرير القرارات والإجراءات الاقتصادية، وأنّها، شأنها شأن الحكومات، معنيّة بالحفاظ على مكاسبها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية